مناظرة شيخ من أهل البصرة مع يحيى بن أكثم (1) في حكم المتعة
قال يحيى بن أكثم لشيخ البصرة: بمن اقتديت في جواز المتعة؟ فقال: بعمر بن الخطاب. فقال له: كيف وعمر كان أشد الناس فيها!؟ قال: لأن الخبر الصحيح أنه صعد إلى المنبر، فقال: إن الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) قد أحلا لكما متعتين، وإني محرمهما عليكم أو أعاقب عليهما (2)، فقبلنا شهادته (3) ولم نقبل تحريمه (4).
************************************
(1) هو: أبو محمد يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن بن سمعان التميمي الأسيدي المروزي، من ولد أكثم بن صيفي حكيم العرب، ولد في مرو سنة 159 ه، ذكر من أصحاب الشافعي، له عدة تصانيف، ولاه المأمون قضاء البصرة سنة 202 ه، ثم قضاء القضاة ببغداد، وأضاف إليه تدبير مملكته، ولما مات المأمون وولي المعتصم عزله عن القضاء، فلزم بيته ولما آل الأمر إلى المتوكل رده إلى عمله، ثم عزله سنة 240 ه، وأخذ أمواله، ثم ارتحل إلى مكة، توفي في الربذة سنة 242 ه. راجع ترجمته في: وفيات الأعيان لابن خلكان: ج 6 ص 147 ترجمة رقم: 147، تاريخ بغداد للخطيب: ج 14 ص 191 ترجمة رقم: 7489، الأعلام للزركلي: ج 9 ص 167، سفينة البحار للقمي: ج 1 ص 367.
(2) تقدمت تخريجاته.
(3) إذ مما لا شك فيه إن حلال الله ورسوله حلال إلى يوم القيامة وحرامهما حرام إلى يوم القيامة، فعلى أي أساس يترك تشريع رسول الله (صلى الله عليه وآله) لها الذي هو بأمر الله تعالى وقد قال في حق نبيه الكريم: *(وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)* ويؤخذ بقول غيره، فيكون حينئذ اجتهاد في مقابل النص ولذا أنكر بعض الصحابة على تحريم الخليفة للمتعة، ولم يسوغوا الأخذ بقوله في قبال قول النبي (صلى الله عليه وآله)، إذ أن في ذلك نقضا لما سنه النبي وشرعه من الأحكام الشرعية، فهذا عبد الله بن عمر يسأله رجل من أهل الشام عن التمتع بالعمرة إلى الحج فقال له: هي حلال، فقال: إن أباك قد نهى عنها، فقال له ابن عمر: أرأيت إن كان أبي نهى عما وضعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أأمر أبي نتبع أم أمر رسول الله، فقال الرجل: بل أمر رسول الله (الجامع الصحيح للترمذي: ج 3 ص 185 ح 824) وكذلك ابن عباس لما قال بحلية المتعة، اعترض عليه جبير بن مطعم وقال له: كان عمر ينهى عنها، فقال له ابن عباس: يا عدي نفسه، من ها هنا ضللتم، أحدثكم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتحدثني عن عمر. (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 20 ص 25) وروى الخطيب البغدادي في تاريخه: ج 14 ص 199 بسنده عن أبي العيناء، قال: كنا مع المأمون في طريق الشام، فأمر فنودي بتحليل المتعة، فقال لنا يحيى بن أكثم: بكرا غدا إليه فإن رأيتما للقول وجها فقولا، وإلا فاسكتا إلى أن أدخل! قال: فدخلنا إليه وهو يستاك، ويقول - وهو مغتاظ -: متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى عهد أبي بكر، وأنا أنهى، ومن أنت.... حتى تنهى عما فعله النبي (صلى الله عليه وآله) وأبو بكر، فأومأت إلى محمد بن منصور، أن أمسك... الخ. وأما دعوى النسخ فغير صحيحة وذلك لعدة أمور، أولا: قول عمر: متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ظاهر في حليتها في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم تحرم إلى أن مات، ثانيا: لو كانت منسوخة لما نسب لنفسه التحريم، إذ لا أثر لتحريمه بعد ما كانت حراما على سبيل الفرض، ثالثا: عمل بعض الصحابة بها وتصريحهم بحليتها، فلو كانت منسوخة لما خفيت عليهم خصوصا أمثال ابن عباس حبر الأمة، وعبد الله بن عمر ابن الخليفة نفسه، وغيرهما من الصحابة الذين قالوا بحليتها، بل هناك من شهد بعدم النسخ والحرمة، فهذا عمران بن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى، وعملنا بها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم تنزل آية نسخها، ولم ينه عنها النبي (صلى الله عليه وآله) حتى مات. (مسند أحمد بن حنبل: ج 4 ص 436) صريح في أن دعوى النسخ غير صحيحة البتة، وأما ترك بعض الصحابة لها فلا يدل على حرمتها، إذ أن مجرد الترك لا يدل على الحرمة بل هو أعم.
(4) محاضرات الأدباء للإصفهاني: ج 3 ص 314.
المناظرة السابعة والعشرون: مناظرة شيخ من أهل البصرة مع يحيى بن أكثم في حكم المتعة
- الزيارات: 256