• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المناظرة الثامنة والثلاثون: مناظرة الشيخ المفيد مع بعض فقهاء العامة في حكم الاجتهاد والتصويب

قال الشيخ الكراجكي - عليه الرحمة - في كتابه كنز الفوائد: جرى لشيخنا المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان - رضوان الله عليه - مع بعض خصومه في قولهم: إن كل مجتهد مصيب . قال شيخنا المفيد (رضي الله عنه): كنت أقبلت في مجلس على جماعة من متفقهة العامة، فقلت لهم: إن أصلكم الذي تعتمدون عليه في تسويغ الاختلاف، يحظر عليكم المناظرة، ويمنعكم من الفحص والمباحثة، واجتماعكم على المناظرة يناقض أصولكم في الاجتهاد، وتسويغ الاختلاف. فإما أن تكونوا مع حكم أصولكم، فيجب أن ترفعوا النظر فيما بينكم، وتلزموا الصمت. وإما أن تختاروا المناظرة، وتؤثروها على المتاركة، فيجب أن تهجروا القول بالاجتهاد، وتتركوا مذاهبكم في الرأي، وجواز الاختلاف، ولا بد من ذلك ما أنصفتم وعرفتم طريق الاستدلال. فقال أحد القوم: لم زعمت أن الأمر كما وصفت، ومن أين وجب ذلك؟ قال شيخنا (رحمه الله): فقلت له: علي البيان عن ذلك، والبرهان عليه حتى لا(يحتج) على أحد من العقلاء، أليس من قولكم أن الله تعالى سوغ خلقه (1) الاختلاف في الأحكام للتوسعة عليهم، ودفع الحرج عنهم رحمة منه لهم، ورفقا بهم، وأنه لو ألزمهم الاتفاق في الأحكام، وحظر عليهم الاختلاف لكان مضيقا عليهم، (معنتا) لهم، والله يتعالى عن ذلك، حتى (أكدتم) هذا المقال بما رويتموه عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: اختلاف أمتي رحمة (2)، وحملتم معنى هذا الكلام منه على وفاق ما ذهبتم إليه في تسويغ الاختلاف. قال: بلى، فما الذي يلزمنا على هذا المقال؟ قال شيخنا (رحمه الله): قلت له: فخبرني الآن عن موضع المناظرة، أليس إنما هو التماس الموافقة، ودعاء الخصم بالحجة الواضحة إلى الانتقال إلى موضع الحجة، وتتغير له عن الإقامة على ضد ما دل عليه البرهان؟ قال: لا، ليس هذا موضوع المناظرة، وإنما موضوعها لإقامة الحجة والإبانة عن رجحان المقالة فقط. قال الشيخ: فقلت له: وما الغرض في إقامة الحجة والبرهان على الرجحان، وما الذي يجرانه إلى ذلك، والمعنى الملتمس به، أهو تبعيد الخصم من موضع الرجحان والتنفير له عن المقالة بإيضاح حججها، أم الدعوة إليها بذلك، واللطف في الاجتذاب إليها به؟؟ فإن قلت: إن الغرض للمحتج التبعيد عن قوله بإيضاح الحجة عليه، والتنفير عنه بإقامة الدلالة على صوابه؟ قلت: قولا يرغب عنه كل عاقل، ولا يحتاج معه لتهافته إلى كسره.
وإن قلت: إن الموضح عن مذهبه بالبرهان داع إليه بذلك، والدال عليه بالحجج البينات يجتذب بها إلى اعتقاده ضرب بهذا القول - وهو الحق الذي لا شبهة فيه - إلى ما أردناه، من أن موضوع المناظرة إنما هو للموافقة ورفع الاختلاف والمنازعة. وإذا كان ذلك كذلك، فلو حصل الغرض في المناظرة وما أجرى بها عليه لارتفعت الرحمة، وسقطت التوسعة، وعدم الرفق من الله تعالى بعباده، ووجب في (3) صفة العنت والتضييق، وذلك ضلال من قائله، فلا بد على أصلكم في الاختلاف من تحريم النظر والحجاج، وإلا فمتى صح ذلك، وكان أولى من تركه فقد بطل قولكم في الاجتهاد، وهذا ما لا شبهة فيه على عاقل. فاعترض رجل آخر في ناحية المجلس فقال: ليس الغرض في المناظرة الدعوة إلى الاتفاق، وإنما الغرض فيها إقامة الغرض من الاجتهاد. فقال له الشيخ (رحمه الله): هذا الكلام كلام صاحبك بعينه في معناه، وأنتما جميعا حائدان عن التحقيق والصواب، وذلك أنه لا بد في فرض الاجتهاد من غرض، ولا بد لفعل النظر من معقول. فإن كان الغرض في أداء الفرض بالاجتهاد، البيان عن موضع الرجحان، فهو الدعاء في المعقول إلى الوفاق