• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

قصة سيدنا و مولانا محمد (صلى الله عليه و آله و سلم)

[وفيها شبه]
[الأولى]
تمسكوا بقوله تعالى (ووجدك ضالا فهدى)
[الجواب] أن الضلال هو الذهاب والانصراف ولا بد من أمر يكون منصرفا عنه وهو غير مذكور، والخبر أن بغير ما يوافق الدليل وهو أمور أربعة:
[الأول] وجدك ضالا عن النبوة فهداك إليها ويؤكده قوله تعالى (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان)
[الثاني] وجدك ضالا عن المعيشة وطريق الكسب
[الثالث] وجدك ضالا في زمان الصبى في بعض المفاوز
[الرابع] وجدك ضالا أي مضلولا عنه في قوم لا يعرفون حقك فهداهم إلى معرفتك كما يقال: فلان ضال في قومه إذا كان مضلولا عنه

[الشبهة الثانية]
تمسكوا بقوله تعالى. (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) قالوا: إن ظاهر الآية يدل على أن الشيطان ملق في قراءة الأنبياء ما يؤدي إلى الشبهة، فإذا جوزنا ذلك ارتفع الوثوق، روى أنه عليه الصلاة والسلام شق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به فتمنى في نفسه أن يأتيه من الله تعالى ما يقارب بينه وبين قومه، وذلك لحرصه على إيمانهم، فجلس ذات يوم في ناد من أندية قريش كثير أهله، وأحب يومئذ أن لا يأتيه شيء من الله فينفروا عنه، وتمنى ذلك فأنزل الله تعالى (والنجم إذا هوى) فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) ألقى الشيطان على لسانه ما كان يحدث به نفسه ويتمناه تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى فلما سمعت قريش ذلك فرحوا ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته فقرأ السورة كلها وسجد في آخرها فسجد المسلمون وسجد جميع من في المسجد من المشركين. فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد ابن المغيرة وأبو أحيحة سعيد بن العاص، فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتهما وسجدا عليها لأنهما كانا شيخين كبيرين فلما يستطيعا السجود، وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا وقالوا: قد ذكر محمد عليه الصلاة والسلام آلهتنا بأحسن الذكر. فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام وقال: ما ذا صنعت؟ تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله، وقلت ما لم أقل لك؟! فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا وخاف من الله خوفا كثيرا فأنزل الله هذه الآية (1)
[الجواب] الذي يدل على أنه عليه السلام ما غير وما بدل وجوه خمسة:
[الأول] قوله تعالى (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين)
[الثاني] (قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي)
[الثالث] (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا)
[الرابع] (كذلك لنثبت به فؤادك)
[الخامس] قوله (سنقرئك فلا تنسى) وإذا ثبت ما ذكرناه فلنشرع في الجواب عن الشبهة فنقول: التمني: جاء في اللغة لأمرين:
[أحدهما] تمنى القلب
[والثاني] التلاوة قال الله تعالى (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني) أي إلا قراءة لأن الأمي لا يعلم القرآن من المصحف وإنما يعلمه قراءة، وقال حسان (2)تمنى كتاب الله أول ليلة
وآخرها لاقى حمام المقادر قيل: إنما سميت القراءة أمنية لأن القارئ إذا انتهى إلى آية عذاب تمنى أن لا يبتلى به. وقيل: أخذ من التقدير لأن التالي مقدر للحروف يذكرها شيئا فشيئا والتمني التقدير، منى الله خيرا أي قدره
إذا عرف ذلك فنقول: من المفسرين من حمل الآية على تمني القلب، والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم متى تمنى بقلبه بعض ما يتمناه من الأمور يوسوس الشيطان إليه بالباطل ويدعوه إلى ما لا ينبغي، ثم إن الله تعالى ينسخ ذلك ويبطله ويأتيه بما يرشده إلى ترك الالتفات إلى وسوسته. وهذا ضعيف لأنه لو كان كذلك لم يكن ما يخطر بباله صلى الله عليه وسلم فتنة للكفار، وذلك يبطله قوله تعالى (ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم) الآية: فثبت أن المراد بالتمني القراءة
ثم اختلف الذاهبون إلى هذا التأويل على وجوه ستة:
[الأول] أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلم بذلك ولا تكلم الشيطان به أيضا، ولكنه عليه الصلاة والسلام لما قرأ سورة (والنجم إذا هوى) اشتبه الأمر على الكفار فحسبوا بعض ألفاظ ما قرأه تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى وذلك على حسب ما جرت العادة من توهم بعض الكلمات على غير ما يقال، وهذا فاسد لوجوه ثلاثة:
[الأول] أن التوهم في مثل ذلك إنما يصح فيها قد جرت العادة بسماعه، فأما غير المسموع فلا يقع فيه ذلك
[الثاني] أنه لو كان كذلك لوقع هذا التوهم لبعض السامعين دون البعض، فإن العادة مانعة من اتفاق الجمع العظيم في الساعة الواحدة على خيال فاسد في المحسوسات
[الثالث] لو كان كذلك لم يكن ذلك مضافا إلى الشيطان
[الوجه الثاني] أن يكون عليه الصلاة والسلام تكلم بذلك إما عامدا أو ساهيا. أما العمد فغير جائز. لأنه تخليط في الوحي. وذلك يوجب زوال الثقة عن كل ما جاء به * [فإن قلت] لعله قد ذكر ذلك استفهاما على سبيل الانكار؟
[قلت] هب أنه كذلك لكن قراءته في أثناء قراءة القرآن مع كونه على ذلك الوزن توهم كونه منه، فيعود المحذور المذكور. أما السهو فغير جائز أيضا لأنه لو جاز وقوع السهو ههنا لجاز في غيره وحينئذ ترتفع الثقة بالشرع. ولأن الساهي لا يجوز أن يقع منه مثل هذه الألفاظ مطابقة لوزن هذه السورة وطريقتها ومعناها. فإنا نعلم بالضرورة أن واحدا لو أنشد قصيدة لما جاز أن يسهو حتى يتفق فيه بيت شعر في وزنها ومعناها وطريقتها
[الثالث] أن يكون الشيطان أجبر النبي صلى الله عليه وآله على التكلم وهذا أيضا فاسد لوجوه ثلاثة:
[الأول] أن الشيطان لو قدر على ذلك لوجب في القياس أن يزل الشيطان ولجاز في أكثر منا يتكلم به الواحد منا أن يكون ذلك بإجبار الشيطان
[الثاني] أن الشيطان لو تمكن من إجبار النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك لارتفع الإيمان عن الوحي لقيام هذا الاحتمال
[الثالث] قوله تعالى حاكيا عن الشيطان (وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم) الآية وقال تعالى (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا) الآيتان. وقال (إلا عبادك منهم المخلصين) فاعترف بأنه لا سبيل له عليهم
[الرابع] أن يكون ذلك الكلام كلام الشيطان وذلك بأن يلفظ بكلام من تلقاء نفسه في درج تلك التلاوة في بعض وقفاته ليظن أنه من جنس الكلام المسموع منه عليه السلام وهو غير ممتنع لأنه لا خلاف أن الجن والشياطين متكلمون فلا يمتنع أن يسمع الشيطان من غير أن يرى صورته فإذا سمع كلامه في أثناء كلام آخر لم يبعد أن يظن السامعون كون ذينك الكلامين من ذلك الشخص المبصر ثم هذا لا يكون قادحا في النبوة لما لم يكن فعلا للنبي

