طباعة

الفصل الثمانون «النبي والوصي (عليهما السلام) في عالم الميثاق»

(1) روى الشيخ المفيد اعلا الله مقامه، باسناده عن طلحة بن زيد، عن جعفر بن محمد الصادق عن ابيه عن جده (عليهما السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ما قبض الله نبياً حتى امره ان يوصي الى افضل عشيرته من عصبته وامرني ان اوصي فقلت : الى من يارب ؟ فقال : اوَصِ يامحمد الى ابن عمك علي بن أبي طالب، فاني قد أثبُّتهُ في الكتب السالفة، وكتبت فيها انه وصيك، وعلى ذلك اخذت ميثاق الخلائق ومواثيق انبيائي ورسلي، اخذت مواثيقهم لي بالربوبية ولك يامحمد بالنبوة ولعلي بن أبي طالب بالولاية (1).
(2) روى الثقة الصفار (رحمه الله) بسنده عن عبد الرحيم القصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ان أمتي عرضت علي عند الميثاق، وكان اول من آمن بي وصدقني علي (عليه السلام)، وكان اول من آمن بي وصدقني حين بعثت، فهو الصِدِّيق الاكبر (2).
(3) روى العلامة البحراني (قدس سره) من كتاب الفردوس لابن شيرويه يرفعه الى حذيفة اليماني قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لو يعلم الناس متى سُمي علي أمير المؤمنين ما انكروا فضله ؟ سُمي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد وقوله تعالى : (واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى) وقالت الملائكة بلى فقال تبارك وتعالى : انا ربكم ومحمد نبيكم وعلي وليكم وأميركم (3).
(4) وروى البحراني (رحمه الله) بسنده عن ابن مسكان، عن بعض أصحابه عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ان أمتي عرضت عليّ في الميثاق فكان أول من آمن بي علي وهو أول من صدقني حيث بعثت وهو الصديق الاكبر والفاروق يفرق بين الحق والباطل (4).
(5) وروى عن جابر قال : قال ابو جعفر (عليه السلام) : ياجابر لو يعلم الجهال متى سمي أمير المؤمنين علي لم ينكروا حقه قال:قلت:جُعلت فداك متى سمي ؟فقال لي :قوله : « وأذ اخذ ربك من بني آدم الى الست بربكم وان محمد نبيكم رسول الله وان علياً أمير المؤمنين » قال : ثم قال لي: ياجابر هكذا والله جاء بها محمد (صلى الله عليه وآله)(5).
(6) روى محمد بن الحسن الصفار بسنده عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عزوجل : (واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم) قال : اخذ الله من ظهر آدم ذريته الى يوم القيامة وهم كالذر فعرفهم نفسه ولولا ذلك لم يعرف احد ربه وقال : الست بربكم قالوا بلى وان محمداً رسول الله وعلياً أمير المؤمنين (6).
(7) روى علي بن ابراهيم (رحمه الله) باسناده عن ابن سنان قال : قال : ابو عبد الله (عليه السلام) :
أول من سبق الى بلى رسول الله وذلك انه كان اقرب الخلق الى الله تبارك وتعالى وكان بالمكان الذي قال له جبرئيل لما اسرى به الى السماء : تقدم يامحمد فقد وطأت موطئاً لم يطأ احد قبلك لا ملك مقرب ولانبي مُرسل ولولا ان روحه ونفسه كانت من ذلك المكان لما قدر ان يبلغه فكان من الله عزوجل كما قال الله :(فكان قاب قوسين أو ادنى) اي بل ادنى  فلما خرج الامر من الله وقع الى اوليائه فقال الصادق (عليه السلام) : كان ذلك الميثاق مأخوذاً عليهم لله بالربوبية ولرسوله بالنبوة ولأمير المؤمنين (عليه السلام) والائمة بالامامة فقال : «الستُ بربكم ومحمد نبيكم وعلي امامكم والائمة الهادين ائمتكم فقالوا بلى فقال الله شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين ».
