• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أصحاب الكتب الأربعة وأخذهم عن الأُصول الأربعمائة

وأمّا جامعو تلك الروايات ومدوّنوها فهم أيضاً من الجلالة بمكان فقد ذكرَ محمَّد بن يعقوب الكليني ـ صاحبَ الكافي ـ غالب أصحاب التراجم كابن ماكولا(1)، وابن الأثير(2)، والصفدىّ(3)، وابن حجر(4)، وغيرهم من المحدثين واللغويين كالفيروزآبادي(5) والزبيدي(6) و... في كتبهم.
وأكَّد الأستاذ ثامر العميدىّ عدم وجود جرح واحد من الأعلام في الكلينىّ بقوله:
لم أقف على عالم من علماء الرجال من أهل السنّة قد مسّ الكلينىّ بجرح قطّ لا مُفَسَّراً ولا غير مُفَسَّر; أقول: لم يتعرّض أحدهم إليه بسوء قطّ مع ما عرفت عنهم ـ مع الأسف ـ من تجريح رجال الشيعة لمجرّد تشيّعهم، وهذه حقيقة لا ينكرها أحد من الباحثين، وهذا يدلّ على اتّفاقهم على أن لثقة الإسلام الكلينىّ مكانة بين علماء الإسلام لا يمسّها أحد بسوء إلاّ كذب وافتضح أمره بين العلماء(7).
بل عدّه ابن الأثير من مجدّدي الإماميّة على رأس المائة الثالثة(8).
أمّا محمّد بن علىّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّيّ ـ صاحب كتاب من لا يحضره الفقيه ـ فهو صاحب التصانيف الكثيرة، يضرب بحفظه المثل(9)، وهو من أُسرة علميّة جليلة القدر في الفضل، قال ابن أبي طىّ عن بيتهم: بيت العلم والجلالة(10)، كان أبوه من كبار علماء الشيعة ومصنّفيهم(11). جليل القدر، حافظ للأحاديث بصير بالرجال، ناقد للأخبار، لم ير في القمّيّين مثله في حفظه وكثرة علمه له نحو من ثلاثمائة مصنّف(12)، وهو الذي أمات فتنة الحسين بن منصور الحلاّج بقم(13)، سمع منه شيوخ الطائفة وهو حَدَث السن(14)، وروى عنه جمع منهم الشيخ المفيد.
والشيخ المفيد هو تلميذ الصدوق وأُستاذ الطوسىّ، (لقِّب بابن المعلِّم، صاحب التصانيف البديعة، وهي مائتا مصنَّف)(15)، (إليه انتهت رئاسة متكلمي الشيعة، مقدم في صناعة الكلام على مذهب أصحابه، دقيق الفطنة، ماضي الخاطر)(16)، (وكان لابن المعلِّم مجلس نظر بداره بدرب رياح يحضره كافّة العلماء)(17)، (ويناظر أهل كلّ عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهيّة)(18).
(كان صاحب فنون وبحوث وكلام، واعتزال، وأدب، ذكره ابن أبي طىّ في ـ تاريخ الإماميّة ـ فأطنب وأسهب، وقال: كان أوحد [دهره] في جميع فنون العلم: الأصلين، والفقه، والأخبار، ومعرفة الرجال، والتفسير، والنحو، والشعر، وكان قوىّ النفس، كثير البرّ، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، يلبس الخشن من الثياب...)(19).
أمّا الشيخ محمّد بن الحسن الطوسىّ فهو شيخ الطائفة في زمانه صاحب التصانيف، له كتابين عُدَّا من الكتب الأربعة عند الشيعة الإماميّة.
1 ـ تهذيب الأحكام.    
2 ـ الاستبصار فيما اختلف من الأخبار.
(أخذ الكلام وأُصول القوم عن الشيخ المفيد رأس الإماميّة، ولزمه وبرع، وعمل التفسير، وأملى أحاديث ونوادر في مجلّدين، عامّتها عن شيخه المفيد)(20).
وعدّ السبكىّ(21) والسيوطىّ(22) والكاتب الچلبىّ في كشف الظنون(23) الشيخ الطوسىّ من الشافعيّة وكأنّ الأمر قد التبس عليهم من خلال عرضه لأقوال أهل السنّة والجماعة في الفقه والتفسير.
قال الشيخ محمّد أبو زهرة ـ في كتابه الإمام الصادق ـ عن الشيخ الطوسىّ: كان عالماً على المنهاجين الإمامىّ والسنّيّ.
وقال الأستاذ عبد الحليم الجندىّ: الطوسىّ حجّة في المذهب الإمامىّ وفي مذاهب أهل السنّة(24).