ولقائل أن يقول: إذا جوز تم أن يتكلم الشيطان في أثناء كلام الرسول عليه الصلاة والسلام بما يشتبه على كل السامعين حتى يظنوه كلاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقي هذا الاحتمال في كل ما يتكلم به الرسول عليه الصلاة والسلام فتفضي إلى ارتفاع الوثوق عن كل الشرع
[الجواب] أن ذلك الاحتمال قائم، ولكنه لو وقع لوجب في حكمة الله تعالى أن يشرح الحال فيه كما في هذه الواقعة إزالة للتلبيس
(الخامس) أن المتكلم بذلك بعض الكفرة، فإنه عليه الصلاة والسلام لما انتهى من قراءة هذه السورة إلى هذا الموضع وذكر أسماء آلهتهم وقدعلموا من عادته أنه يعيبها، فقال بعض من حضر من الكفار:
تلك الغرانيق العلا فاشتبه على القوم، لأنهم كانوا يلغطون عند قراءته ويكثرون من الكلام طلبا لتغليطه وإخفاء قراءته. وممكن أن يكون أيضا في الصلاة لأنهم كانوا يقربون منه في حال الصلاة ويسمعون قراءته ويلغون فيها، وقيل: إنه عليه الصلاة والسلام كان إذا تلا القرآن على قريش توقف في فصول الآيات، فألقى بعض الحاضرين ذلك الكلام في تلك الواقعات فتوهم القوم أنه من قراءته عليه الصلاة والسلام ثم أضاف الله ذلك إلى الشيطان لأنه بوسوسته حصل، أو لأنه جعل ذلك المتكلم شيطانا
(السادس) أن المراد بالغرانيق الملائكة وقد كان ذلك قرآنا منزلا في وصف الملائكة، فلما توهم المشركون (3) أنه يريد آلهتهم نسخ الله تلاوته

