• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أحاديث في الولاية ومعناها

 140 ـ أخرج القرشي عليّ بن حميد باسناده عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه لما سُئل عن معنى قوله : (مَن كنتُ مولاه فعليّ مولاه) قال : الله مولاي أولى بي من نفسي لا أمر لي معه وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم لا أمر لهم معي ومَن كنت مولاه أولى به من نفسهِ لا أمر له معي فعلي مولاه أولى به من نفسهِ لا أمر له معه(1)
141 ـ وروى الحافظ العاصمي في «زين الفتى» قال : سئل علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : مَن كنت مولاه فعليّ مولاه فقال : نَصَبني علماً إذ أنا قمت فمَن خالفني فهو ضال .
يريد (عليه السلام) بالقيام قيامهِ في ذلك المشهد (يوم الغدير) المّا أمره به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليرفعه فيعرّفه وينصبه علماً للأمة وأشار اليه حسّان في ذلك اليوم بقوله : فقال له : قم يا علي فإنْني   رضيتُك من بعدي اماماً وهادياً(2)
142 ـ وفي حديث رواه السيد الهمداني في «مودّة القربى» : فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : مَعاشر الناس أليس الله أولى بي من نفسي يأمرني وينهاني مالي على الله أمرْ ولا نهي ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : مَن كانَ الله وأنا مولاه فهذا عليّ مولاه يأمركم وينهاكم ما لكم عليه من أمر ولا نهي اللهم والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ، اللهم أنت شهيد عليهم إني قد بلّغت ونصحت(3).
143 ـ وقال الإمام الحافظ الواحديّ بعد ذكر حديث الغدير : هذه الولاية التي اثبتها النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) مسؤول عنها يوم القيامة ، روي في قوله تعالى : (وقفوهم إنّهم مسؤولون) أي عن ولاية علي رضي الله عنه ، والمعنى : انهم يُسألون هل والوه حق الموالاة كما اوصاهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أم اضاعوها وأهملوها ؟ فتكون عليهم المطالبة والتبعة(4).
144 ـ وقال : وأخرجَ الحموينى من طريق الحاكم أبي عبد الله ابن البيع بسنده عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أتاني مَلَك فقال : يا محمد سَلْ من أرسَلنا قبلك من رسلنا على ما بعثوا ؟ فقال : على ولايتك وولاية عليّ بن أبي طالب .
145 ـ وقال : وروي عن الآلوسي في تفسير قوله تعالى : (وقفوهم إنهم مسئولون)بعد عدّ الأقوال فيها : وأولى هذه الاقوال أن السؤال عن العقايد والأعمال ورأس ذلك «لا اله الاّ الله» ومن أجلّه ولاية عليّ كرّم الله تعالى وجهه(5).
146 ـ ومن طريق البيهقي عن الحافظ الحاكم النيسابوري : باسناده عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إذا جمع الله الأوّلين والآخرين يوم القيامة ونصب الصراط على جسر جهنّم لم يجزها أحد إلاّ من كانت معه براءة بولاية عليّ بن أبي طالب وأخرجه محبّ الدين الطبري في الرياض(6).
147 ـ ذكر السبط ابن الجوزي الحنفي بعد عدِّ معان عشرة للمولى وجعل عاشرها الأولى قال : والمراد من الحديث : الطاعة المخصوصة ، فتعيّن الوجه العاشر وهو الأولى ومعناه من كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به وقد صرّح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفي الاصبهاني في كتابه المُسمى بمرج البحرين فإنه روى هذا الحديث باسناده الى مشايخه وقال فيه: فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد علي فقال : مَنْ كنت وليّه وأولى به من نفسه فعليَّ وليّه فعلم أن جميع المعاني راجعة الى الوجه العاشر ، ودَلّ عليه أيضاً قوله (عليه السلام) : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ وهذا نصّ صريح في اثبات امامته وقبول طاعته(7).
148 ـ أخرج الحافظ ابن السمان عن الحافظ الدار قطني عن عمر وقد جاءه أعرابيان يختصمان فقال لعلي ، أقضِ بينهما فقال أحدهما : هذا يقضي بيننا ؟ ! فوثب اليه عمر وأخذ بتلبيبه وقال:ويحك ما تدري من هذا ؟ هذا مولاي ومولى كلّ مؤمن  ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن
وعنه وقد نازعه رجل في مسئلة فقال : بيني وبينك هذا الجالس وأشار إلى عليّ بن أبي طالب فقال الرجل : هذا الأبطن ؟ فنهض عمر عن مجلسه وأخذ بتلبيبه حتى شاله من الأرض ثم قال: أتدري من صغّرت؟ هذا مولايومولى كل مسلم(8).
149 ـ وأخرج الطبراني انه قيل لعمر : إنك تصنع بعليّ أي من التعظيم شيئاً لا تصنع مع أحد من أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : انه مولاي(9).
