قال عمر لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في أثناء مرضه (صلى الله عليه وآله) ذاك بفعل السم: إنه يهجر، وأيد أصحاب عمر ذلك القول! (1) بقولهم: يهجر يهجر. إن تيقن عصبة قريش من موت النبي (صلى الله عليه وآله) بالسم هو الذي جعلها تنادي يهجر يهجر. وبعد أربعين سنة تكرر الحادث إذ سقت جعدة بنت الأشعث (زعيم كندة) زوجها سبط الرسول (صلى الله عليه وآله) الحسن بن علي (عليه السلام) سما، ولما سألوا الحسن (عليه السلام) عن الفاعل امتنع من ذلك (2). ولولا اطمئنان عصبة قريش إلى موت النبي (صلى الله عليه وآله) من ذلك السم، لما تمكنت من النطق بكلمة يهجر، ولما تمكنت من منع الناس من المجيئ بصحيفة ودواة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ليكتب وصيته. وقال صاحب كتاب الطبقات الكبرى: إن النبي (صلى الله عليه وآله) مات بعد قولهم له
يهجر وإخراجه (صلى الله عليه وآله) إياهم من بيته (3). إذ لم يجرؤ عمر بن الخطاب وأعوانه من إهانة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل ذلك، بل إن عمر بن الخطاب قد اعتذر من النبي (صلى الله عليه وآله) بعد حادثة المسجد النبوي اعتذارا مدهشا. ذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان قد أخبر عمر بن الخطاب والمرافقين له بإهانتهم للنسب النبوي الشريف، وإخبار جبريل له بذلك، وعندها اعتذر عمر وقال: اعف عنا، عفا الله عنك، إغفر لنا، غفر الله لك، احلم عنا حلم الله عنك (4). وبرك عمر على ركبتيه وقال: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد (صلى الله عليه وآله) رسولا (5). وقبل عمر رجل النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: إنا حديثو عهد بجاهلية وشرك، والله أعلم من آباؤنا (6). والمقايسة بين الموقفين يثبت بأن عمر بن الخطاب قد عمل بخلاف ما يؤمن به في المسجد النبوي فاعتذر اعتذارا شديدا. وفي يوم الخميس ظهر عمر بمظهره الحقيقي والواقعي فأهان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصر على ذلك ولم يعتذر من ذلك أبدا. والذي سهل على عمر ذلك هو وصول حالة الصراع بين الجانبين إلى مرحلة خطيرة. والثاني: معرفة عمر بموت النبي (صلى الله عليه وآله) سريعا بعد اغتيالهم له بالسم.
**************************************
(1) صحيح البخاري باب جوائز الوفد من كتاب الجهاد والسير 2 / 118، مسند أحمد 1 / 325، شرح نهج البلاغة 3 / 114، الكامل في التاريخ 2 / 320.
(2) أنساب الأشراف، البلاذري 1 / 404، مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني ص 43، مستدرك الحاكم 3 / 476، تذكرة الخواص، ابن الجوزي ص 211 (ط. دار الغري).
(3) الطبقات الكبرى، ابن سعد 2 / 245.
(4) تذكرة الفقهاء 2 / 470.
(5) صحيح البخاري 8 / 142 - 143، صحيح مسلم 7 / 92 - 93، تفسير الفخر الرازي 4 / 444، تفسير ابن كثير 2 / 175.
(6) أخرجه ابن جرير وابن حاتم عن السدي في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء...} * تفسير ابن كثير 2 / 175.
اتهام النبي (صلى الله عليه وآله) بالهجر بعد سمه بالطعام
- الزيارات: 827