والإيناس بالحجة إلى المقال. وإن كان الغرض فيه التعمية والإلغاز فذلك محال، لوجود المناظر مجتهدا في البيان التحسين لمقاله بالترجيح له على قول خصمه في الصواب. وإن كان معقول فعل النظر ومفهوم غرض صاحبه، الذب عن نحلته والتنفير عن خلافها، والتحسين لها، والتقبيح لضدها، والترجيح لها على غيرها، وكنا نعلم ضرورة أن فاعل ذلك لا يفعله للتبعيد من قوله، وإنما يفعله للتقريب منه والدعاء إليه، فقد ثبت بما قلناه. ولو كان الدال على قوله الموضح بالحجج عن صوابه، المجتهد في تحسينه وتشييده، غير قاصد بذلك إلى الدعاء إليه، ولا مزيد للاتفاق عليه، لكان المقبح للمذهب الكاشف عن عواره الموضح عن ضعفه ووهنه داعيا بذلك إلى اعتقاده، ومرغبا به إلى المصير إليه. ولو كان ذلك كذلك لكان إلزام الشيء مدحا له، والمدح له ذما له، والترغيب في الشيء ترهيبا عنه، والترهيب عن الشيء ترغيبا فيه، والأمر به نهيا عنه، والنهي عنه أمرا به، والتحذير منه إيناسا به، وهذا ما لا يذهب إليه سليم. فبطل ذلك ما توهموه، ووضح ما ذكرناه في تناقض نحلتهم على ما بيناه، والله نسأل التوفيق. قال شيخنا (رحمه الله): ثم عدلت إلى صاحب المجلس فقلت له: لو سلم هؤلاء من المناقضة التي ذكرناها - ولن يسلموا أبدا من الله - لما سلموا من الخلاف على الله فيما أمر به، والرد للنص في كتابه، والخروج عن مفهوم أحكامه بما ذهبوا إليه من حسن الاختلاف وجوازه في الأحكام، قال: الله عز وجل: *(ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظم)*(4). فنهى الله تعالى نهيا عاما ظاهرا، وحذر منه وزجر عنه، وتوعد على فعله بالعقاب، وهذا مناف لجواز الاختلاف، وقال سبحانه: *(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)*(5) فنهى عن التفرق، وأمر الكافة بالاجتماع، وهذا يبطل قول مسوغ الاختلاف، وقال سبحانه: *(ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك)*(6)، فاستثنى المرحومين من المختلفين، ودل على أن المختلفين قد خرجوا بالاختلاف عن الرحمة، لاختصاص من خرج عن صفتهم بالرحمة، ولولا ذلك لما كان لاستثناء المرحومين من المختلفين معنى يعقل، وهذا بين لمن تأمله. قال: صاحب المجلس: أرى هذا الكلام كله يتوجه على من قال: إن كل مجتهد مصيب، فما تقول فيمن قال: إن الحق في واحد ولم يسوغ الاختلاف؟ قال الشيخ (رحمه الله): فقلت له: القائل بأن الحق في واحد، وإن كان مصيبا فيما قال على هذا المعنى خاصة، فإنه يلزمه المناقضة بقوله: إن المخطئ للحق معفو عنه غير مؤاخذ بخطئه فيه، واعتماده في ذلك على أنه لو أوخذ به للحقه العنت والتضييق، فقد صار بهذا القول إلى معنى قول الأولين فيما عليهم من المناقضة، ولزمهم من أجله ترك المباحثة والمكالمة، وإن كان القائلون بإصابة المجتهدين الحقة، يزيدون عليه في المناقضة وتهافت المقالة، بقول الواحد لخصمه قد أخطأت الحكم، مع شهادته له بصوابه فيما فعله مما به أخطأ الحكم عنده، فهو شاهد بصوابه وخطئه في الإصابة، معترف له ومقر بأنه مصيب في خلافه، مأجور على مباينته، وهذه مقالة تدعو إلى ترك اعتقادها بنفسها، وتكشف عن قبح باطنها بظاهرها، وبالله التوفيق. ذكروا أن هذا الكلام جرى في مجلس الشيخ أبي الفتح عبيد الله بن فارس قبل أن يتولى الوزارة (7).
************************************
(1) الظاهر: سوغ لخلقه، والله العالم.
(2) كنز العمال: ج 10 ص 136 ح 28686، تذكرة الموضوعات: ص 90، إتحاف السادة المتقين: ج 1 ص 204 و205.
(3) الظاهر: فيه.
(4) سورة آل عمران: الآية 105.
(5) سورة آل عمران: الآية 103.
(6) سورة هود: الآية 118 و119.
(7) كنز الفوائد للكراجكي: ج 2 ص 210 - 214.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page