وعلق العلامة الأميني (قدس سره) على الحديثين السابقين بقوله : فإن المولوية الثابتة لأمير المؤمنين التي اعترف بها عمر على نفسه وعلى كلِّ مؤمن زنة ما اعترف به يوم غدير خم . وشفع ذلك بنفي الايمان عمن لا يكون الوصيُّ مولاه أي لم يعترف له بالمولويّة أو لم يكن هو مولىً له أي مُحبّاً أو ناصراً ، ولكن على حدٍّ ينفي عنه الأيمان إن انتفى عنه ذلك الحب والنصرة لا ترتبط الاّ مع ثبوت الخلافة له فإن الحب والنصرة العادييّن المندوب اليها بين عامة المسلمين لا ينفي بانتفائه الايمان ، ولا يمكن القول بذلك نظراً الى ما شجر من الخلاف والتباغض بين الصحابة والتابعين حتى آل في بعض الموارد الى التشاتم ، والتلاكم ، والى المقاتلة ، والمناضلة ، وكان بعضها بمشهد من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم ينف عنهم الايمان ، ولا غَمَزَ القائلون بعدالة الصحابة أجمع في أحد منهم بذلك ، فلم يبق الا أن تكون الولاية التي هذه صفتها معناها الإمامة الملازمة للأولوية المقصودة سواء أوعز عمر بكلمته هذه الى حديث الغدير كما تومي إليه رواية الحافظ محب الدين الطبري لها في ذيل أحاديث الغدير ، أو أنه ارسلها حقيقة راهنة ثابتة عنده من شتى النواحي(10).
150 ـ وهذه الأولوية المعدودة من أصول الدين والمولوية التي ينفي الايمان بانتفائها كما مرّ في كلام عمر الذي مرّ سابقاً ، وفي كلام عمر الذي صرّح به لابن عباس وذكره الراغب في محاضراته(11) عن ابن عباس قال : كنتُ أسير مع عمر بن الخطاب في ليلة وعمر على بغل وأنا على فرس فقرأ آيةً فيها ذكر عليّ بن أبي طالب فقال : أما والله يا بني عبد المطلب لقد كان عليّ فيكم أولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر ! فقلت في نفسي لا أقالني الله أن اقلته ! فقلت : أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين ؟ وأنت وصاحبك وثبتما وأفرغتما الأمر منّا دون الناس!
فقال : اليكم يا بني عبد المطلب ، أما أنكم أصحاب عمر بن الخطّاب !
فتأخرت وتقدم هنيهة ، فقال : سِر ، لا سِرْتَ ، وقال : أعِدْ علي كلامك .
فقلت : إنما ذكرتَ شيئاً فرددت عليه جوابه ولو سَكَتَّ سَكتنا !
فقال : إنا والله ما فعلنا الذي فعلنا عن عداوة ولكن استصغرناه ، وخشينا أن لا يجتمع عليه العرب وقريش لما قد وترها .
قال : فأردت أن أقول : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يبعثه فينطح كبشها فلم يستصغره ، أفتستصغره أنتَ وصاحبك ؟ !
فقال : لا جرم ، فكيف ترى ؟ والله ما يقطعُ أمراً دونه ولا نعمل شيئاً حتى نستأذنه ! (12).
151 ـ روى أخطب الخطباء الخوارزمي الحنفي بسنده من طريق العامة عن أبي الطفيل عامر بن وائلة قال : كنت على الباب يوم الشورى مع علي (عليه السلام) في البيت وسمعته يقول لهم : لاحتجنّ عليكم بما لا يستطيع عربيكم ولا عجميّكم تغيير ذلك ، ثم قال : أنشدكم الله أيها النفر جميعاً أفيكم أحد وحَّدَ الله قبلي ؟ قالوا : لا قال : فأنشدكم الله هل منكم أحد له أخ مثل جعفر الطيّار في الجنّة مع الملائكة ؟ قالوا : اللهم لا قال : فأنشدكم الله هل فيكم احدْ له عَمْ كعميّ حمزة أسد الله وأسد رسوله سيّد الشهداء غيري ؟ قالوا : اللّهم لا ، قال : فانشدكم الله هل فيكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت محمد سيّدة نساء أهل الجنّة غيري ؟ قالوا : اللهم لا ، قال : انشدكم بالله هل فيكم احد له سبطان مثل سبطيّ الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة غيري ؟ قالوا : اللهم لا ، قال : فانشدكم بالله هل فيكم احد ناجى رسول الله مرّات قدّم بين يدي نجواه صدقة قبلي ؟ قالوا : اللهم لا ، قال : فانشدكم باللههل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «من كنتُ مولاه فعليّ مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ليبلغ الشاهد الغايب غيري ؟ قالوا :اللهم لا(13) الحديث .
152 ـ روى شيخ الإسلام ابراهيم الحمويني باسناده في «فرايد السمطين» في السمة الأوّل في الباب الثامن والخمسين ، عن التابعي الكبير سليم بن قيس الهلالي قال : رأيت عليّاً صلوات الله عليه في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في خلافة عثمان وجماعة يتحدّثون ويتذاكرون العلم والعفّة فذكروا قريشاً وفضلها وسوابقها وهجرتها وما قال فيها رسول الله من الفضل مثل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «الأئمة من قريش» وقوله : «الناس تبع لقريش وقريش أئمة العرب» وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) «لا تسبّوا قريشاً» وقوله : «إن للقرشي قوة رجلين من غيرهم» وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «من أبغض قريشاً ابغضه الله» وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «من اراد هوان قريش أهانه الله» .