[الشبهة الثالثة]
تمسكوا بقوله تعالى: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) الآية، روي أنه عليه الصلاة والسلام رأى زينب بنت جحش بعد ما زوجها من زيد فهويها. فلما حضر زيد لطلاقها أخفى في نفسه عزمه على نكاحها بعده لهواه لها فعاتبه عليه بقوله (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) الآية (4)
[الجواب] من أربعة وجوه
(أحدها) الذي يدل عليه أنه لم يصدر من الرسول في هذه الواقعة مذمة، ولا عاتبه الله على شيء منه، ولا ذكر أنه عصى وأخطأ. ولا ذكر استغفار النبي منه، ولا أنه اعترف على نفسه مخطئا، وأنه لو صدر عنه زلة لو جد من ذلك شيء كما في سائر الأنبياء عليهم السلام متى صدرت عنهم زلة أو ترك مندوب وجد منه ما ذكرناه

(وثانيها) أنه ذكر في القصة أنه ليس على النبي من حرج فيما فرض الله له، وهذا تصريح بأنه لم يصدر منه ذنب البتة
(وثالثها) أنه تعالى إنما زوجه إياها كيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواجهم أدعيائهم إذا قضوا منهن. وطرا، ولم يقل: إني فعلت ذلك لأجل عشقك
(ورابعها) قوله تعالى (زوجناكها) ولو حصل في ذلك سوء لكان قدحا في الله تعالى. فثبت بهذه الوجوه أنه لم يصدر منه ذنب البتة في الواقعة
بقي قوله تعالى (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) فنقول: ذكر المحققون فيه وجوها أربعة:
(الأول) أن الله تعالى لما أراد نسخ ما كان في الجاهلية من تحريم أزواج الأدعياء أوحى الله أن زيدا - وهو دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم - يطلق زوجته فتزوج أنت بها. فلما حضر زيد ليطلقها أشفق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أنه لو طلقها للزمه التزوج بها فيصير بذلك سببا لسوء كلام المنافقين فيه فقال له (أمسك عليك زوجك) وأخفى في نفسه عزمه على نكاحها بعد طلاقه إياها وهذا التأويل هو المطابق لقوله تعالى (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) فثبت أن العلة في أمره بنكاحها ما ذكرناه من نسخ السنة المتقدمة
(الثاني) أن زيدا لما خاصم زوجته زينب، وهي ابنة عمة النبي عليه الصلاة والسلام وأشرف على طلاقها أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه طلقها زيد تزوجها من حيث إنها كانت ابنة عمته، وكان يحب ضمها إلى نفسه، كما يحب أحدنا ضم قراباته إليه حتى لا ينالهم ضرر، إلا أنه لم يظهر ذلك خوفا من ألسنة المنافقين فالله تعالى عاتبه في التفات قلبه إلى الناس فقال (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) (5)
(الثالث) أن زيدا لما نكح زينب وجدها ذات جمال وعفة وقوة وعقل وحسن خدمة فبدا له أن ينزل عنها لينكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما رآها صالحة لصحبته خدمة له منه وقربة إلى الله تعالى بإيثار رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه في حظ مباح. فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعرض عليه الأمر ولم يكن ذلك منكرا عنده عليه الصلاة والسلام غير أن زيدا تبناه النبي عليه الصلاة والسلام وكان التزوج بامرأته محرما في الجاهلية، فعلم أنه لو نكحها أطالوا ألسنتهم فيه وكانوا على قرب عهد من السلام يحترزون عن مثل هذه الأمور، فامتنع النبي صلى الله عليه وآله عن نكاحها وقال له (أمسك عليك زوجك) مع ما في قلبه من الرضا حذرا عما ذكرناه فنزلت هذه الآية (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) يعني من إضمار الرضى (وتخشى الناس) يعني تستحي منهم أن يقولوا نكح زوجة ابنه (والله أحق أن تخشاه) في إظهار أمر غير ما تضمره
(الرابع) أن زينب طمعت في أول أمرها أن يتزوج بها رسول الله صلى الله عليه وآله فلما خطبها الرسول لزيد شق ذلك عليها وعلى أخيها وأمها، حتى نزل قوله تعالى (ما كان لمؤمن ولا مؤمنة) الآية فعند ذلك انقادوا كرها، فلما بنى بها زيد لم تساعده ونشزت عنه لاستحكام طمعها في رسول الله صلى الله عليه وسلم واستحقارها زيدا، فشكاها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال (أمسك عليك زوجك) وأخفى في نفسه استحكام طمعها فيه، لأنه عليه الصلاة والسلام لو ذكر ذلك لزيد لتنغصت عليه تلك النعمة، ولقال المنافقون إنه إنما قال ذلك طمعا في تلك المرأة. فهذه وجوه سوى ما ذكره الطاعنون في أنبياء الله تعالى ورسله وكلها محتمل
(فإن قلت) هب أن الأمر كذلك، ولكن قوله تعالى: (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) يدل على أن ذلك الاخفاء ما كان جائزا له
(قلت) أكثر ما فيه أنه أخفى ذلك إتقاءا لسوء كلام المنافقين ولو أنه أظهره وتحمل سوء مقالتهم لكان أكثر ثوابا فيه، فيرجع حاصله إلى ترك الأولى والأفضل فليس ذلك من الذنب في شيء، فأما الذين يذكرون من أنه عشقها فهو من باب الآحاد والأولى تنزيه منصب الأنبياء عن مثله لا سيما والقرآن لا يدل عليه البتة. ثم على تقدير الصحة ففيها روايتان: منهم من يقول بأنه عليه الصلاة والسلام لما رآها وعشقها حرمت على زيد. وهذا قطعا غير صحيح لأنه لو كان كذلك لكان أمره لزيد بإمساكها أمرا بالزنا ولكان وصفه إياها بكونها زوجه كذبا وهذان الأمران لا يليقان بالمسلمين فضلا عن أفضل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ومنهم من لا يقول بحرمتها على زوجها. ولكن يقول يجب على الزوج تطليقها والنزول عنها، وقالوا: والمعنى فيه امتحانا للزوج في إيمانه بتكليف النزول عن زوجته طلبا لرضى الله تعالى ورضى رسوله صلى الله عليه وسلم. وفيه أيضا ابتلاء النبي عليه الصلاة والسلام وتكليفه الحذر عن الأعين لأن حفظ النظر أشق على النفس فقيل له إن لم تحفظ نظرك فربما أبصرت شيئا فاشتهيته لأن الشهوة ليست مقدورة للبشر. وإذا اشتهيته وجب على الزوج طلاقها والنزول عنها فإن أخبرته بذلك تعرضت لسوء المقالة وإن كتمته صرت خائنا في الوحي، فلأجل الاحتراز عن هذه التوابع كان النبي صلى الله عليه وآله يبالغ في حفظ النظر وذلك من أشق التكاليف. فهذا ما قيل في هذا الباب