فأول ما أخذ الله عزوجل الميثاق على الانبياء له بالربوبية وهو قوله : (واذ اخذنا من النبيين ميثاقهم) فذكر جملة الانبياء ثم ابرز افضلهم بالاسامي فقال : «ومنك » يامحمد فقدَّم رسول الله لانه أفضلهم ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم فهؤلاء الخمسة افضل الانبياء ورسول الله افضلهم ثم أخذ بعد ذلك ميثاق رسول الله على الانبياء له بالايمان به وعلى ان ينصروا أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال (واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جائكم رسول مصدق لما معكم) يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) لَتُؤمِنُنَّ به ولتنصرنهُ يعني أمير المؤمنين تخبروا أممكم بخبره وخبر وليه من الائمة(7) .
(8) وعن محمد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) باسناده عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وعن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله : «لتؤمننَّ به ولتنصرنهُ»
قال : ما بعث الله نبياً من لدن آدم فهلم جرا الا ويرجع الى الدنيا فيقاتل فينصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين، ثم اخذ الله أيضاً ميثاق الانبياء لرسوله فقال : «قل يامحمد آمنا بالله وباليوم الآخر وما اُنزل الينا وما اُنزل الى ابراهيم واسمعيل واسحق ويعقوب والاسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيُّون من ربهم لا نفرقُ بين احد منهم ونحن له مسلمون » (8).
(9) وعن محمد بن يعقوب (رحمه الله) باسناده عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت له : لم سُمي أمير المؤمنين (عليه السلام) أمير المؤمنين ؟ قال : سماهُ الله وهكذا أنزله في كتابه : «واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذُرّيتهم وأشهدهم على انفسهم الستُ بربكم وان محمداً رسولي وان علياً أمير المؤمنين(عليه السلام) » (9).
(10) روى محمد بن يعقوب الكليني (قدس سره) باسناده عن صالح بن سهيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) ان بعض قريش قال لرسول الله : باي شيء سبقت الانبياء وانت بُعثت آخرهم وخاتمهم ؟ فقال : اني كنتُ أول من آمن بربي وأول من اجاب حين اخذ الله ميثاق النبيين وأشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى، فكنتُ انا أول نبي قال بلى فسبقتهم بالاقرار بالله(10).
(11) روى ثقة الاسلام الكليني (قدس سره) باسناده عن حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ان الله تبارك وتعالى حيث خلق الخلق خلق ماءً عذباً وماءً مالحاً اجاجاً فامتزج المائان، فأخذ طيناً من أديم الارض فعركه عركاً شديداً فقال لاصحاب اليمين وهم كالذر يدبُّون : الى الجنة ولا ابالي بسلام، وقال لاصحاب الشمال : الى النار ولا ابالي.
ثم قال : (الست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين ) ثم اخذ الميثاق على النبيين فقال :«الست بربكم وان هذا محمد رسولي وان هذا علي أمير المؤمنين»؟ قالوا : بلى، فثبت لهم النبوة، وأخذ الميثاق على أولي العزم : «انني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأَوصياؤه من بعده ولاة امري وخُزان علمي وان المهدي انتصر به لديني واُطهِّر به أرضي واظهر به دولتي وانتقم به من اعدائي واُعبَد به طوعاً وكرهاً » قالوا : أقررنا يارب وشهدنا، ولم يجحد آدم ولم يُقر، فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي ولم يكن لآدم عزم على الاقرار به وهو قوله : (ولقد عهدنا الى آدم من قبلُ فنسي ولم نجد له عزماً) قال : انما هو فترك .
ثم أمر ناراً فأجّجت وقال لاصحاب الشمال : ادخلواها فهابوها فقال لاصحاب اليمين : ادخلوها فدخلوها، فكانت عليهم برداً وسلاماً.
فقال اصحاب الشمال : يارب فاقلنا، فقال : قد اقلتكم فدخلوها فهابوها، فثم ثبتت الطاعة والولاية والمعصية (11).
(12) روى السيد الرضي في الخصائص باسناده مرفوع الى الاصبغ بن نباته قال : اتي ابن الكواء أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان معنّتاً في المسائل، فقال : ياامير المؤمنين خبّرني عن الله عزوجل هل كلم احداً من اولاد ادم قبل موسى ؟
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : قد كلم الله جميع خلقه برّهم وفاجرهم وردّوا عليه الجواب .