وذكروا الأنصار فضلها وسوابقها ونصرتها وما أثنى الله عليهم في كتابه ، وما قال فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الفضل ، وذكروا ما قال في سعد بن عبادة وغسيل الملائكة فلم يدَعوا شيئاً من فضلهم ، حتى قال كل حي . منّا فلان وفلان !
وقالت قريش : منا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومنّا حمزة ، ومنّا جعفر ، ومنّا عبيدة بن الحرث ، وزيد بن حارثة ، الى أن قال : فلمَ يدعوا من الحيّين أحداً من أهل السابقة الا سمِّوه ، وفي الحلقة اكثر من مأتي رجل فيهم : عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)وسعد بن ابي وقاص وعبد الرحمان بن عوف وطلحة والزبير وعمّار والمقداد وأبو ذر وهاشم بن عتبة وابن عمر والحسن والحسين (عليهما السلام) وابن عبّاس ومحمد بن أبي بكر وعبد الله بن جعفر ، ومن الأنصار : أُبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو أيوب الأنصاري وأبو الهيثم ابن التيهان ومحمد بن مسلم سلمة وقيس بن سعد بن عبادة وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وزيد بن أرقم وعبد الله بن أبي أوفى وأبي ليلى وابنه ومعه عبد الرحمان قاعد بجنبه غلام صبيح الوجه أمرد فجاء أبو الحسن البصري ومعه ابنه الحسن البصري والحسن غلام امرد صبيح الوجه معتدل القامة قال : فجعلت انظر اليه والى عبد الرحمن بن أبي ليلى فلا ادري أيها اجمل .
الى أن قال : وعلى بن أبي طالب (عليه السلام) ساكت لا ينطق بكلمة ولا أحد من أهل بيته !
فأقبل القوم عليه فقالوا : يا أبا الحسن ما يمنعك أن تتكلم ؟ فقال (عليه السلام) : ما من الحيّين الا وقد ذكر وقال حقّاً فأنا أسالكم يا معشر قريش والانصار ممن أعطاكم الله هذا الفضل بأنفسكم وعشائركم واهل بيوتاتكم أم بغيركم ؟
قالوا : بل أعطانا الله ومن علينا بمحمد وعشيرته لا بأنفسنا وعشائرنا ولا بأهل بيوتاتنا .
قال : صدقتم يا معشر قريش والأنصار الستم تعلمون أن الذي نلتم من خير الدنيا والآخرة منّا أهل البيت خاصةً دون غيرهم  وأن ابن عمي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : إني وأهل بيتي كنّا نوراً يسعى بين يدي الله تعالى قبل أن يخلقالله عزّ وجل آدم (عليه السلام) بأربعة عشر ألف سنة فلما خلق الله تعالى آدم (عليه السلام)وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه إلى الأرض ثم حمَلَه فى السفينة في صُلب نوح (عليه السلام) ثم قذف به في النار في صلب ابراهيم (عليه السلام) ثم لم يزل الله عز وجلّ ينقلنا في الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة ومن الأرحام الطاهرة الى الأصلاب الكريمة من الآباء والامهات لم يكن منهم على سفاح قط ؟
فقال السابقة والقدمة وأهل بدر وأهل أحد : نعم قد سمعنا من رسول الله .
ثم قال : أنشدكم الله أتعلمون أن الله عزّ وجلّ فضلّ في كتابه السابق على المسبوق في غير آية وأني لم يسيقني الى الله عز وجلّ والى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحد من هذه الأمة ؟ قالوا : اللهم نعم .
قال : فأنشدكم الله أتعلمون حيث نزلت : (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والسابقون السابقون اولئك المقرّبون) سُئل عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : أنزلها الله تعالى فخر الانبياء وأوصيائهم فأنا أفضل انبياء الله ورسله وعليّ بن أبي طالب وصيّي أفضل الأوصياء ؟ قالوا : اللهم نعم .
قال : فأنشدكم الله أتعلمون حيث نزلت : (يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وحيث نزلت : (انما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) وحيث نزلت : (لم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجةً) قال الناس : يا رسول الله أخاصة في رسول الله أم عامة في جميعهم ؟ فامر الله عزّ وجلّ نبيه ان يعلمهم ولاة أمرهم وان يفسِّر لهم من الولاية ما فسَّر لهم من صلاتهم وزكاتهم وحجِّهم ونصبني للناس بغدير خم ثم خطب فقال : أيها الناس إن الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أن الناس يكذِّبوني فاوعدني لابلّغها أو ليعذبني ثم أمر بالصلاة جامعة ثم خطب فقال : ايها الناس اتعلمون أن الله عزّ وجلّ مولاى وانا مولى المؤمنين وانا أولى بهم من أنفسهم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : قم يا علي فقمت فقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم وال من والاه وعادِ من عاداه  فقام سلمان فقال : يا رسول الله ولاية ماذا ؟ فقال : ولاهٌ كولائي من كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به من نفسه فأنزل الله تعالى ذكره : (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) فكبّر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : الله اكبر تمام نبوتي وتمام دين الله ولاية عليّ بعدي فقام أبو بكر وعمر فقالا : يا رسول الله هؤلاء الآيات خاصة في عليّ (عليه السلام) ؟ قال : بلى فيه وفي أوصيائي الى يوم القيامة  قالا : يا رسول الله بيِّنهم لنا .
