• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

قصة سليمان (عليه السلام)

 [وفيها شبهات ثلاثة]
[الأولى]

تمسكوا بقوله تعالى: (إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد) الآيات قالوا: ظاهر الآية يدل على أن مشاهدة الخيل ألهته عن ذكر ربه حتى روى أن الصلاة فاتته
[جوابه] نذكر تفسير الآية فإن بذكره تزول الشبهة، فنقول: المخصوص بالمدح في (نعم العبد) محذوف فقيل: هو سليمان، وقيل: هو داود عليهم السلام، والأول أولى، لأنه أقرب المذكورين، ثم علل كونه ممدوحا بكونه أوابا رجاعا إليه بتوبته، أو مؤوبا بالتسبيح مرجعا لأن كل مؤب أواب (إذ عرض عليه) أي على سليمان عليه السلام لأنه أقرب المذكورين - الصفون - الوقوف عن ابن قتيبة وصفها بالصفون والجودة ليجمع لها بين الوصفين المحمودين واقفة وجارية فإذا وقفت كانت مطمئنة في مواقفها وإذا جرت كانت سراعا في جريها (أحببت حب الخير عن ذكر ربي) وفيه ثلاثة أوجه:
(الأول) أن تضمن أحببت معنى فعل يتعدى بعن، كأنه قيل: أتيت حب الخير عن ذكر ربي
(الثاني) أحببت بمعنى لزمت الخير عن ذكر ربي عن كتاب ربي. وهو التوراة أو غيرها. فكما أن ارتباط الخيل في كتابنا ممدوح فكذا في كتابهم، وهذا أولى من الأول، لأن فيه تقرير الظاهر
(الثالث) أن الإنسان قد يقول: إني أحب كذا ولكني أحب أن لا أحبه كالمريض الذي يشتهي ما يؤذيه فأما من أحب شيئا وأحب
محبته له كان ذلك غاية المحبة، فقوله: أحببت حب الخير بمعنى أحببت حبي لهذه الخيل. وهذا الوجه الذي استنبطته أظهر الوجوه والضمير في (حتى توارت) وفي (ردوها) يحتمل أن يكون عائدا إلى الشمس لأنه جرى ذكر ماله تعلق بها وهي العشي، وأن يكون عائدا إلى الصافنات وهذا أولى الوجهين، لأنها مذكورة صحيحا دون الشمس ولأنه أقرب في الذكر من لفظ العشي، وعند ذلك يفرض هاهنا احتمالات أربعة:
{الأول} أن يعود الضمير إلى الصافنات، كأنه قيل: حتى توارث الصافنات بالحجاب ردوا الصافنات إلى
{الثاني} أن يعود إلى الشمس، كأنه قيل: حتى توارت الشمس بالحجاب ردوا الشمس، قيل: إنه عليه الصلاة والسلام لما فاتته الصلاة سأل الله أن يرد الشمس وهذا بعيد لأن قوله (ردوها) خطاب للجمع والأنبياء لا يخاطبون الله تعالى بمثل هذا
{الثالث} أن يعود الأول إلى الشمس والثاني إلى الصافنات. وهو الذي ذهب إليه الأكثرون كأنه قيل حتى توارت الشمس بالحجاب. ردوا الصافنات إلى. وهذا أبعد لأنهما ضميران وردا في موضع واحد فتفريقهما لا بالدليل غير جائز
{الرابع} أن يعود الأول إلى الصافنات والثاني إلى الشمس. وهذا مما لم يذهب إليه أحد (فطفق مسحا بالسوق والأعناق) فجعل يمسح مسحا فالأكثرون أي يمسح بالسيف بسوقها وأعناقها، يعني يقطعها وهذا بعيد، لأنه لو كان المسح بالسوق والأعناق هو القطع لكان
القائل إذا قال: مسحت رأس فلان ويده فهم منه أنه قطعها ولكان معنى قوله (فامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) القطع بل لو قيل مسح رأسه بالسيف فربما فهم منه ضرب العنق، فأما إذا لم يذكر السيف فإنه لا يفهم منه الضرب والقطع البتة، على أن قوله: مسح عنقه بالسيف لا يفيد القطع إلا على سبيل المجاز. فكيف إذا ترك ذكر السيف؟
فإذا عرفت التفسير زعمت الحشوية أنه عليه السلام غزا أهل دمشق فأصاب ألف فرس فقعد يوما بعد ما صلى الأولى على كرسيه واستعرضها فلم تزل تعرض عليه حتى غفل عن صلاة العصر، أو عن ورد كان له من الذكر وقت العشي، حتى غربت الشمس وهو المراد من قوله تعالى (توارت بالحجاب) ثم استرد الخيل، وهو المراد بقوله (ردوها على) ثم عقرها تقربا إلى الله تعالى وهو المراد بقوله (فطفق مسحا بالسوق والأعناق)

