• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الخامس: شخصيات ومضامين غير معقولة

مما سبق:

قد تحدثنا في الفصل السابق عن أمور عديدة ترتبط بعائشة، لا نرى ضرورة لها هنا، غير أننا نشير إلى:
1 ـ عمر عائشة:
حيث تقدم: أن قولها: إنها كانت جارية حديثة السن، لا يمكن قبوله، بل كان عمرها حين تزوجها رسول الله «صلى الله عليه وآله» حوالي عشرين سنة، أو أكثر من ذلك بسنوات أيضاً، فيكون عمرها حين قضية الإفك في حدود الثلاثين سنة أو أزيد من ذلك..
2 ـ سعد بن معاذ:
والسؤال هنا هو:
متى توفي سعد بن معاذ؟
وهل كان حياً حين قضية الإفك؟.
والجواب:
إننا قد ذكرنا فيما تقدم: أن سعد بن معاذ مات إثر غزوة الخندق، من الرمية التي أصابته، وذلك بعد أن حكم في بني قريظة.
 وقد قدمنا: في الجزء العاشر من هذا الكتاب: الصحيح هو أن غزوة الخندق قد كانت سنة أربع، وقيل سنة خمس. وقد ذكرنا الأدلة والشواهد على ذلك.
أما غزوة المريسيع فكانت في سنة ست كما أسلفنا، فسعد بن معاذ إذن لم يكن حياً في سنة ست.
ومن قال بأن المريسيع كانت قبل الخندق، فإنه إنما أراد تصحيح حديث الإفك، مع غفلته عن أنه لا ضرورة لتغيير حقائق التاريخ لأجله، مع توفر الأدلة والشواهد التي تمنع من الأخذ به، وتوجب الانصياع لما هو الحق في ترتيب تواريخ هذه الأحداث.
غير أن المسعودي قال: إن غزوة الخندق كانت سنة خمس، وغزوة المريسيع كانت سنة أربع([1]).
كما أن بعض من قال بأن الخندق والمريسيع كانتا معاً في سنة خمس، فإنهم قد حرصوا على اعتبار الخندق بعد المريسيع أيضاً، لأجل حديث الإفك بالذات، حيث أيدوا قولهم هذا بأن سعد بن معاذ قد مات بعد الخندق مباشرة، فلو كانت المريسيع سنة ست لكان ذكر سعد في حديث الإفك غلطاً، فلا بد من أن تكون المريسيع قبل الخندق([2]).
ثم أيدوا ذلك أيضاً: بأن الإفك كان بعد فرض الحجاب. وقد فرض الحجاب سنة أربع، على قول بعضهم. بل لقد «جزم خليفة، وأبو عبيدة وغير واحد بأنه سنة ثلاث»([3]). وكذا قال اليافعي([4]).
ونحن هنا لا نستطيع أن نقبل أقوال هؤلاء وتأييداتهم ونخالف المعروف والمشهور، وذلك لأسباب عديدة:
أولاً: إن جعل ذكر سعد بن معاذ في حديث الإفك دليلاً على وهم من قال بكون المريسيع سنة ست، ليس بأولى من العكس، وجعل قول أهل الحديث والتاريخ دليلاً على الوهم في حديث الإفك، ومن أسباب الشك فيه، ولا سيما بملاحظة: أن أكثر المحدثين يذهبون الى ذلك كما تقدم.
وقد صرح عدد من العلماء بالإشكال على حديث الإفك بذلك، كالقاضي عياض، الذي قال: إن بعض شيوخه قد نبَّه على أن ذكر سعد بن معاذ في الرواية وهم. والأشبه أنه غيره، ولهذا ذكر ابن إسحاق: أن المتكلم أولاً وآخراً هو أسيد بن حضير([5]).
وممن استظهر أن المحاورة كانت مع أسيد بن حضير: ابن عبد البر، لأن ابن معاذ كان قد توفي.
وتعرض لهذا الإشكال أيضاً: ابن العربي. حتى لقد قال: «اتفق الرواة: على أن ذكر ابن معاذ في قصة الإفك وهم». وتبعه على هذا الإطلاق القرطبي([6]).