قال : عليّ أخي ووزيري ووارثي ووصيّي وخليفتي في أمتي وولي ّ كل مؤمن بعدي ، ثمّ ابني الحسن ثم الحسين ثم تسعة من ولد ابني الحسين واحد بعد واحد ، القرآن معهم ، وهم مع القرآن ، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا عليّ الحوض ؟
فقالوا كلّهم : اللّهم نعم قد سمعنا ذلك وشهدنا كما قلت سواء .
وقال بعضهم : قد حفظنا جُلَّ ما قلت ولم نحفظ كلّه ، وهؤلاء الذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا .
فقال علي (عليه السلام) : ليس كل الناس يستوون في الحفظ أنشد الله من حفظ ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قام وأخبر به فقام زيد بن ارقم والبراء بن عازب وسلمان وأبو ذر والمقدار وعمّار فقالوا : نشهد لقد حفظنا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو قائم على المنبر وانت الى جنبه وهو يقول : أيها الناس إن الله عزّ وجلّ أمرني ان انصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيّي وخليفتي والذي فرضَ الله عزّ وجلّ على المؤمنين في كتابه طاعته فقرنه بطاعته وطاعتي وأمركم بولايته واني راجعت ربي خشية طعن أهل النفاق وتكذيبهم فاوعدني لتبلِّغنها أو ليعذّبني أيها الناس إن الله أمركم في كتابه بالصلاة فقد بيّنتها لكم والزكاة والصوم والحج فبينتها لكم وفسّرتها ، وأمركم بالولاية ، واني اشهدكم أنها لهذا خاصةً ، فوضع يده على علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم قال : لابنيه بعده ثم للأوصياء من بعدهم من ولدهم لا يفارقون القرآن ولا يفارقهم القرآن حتى يردوا على حوضي .
أيها الناس ، قد بيّنت لكم مفزعكم بعدي وامامكم ودليلكم وهاديكم وهو أخي عليّ بن أبي طالب ، وهو فيكم بمنزلتي فيكم فقلِّدوه دينكم واطيعوه في جميع اموركم ، فإن عنده جميع ما علمني الله من علمه وحكمته فسلوه وتعلّموا منه ومن أوصيائه بعده ولا تعلّموهم ولا تنقدوهم ولا تخلفوا عليهم فإنهم مع الحق والحق معهم لا يزايلوه ولا يُزايلهم ، ثم جَلَسوا .
قال سليم : ثم قال عليَّ (عليه السلام) : ايها الناس اتعلمون ان الله انزل في كتابه (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) فجمعني وفاطمة وابنى حسناً والحسين ثم القى علينا كساءً وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ولحمي ، يؤلمني ما يؤلمهم ، ويجرحني ما يجرحهم ، فأذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيرا .
فقالت أم سلمة : وانا يا رسول الله ؟ فقال : أنت الى خير انما أُنزلت فيّ وفي أخي علي بن ابي طالب وفي ابني وفي تسعة من ولد ابني الحسين خاصةً ليس معنا فيها احد غيرك ؟ فقالوا كلّهم : نشهد أن أمّ سلمة حدّثتنا بذلك فسألنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)كما حدَّثتنا ، ثم قال علي (عليه السلام) : انشدكم الله أتعلمون ان الله انزل : (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) فقال سلمان : يا رسول الله عامة أم خاصّة ؟ قال : أما المأمورون فعامّة المؤمنين أُمِروا بذلك وأما الصادقون فخاصة لأخي عليّ وأوصيائي الى يوم القيامة ؟
قالوا : اللهم نعم  قال : أنشدكم الله تعالى أتعّلمون أ نّي قلتُ لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة تبوك : لم خلّفتني ؟ فقال : إن المدينة لا تصلح الاّ بي أو بك وانت منّي بمنزلة هارون من موسى الاّ انّه لا نبيّ بعدي ؟
فقال : أنشدكم الله تعالى أتعلمون أن الله أنزل في سورة الحج : (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربّكم وافعلوا الخير إلى آخر السورة)فقام سلمان فقال : يا رسول الله من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد وهم شهداء على الناس الذين اجتباهم الله ولم يجعل عليهم في الدين من حرج ملة إبراهم ؟ قال : عني بذلك ثلاثة عشر رجلاً خاصة دون هذه الامة .
قال سلمان : بينهم لنا يا رسول الله ؟
قال : أنا وأخي عليّ واحد عشر من ولدي ؟ قالوا : اللهم نعم .
قال : أنشدكم بالله أتعلمون ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قام خطيباً لم يخطب بعد ذلك فقال : يا أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فتمسَّكوا بهما لن تضلوا فإن اللطيف أخبرني وعهد إليّ أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فقام عمر بن الخطاب شبه المغضب فقال : يا رسول الله أكل أهل بيتك ؟ فقال : لا ولكن أوصيائي منهم أولهم أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي ووليّ كل مؤمن بعدي هو اوَّلهم ثم ابني الحسن ثم ابني الحسين ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد حتى يردوا على الحوض شهداء الله في أرضه وحجته على خلقه وخزان علمه ومعادن حكمته من أطاعهم فقد اطاع الله ومن عصاهم عصى الله .
فقالوا كلّهم : نشهد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ذلك .
