طباعة

الفصل الثالث : بحار من المرويات وملايين من النصوص المنسوبة لسنة رسول الله !!

كانت الأحاديث المنسوبة إلى رسول الله والتي جمعها العلماء ودونوها في كتبهم تعد بمئات الآلاف ، بل بالملايين ، روي عن البخاري أنه قال : " أحفظ مائة ألف حديث صحيح ، ومائتي ألف حديث غير صحيح ، وروي عنه أنه قال : " خرجت الصحيح من ستمائة ألف حديث " ، ونقل عن الإمام أحمد أنه قال : " صح من الحديث سبعمائة ألف وكسر ، وأنه قال هذا الفتى - يعني أبا زرعة - يحفظ سبعمائة ألف حديث ، وكان يحفظ مائة وأربعين ألفا في التفسير . . . " ( 1 )
فهؤلاء ثلاثة من العلماء لديهم ما يقرب من مليوني حديث ! ! الله وحده كان يعلم كم لدى كان علماء دولة الخلفاء من حديث ! ! ! كان العلماء في قرارة أنفسهم موقنين بأنه من المستحيل عقلا أن يصدر هذا الكم الهائل من الأحاديث عن رسول الله ، بل كانوا موقنين أن الجزء الأعظم من هذا الكم الهائل غير صحيح ومكذوب على رسول الله ، ولكن رواه مسلمون ! ! وهنالك احتمال أن يكون صحيحا كله أو بعضه ثم إن الأمانة تقضي أن يكتبوا ما يرويه المسلمون عن رسول الله ، كان دورهم مقتصرا على كتابة وتدوين ما يروى من سنة الرسول ، حسب زعم الرواة ! ! كان لبعض العلماء موازينهم الخاصة للصحة التي يزنون بها الأحاديث التي يكتبونها ، ومع هذا كانوا يحفظون أو يحتفظون بالأحاديث التي يعتقدون أنها غير صحيحة .
وكان البعض من العلماء يحذفون من هذه المرويات ما يرونه مناسبا ، مثال على ذلك فقد روى نصر بن مزاحم في كتابه " صفين " ، والمسعودي في كتابه " مروج الذهب " النص الكامل لرسالة محمد بن أبي بكر لمعاوية التي أبرزت بعض فضائل الإمام علي ، وجانبا من تاريخ معاوية المظلم ، وبعض إساءات الخلفاء للإمام علي ، إلا أن الطبري قد حذف الجزء الأعظم من مضامين هذه الرسالة ، معللا ذلك بأن العامة لا تحتمل سماع ما حذفه ، وجاء من بعده ابن كثير فذكر رسالة محمد بن أبي بكر ، ولم يشر إلى كلمة مما ورد فيها واكتفى بالقول بأن " فيه غلظة " ( 2 )
وأحيانا كانوا يبدلون كلمة بكلمة ، فالطبري وابن الأثير أبدلا كلمتي " وصيي وخليفتي الواردتين في حديث رسول الله بقولهما " كذا وكذا " ( 3 ) .
بعد أن جمع العلماء هذا الكم الهائل من الأحاديث المنسوبة إلى رسول الله ودونوها في كتب خاصة ، أنصب هدفهم على معرفة الصحيح من غير الصحيح ، وما صدر عن الرسول بالفعل ، وما تقوله الرواة عليه ! !
كانت هذه هي المشكلة الكبرى التي واجهت العلماء خاصة ، والمسلمين عامة ، وما زالت تواجههم إلى اليوم لأن الموازين التي وضعها العلماء كانت ثمرة معارف واجتهادات شخصية ، تأثرت حتما بميول العلماء وثقافاتهم وتربيتهم السياسية ، فكان الوزن بتلك الموازين غير دقيق ، فكم من حديث موصوف بالصحة في أصح الصحاح حسب تلك الموازين وهو صحيح البخاري ، ومع هذا باطل من جميع الوجوه ومتعارض مع الحكم من القرآن ومع العقل ومع المنطق !! وقد سقنا في البحوث السابقة أمثلة متعددة على ذلك .
**************************
( 1 ) أضواء على السنة المحمدية ص 299 .
( 2 ) البداية والنهاية لابن الأثير ج 7 ص 312 .
( 3 ) معالم المدرستين ج 1 ص 246 .