قال : فثقل على ابن الكوا ولم يعرفه فقال : وكيف كان ذلك ؟
فقال : أوما تقرأ كتاب الله اذ يقول لنبيه : (واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم وأشهدهم على انفسهم الستُ بربكم قالوا بلى ) فقد اسمعهم كلامه وردوا عليه كما تسمع في قول الله يابن الكوا «قالوا بلى» ثم قال : اني انا الله لا اله الا انا وانا الرحمن الرحيم، فاقروا له بالطاعة والربوبية، وانه ميز الرسل والانبياء والاوصياء وامر الخلق بطاعتهم فاقروا بذلك في الميثاق واشهد الملائكة عليهم ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين (12).
(13) روى ابن بابويه (رحمه الله) بسنده عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) في حديث طويل قال فيه : قال الله عزوجل لجميع ارواح بني آدم :«الست بربكم قالوا بلى» كان أول من قال بلى محمد (صلى الله عليه وآله) فصار سبقه الى سيّد الاولين والآخرين وافضل الانبياء والمرسلين (13).

«ختامه مسك»
يصادف اليوم الثلاثاء السابع عشر من ربيع الاول يوم المولد النبوي الشريف (صلى الله عليه وآله)(14) وقد اختار المجلسي رضوان الله عليه لهذا اليوم زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) الخاصة بالمولد وقال عنها انها احسن الزيارات سنداً واعتباراً في كتب الحديث المعتبرة.
اقول : لو سأل سائل فقال : قد رويت زيارات مخصوصة في يوم الميلاد النبوي ويوم المبعث لامير المؤمنين صلوات الله عليه دون النبي (صلى الله عليه وآله) وكان ينبغي ان ترد فيها زيارة مخصوصة لرسول الله، فكيف ذلك ؟
اجبناه : انما ذلك لما بين هذين القدوتين العظيمين من شدة الاتصال، ولما بين هذين النورين الطاهرين من كمال الاتحاد بحيث كان من زار أمير المؤمنين (عليه السلام)كمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويشهد على ذلك الكتاب المجيد آية : (انفسنا) وهو في آية المباهلة نفس المصطفى ليس غيره اياها، كما يشهد عليه من الاخبار روايات عديدة :منها ما رواه الشيخ محمد بن المشهدي عن الصادق (عليه السلام) قال :
ان رجلا من الاعراب اتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال : يارسول الله ان داري بعيدة من دارك وانني اشتاق الى زيارتك ورؤيتك فاقدم اليك زائراً فلايتيسَّر رؤيتك فازور علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيؤنسني بحديثه ومواعظه، ثم اعود مغتماً محزوناً لما ايست من زيارتك، فقال (صلى الله عليه وآله) : من زار علياً (عليه السلام) فقد زارني ومن احبه فقد احبني ومن عاداه فقد عاداني، بلّغه عني الى قومك، ومن اتاهُ زائراً فقد اتاني واني مجزيه يوم القيامة وجبريل وصالح المؤمنين.
وفي الحديث المعتبر عن الصادق (عليه السلام) قال : اذا زرت جانب النجف فزر عظام آدم (عليه السلام) وبدن نوح (عليه السلام) وجسد علي بن أبي طالب (عليه السلام) تزور بذلك الآباء الماضين ومحمداً (صلى الله عليه وآله) خاتم النبيين وعلياً افضل الاوصياء.

الهوامش
(1) امالي الشيخ : 63 و64، البحار ج38 : 44 / 111 .
(2) بصائر الدرجات : 23، البحار ج38: 30 / 226 .
(3) تفسير البرهان : ج2 ح37 ص51 .
(4) تفسير البرهان : ج2 ح33 ص50 ـ 51 .
(5) تفسير البرهان : ج2 ح32 ص50. والمقصود بهذا المعنى نزلت هذه الآية.
(6) تفسير البرهان : ج2 ح17 ص48 .
(7) البرهان ج2 : ح12 ص47 ـ 48 .
(8) تفسير البرهان ج2 ح13 ص48 .
(9) تفسير البرهان ج2 : ح10 ص47
(10) البرهان ج2 : ح1 ص46 .
(11) تفسير البرهان : ج2 : ح8 ص47.
(12) تفسير البرهان ج2 : ح19 ص49 .
(13) تفسير البرهان : ج2 : 20 ص49.
(14) مفاتيح الجنان المعرب : ص 379.