ثم تمادى بعلي السؤال فما ترك شيئاً الا ناشدهم الله فيه وسألهم عنه حتى أتى على آخر مناقبه وما قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كثيراً كل ذلك يصدِّ فوته ويشهدون أنه حق(14).
153 ـ روي عن ابن عباس قال : بينا أمشى مع عمر يوماً إذ تنفس نفساً ظننت أنه قد قضمت اضلاعه فقلت : سبحان الله ، والله ما أخرج هذا منك إلا أمرٌ عظيم ! فقال : ويحك يا بن عبّاس ما أدري ما أصنع بأمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ ! قلت : ولِمَ، وانت قادر أن تضع ذلك مكان الثقة ؟ قال : اني اراك تقول إن صاحبك أولى الناس بها يعني عليّاً (عليه السلام) ؟ ـ قلت : أجل والله اني لأقول ذلك في مباهته وعلمه وقرابته وصهره قال : انه كما ذكرت ولكنه كثير الدعاية ! !
154 ـ وفي رواية : لله درّهم ان ولوّها الأصيلع كيف يحملهم على الحق ، ولو كان السيف على عنقه ، فقلت : أتعلم ذلك منه ولا توليه ؟ !(15)
155 ـ روى سليم بن قيس الهلالي في حديث المناشدة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في خلافة عثمان ، قال ثم تمادى بعلي (عليه السلام) السؤال والمناشدة ، فما ترك شيئاً الا ناشدهم الله فيه وسألهم عنه حتى أتى على آخر مناقبه وما قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كل ذلك يصدقونه ويشهدون أنه حق ، ثم قال حين فرغ : اللهم اشهد عليهم، وقالوا : اللهم اشهد أنا لم نقل الا ما سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما حدّثناه من نثق به من هؤلاء وغيرهم انهم سمعوه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  قال : ايقرون بان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : من زعم أنّه يحبني ويبغض عليّاً فقد كذب وليس يُحبني ؟ ! ووضع يده على رأسي فقال له قائل : كيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : لأنه مني وانا منه ، ومن أحبّه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغضه فقد ابغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله .
قال : نحو عشرين رجلاً من أفاضل الحيّين : اللهم نعم ، وسكت بقيتهم .
فقال للسكوت : ما لكم سكَتّم ؟ قالوا : هؤلاء الذين شهدوا عندنا ثقات في قولهم وفضلهم وسابقتهم قالوا : اللهم اشهد عليهم .
فقال طلحة بن عبيد الله وكان يقال له : داهية قريش : فكيف تصنع بما ادّعى أبو بكر واصحابه الذين صدّقوه وشهدوا على مقالته يوم أتوه بك بعتل تُقاد وفي عنقك حبل ، فقالوا لك : بايع ، فاحتججت بما احتججت به فصدّقوك جميعاً ثم ادعى انه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : ابى الله أن يجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة ! فصدّقه بذلك عمرو أبو عبيده وسالم ومعاذ !
ثم قال طلحة : كل الذي قلت وادّعيت واحتججت به من السابقة والفضل حقٌّ نقرّ به ونعرفه وأما الخلافة فقد شهد أولئك الأربعة بما سمعت !
فقام علي (عليه السلام) عند ذلك وغضب من مقالته فأخرج شيئاً قد كان يكتمه وفسّر شيئاً قاله يوم مات عمر لم يدر ما عُني به فأقبلَ على طلحة والناس يستمعون فقال : أما والله يا طلحة ما صحيفة القى الله بها يوم القيامة أحب إلي من صحيفة الأربعة الّذين تعاهدوا على الوفاء بها في الكعبة في حجة الوداع إن قتل الله محمّداً أو توفاه ان يتوازروا عليّ ويتظاهروا فلا تصل إليّ الخلافة والدليل والله على باطل ما شهدوا وما قلت يا طلحة قول نبي الله يوم غدير خم : من كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به من نفسه فكيف أكون أولى بهم من أنفسهم وهم أمراءٌ عليَّ وحكام؟!
وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة فلو كان مع النبوة غيرها لاستثناه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وقوله : اني تركت فيكم امرين كتاب الله وعترتي لن تضلوا ما تمسّكتم بهما لا تقدموهم ولا تخلّفوا عنهم ولا تعلّموهم فانهم أعلم منكم أفينبغي ان لا يكون الخليفة على الأمة إلاّ أعلمهم بكتاب الله وقد قال الله عز وجل : (أفمن يهدي الى الحق أحق أن يُتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون)(16) قال تعالى : (إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطةً في العلم والجسم)(17) وقال : (ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من عِلْم)(18).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما ولت أُمة قط أمرها رجلاً وفيهم من هو أعلم منه إلاّ لم يزل يذهب أمرهم سفالاً حتى يرجعوا الى ما تركوا فما الولاية غير الأمارة والدليل على كذبهم وباطلهم وفجورهم انهم سلّموا عليّ بامرة المؤمنين بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن الحجة عليهم وعليك خاصة وعلى هذا معك يعني الزبير وعلى الأمة رأساً وعلى هذا سعد وابن عوف وخليفتكم هذا القائم ـ يعني عثمان فإنا معشر الشورى الستّة أحياء كلنا ان جعلني عمر بن الخطاب في الشورى ان كان قد صدق هو واصحابه على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أجعلنا شورى في الخلافة أم في غيرها ؟ فان زعمتم انه جعلها شورى في غير الأمارة فليس لعثمان امارة وانما أمرنا أن نتشاور فيى غيرها وان كانت الشورى فيها فلم ادخلني فيكم فهلا أخرجني وقد قال : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخرج أهل بيته من الخلافة وأخبر انه ليس لهم فيها نصيب ؟! ولم قال عمر حين دعانا رجلاً رجلا فقال لعبد الله ابنه وها هو ذا انشدك بالله يا عبد الله بن عمر ما قال لك حين خرجت ؟ قال : اما إذا ناشدتني بالله فانه قال : إن يتبعوا (بايعوا) أصلع قريش لحملهم على المحجة البيضاء واقامهم على كتاب ربّهم وسنّة نبيِّهم  قال : يا بن عمر ، فما قلت له عند ذلك ؟
قال : قلت له : فما يمنعك أن تستخلفه ؟ قال : وما ردّ عليك ؟ قال : ردّ عليّ شيئاً اكتمه !