[الشبهة الرابعة]
تمسكوا بقوله تعالى: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) الآيتان. والاستدلال من ثلاثة أوجه:
(الأول) قوله تعالى: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى) وذلك يقتضي أن يكون استبقاء الأسرى محرما
(الثاني) قوله: (تريدون عرض الدنيا) وذلك مذكور في معرض الذم
(الثالث) قوله تعالى: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم)
[الجواب] الذي يدل على براءة منصب الأنبياء في هذه الواقعة عن كل ما لا ينبغي وجوه:
(الأول) أنه إما أن يكون قد أوحى له في جواز الأسر وخطر إليه شيء، أو ما أوحى إليه شيء فإن كان قد أوحى إليه شيء لم يجز للنبي عليه الصلاة والسلام أن يستشير أصحابه فيه لأن مع قيام النص وظهور الوحي لا يجوز الاشتغال بالاستشارة، وإن لم يوح إليه شيء البتة لم يتوجه عليه ذنب البتة
(الثاني) أن ذلك الحكم لو كان خطأ لأمر الله تعالى بنقضه، فكان يؤمر بقتل الأسرى ويرد ما أخذ منهم، قلنا: لما لم يكن كذلك بل قال (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) علمنا أنه لم يوجد الخطأ في ذلك الحكم البتة
(الثالث) أنه عليه الصلاة والسلام لم يشتغل بالاستغفار واللوم، وذلك يدل على عدم الذنب على ما تقدم. وإذا قد بينا ذلك فنقول: كما يأتي العتاب على ترك الواجب فقد يأتي أيضا على ترك الأولى والأولى في ذلك الوقت الاثخان وترك الفداء قطعا للأطماع وحسما للنزاع، ولولا أن ذلك من باب الأولى لما فوض النبي صلى الله عليه وآله ذلك إلى الأصحاب، وهذا هو العذر عن قوله (ما كان لنبي أن يكون له أسرى) فأما قوله (تريدون عرض الدنيا) فهو خطاب جمع فيصرف ذلك إلى القوم الذين رغبوا في المال (6) وأما قوله (لولا كتاب من الله) فمعناه لولا ما سبق من تحليل الغنائم لعذبتكم بسبب أخذكم هذا الفداء. وهذا غاية التقريع في تخطئتهم في أخذ الفداء من جهة التدبير
(فإن قلت) فإن كان ذلك محللا لهم فما هذا التقريع البالغ؟
(قلت) لأن ذلك من باب الحروب، وما كان من ذلك الباب فقد يقع الخطأ فيه من جهة التدبير ويقرع ذلك المخطئ، وإن كان غير مذنب