وقال في الإمتاع: «إن تقدم قريظة على المريسيع هو الصحيح، والوهم لم يسلم منه أحد»([7]).
ويصر ابن خلدون أيضاً على: أن ابن معاذ قد توفي قبل المريسيع بأكثر من عشرين شهراً([8]).
ونحن نقول أيضاً: إن ذكر ابن معاذ في الروايات لا يصح.. مع أن هذه الروايات قد وردت في كتب الصحاح، ومختلف كتب الحديث!!
بل في بعض الروايات: أنه «صلى الله عليه وآله» قد صالح بين السعدين بعد ذلك!!([9]) فإصلاح ذلك بأن المراجعة كانت مع ابن حضير فقط، لا يجدي لأنه مجرد دعوى، لا تستند إلى دليل، ولماذا اختير أسيد بن حضير ليحل الإشكال من خلاله، ولم يختاروا شخصاً آخر؟! ولماذا تخلوا عن معاذ بهذه السهولة، بعد إجماع الروايات، حتى الروايات الصحاح على ذلك كما قلنا؟!
وإن الإشكالات الكثيرة جداً تسقط رواية الإفك عن الاعتبار، وتوجب ضعفها ووهنها في نفسها، ولا تصلح سبباً لضعف غيرها بأي وجه.. وسيأتي ما فيه الكفاية في ذلك كما سنرى.
ثانياً: إن تأييد البعض رأيه هذا بقضية الحجاب غريب، فإن ذلك دليل عليه لا له، لأن أكثر المؤرخين الأثبات يذكرون: أن الحجاب كان في سنة خمس، في شهر ذي القعدة([10])..
وإذا كانت المريسيع في شعبان، فلا بد أن يكون هو شعبان السنة السادسة، لأن المراد شعبان الذي بعد الحجاب.
وإذا كان الحجاب في ذي القعدة من الخامسة، فهو بلا شك بعد بني قريظة على جميع الأحوال والأقوال، لأن الخندق وقريظة كانتا قبل ذلك.
وقد صرح البيهقي: بأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد تزوج زينب بنت جحش بعد بني قريظة([11]).
وحين تزوجها فرض الحجاب، بل سيأتي: أنه تزوجها بعد المريسيع أيضاً.
والمفروض: أن سعداً مات في بني قريظة، وكانت المريسيع بعد فرض الحجاب على الفرض، فمتى كان سعد موجوداً في قضية الإفك؟!.. وكيف يكون فرض الحجاب مؤيداً لوجوده؟ بل هو مؤيد لموته كما هو ظاهر.
ثالثاً: قد ثبت أن ابن عمر كان ممن شهد المريسيع، والمفروض أن الخندق كانت أول مشاهده، فلا بد أن تكون المريسيع بعد الخندق، والمفروض أن سعد بن معاذ قد مات بعد الخندق وقريظة مباشرة.

توجيهات لا تصح:

أ ـ وقد حاول العسقلاني: أن يجيب على هذا باحتمال أن يكون قد حضرها دون أن يشترك في القتال، إذ لا ملازمة بين شهوده وبين أن يكون قد أجيز بالقتال، كما ثبت عن جابر أنه كان يمنح أصحابه الماء في بدر، مع الاتفاق على عدم شهوده بدراً([12]).
ولكنها محاولة فاشلة، إذ أن التعبير بشهد غزوة كذا إنما يعني شهود قتال، لا مجرد حضور، هكذا اصطلح وتعارف عليه الرواة والمؤرخون في تعبيراتهم، وصرف اللفظ عن هذا المعنى يحتاج إلى شاهد، وهو مفقود، بل الشواهد قائمة على خلافه.
ب ـ وحاول عياض توجيه ذلك باحتمال أن تكون الخندق والمريسيع معاً سنة أربع، مع تقدم المريسيع على الخندق([13]).