قال (عليه السلام) : فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خبّرني به في حياته ، ثم أخبرني به ليلة مات أبوك في منامي . ومن رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مناماً فقد رآه .
قال : فما أخبرك به ؟ قال (عليه السلام) : فأنشدك بالله يا بن عمر لئن أخبرتك به لتصدّقن ؟
قال : اذاً اسكت . قال : فإنه قال لك حين قلت له : فما يمنعك أن تستخلفه ؟ قال : الصحيفة التي كتبناها بيننا والعهد في الكعبة فسكت ابن عمر فقال : أسألك بحق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما سكت عني .
قال سليم : فرأيت ابن عمر في ذلك المجلس خنقته العبرة وعيناه تسيلان ، وأقبل أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) على طلحة والزبير وابن عوف وسعد فقال : والله لئن كان أولئك الخمسة أو الأربعة كذبوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يحلَّ لكم ولايتهم وان كانوا صدقوا ما حلّ لكم أيها الخمسة أو الأربعة أن تدخلوني معكم في الشورى لأن ادخالكم إياي فيها خلاف على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وردّ عليه ثم أقبل على الناس فقال : اخبروني عن منزلتي فيكم وما تعرفوني به أصادق أنا فيكم أم كاذب ؟ !
قالوا : بل صدِّيق صَدوق لا والله ما علمناك كذبت قط في الجاهلية ولا الإسلام .
قال : فوالله الذي اكرمنا أهل البيت بالنبوة وجعل منا محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم)واكرمنا بعده بأن جعلنا أئمة للمؤمنين لا يبلِّغ عنه غيرنا ، ولا تصلح الإمامة والخلافة إلاّ فينا ، ولم يجعل لأحد من الناس فيها معنا أهل البيت نصيبا ولا حقّاً أما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخاتم النبيّين ليس بعده نبي ولا رسول ، ختم برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الانبياء الى يوم القيامة وجعلنا من بعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)خلفاء (من بعده في ارضه وخلفاء على خلقه ، وفرض طاعتنا في كتابه وقرننا بنفسه فيى كتابه المنزل ، وبيّنه في غير آية من القرآن ، فالله عزّ وجلّ جعل محمّداً نبيّاً وجعلنا خلفاء من بعده في خلقه وشهداء على خلقه وفرض طاعتنا في كتابه وقرننا بنفسه في كتابه المنزل ثم إن الله عزّ وجلّ امر نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ان يبلِّغ ذلك أمّته فبلّغهم كما أمره الله فأيهما أحق بمجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومكانه وقد سمعتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين بعثني ببراءة فقال : لا يبلِّغ عني إلاّ رجل مني أنشدتكم بالله أسمعتم ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ قالوا : اللهم نعم نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين بعثك ببراءة فقال أمير المؤمنين (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا يصلح لصاحبكم أن يبلِّغ عنه صحيفة قدر أربع اصابع وانه لا يصلح أن يكون المبلّغ عنه غيري ، فأيهما أحق بمجلسه ومكانه : الذي سُمِّي بخاصته انه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أو من حضر مجلسه من الأمة ؟ ! فقال طلحة : قد سمعنا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ففسِّر لنا كيف لا يصلح لأحد أن يُبلِّغ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غيرك ؟ ! ولقد قال لنا ولسائر الناس : ليبلِّغ الشاهد الغائب ، فقال بعرفة فى حجة الوداع : نضّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها ثم بلّغها غيره ، فرب حامل فقه لا فقه له ، ورب حامل فقه الى من هو أفقه منه ، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرىء مسلم : إخلاص العمل لله عزّ وجلّ ، والسمع والطاعة والمناصحة لولاة الأمر ولزوم جماعتهم ، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم ، وقال في غير موطن : ليبلِّغ الشاهد الغائب !
