• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المناظرة الثانية والستون: مناظرة الشيخ المفيد مع بعضهم في علة استتار الإمام المهدي (عليه السلام)

قال الشريف المرتضى عليه الرحمة: سئل الشيخ - أيده الله - فقيل له: أليس رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد ظهر قبل استتاره ودعا إلى نفسه قبل هجرته، وكانت ولادته معروفة ونسبه مشهورا وداره معلومة، هذا مع الخبر عنه في الكتب الأولى والبشارة به في صحف إبراهيم وموسى (عليهما السلام) وإدراك قريش وأهل الكتاب علاماته ومشاهداتهم لدلائل نبوته وأعلام عواقبه، فكيف لم يخف مع ذلك على نفسه ولا أمر الله أباه بستر ولادته، وفرض عليه إخفاء أمره كما زعمتم أنه فرض ذلك على أبي الإمام لما كان المنتظر عندكم من بين الأئمة والمشار إليه بالقيام بالسيف دون آبائه، فأوجب ذلك على ما ادعيتموه واعتللتم به في الفرق بين آبائه وبينه في الظهور على خبره وكتم ولادته والستر عن الأنام شخصه، وهل قولكم في الغيبة مع ما وصفناه من حال النبي (صلى الله عليه وآله) إلا فاسد متناقض؟ جواب: - يقال إن المصلحة لا تكون من جهة القياس، ولا تعرف أيضا بالتوهم، ولا يتوصل إليها بالنظائر والأمثال، وإنما تعلم من جهة علام الغيوب المطلع على الضمائر العالم بالعواقب الذي لا تخفى عليه السرائر، فليس ننكر أن يكون الله سبحانه قد علم من حال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، مع جميع ما شرحتم أنه لا يقدم عليه أحد ولا يؤثر ذلك منه، إما لخوف من الإقدام على ذلك، أو لشك فيما قد سمعوه من وصفه، أو لشبهة عرضت لهم في الرأي فيه، فتدبير الله سبحانه له في الظهور على خلاف تدبير الإمام المنتظر لاختلاف الحالين. ويدل على ما بيناه ويوضح عما ذكرناه أنه لم يتعرض أحد من عبدة الأوثان، ولا أهل الكتاب ولا أحد من ملوك العرب والفرس مع ما قد اتصل بهم من البشارة بالنبي (صلى الله عليه وآله) لأحد من آباء الرسول (صلى الله عليه وآله) بالإخافة، ولا لاستبراء واحدة من أمهاته لمعرفة الحمل به، ولا قصدوا الإضرار به في حال الولادة ولا طول زمانه إلى أن صدع بالرسالة. ولا خلاف أن الملوك من ولد العباس لم يزالوا على الإخافة لآباء الإمام وخاصة ما جرى من أبي جعفر المنصور مع الصادق (عليه السلام)، وما صنعه هارون بأبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) حتى هلك في حبسه ببغداد، وما قصد المتوكل بأبي الحسن العسكري (عليه السلام) جد الإمام حتى أشخصه من الحجاز فحبسه عنده بسر من رأى، وكذلك جرى أمر أبي محمد الحسن (عليه السلام) بعد أبيه إلى أن قبضه الله تعالى. ثم كان من أمر المعتمد بعد وفاة أبي محمد (عليه السلام) ما لم يخف على أحد من حبسه لجواريه والمسائلة عن حالهن في الحمل، واستبراء أمرهن عندما اتفقت كلمة الإمامية على أن القائم هو ابن الحسن (عليه السلام) فظن المعتمد أنه يظفر به فيقتله ويزيل طمعهم في ذلك، فلم يتمكن من مراده وبقي بعض جواري أبي محمد (عليه السلام) في الحبس أشهرا كثيرة، فدل بذلك على الفرق بين حال النبي (صلى الله عليه وآله) في مولده وبين الإمام (عليه السلام) على ما قدمناه بما ذكرناه وشرحناه. وشيء آخر وهو أن الخوف قد كان مأمونا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بني هاشم وبني عبد