ونقول: إن هذا مخالف لأقوال جل المؤرخين، كما أنه يصطدم بقضية فرض الحجاب في سنة خمس بعد قريظة، لأنهم يقولون: إن الإفك كان بعد فرض الحجاب، وهو يصطدم بقضية شهود ابن عمر للمريسيع، وغير ذلك مما تقدم وسيأتي بيانه.
ج ـ قد احتمل البيهقي: أن يكون جرح سعد لم ينفجر بعد قريظة مباشرة، بل تأخر إلى ما بعد المريسيع، ولم يشهدها بسبب جرحه، وبعدها، وبعد قضية الإفك، ومراجعته لسعد بن عبادة انفجر جرحه، فمات.
ونقول: إن مقتضى كلام البيهقي هذا هو: أن موت سعد قد تأخر عن قريظة إلى حوالي سنة، أي من ذي القعدة إلى شوال تقريباً.. لأن المريسيع في شوال، وكانت المراجعة والمحاورة بعدها بأكثر من شهر.
وكلام البيهقي هذا مما لا يوافقه عليه أحد، ولا مبرر له إلا إرادة تصحيح ما ورد في الصحاح.. حتى لو اقتضى ذلك مخالفة كل النصوص والمسلمات التاريخية.
د ـ احتمل القطب الحلبي: أن يكون المراد سعداً آخر غير ابن معاذ، بقرينة قولهم في بعض الروايات: «..فقام سعد أخو بني عبد الأشهل، وفي بني عبد الأشهل جماعة كلهم يسمى سعداً. فيحتمل أن يكون هو سعد بن زيد الأشهلي..».
ورده العسقلاني: بأن ذلك مردود بالتصريح بسعد بن معاذ في رواية الزهري، وغيره([14]).
وبعد كل ما تقدم.. فإننا نعرف: أن الشواهد الدالة على موت سعد بن معاذ قبل المريسيع قوية جداً.. ولا أقل من كونه مشكوكاً فيه.
ولا يصلح ذلك القول: بأن المريسيع كانت سنة خمس.
لأن تقدم الخندق عليها هو المعتمد عند جلّ المؤرخين كما تقدم.. ولذا نجد فريقاً منهم يقول: إن الخندق كانت سنة أربع.
3 ـ سيرين:
وأما ما ذكر من إعطاء سيرين لحسان، عندما ضربه ابن المعطل بالسيف وجرحه، فهو أمر غريب وعجيب:
فأولاً: إن سيرين هذه هي أخت مارية القبطية باتفاق، وهي إنما أهداها المقوقس للنبي «صلى الله عليه وآله»، ووصلت إلى المدينة سنة سبع، أو ثمان([15]).
والإفك كان على أبعد الأقوال في سنة ست.
ولا مجال للقول بأن من الممكن: أن يتأخر إعطاء سيرين لحسان، لتأخر ضرب ابن المعطل له، أو لتأخر تصدي النبي «صلى الله عليه وآله» للصلح بينهما.
فإنه كلام مرفوض جملة وتفصيلاً، إذ إن ابن المعطل إنما اعترض حساناً وضربه بالسيف بمجرد أن بلغه أنه يقول فيه ذلك الأمر.
كما أن صريح الرواية: أنهم قيدوا ابن المعطل، وجاؤوا به للرسول «صلى الله عليه وآله» بمجرد أن قام بضرب حسان.
ثانياً: قال ابن عبد البر: «..أما إعطاء رسول الله «صلى الله عليه وآله» سيرين أخت مارية لحسان، فمروي من وجوه، وأكثرها أن ذلك ليس لضربه صفوان، بل لذبه بلسانه عن النبي «صلى الله عليه وآله» في هجاء المشركين له. والله أعلم..» ([16]).
ثالثاً: إن ابن المعطل إنما اعتذر عن ضربه له بأنه آذاه وهجاه، وأن الرسول «صلى الله عليه وآله» قد قال لحسان: أتشوهت على قومي أن هداهم الله للإسلام؟! وليس ثمة من ذكر لأمر الإفك، ولو كان للإفك شأن، فإن الاعتذار به، واللوم عليه، أولى وأجدر.
