طباعة

(الثاني) حديث جابر

وربما يستدل على تحريم البناء على القبور بحديث جابر، روى مسلم في صحيحه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن حفص بن غياث، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه(1). والجواب هو: أن الاستدلال بهذا الحديث غيرصحيح سندا ومتنا. وأما الأول فلأن جميع أسانيده مشتملة على رجلين هما في غاية الضعف والرجلان هما:
1 - ابن جريج وهو عبد الملك بن عبد العزيز.
2 - أبو الزبير وهو محمد بن مسلم الأسدي (2). فلا نطيل الكلام بنقل أقوال الرجال في حقهما. على أن بعض أسانيد هذه الرواية مشتملة على عبد الرحمان بن أسود المتهم بالكذب والوضع (3). وأما المتن فقد روي بصور سبع اشتمل بعضها على لفظ البناء دون البعض وإليك صور الحديث المختلفة التي تعرب عن أن الراوي أو الرواة لعبوا بحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد فرض صدوره عنه:
1 - نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن تجصيص القبر، والاعتماد عليه.
2 - نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن تجصيص القبر.
3 - نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن تجصيص القبر، والكتابة عليه، والبناء، والمشي عليه.
4 - نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الكتابة على القبر.
5 - نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الجلوس على القبر وتجصيصه، والبناء، والكتابة عليه.
6 - نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الجلوس على القبر وتجصيصه، والبناء عليه.
7 - نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الجلوس على القبر، وتجصيصه، والبناء عليه، والزيارة، والكتابة عليه(4).
أفيصح الاستدلال بحديث ذلك سنده وهذه نصوصه المضطربة رغم كونها من راو واحد؟ أضف إلى ذلك أن النهي في كلام النبي استعمل في الكراهة كثيرا، وقد أعرض جماهير المسلمين عن بعضصور هذا الحديث ولم يعملوا به قط، كما أفاده الحاكم في مستدركه حيث شاعت الكتابة على القبر من عصر الصحابة إلى يومنا هذا. ولو سلمنا بالكراهة فربما ترتفع هذه الكراهة إذا كان للبناء منافع كثيرة ومختلفة منها تلاوة القرآن في ظله، ومنها إذا ترتب على حفظ القبور حفظ الآثار الإسلامية كما أوضحناه سابقا.
**************************************
(1)صحيح مسلم كتاب الجنائز 3: 62 والسنن للترمذي 2: 208 وصحيح ابن ماجة 1: كتاب الجنائز: 476 إلى غير ذلك.
(2) لاحظ تهذيب التهذيب 6: 2 - 4، 605.
(3) تهذيب التهذيب ترجمة أبو الزبير: 442.
(4) لاحظ للوقوف على المتون المختلفة للحديث مصادرها التي أشرنا إليها بالإضافة إلى صحيح النسائي 4: 87 وسنن أبي داود 3: 216 ومسند أحمد 3: 295 و335.