[الشبهة الخامسة]
أنه لما استأذنه قوم في التخلف عن الخروج معه إلى الجهاد فأذن لهم فقال الله تعالى (عفا الله عنك لم أذنت لهم) والعفو لا يكون إلا بعد الذنب، فدل على أنه كان مذنبا
[الجواب] أن العفو يقتضي ترك المؤاخذة، وقوله (لم أذنت لهم) مؤاخذة. فلو أجرينا قوله تعالى (عفا الله عنك) على ظاهره لزمت المناقضة. فعلمنا أنه ليس المراد ذلك - ما جوابك عن كلامي - مثلا إنما المراد التلطف في المخاطبة. كما يقال: أنت رحمك الله وغفر لك، وإن لم يكن هناك ذنب البتة، وأيضا فهذا من باب التدبير في الحرب. وقد بينا أن تارك الأفضل فيه قد يقرع ويوبخ

[الشبهة السادسة]
قوله تعالى (ووضعنا عنك وزرك) الآية صريح في الذنب
[جوابه] من وجوه
(الأول) حمله على الوزر الذي كان قبل النبوة
(الثاني) حمله على الصغيرة أو ترك الأولى
(الثالث) أن الوزر في أصل اللغة هو الثقل. قال الله تعالى (حتى تضع الحرب أوزارها) أي أثقالها، وإنما سمى الذنب بالوزر لأنه يثقل كاسبه. فعلى هذا تسمية الذنب بالوزر مجاز آخر، وهو أنه عليه الصلاة والسلام كان في غم شديد لإصرار قومه على الشرك، وأنه كان هو وأصحابه فيما بينهم مستضعفين فلما أعلا الله كلمته، وعظم أمره فقد وضع وزره، ويقوى هذا التأويل قوله (ورفعنا لك ذكرك فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) فإن العسر بالشدائد والغموم أشبه واليسر بإزالة الهموم أشبه
(فإن قلت) إن هذه السورة مكية فما ذكرت من المعنى لا يليق بها
(قلت) إن وعد الله حق، فلما وعده الله بذلك في مكة فقد قوى قلبه وزالت كربته
(الخامس) وهو أنه عليه الصلاة والسلام لا شك أنه بتقدير الإقدام على الذنب كان يتوب عنه، فإن الاصرار على الذنب منفي عنه بالإجماع والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. وإذا كان كذلك وجب علينا وعليهم تأويل هذه الآية

[الشبهة السابعة]
تمسكوا بقوله تعالى (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) فعاتبه على إعراضه عن ابن أم مكتوم
[جوابه] لا نسلم أن هذا الخطاب متوجه إلى النبي عليه الصلاة والسلام. لا يقال: إن أهل التفسير قالوا: الخطاب مع الرسول، لأنا نقول: هذه رواية الآحاد فلا تقبل في هذه المسألة ثم إنها معارضة بأمور:
(الأول) أنه وصفه بالعبوس وليس هذا من صفات النبي صلى الله عليه وسلم في قرآن ولا خبر مع الأعداء والمعاندين فضلا عن المؤمنين والمسترشدين
(الثاني) وصفه بأنه تصدى للأغنياء وتلهى عن الفقراء وذلك غير لائق بأخلاقه
(الثالث) أنه لا يجوز أن يقال للنبي (وما عليك ألا يزكى) فإن هذا الاغراء يترك الحرص على إيمان قومه فلا يليق بمن بعث بالدعاء والتنبيه * سلمنا أن الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم لكن لا نسلم كونه ذنبا، بيانه أنه تعالى وصف نبيه بحسن الخلق، فقال (وإنك لعلى خلق عظيم)

[الشبهة الثامنة]
تمسكوا بقوله تعالى (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك) قالوا: وهذا تصريح بالمغفرة
[جوابه] إنا نحمله على ما قبل النبوة أو على الصغائر. ولمن أباهما تأويلات
(الأول) أن المراد ما تقدم من ذنب أمتك وما تأخر، فإن الرجل المعتبر إذا أحسن بعض خدمه أو أساء فإنه يقال له: أنت فعلت ذلك وإن لم يكن هو فاعله بنفسه البتة