هذا.. وثمة رواية تفيد: أن النبي قد عوض حساناً، وأعطاه حائطاً، في ضربة ابن المعطل له عندما هجا النبي «صلى الله عليه وآله».. فلعل سيرين كانت من جملة ما أعطاه إياه النبي «صلى الله عليه وآله» في ذلك..
وستأتي الرواية عند الكلام حول بيت الشعر القائل:
أمـسـى الجــلابـيـب قـد عــزوا          الخ..
فإلى هناك..
رابعاً: لقد ذكر عبد الرزاق: أن صفوان بن المعطل هو الذي أعطى الجارية لحسان وهي أم عبد الرحمن بن حسان([17]) وربما كان اسمها سيرين أيضاً.
فإذا صح هذا فإن سيرين هذه تكون غير أخت مارية، وقد جاء اسمها موافقاً لاسم أخت مارية سرية النبي «صلى الله عليه وآله» من باب الاتفاق.
4 ـ زيد بن رفاعة:
لقد زاد الزمخشري فيمن جاء بالإفك، وجلد الحد: «زيد بن رفاعة»([18]).
قال العسقلاني: ولم أره لغيره..
ولكن زيد بن رفاعة لم يشهد قضية الإفك، لأنهم عندما رجعوا من غزوة المريسيع إلى المدينة وجدوه قد مات([19]).. ولذا احتمل الحلبي أن يكون ثمة زيد بن رفاعة آخر([20]).. وهو احتمال لا شاهد له، لا من خبر، ولا من أثر، إلا إرادة تصحيح جلده وتقوية قضية الإفك، فلا يعدو عن أن يكون رجماً بالغيب.

هل من اشتباه؟

وقد يمكن للبعض، أن يحتمل احتمالاً وجيهاً هنا، ويقول: لعل الاسم اشتبه على الرواة هنا، والمقصود هو: «رفاعة بن زيد» لا العكس.. لعدم ذكره في تراجم الصحابة..
ولكنه احتمال لا يجدي أيضاً.. لأن المقصود إن كان هو رفاعة بن زيد الجذامي، ثم الضبي، فهو إنما قدم على النبي «صلى الله عليه وآله» في هدنة الحديبية، وهو غلام، فأسلم، وحمله النبي «صلى الله عليه وآله» كتاباً إلى قومه يدعوهم فيه إلى الإسلام، فأسلموا. ثم ساروا إلى حرة الرجلاء([21]).
وإن كان المقصود هو رفاعة بن زيد بن التابوت، أحد بني قينقاع، الذي كان من عظماء اليهود.. وكهفاً للمنافقين ـ وهذا هو الراجح ـ فهو أيضاً عندما عادوا من غزوة المريسيع، وجدوه قد مات في ذلك اليوم([22]).
ملاحظة:
لقد تعودنا دعاوى تعدد الشخصيات من هؤلاء القوم، كلما تضايقوا، ولم يجدوا مخرجاً، وكان يعز عليهم وجود شخصية ما، في موقع ما.
فقد ادَّعوا تعدد خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، لأنه عز عليهم أن يجدوه إلى جانب علي «عليه السلام» في حروبه.
وادَّعوا تعدد سعد بن معاذ.
وهنا ادَّعوا تعدد زيد بن رفاعة.. وما أكثر مثل هذه الدعاوى في كلامهم، كما يظهر لمن تتبع كتبهم.
5 ـ عبد الله بن جحش:
وذكر فيمن جاء بالإفك، وجلد الحد: «عبد الله بن جحش» زاده الربيـع بن سالم، تبعاً لأبي الخطاب بن دحية([23]).
وهذا غريب.. فإن عبد الله بن جحش قد استشهد في غزوة أحد([24]).
أي قبل غزوة المريسيع بثلاث سنين أو بسنتين على الأقل، فكيف يكون ممن جاء بالإفك، وجلد الحد؟!