المطلب وجميع أهل بيته وأقاربه، لأن الشرف المتوقع له بالنبوة كان شرفهم والمنزلة التي تحصل له بذلك فهي تختص بهم، وعلمهم بهذه الحال يبعثهم على صيانته وحفظه وكلائته ليبلغ الرتبة التي يرجونها له فينالون بها أعلى المنازل ويملكون بها جميع العالم. وأما البعداء منهم في النسب فيعجزون عن إيقاع الضرر به لموضع أهل بيته ومنعهم منه وعلمهم بحالهم وأنهم أمنع العرب جانبا وأشدهم بأسا وأعزهم عشيرة، فيصدهم ذلك عن التعرض له ويمنع من خطوره ببالهم، وهذا فصل بين حال النبي (صلى الله عليه وآله) فيما يوجب ظهوره مع انتشار ذكره والبشارة به، وبين الإمام فيما يجوز استتاره وكتم أمر ولادته، وهذا بين لمن تدبره. وشيء آخر وهو أن ملوك العجم في زمان مولد النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكونوا يكرهون مجئ نبي يدعو إلى شرع مستأنف، ولا يخافون بمجيئه على أنفسهم ولا على ملكهم، لأنهم كانوا ينوون الإيمان به والاتباع له، وقد كانت اليهود تستفتح به على العرب وترجو ظهوره كما قال الله عز وجل: *(فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به)*(1) وإنما حصل للقوم الخلاف عليه والإباء له بنية تجددت لهم عند مبعثه. ولم يجر أمر الإمام المنتظر (عليه السلام) هذا المجرى بل المعلوم من حال جميع ملوك زمان مولده ومولد آبائه، خلاف ذلك من اعتقادهم فيمن ظهر منهم يدعو إلى إمامة نفسه أو يدعو إليه داع سفك دمه واستئصال أهله وعشيرته، وهذا أيضا فرق بين الأمرين. وشيء آخر وهو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكث ثلاث عشرة سنة يدعو بمكة إلى دينه والاعتراف بالوحدانية وبنبوته، ويسفه من خالفه ويضللهم ويسب آلهتهم، فلم يقدم أحد منهم على قتله ولا رام ذلك ولا استقام لهم نفيه عن بلادهم ولا حبسه ولا منعه من دعوته، ونحن نعلم علما يقينا لا يتخالجنا فيه الشك بأنه لو ظن أحد من ملوك هذه الأزمان ببعض آل أبي طالب أنه يحدث نفسه بادعاء الإمامة بعد مدة طويلة، لسفك دمه دون أن يعلم ذلك ويتحققه فضلا عن أن يراه ويجده. وقد علم أهل العلم كافة أن أكثر من حبس في السجون من ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقتل بالغيلة إنما فعل به ذلك على الظنة والتهمة دون اليقين والحقيقة، ولو لم يكن أحد منهم حل به ذلك إلا موسى بن جعفر (عليهما السلام) لكان كافيا، ومن تأمل هذه الأمور وعرفها وفكر فيما ذكرناه وتبينه انكشف له الفرق بين النبي وبين الإمام فيما سأل عنه هؤلاء القوم ولم يتخالجه فيه ارتياب والله الموفق للصواب. وبهذا النحو يجب أن يجاب من سأل فقال: أليس الرسول (صلى الله عليه وآله) قد ظهر في أول أمره وعرفت العامة والخاصة وجوده ثم استتر بعد ذلك عند الخوف على نفسه، فقد كان يجب أن يكون تدبير الإمام في ظهوره واستتاره كذلك، مع أن الاتفاقات ليس عليها قياس، والألطاف والمصالح تختلف في أنفسها ولا تدرك حقائقها إلا بسمع يرد عن عالم الخفيات، جلت عظمته فلا يجب أن نسلك في معرفتها طريق الاعتبار. وليس يستتر هذا الباب إلا على من قل علمه بالنظر وبعد عنه الصواب والله نستهدي إلى سبيل الرشاد (2).
************************************
(1) سورة البقرة: الآية 89.
(2) الفصول المختارة للمفيد: ص 266 - 269. 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page