(الثاني) إذا ترك الأولى قد يسمى ذنبا كما يقال: حسنات الأبرار سيئات المقربين
(الثالث) أن الذنب مصدر، ويجوز إضافته إلى الفاعل والمفعول (7)، فكأن المراد ليغفر لأجلك وببركتك ما تقدم من ذنبهم في حقك وما تأخر
(الرابع) أن الغرض من هذه الآية علو درجة الرسول عليه الصلاة والسلام، وذلك، يحصل بقوله تعالى: لو كان لك ذنب لغفرته لك، وإخراج القضية الجازمة إلى الشرطية جائز إذا دل سياق الكلام عليه، (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فلما ظهر منه في بعض الأوقات النادرة خلافة عاتبه عليه عرفه أن ذلك غير مرضى منه فيكون ذلك من باب ترك الأولى ثم السبب في ذلك كما جاء في الخبر أنه كان يتكلم مع بعض أشراف قريش ويستميله إلى الإسلام رجاء أن يعز به الإسلام وقد كان من الحرص على إسلامهم بحيث قال الله تعالى: (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) فحضره هذا الأعمى ولم يعرف كيفية الحال، فسأل عن مسألة من خلال مكالمة النبي عليه الصلاة والسلام ذلك الرجل، فاشتد ذلك عليه إذا كان ذلك قطعا للكلام وإفسادا لما كان يحاوله من إسلام ذلك الرجل فأعرض عنه فنهاه الله تعالى عن ذلك، وأمره بالإقبال على كل من أتاه من شريف ووضيع وغني وفقير بأن لا يخص بدعوته شريفا دون دني إذ الواجب عليه هو التبليغ إلى الكل وليس عليه من امتناع من امتنع عن قبول دعوته تبعة ولا عهدة

[الشبهة التاسعة]
قوله تعالى: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) أي لا تطرد المؤمنين وطردهم كبيرة
[جوابه] ليس في الظاهر طردهم وإنما فيه النهي عن طردهم بل فيه الدلالة على أنه قال تعالى: (فتطردهم فتكون من الظالمين) ولو كان طردهم لقال فطردتهم. وحكمة النهي أن جمعا من الكفار طلبوا منه طرد الفقراء، فأنزل الله تعالى هذه الآية لتكون حجة له عليه الصلاة والسلام عن قبول قولهم

[الشبهة العاشرة]
قوله تعالى: (لقد تاب الله على النبي) والتوبة لا بد أن تكون مسبوقة بذنب
[جوابه] التوبة - الرجوع - محمولة على الصغيرة أو ترك الأولى

[الشبهة الحادية عشرة]
قوله تعالى: (واستغفر لذنبك) وفي الحديث وإني لأستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة وهذا صريح
[جوابه] أنه محمول إما على الصغيرة أو ترك الأولى أو التواضع كما قررناه في قول آدم (ربنا ظلمنا أنفسنا) أو على التقدير، والمعنى إذا أذنبت فاستغفره كقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) وليس يريد أن جميعهم مذنبون، وإنما بعثهم على التوبة إذا أذنبوا

[الشبهة الثانية عشرة]
قوله تعالى: (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) الآية ظاهرها مشعر بأنه فعل ما لا يجوز
[جوابه] أن تحريم ما أحل الله ليس بذنب بدليل الطلاق والعتاق، وأما العتاب فإن النهي عن فعل ذلك لابتغاء مرضاة النساء أو ليكون زجرا لهن عن مطالبته مثل ذلك كما يقول القائل لغيره: لم قبلت أمر فلان واقتديت به وهو دونك، وآثرت رضاه وهو عبدك، فليس هذا عتبا ذنب وإنما هو عتاب تشريف

[الشبهة الثالثة عشر]
قوله تعالى: (يا أيها النبي اتق الله) (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته) فلو لم يوجد منه فعل المحظور والإخلال بالواجب لم يكن للأمر والنهي فائدة
[جوابه] الأمر والنهي أحد أسباب العصمة فوجودهما لا يخل بها

[الشبهة الرابعة عشر]
قوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) فلو لم يصح ذلك منه لما خوطب به
[جوابه] من وجوه:
(الأول) أن المراد أمته فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: نزل القرآن بإياك أعني واسمعي يا جارة ومثله قوله تعالى: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) الآية فقوله: (فطلقوهن) يدل على أن الخطاب توجه إلى غيره
(الثاني) حمله على الشرك الخفي الذي هو الالتفات إلى غير الله تعالى
(الثالث) أنه شرح الحال بتقدير الوقوع كما في قوله تعالى: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)