فقال علي (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خمّ ويوم عرفة في حجّة الوداع ويوم قبض ، في آخر خطبة خطبها حين قال : اني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسّكتم بهما : كتاب الله تعالى وأهل بيتي ، فإن اللطيف الخبير قد عهد إليّ انهما لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض كهاتين الاصبعين ، ولا أقول كهاتين فأشار الى سبابته وابهامه لأن أحدهما قدَّام الآخر فتمسّكوا بهما لا تضلَّوا ولا تزلّوا ، ولا تقدموهم ولا تخلّفوا عنهم ، ولا تعلِّموهم فانهم أعلم منكم ، والله إنما أمر العامة جميعاً أن يُبلِّغون من لقوا من العامة ايجاب طاعة الأئمة من آل محمد عليه وعليهم السلام وايجاب حقهم ، ولم يقل ذلك فى شيء من الأشياء غير ذلك ، وانما أمر العامة أن يُبلِّغوا العامة حجة من لا يبلغ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)جميع ما يبعثه الله به غيرهم .
الا ترى يا طلحة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لي وانتم تسمعون : يا أخي إنه لا يقضي عني ديني ولا يُبرئ ذمّتي غيرك ، تبرئ ذمّتي وتؤدّي ديني وغراماتي وتقاتل على سنتي ؟ فلما ولي أبو بكر قضى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عدائه ودينه ؟ فاتّبعتموه جميعاً ؟ فقضيت دينه وعدائه وقد أخبرهم إنه لا يقضي عنه دينه وعداته غيري ، ولم يكن ما أعطاهم أبو بكر قضاءً لدينه وعداته ، وانما كان الذى قضى من الدين والعدة هو الذي أبرأه منه وانما بلّغ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جميع ما جاء به من عند الله من بعده الأئمة الذين فرض الله في الكتاب طاعتهم وأمر بولايتهم ، الذين من أطاعهم فقد اطاع الله ومن عطاهم فقد عصى الله .
فقال طلحة : فرجت عني ما كنت ادري ما عنى بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى فسّرته لي فجزاك الله يا أبا الحسن عن جميع أمّة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)الجنّة .
يا أبا الحسن شيء أُريد أن أسألك عنه رأيتك خرجت بثوب مختوم ؟ فقُلتَ : أيها الناس إني لم أزل مشتغلاً برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بغسله وكفنه ودفنه ، ثمّ اشتغلت بكتاب الله حتى جمعته فهذا كتاب الله عندي مجموعاً لم يسقط عنّي حتى حرف واحد ، ولم أَرَ ذلك الذي كتبت وألفت ، وقد رأيت عمر بعث اليك ان ابعث به إليّ ، فأبيت أن تفعل ، فدعا عمر الناس فإذا شهد رجلان على آية كتبها ، واذا ما لم يشهد عليها غير رجل واحد أرجاها فلم يكتب فقال عمر وأنا أسمع : انّه قد قتلَ يوم اليمامة قومٌ كانوا يقرأون قرآناً لا يقرأه غيرهم فقد ذهب ، وقد جاءت شاة الى صحيفة وكتاب يكتبون فأكلها وذهب ما فيها ، والكاتب يومئذ عثمان .
وسمعت عمر وأصحابه الذين ألفوا ما كتبوا على عهد عمرو على عهد عثمان يقولون : إن الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة ، وان النور نيف ومائة آية والحجر تسعون ومائة آية فما هذا ؟ وما يمنعك يرحمك الله أن تخرج كتاب الله الى الناس وقد عهد عثمان حين أخذ ما ألف عمر فجمع له الكتاب وحمل الناس على قراءة واحدة  فمزّق مصحف أبي بن كعب وابن مسعود وأحرقهما بالنار ؟ !
فقال له عليّ (عليه السلام) : يا طلحة ان كل آية أنزلها الله جلّ وعلا على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)عندي بإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخطّ يدي ، وتأويل كلّ آية أنزلها الله على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وكل حرام وحلال أوحد أو حُكم ، أو شيء تحتاج اليه الأمة الى يوم القيامة عندي مكتوب باملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخط يدي حتى ارش الخدش .
قال طلحة : كل شيء من صغير وكبير أو خاص أو عام ، كان أو يكون الى يوم القيامة فهو عندك مكتوب ؟ !
قال : نعم وسوى ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أسر إليّ في مرضه مفتاح ألف باب من العلم يفتح من كل باب ألف باب ، ولو أنّ الأمة منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)اتبعوني واطاعوني لاكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم .
يا طلحة الست قد شهدت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين دعا بالكتف ليكتب فيه ما لا تضل أمته فقال صاحبك : إن نبي الله يهجر ! فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتركها ؟ قال : بلى قد شهدته .
قال : فانكم لما خرجتم أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالذي أراد أن يكتب ويشهد عليه العامة فأخبره جبرئيل (عليه السلام) : إن الله عزّ وجلّ قد قضى على أمتك الاختلاف والفرقة ثم دعا بصحيفة فأملى عليّ ما اراد أن يكتب في الكتف واشهد على ذلك ثلاثة رهط : سلمان وأبو ذر والمقداد وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم الى يوم القيامة فَسمّـا لي أولهم ثم ابني هذا وأشار بيده إلى الحسن والحسين ثم تسعة من ولد ابني الحسين ، اكذلك كان يا أبا ذر ويا مقداد ؟ !
فقاما ثم قالا : نشهد بذلك على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
فقال طلحة : والله لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق ولا أبرّ عند الله من أبي ذر وأنا أشهد أنهما لم الشهدا الا بحق . ولأنت عندي اصدق وأكبر منهما .
