• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

لوعة الرسول في فقد أم البتول

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيد الكائنات وآله الطاهرين واللعن على أعدائهم أجمعين أبد اللآبدين
نار الحصار
إن الكلام عن عام الحزن يفرض علينا أن نلفت إلى عمق المأساة التي اكتنفت ذلك العام، ولعلنا نرى أنفسنا أمام حدث يتطلب منا المزيد من التمعن العميق لإدراك تردداته التي ألمَّتْ بقلب قلب الوجود صلى الله عليه وآله.
مأساة شعب أبي طالب، حيث أجمَعَ أكابرُ قريش على نفي بني هاشم قاطبة، فأخرجوهم من مكةَ، وحاصروهم في شعب أبي طالب حصاراً شاملاً يمنع عنهم كل حِراكٍ اقتصادي، أو اجتماعي، فلا بيع ولا شراء ولا هدية ولا هبة ولا زواج ولا تزويج.
لقد كانوا يُمنعون الطعام من عام إلى عام، إلا ببعض عمليات التهريب والتسريب.
ولم يؤمَّد الحصار بأمدٍ مُعَيَّنٍ يُعينُ المحاصَرينَ على حزازة ضنكه؛ لقد كان الأفق ملبدا بالغيوم القاتمة والنفق لا تُلمح له نهاية. أعوام أذاقت بني هاشم الجوع والأذى، وأشد ما في البين الحرب النفسية الضروس التي شنت عليهم بفعل العزل التام والنبذ المقيت بما يقصر عنه الوصف.

مقابلة بين حصارَين
وألفتني أن يكون بدء الحصار القرشي في مستهل شهر محرم الحرام ليتطابق التاريخ عَوداً على بدء، حيث جرى التالون على ما أسسه الأولون، فشهد حصاراً آخر فرضه أبناءُ المحاصِرين على أبناء المحاصَرين في مستهل محرم الحرام، وذلك في أرض كربلاء، مع الفرق الفارق بين الحصارين ختاماً فانتهى الأخيرُ عن جثامين نهبتها السيوف، ومزقتها الرماح، وسحقتها الخيول، وكان للأطفال فيها فطامٌ مُبتَكَرٌ نُصولاً تفري نواعمَ النحور، وللنساء فيها هَتكُ الأستار، وذُلُّ الأسار.
أما حصار الشعب فقد استمر لأعوام ثلاث أو أربع حتى أكلت الأرضة صحيفة المشركين المشتملة على قراره فأسقط في يد الطاغين وظهر أمر الله وهم كارهون.

لَهَفُ القلب الأقدس
كان رسول الله صلى الله عليه وآله يرى أرحامه وعشيرته بفتيانهم وفتياتهم وشيوخهم وأطفالهم ونسائهم يعانون الأمرين يدفعون ثمن وفائهم له وعدم تخليهم عنه؟!
ولا ينقضي العجب والإعجاب بذلك القلب الكبير الذي هو مستقر الرحمة والرأفة كيف استقر بين حنايا أضالعه وهو ينظر إلى براعم دوحته تلفحهم هاجرات الجوع، وشيوخها يتململون تململ السليم، تُقلّبُهُم الأسقام؟!
ولله تلك الروح الرقيقة الرحمانية الرحيمية لم تغادر رداءها الترابي، وهي تسمع أنين الأمهات وتلحظ لآلئ العبرات تسح على وجنات رياحين هاشم أسى وفَرَقاً.
لقد عض على الجراح بنواجذ الصبر ملتزما بالصمود، مُحتَسِباً الأذى في سبيل الله، معرضا عن خيار العنف والمواجهة، يعينه على مهمته المضنية ركناه: أبو طالب وابنه وخديجة زوجته.
لكن كل ذلك لا يقاس بفاجعةِ فجائعِ الحصار إذ انهد ركناه برحيل أبي طالب خيرة أعمامه، صاحب النور الأنور يوم المحشر، وخديجة مشكاة المشكاة.

لمعات من فضائلها
إن أردنا أن نختصر القول في وصف قطرة من بحار فضلها لقلنا:
هي صاحبة النظرة الثاقبة والقلب الواعي الملهم بشهادة عرفانها المتمثل بإقدامها طالبةً خطبة من كانت المُثُل العليا ومكارم الأخلاق رأس ماله الأوحد في ما ترى.
أوّل المصدّقين برسول الله صلى الله عليه وآله على الإطلاق، فأبو طالب وصي في سلسلة الأوصياء سلم الأمانة له وعلي نفس النبي يسمع ما يسمعه ويرى ما يراه داعيا للإسلام غير مدعوّ إليه؛ لذلك فإنها على التحقيق أول من آمن على الإطلاق من النساء والرجال برسالته.
المجاهدة الأولى في الدعوة المحمدية المؤثرة بمالها المضحية بجاهها ابتغاء مرضاة الله.
المختصة من الله بشرف الاستيلاد من رسول الله لا يشاركها في ذلك أحد.
مستودع الأنوار البهية للعترة النبوية.
الكاملة من أربع استأثرن بالكمال الإنساني من النساء في النص الشريف.
ذات السيادة على نساء العالمين واحدة من أربع.

وقع الفراق
كيف لي أن أصوّر أو أتصور تلك اللحظة الرهيبة ووقعها على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وقد استجمعت في المودّعة كل ما للوداع من مُلوّعات.
حبيبته المتيمة بحبه، الموحدة في ولائها له، المسلِّمة تمام التسليم رهن إشارته طوعا ورضا، الناثرة كل كيانها على قدميه..
شاركته أعباء قضيته منذ البذار الأول، وتجشمت ألوان العناء وكابدت فنون الجفاء وقاست أنواع السخرية والاستهزاء
كانت سيدة الأعمال الأولى في أم القرى صاحبة المكانة المرموقة التي يخطب ودها سيدات مكة فعادت في سبيله وحيدة فريدة مقصية لا تجد من يلي أمرها ساعة مخاضها.. ها هي اليوم إذ تفارقه لا تملك من متاع الدنيا نقرة وقليلا ولا كثيرا..
تفارقه في واحدة من أشد الأزمات، تطبق جفنها قبل أن تقر عينها بإثمار غراسها؛ لم تلمح للرسالة راية خفاقة، ولم تسمع للأذان نداءا مدويا، ولم تر جموع الناطقين بالشهادتين يبايعون..
وحسبي أن أراه مقسّمَ الطَرف بين حبيبة مفارقة وحبيبة تهمي مهجة الفؤاد عبرات حرى تكفكفها بكفيها الصغيرتين..

كتبه عبد آبائه الطاهرين
السيد محمد الرضا شرف الدين


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page