[الشبهة الخامسة عشر]
قوله تعالى: (سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله) والاستثناء يدل على جواز النسيان في الوحي
[جوابه] أن النسيان يجئ بمعنى الترك قال الله تعالى: (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) (كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) فقوله: (سنقرؤك فلا تنسى) أي فلا تترك منها شيئا إلا ما شاء الله وهو المندوب أو المنسوخ

[الشبهة السادسة عشر]
(فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) قالوا فكان النبي صلى الله عليه وسلم في شك مما أوحى الله إليه، وإلا فأي فائدة في أمره بالسؤال
[جوابه] القضية الشرطية لا تفيد إلا ترتيب الجواب على الشرط فأما أن الشرط حاصل أو لا فهو غير مستفاد فأما الرجوع إلى اليهود والنصارى فلوجهين:
(الأول) أن نعت النبي صلى الله عليه وسلم كان مندوبا في كتبهم مذكورا في التوراة والإنجيل فكان يظهر بعضهم ذلك وإن كتمه الباقون، وكان ذلك من أعظم الدلائل على صدقه، فأمره الله تعالى بالرجوع وتعرف ما شهدت به الكتب السماوية من نعته وصفته، ليكون أقوى معين له في إزالة الشبهة وتقوية العلم  
(الثاني) أن الله تعالى أمره أن يرجع إليهم في كيفية ثبوت نبوة سائر الأنبياء، حتى يزول الوسواس في كونه نبيا لأنه أمر أن يأتي بمثل ما أتى به من قبله من المعجزات (جواب آخر) عن أصل الكلام، وهو أن الخطاب وإن كان متوجها إلى النبي صلى الله عليه وآله يجوز أن لا يكون المراد منه هو

[الشبهة السابعة عشر]
قوله تعالى (وإن كادوا ليفتنونك) الآيتان قالوا وكان معناه قارب فدل ذلك على أنه عليه السلام قارب الكذب ومال إليه
[جوابه] لعله قارب ذلك بحسب الطبيعة البشرية، لا بحسب العقل والدين (فصل آخر) فيما تمسكوا به في إثبات الذنب لا لنبي معين
(الشبهة الأولى) قوله تعالى (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم) فهذا يقتضي ثبوت الظلم لكل الناس والنبي صلى الله عليه وسلم من الناس فثبت الظلم له
[جوابه] إذا تمسكت بهذا العموم في إثبات الظلم فقوله تعالى (ألا لعنة الله على الظالمين) يوجب جواز اللعن عليهم وجل منصب الأنبياء عنه
(فإن قلت) بتخصيص العموم هناك قلت به هاهنا  
(الشبهة الثانية) قوله تعالى (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا) إلى آخر السورة قالوا: فلو لا الخوف من وقوع تخليط الوحي من جهة الأنبياء لم يكن في الاستظهار بالرصد المرسل معهم فائدة
[جوابه] يجوز أن بعثه الملائكة مع الأنبياء ليس للخوف من تغيير الأنبياء وتبديلهم لكن لمنع الشيطان من إيقاع تخليط في أداء الرسول، كما قررناه في قوله تعالى (إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته)
(الشبهة الثالثة) تمسكوا بقوله تعالى (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) الآية وزعموا أنها نزلت في نبي عزل عن نبوته
[جوابه] ليس في الآية ما يدل على كون ذلك المذكور نبيا، والاعتماد فيه على أخبار الآحاد غير جائز، والله أعلم بالصواب

(تمت الرسالة المسماة بعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام)

(للإمام فخر الدين الرازي عليه رحمة الباري)