كان هذا مجمل الحديث عن حياة أصحاب الكتب الأربعة، وتراهم ينقلون مرويّاتهم عن الأصول الأربعمائة، وأصحاب الأصول الأربعمائة قد دوّنوا أُصولهم عن أئمّة أهل البيت، والأئمّة نقلوا الأخبار عن كتاب علىّ وكتاب علىّ هو إملاء رسول الله وخط علىّ.
إذاً نهج التدوين والتحديث مترابط عند الشيعة لا خدشة فيه، وهذا ما يؤكّد أصالته.
وممّا يجب الإشارة إليه هو:
أنّ الأصول الأربعمائة لم تكن جامعة لكلّ ما تحدّث به الأئمّة في الفقه وغيره من المواضيع المختلفة، بل بقي قسم منها في صدور الحفّاظ من الرواة لأحاديث أهل البيت، كما أنّ الكتب الأربعة التي ألّفها المحمّدون الثلاثة لم تستوعب جميع الأحاديث التي رواها أصحاب الأئمّة ولم يدوّنوا منها إلاّ ما صحّ عندهم من أحاديث الأصول وغيرها. ولم يثبت أنّهم توصّلوا إلى جميع الأصول الأربعمائة.
قال السيّد الأمين في أعيانه: إنّ الأصول الأربعمائة قد بقي بعضها إلى العصور المتأخّرة في خزائن الكتب عند علماء الشيعة كالحرّ العاملىّ والمجلسىّ ومير لوحي المعاصر للمجلسي والميرزا حسين النورىّ وغيرهم، وتلف أكثرها ولكنّ مضامينها محفوظة في مجاميع كتب الحديث لأنّ علماءنا من أوائل المائة الرابعة إلى النصف الأوّل من القرن الخامس قد أخذوا كتبهم منها ومن غيرها ممّا جمع فيها(25).
وأنقل هنا كلام الأستاذ عبد الحليم في كتابه الإمام جعفر الصادق، وهو في معرض كلامه عن التدوين:
... لكنّ عليّاً دوّن وخلّف في شيعته طريقة التدوين، فلقد كان على ثقة من طريقته، وهو الذي يقول فيه الرسول (علىّ مع القرآن والقرآن مع علىّ ولن يفترقا حتّى يردا عَلَيَّ الحوض) إلى أن يقول:
وبالتدوين الفقهىّ استقرّ المذهب في صدور الحفظة والنقلة، ممّن يملي إلى بنيه، فبنيهم، وبخاصّة زين العابدين، وزيد والباقر والصادق، ثمّ عملت مجالس الإمام الصادق في نشره كمثل عمل التدوين في استقراره، وأدرك الأئمّة الذين تتلمذوا له وتلاميذهم أُموراً ترفع مجلس الصادق فوق المجالس، سواء مجالس أهل السنّة أو أهل البيت، ثمّ عدّوا أشياءً في ذلك(26).
وكان الأستاذ قد قال قبل ذلك: إنّ التلمذة للإِمام الصادق قد سربلت بالمجد فقهَ المذاهب الأربعة لأهل السنّة، أمّا الإمام الصادق فمجدُهُ لا يقبل الزيادة ولا النقصان; فالإمام مبلِّغ للناس كافَّة علم جدِّه عليه الصلاة والسلام، والإمامة مرتبةٌ، وتلمذة أئمّة السنّة له تشوُّقٌ منهم لمقاربة صاحب المرتبة(27).
وقال في مكان آخر: إنّما كان مالك يجد ريح الرسول في مجلس ابن بنته، ويحسّ، أو يكاد يلمس، شيئاً مادّيّاً يتسلسل من الجدّ لحفيده، أو أشياء غير مادّيّة تملك اللبّ والعقل، فالرؤية متعة والسماع نعمة، والجوار ـ مجرد الجوار ـ تأديب وتربيب، وفي كلّ أُولئك طرائق قاصدة إلى الجنّة. وصاحب المجلس طهر كلّه، لا يتحدّث عن جدّه إلاّ على الطهارة...(28)
وفي مكان آخر قال: في هذا المجلس تتلمذ للإمام جعفر وروى عنه ـ كما يقول أرباب الإحصاءات ـ أربعة آلاف من الرواة وكتب عنه أربعمائة كاتب كلّهم يقول: قال جعفر بن محمّد.
فأىّ مجلس كان ذلك المجلس! تتراءى فيه أشياء من رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، بعضها مادّيّ يجري في أصلاب رجل بعد رجل، وبعضه معنوىّ يتراءى في معانيه وفحوى مقولاته، لكلّ هؤلاء.