واعلم أن هذه الحكاية مع أنه لا دلالة في الآية عليها البتة ففي الآية ما ينافيها من وجوه خمسة
(الأول) أنه تعالى وصف سليمان عليه السلام في مقدمة الآية بأن الله تعالى وهبه لداود عليه السلام في معرض الاكرام (1) وذلك ينافي أن يعقب ذلك بذكر أن سليمان كان تاركا للصلاة وبأنه أواب حال ما عرضت عليه الصافنات فإن لفظة (إذ) دالة على ذلك، وكونه أوابا وتاركا للصلاة في زمان واحد محال
(الثاني) أن قوله (أحببت حب الخير عن ذكر ربي) لو فسرنا
بأني لزمت الخير عن ذكر ربي لكان ذلك منافيا لما أرادوه، أما إذا فسرناه بأني أتيت حب الخير عن ذكر ربي فربما استقام لهم ما ذكروه، لكنا بينا أن الأول أولى
(الثالث) أن رجوع الضمير في (توارت) إلى الشمس يقتضي ترجيح غير المذكور، وترجيح البعيد على القريب، وهو غير جائز. وعلى تسليم ذلك فالحكم برجوع الضمير في (ردوها) إلى الصافنات تفريق للضمائر المشاكلة على أشياء متباينة
(الرابع) أن قوله تعالى (فطفق مسحا) لا دلالة فيه ألبتة على قولهم
(الخامس) أن هذه السورة إنما وردت في مناظرة الكفار، والمقصود من هذه القصص أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على مشاق التكاليف، ومتاعب الطاعات. وذلك المعنى لا يليق به ذكر أن الأنبياء كانوا تاركين للصلاة، ومتهالكين في حب الدنيا بل التفسير الحق الذي ينطبق اللفظ عليه أن رباط الخيل مندوب إليه في دينهم كما أنه كذلك في ديننا. ثم إن سليمان عليه السلام جلس لتعرض عليه الخيل، ثم بين أن ذلك لم يكن لحب الدنيا لأن الله تعالى أقره على ما قال (إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي) ثم أمر بركضها حتى توارت بالحجاب أي حتى غابت عن بصره ثم أمر بردها (فطفق مسحا) فطفق يمسح سوقها وأعناقها تشريفا لها وإبانة لعزتها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو. أو لأنه أراد أن يبين عن نفسه إنه في السياسة وحفظ الدين والدنيا بحيث لا يخفى عليه شيء من مصالحه، أو لأنه كان أعلم بأحوال الخيل من غيره يفحصها ويمسحها ليعلم حالها في الصحة والسقم فهذا الذي ذكرناه كلام ينطبق عليه اللفظ ويلائمه ما قبل الآية وما بعدها. وفيه تعظيم الأنبياء فكان أولى بما يكون بالضد منه
[فإن قلت] فكيف تعمل بإطباق الأكثرين على تلك الحكاية؟
[قلت] الكلام في تفسير كتاب الله تعالى غيره في حكاية منفصلة عن كتاب الله تعالى. ومقصودنا الآن هو الأول. وقد بينا أنه لا دلالة في الآية على تلك الحكاية البتة، بل ظاهرها ينافيها من وجوه كثيرة. فإذن لم يبق إلا أن يقال: إنها حكاية منفصلة عن كتاب الله تعالى
[فإن قلت] فما قولك فيها؟ فنقول: الدلائل الباهرة عن المعقول والمنقول قد دلت على وجوب عصمة الأنبياء فاتباعها أولى من اتباع حكايات لا ندري أنها في أول الأمر من رئيس الملاحدة أو موضوعات اليهود. وبالله التوفيق

