طباعة

الإمام الرضا (عليه السلام) يتجرّع المحن

لم ير في تاريخ بني الإنسان جماعة تحملوا مرارة الآلام وتعرضوا للرزايا كما تعرّض أهل البيت (عليهم السلام) فمنذ يوم السقيفة وهم يتجرعون المصائب والابتلاءات وناهيك بمأساة كربلاء وواقعة (فخ) وغيرهما من الأحداث الدامية التي أكلت الأخضر واليابس من العلويين.
وعندما كان أهل البيت ينتفضون حماساً لردع الظالم والوقوف مع المظلومين كان الحكّام من الطرف الآخر يخرجون عن طور العقل إلى طور الجنون في المحافظة على الحكم والوقوف أمام التحركات الجديدة.
فكم تعرض أهل البيت (عليهم السلام) لمضايقات وقتل ونهب دور وسبي نساء من أجل كرسيّ الظلمة وكم سفك دم لرسول الله وأبيح له عرض ولم يحفظ له حرمة.
ومسلسل المآسي هذا لم يتوقف دفعه بل بقي مستمراً حتى يومنا هذا ونحن نعاني من جرّاء الوقوف مع الخط الأصيل والمبدأ الإسلامي الذي لا يعرف إلاّ كرامة الإنسان ورضا الله.
وفي الزمن الذي كان فيه أبو الحسن الرضا يعيش أشدّ حالات الأسى والمرارة بفقد أبيه ويهيئ وضعه السياسي ليكفيه مع الظروف الحرجة. وإذا بمحمد بن جعفر الصادق يخرج ثائراً معلناً الثورة على الرشيد مندداً بجوره وظلمه. فأرسل الرشيد إليه جيشاً للقضاء عليه بقيادة الجلودي وأمره إن ظفر به أن يضرب عنقه.
ولكن الحادثة التالية تبين لنا مدى حقد هذا الطاغية على أهل البيت (عليهم السلام) فإنّه لم يكتف منه من قتل الرجال وهدمه دورهم بل طلب إليه أن يغير على دور آل أبي طالب وسلب ما على نسائهم من ثياب وحلي ولا يدع على واحدة منهن ثوباً واحداً وحاول الجلودي أن ينفذ أمر الرشيد بنفسه فهجم على دار الإمام الرضا بخيله فلما نظر إليه الإمام جعل النساء كلهن في بيت واحد ووقف على باب البيت.
فقال الجلودي لأبي الحسن: لابدّ من الدخول إلى البيت فأسلبهن كما أمرني أمير المؤمنين!!.
فقال الرضا أنا أسلبهن لك وأحلف أنّي لا أدع عليهن شيئاً إلاّ أخذته فلم يزل الإمام يطلب إليه ويحلف حتى سكن ووافق.
فدخل الإمام الرضا فلم يدع عليهن شيئاً حتى أقراطهن وخلا خيلهن وأزرهن إلاّ أخذه منهن وجميع ما كان في الدار من قليل وكثير.
وليست هذه الحادثة بالأمر الغريب عن سلوك الرشيد مع العلويين – لو صحّت – وهو الممتلئ حقداً وضغينة عليهم، والذي يجعلنا نصدّق على الرشيد مثل هذه الحوادث المأسوية ما نقله ابن الأثير من قوله في حال احتضاره وإشرافه على لقاء ربّه: (وا سوأتاه من رسول الله (صلى الله عليه وآله)).
فهو تعبير صريح عمّا ارتكبه مع أهل البيت من البوائق العظام وإفصاح مرير عن الندم الذي ينهش أعماق الرشيد في ساعته هذه.

عفيف النابلسي