6 ـ عبيد الله بن جحش:
وذكر أيضاً فيمن جاء بالإفك، وجلد الحد «عبيد الله بن جحش» أبو أحمد([25]).
ولا بد هنا من تصحيح: أن أبا أحمد هو أحد أخوة عبيد الله، واسمه: «عبد» وليس أبو أحمد كنية لعبيد الله([26]).
ومهما يكن من أمر.. فإن هذا أيضاً لا يصح، لأن من المجمع عليه: أن عبيد الله بن جحش كان ممن هاجر إلى الحبشة، وتنصر هناك، ومات هناك. وهو زوج أم حبيبة، التي زوجها النجاشي رسول الله «صلى الله عليه وآله». لا نجد خلافاً في ذلك([27]).
7 ـ عبد الرحمن بن أبي بكر:
بعض روايات الإفك تقول: إن عبد الرحمن بن أبي بكر قد قعد مع أبيه، وأمه وأخته، وأهل الدار، يبكون.. حين قضية الإفك.
ولكن الحقيقة هي: أن عبد الرحمن كان في سنة ست في مكة على دين قومه، ولم يسلم ـ على ما يقول أهل السير ـ إلا في هدنة الحديبية، بعد المريسيع([28]).
وقد قال أبو الفرج في الأغاني: «لم يهاجر مع أبيه، لأنه كان صغيراً. وخرج قبل الفتح (أي الذي كان سنة ثمان) في فتية من قريش، منهم معاوية إلى المدينة، فأسلموا.
أخرجه الزبير بن بكار، عن ابن عيينة، عن علي بن زيد بن جدعان»([29]).
ونحن وإن كنا نشك في وجود معاوية معهم، لأنه قد ثبت أنه من الطلقاء.. لكن لا مانع من صحة خروج عبد الرحمن هذا في فتية من قريش آنئذ.
وقيل: إنما أسلم عبد الرحمن يوم الفتح.
ويقال: إنه شهد بدراً مع المشركين. وكذلك أحداً([30]).
وعلى جميع التقادير، فإن عبد الرحمن بن أبي بكر لم يكن موجوداً في المدينة حين قضية الإفك، ليقوم بذلك الدور الذي أوكل إليه.
8 ـ بريرة:
وعن بريرة نقول:
أ ـ والجارية بريرة لم تحضر غزوة المريسيع، فكيف أشار علي «عليه السلام» على النبي «صلى الله عليه وآله» أن يسألها عن أمر غابت عنه؟!.
وكيف يزعمون أن علياً «عليه السلام» قد ضربها لينتزع منها إقراراً على سيدتها في أمر لم تشهده؟!.
ب ـ وحتى لو كانت معها في تلك السفرة، فإنها لم تكن معها حين وجدها صفوان وحدها في قلب الصحراء، وأتى بها.
ج ـ ثم كيف لم تخبر أبا مويهبة حامل الهودج أن سيدتها ليست فيه، وأنها قد ذهبت لقضاء حاجة، وعليه أن ينتظر حتى ترجع؟!
د ـ ثم هم يزعمون أيضاً: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد استند إلى قول بريرة في حكمه بكذب الآفكين، ولم يستند إلى الوحي، ولا إلى شهادة معتبرة.. ولكنه «صلى الله عليه وآله» عاد ـ حسب زعمهم ـ وشكك، وطلب من عائشة أن تتوب إن كانت قد ألمت بذنب!!
هـ ـ بل إننا نشك في وجود بريرة آنئذٍ في بيت النبي «صلى الله عليه وآله»، وفي تملك عائشة لها، إذ قد ورد أن عائشة قد اشترتها بعد فتح مكة، وأنه «صلى الله عليه وآله» قد خيرها، فاختارت نفسها، وكان زوجها يبكي، فقال النبي «صلى الله عليه وآله» للعباس: يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة؟!([31]).
وفي رواية أخرى يقول للعباس: «ذاك مغيث، عبد بني فلان (يعني زوج بريرة) كأني أنظر إليه يتبعها في سكك المدينة، يبكي عليها»([32]).