**************************************
(1) قال الحافظ ابن كثير في التفسير: قد ذكر كثير من المفسرين هنا قصة الغرانيق وما كان من رجوع كثير من مهاجرة الحبشة ظنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها من وجه صحيح  وقال القسطلاني في شرح البخاري: وقد طعن في هذه القصة وسندها غير واحد من الأئمة حتى قال ابن إسحاق - وقد سئل عنها - هي من وضع الزنادقة، وقال القاضي عياض: إن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه أحد بسند متصل. وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب المتلقفون عن الصحف كل صحيح وسقيم. ونقل عن أبي بكر بن العربي الإمام المالكي: إن جميع ما ورد في هذه القصة لا أصل له، قال القاضي: والذي ورد في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ (والنجم) وهو بمكة فسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس ثم قال: وقد قامت الحجة وأجمعت الأمة على عصمته صلى الله عليه وسلم ونزاهته عن هذه الرذيلة، إما من تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح آلهة غير الله، وهو كفر، أو أن يتسود عليه الشيطان ويشبه عليه القرآن حتى يجعل فيه ما ليس منه ويعتقد النبي صلى الله عليه وسلم أن من القرآن ما ليس منه حتى يفهمه جبريل. وذلك كله ممتنع في حقه صلى الله عليه وسلم، أو يقول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من قبل نفسه عمدا - وذلك كفر - أو سهوا، وهو معصوم من هذا كله، وقد قررنا بالبراهين والإجماع عصمته صلى الله عليه وسلم من جريان الكفر على لسانه أو قلبه لا عمدا ولا سهوا أو أن يشبه عليه ما يلقيه الملك بما يلقى الشيطان أو يكون للشيطان عليه سبيل أو أن يتقول على الله ما لم ينزل لا عمدا ولا سهوا
(2) قال ذلك في رثاء عثمان بن عفان حين قتل مظلوما رضي الله عنه
(3) قال القاضي أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن (ج 2 ص 168) قد بينا في السالف من كتابنا هذا وفي غير موضع عصمة الأنبياء صلوات الله عليهم من الذنوب وحققنا القول فيما نسب إليهم من ذلك وعهدنا إليكم عهدا لن تجدوا له ردا: أن أحدا لا ينبغي أن يذكر الأنبياء إلا بما ذكره الله لا يزيد عليه. فإن أخبارهم مروية وأحاديثهم منقولة بزيادات تولاها أحد رجلين: إما غبي عن مقدارهم، وإما بدعي لا رأي له في برهم ووقارهم فيدس تحت المقال المطلق الدواهي ولا يراعي الأدلة ولا النواهي - إلى أن قال: وهذا الروايات كلها ساقطة الأسانيد. إنما الصحيح منها ما روي عن عائشة أنها قالت: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما من الوحي شيئا لكتم هذه الآية (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) يعني بالإسلام (وأنعمت عليه) يعني بالعتق (أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه - إلى قوله: وكان أمر الله مفعولا) وأن رسول الله صلى الله عليه وآله لما تزوجها قالوا تزوج حليلة ابنه. فأنزل الله (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) الآية، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله تبناه وهو صغير فلبث حتى صار رجلا يقال له زيد بن محمد فأنزل الله تعالى (أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) الآية فلان مولى فلان وأخو فلان أخو فلان (هو أقسط عند الله) يعني أنه أعدل عند الله تعالى قال القاضي وما وراء هذه الرواية غير معتبر
(4) وهذا من أبعد القول وأحقه بالرد. إذ كيف يكون في حق الملائكة وهو يشير إلى اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى؟ فقائل هذا لم يفكر حين قاله
(5) فأخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم والناس بما كان يضمره من إيثار ضمها إلى نفسه ليكون ظاهر الأنبياء عليهم السلام وباطنهم سواء، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار يوم فتح مكة وقد جاء عثمان بعبد الله بن سعد بن أبي سرح وسأله أن يرضى عنه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك قد أهدر دمه وأمر بقتله فلما رأى عثمان استحى من رده وسكت طويلا ليقتله بعض المؤمنين فلم يفعل المؤمنون ذلك انتظارا منهم لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للأنصار: أما كان فيكم رجل يقوم إليه فيقتله فقال له عباد بن بشر يا رسول الله إن عيني في عينك انتظارا أن تومئ إلى فأقتله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأنبياء لا تكون لهم خيانة أعين والله أعلم
(6) وهذا يدل على أن المعاتب في شأن الأسارى هو غير النبي صلى الله عليه وسلم بل يجب أن يكون سواه والقصة معروفة لأن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وآله بأن يأمر أصحابه بأن يثخنوا في قتل أعدائهم بقوله تعالى: (فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان) وبلغ النبي صلى الله عليه وآله ذلك إلى أصحابه فسهوا عن ذلك وأسروا يوم بدر جماعة من المشركين طمعا في الفداء فأنكر الله تعالى ذلك عليهم وبين أن الذي أمر به سواه.
(7) ألا تري أنهم يقولون: أعجبني ضرب زيد عمرا إذا أضافوه إلى الفاعل، وأعجبني ضرب زيد عمرو إذا أضافوه إلى المفعول ومعنى المغفرة على هذا التأويل هي الإزالة والفسخ والنسخ لأحكام أعدائه من المشركين عليه وذنوبهم إليه في منعهم إياه عن مكة وصدهم له عن المسجد الحرام، وهذا التأويل يطابق ظاهر الكلام حتى تكون المغفرة غرضا في الفتح ووجها له وإلا فإذا أراد مغفرة ذنوبه لم يكن لقوله (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) معنى معقول لأن المغفرة للذنوب لا تعلق لها بالفتح وليست غرضا فيه، والله أعلم


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page