[الشبهة الثانية]
تمسكوا بقوله تعالى: (ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا) الآية
[جوابه] أما قوله: (ولقد فتنا سليمان) أي امتحناه، وأما قوله: (وألقينا على كرسيه جسدا) فقد اختلفوا فيه أما الذي يقوله المحققون فأحد أمور ثلاثة:
{الأول} أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: إن سليمان قال: لأطوفن الليلة على مائة امرأة فتلد كل منها غلاما يقاتل في سبيل الله ولم يقل إن شاء الله، فطاف ولم تحبل إلا واحدة فولدت نصف غلام فجاءت به القابلة وألقته على كرسيه بين يديه. ولو قال إن شاء الله لكان كما قال (2) فكان الابتلاء لأجل تركه الاستثناء
{الثاني} أنه امتحنه بمرض شديد، فصار جسدا لا حراك به مشرفا على الموت، كما يقال: لحم على وضم (3) وجسد بلا روح على معنى شدة الضعف، والتقدير: وألقينا جسده على كرسيه، فحذف الهاء للاختصار
{الثالث} ولد لسليمان ولد، فاحتال الشياطين في قتله، وقالوا: تخاف أن يعذبنا كما يعذبنا أبوه، فأمر السحاب فحملته وأمر الريح فغذته خوفا من الشياطين فمات الولد، فألقى ميتا على سريره ابتلاءا حين خاف الشياطين
فأما الذي يذكره الأكثرون من القصاص من حديث الخاتم وآصف فتلك الحكاية باطلة لم يدل على صحتها شيء فلا يجوز الالتفات إليها

[الشبهة الثالثة]
تمسكوا بقوله: (رب اغفرلي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) قالوا: هذا حسد فكيف يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم؟
[جوابه] من وجوه سبعة
(الأول) أن معجزة كل نبي يجب أن تليق بأحوال أهل زمانه، ولما كانت منافسة أهل زمانه بالمال والجاه طلب مملكة فائقة على كل الممالك لتكون معجزة له
(الثاني) أنه لما مرض ثم رجع إلى الصحة عرف أن خيرات الدنيا وما فيها صائرة إلى الغير بإرث أو غيره، فسأل ربه ملكا لا يمكن أن ينتقل منه، وذلك ملك الآخرة
(الثالث) إن في مراتب الرياضات والمجاهدات كثرة ولكل واحد من السالكين اختصاص بواحد منها فكأنه كان اختصاص سليمان عليه السلام بمقام رياضة النفس ومراقبتها ومحاسبتها أشد، ومعلوم أن الدنيا حلوة خضرة والامتناع عن الانتفاع بها حال القدرة أشق من الامتناع حال العجز فكأنه عليه السلام قال: أعطني من الدنيا أكمل المراتب حتى أتحمل في الاحتراز عنها أعظم المشاق
(الرابع) إن من الناس من يقول الاحتراز عن لذات الدنيا أصعب لأنها نقد ولذات الآخرة نسيئة وترجيح النسيئة على النقد شاق، فهو عليه السلام رد على هؤلاء الباطلين. وقال (رب هب لي ملكا) الآية حتى تروا كيف استحقره في جنب الالتذاذ بطاعة المولى
(الخامس) هو أن الوصول إلى الله تعالى على نوعين: أحدهما - وهو الأكمل - أن يرفعه الله إليه ابتداءا فضلا منه ورحمة من غير تكليف شيء من المتاعب وهو طريقة رسولنا عليه الصلاة والسلام على ما قاله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا)
[والثاني] أن يتكلف العبد الذهاب إليه وهو الطريقة التي حصل أعلاها لموسى عليه السلام في قوله (ولما جاء موسى لميقاتنا) وأن سليمان عليه السلام على شرع موسى عليه السلام وطريقته فكان أبدا في الرياضة والإنسان لا يفرغ قلبه عن شيء ما لم يجربه فكأن نفس سليمان عليه السلام كانت ملتفتة إلى ملكة الدنيا فقال (رب اغفر لي وهب لي ملكا) الآية حتى أذوقه فيفرغ قلبي عنه فيزول شغل الالتفات إليه، فيخلص السر إلى طاعتك والاشتغال بعبادتك
(السادس) إن للسيارين إلى الله تعالى تارات، فتارة يختارون مقام التواضع، وذلك إذا ما نظروا إلى أنفسهم من حيث هم هم، وتارة مقام الاستعلاء وذلك إذا ما رأوا أنفسهم من حيث أنهم بالحق، فلا يبعد أن يكون هذا الخاطر إنما ورد على سليمان عليه السلام في المقام الثاني
(السابع) وهو جواب المتكلمين إنه عليه السلام كان مأذونا من الله فيه وعلى هذا التقدير لا يكون فيه عتب
**************************************
(1) بل وقوله (نعم العبد) من أدل الدلائل على أن من أبعد الأمور أن يشتغل بالدنيا وحبها عن ذكر الله وطاعته
(2) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم بغير هذا اللفظ عن أبي هريرة
(3) الوضم. الخشبة يوضع عليها اللحم ليأخذ كل من مر به عنه لا يمتنع على أحد إلا أن يذب عنه ويدفع


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page