ليس بالمجلس لجاجة ولا حجاج عقيم، يقول للتلاميذ: من عرف شيئاً قلّ كلامه فيه، وإنّما سمّي البليغ بليغاً لأنّه يبلغ حاجته بأدنى سعيه...(29)
وبهذا أختم الحديث عن مكانة المجاميع الحديثيّة عند الشيعة الإماميّة ونظراتهم لها، فهم لا ينظرون إلى الكتب الأربعة أنّها منزلة أو كالمنزلة من عند الله سبحانه، أو أنّ مَن روى عنه الكلينىّ أو الطوسىّ أو الصدوق فقد جاوز القنطرة، ولا يرون كلّ ما فيها صحيحاً، فمرويّات الكتب الأربعة كغيرها تخضع لأصول الجرح والتعديل والنقد والاستدلال ولم تُحَطْ بهالة التضخيم كما أُحيطت بذلك الصحاح عند العامّة.
فالحديث إذا لم يكن جامعاً للشرائط المعتبرة لا قيمة له وإن ذكره مشايخ المحدّثين كالكلينىّ أو الطوسىّ، بل يلزم أن يقترن بما يؤكّد صدروه عن المعصوم بقرائن حاليّة أو مقاليّة ممّا يوجب الوثوق به، كوجوده في كثير من الأصول الأربعمائة أو على أقلّ تقدير في أصل أو أصلين منها، بأسانيد متعدّدة معتبرة، أو وجوده في أحد الكتب المعروضة على الأئمّة ككتاب عبيد الله الحلبىّ الذي عرضه على الإمام الصادق فقال فيه: ليس لهؤلاء مثله(30).
وكتابَي يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان اللذين عُرِضا على الإمام الحسن العسكرىّ(31).
أو وجوده في الأصول المعتمدة عند السلف المعاصرين للأئمّة ككتاب الصلاة لحريز بن عبد الله، وكتب ابن سعيد وعلىّ بن مهزيار وغيرها، حتّى وإن كانت من كتب غير الإماميّة ككتاب جعفر بن غياث القاضي وكتب الحسين بن عبد الله السعدىّ وكتاب القبلة لعلىّ بن الحسن الطاطرىّ(32).
**************************
1- الإكمال 4: 575.
2- الكامل 7: 150.
3- الوافي بالوفيّات 5: 226.
4- لسان الميزان 5: 265، ت 1107.
5- القاموس المحيط 4: 363.
6- تاج العروس 9: 322.
7- دفاع عن الكافي 1: 38.
8- جامع الأصول 12: 220.
9- سير أعلام النبلاء 16: 303.
10- لسان الميزان 2: 2.
11- سير أعلام النبلاء 16: 304، ت 212.
12- الفهرست، للطوسىّ: 237، ت 710.
13- انظر مقدّمة المقنع والهداية: 22.
14- رجال النجاشىّ: 389.
15- لسان الميزان 5: 368.
16- الفهرست لابن النديم: 252.
17- المنتظم 8: 11.
18- مرآة الجنان لليافعىّ 3: 28، وشذرات الذهب 2: 200.
19- سير أعلام النبلاء 17: 344.
20- سير أعلام النبلاء 18: 334.
21- طبقات الشافعيّة 4: 126.
22- طبقات المفسّرين: 93.
23- كشف الظنون 1: 452.
24- الإمام جعفر الصادق: 258.
25- قال الشيخ النوري في المستدرك 1: 32، وكان عند ميرلوحي المعاصر للمجلسين الساكن معه في أصبهان ـ كتب نفيسة جليلة ككتاب الرجعة للفضل بن شاذان والفرج الكبير في الغيبة لأبي عبد الله محمد بن هبة الله بن جعفر الوراق الطرابلسي، وكتاب الغيبة للحسن بن حمزة المرعشي وغيرها ولم يطلع عليه المجلسي رحمه الله مع كثرة احتياجه إليها، فإن لعدم العثور أسباباً كثيرة سوى الفحص، منها: ضنة صاحب الكتاب كما في المورد المذكور و....
26- الإمام جعفر الصادق لعبد الحليم الجندىّ: 186.
27- الإمام جعفر الصادق: 163.
28- الإمام جعفر الصادق: 160.
29- الإمام جعفر الصادق: 160.
30- رجال ابن داود: 125، ت 922.
31- ذكرنا تخريجه قبل قليل عن الحدائق الناضرة وانظر الكليني والكافي: 442.
32- انظر الفائدة الرابعة من خاتمة المستدرك للمحدّث النورىّ 3: 482.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page