ثم أقبل عليّ (عليه السلام) فقال : اتقِ الله عزّ وجلّ يا طلحة ، وأنت يا زبير ، وأنت يا سعد وأنت يابن عوف اتقوا الله وآثروا رضاه ، واختاروا ما عنده ، ولا تخافوا في الله لومة لائم  ثم قال طلحة : لا أراك يا أبا الحسن اجبتني عمّا سألتك عنه من أمر القرآن الا تُظهره للناس ؟
قال : يا طلحة عمداً كففت عن جوابك فأخبرني عما كتب عمر وعثمان ، اقرآن كله أم فيه ما ليس بقرآن ؟ قال طلحة : بل قرآن كلّه .
قال : إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنّة فإن فيه حجّتنا وبيان حقّنا وفرض طاعتنا .
قال طلحة : حسبي ، أما اذا كان قرآناً فحسبي .
ثم قال طلحة : أخبرني عمّا في يديك من القرآن وتأويله وعلم الحلال والحرام إلى من تدفعه ؟ ومن صاحبه بعدك ؟
قال : إن الذي أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أدفعه اليه قال : من هو ؟
قال : وصييّ وأولى الناس بعدي بالناس ابني الحسن ثم يدفعه ابني الحسن إلى ابني الحسين ثم يصير الى واحد بعد واحد من ولد الحسين حتى يرد آخرهم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حوضه هم مع القرآن لا يفارقونه والقرآن معهم لا يفارقهم ، أما أن معاوية وابنه سيليانها بعد عثمان ثم يليها سبعة من ولد الحكم بن أبي العاص واحد بعد واحد تكملة اثني عشر إمام ضلالة ، وهم الذين رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)على منبره يردّون الأمّة على أدبارهم القهقرى ، عشرة منهم من بني أميّة ورجلان أسسا ذلك لهم ، وعليهما مثل جميع أوزار هذه الأمّة الى يوم القيامة(19).
156 ـ روى الشيخ المفيد (رحمه الله) بسنده عن أبي سعيد الخدري قال : رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسمعته يقول : يا عليّ ما بعث الله نبيّاً إلاّ وقد دعاه إلى ولايتك طائعاً أو كارها (20).

الهوامش
(1) الغدير 1 : 386 ، 398 ، شمس الأخبار : 38 نقلاً عن (سلوة الذاكرين) للموفق بالله الحسين ابن اسماعيل الجرجاني والد المرشد بالله .
(2) الغدير 1 : 387 .
(3) الغدير 1 : 387 .
(4) الغدير 1 : 387 ، وذكره و أخرج حديثه شيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين في الباب الرابع عشر وجمال الدين الزرندي في نظم درر السمطين وابن حجر في الصواعق : ص89 ، والحضرمي في الرشفة : ص24 .
(5) الآلوسي في تفسيره 23 : 24 .
(6) الرياض النظرة 2 : 172 ، 388 ، الغدير 1 : 388 .
(7) تذكرة الخواصّ : لسبط ابن الجوزي الحنفي : 20 ، الغدير 1 : 372 .
(8) الغدير 1 : 382 ، الرياض النضرة : 2 ص170 ، ذخائر العقبى للمحبّ الطبري : 68 ، ووسيلة المآل للشيخ أحمد باكثير المكي ، مناقب الخوارزمي : 97 ، الصواعق المحرقة : 107 ، وفي الفتوحات الإسلامية : 2 ح307 ما لفظه : حكم عليّ مَرّةً على اعرابي بحكم فلم يرض بحكمه فتلببّه عمر بن الخطاب وقال له : ويلك انه مولاك ومولى كل مؤمن ومؤمنة .
(9) ذكره الزرقاني المالكي في «شرح المواهب» : ص13 عن الدار قطني .
(10) الغدير 1 : 382 .
(11) الراغب الاصفهاني في محاضراته 7 : 213 .
(12) الغدير 1 : 389 .
(13) الغدير 1 : 159 ـ 213 ، أخرجه الحمويني في «فرائد السمطين» في الباب 58 ، ورواه ابن حاتم الشامي في «الدر النظيم» من طريق الحافظ ابن مردويه وأخرجه الحافظ الدار قطني ونقله عنه ابن حجر في الصواعق المحرقة : 75 ، وأخرجه الحافظ ابن عقدة في أمالي شيخ الطائفة : 7 و 212 وأخرجه الحافظ العقيلي حكاه عنه الذهبي في ميزانه 1 : 205 وابن حجر في لسانه 2 : 157 ، وذكره ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» 2 : 61 ، وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب 3 : 35 .
(14) الغدير 1 : 159 ـ 213 ، احقاق الحق 5 : 33 ـ 38 ، أقول : تتمة الحديث رواه العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار ج 31 ، وقد حذفت أوّل المناشدة الّتي مرت وذكرت آخرها في الصفحة التي تلي عن سليم بن قيس الهلالي (رحمه الله) .
(15) البحار 31 : 18 ح363 ، العدد القوية : 251 .
(16) يونس : 35 .
(17) البقرة : 247 .
(18) الحقاف : 4 .
(19) البحار 31: 432 ـ 446 ح2،اكمال الدين 1:274 ـ 275، كتاب سليم بن قيس: 111 ـ 125 .
(20) الاختصاص 3 : 343 ، البحار 31 : 343 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page