والعباس إنما هاجر قبل الفتح بقليل([33]).
وقد اشار إلى هذا الإشكال غير واحد أيضاً، كابن القيم الحنبلي، وغيره([34]).

توجيهات ولمحات:

وحاول العسقلاني الإجابة على ذلك: تبعاً للسبكي، وكذا القسطلاني باحتمال: أن تكون بريرة قد كانت تخدم عائشة، وهي في رق مواليها، ثم كانت قصة مكاتبتها بعد ذلك..
أو أنها اشترتها وأخّرت عتقها إلى ما بعد الفتح.
أو دام حزن زوجها عليها مدة طويلة.
أو حصل لها الفسخ، وطلب أن يردها بعقد جديد.
أو كانت لعائشة، ثم باعتها، ثم استعادتها بعد الكتابة.
أو أن بريرة هذه غير بريرة تلك.
وجزم بهذا الاحتمال الأخير: الزركشي.
وناقشه العسقلاني: بأن الحكم بأنها كانت تخدم عائشة بالأجرة أولى من تغليط الحفاظ([35]).
هذه طائفة من فنون الرجم بالغيب، الذي لا دليل له، ولا شاهد عليه. لا من أثر، ولا من خبر، بل هو محاولة لتضعيف الشاهد على خلافه.. وأما غيرة العسقلاني على الحفاظ، والمحافظة عليهم من التغليط، فنحن نرى شدة حفظهم وسلامته في كل الروايات، وخير شاهد على سلامته هو حديث الإفك الذي عرفت طائفة من التناقضات فيه.
هذا.. ولكن السهيلي يرى: أن قضية الإفك قد كانت بعد تحرير بريرة، وعتقها من قبل عائشة. ولذا قال في مقام توجيه ما روي من ضرب علي «عليه السلام» لها: «..وإن ضرب علي للجارية وهي حرة، ولم تستوجب الخ..»([36]).
فقوله: وهي حرة، دليل على ما قلناه..
فالإشكال المتقدم إذن يحتاج منه ومن غيره إلى الجواب.. وأنى له ولهم.
9 ـ أم رومان:
تنص الرواية على: أن أم رومان، أم عائشة، قد قامت بدور كبير في قضية الإفك. وقد ورد التصريح باسمها في عدة مواطن من الروايات المتقدمة.
ولكننا نشك كثيراً في: أن تكون أم رومان على قيد الحياة، في وقت قضية الإفك هذه. لأن غزوة المريسيع كانت ـ على ما هو الصحيح ـ في سنة ست، بعد الخندق وقريظة، كما قدمنا، وقد اختلف في وقت وفاة أم رومان، فبعضهم يقول ومنهم مغلطاي([37]): توفيت سنة أربع، وقيل: سنة خمس.
وقال الزبير بن بكار والبلاذري، والواقدي، وابن سعد: توفيت سنة ست([38]).
فوجود أم رومان إذن على قيد الحياة في وقت قضية الإفك يكون مشكوكاً فيه، على أقل تقدير.
ومحاولة البعض جعل ورود اسمها في حديث الإفك دليلاً على تأخر وفاتها عن الإفك([39])، وأنها توفيت بعد النبي «صلى الله عليه وآله» مصادرة على المطلوب.
إذ لماذا لا يكون العكس هو الصحيح، ويكون قول هؤلاء من موجبات الشك في حديث الإفك، الذي توالت عليه الأمراض والعلل من مختلف النواحي؟

من دلائل وفاتها في زمن الرسول ’:

ومما يدل على أنها توفيت في زمن الرسول «صلى الله عليه وآله»:
أ ـ أنهم يذكرون: أنها لما دليت في قبرها، قال الرسول «صلى الله عليه وآله»: من سره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين، فلينظر إلى أم رومان([40]).
ب ـ يروون أيضاً: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد نزل في قبرها([41]).
وهذا يدل على: أنها لم تبق على قيد الحياة إلى ما بعد وفاة الرسول «صلى الله عليه وآله»، ليأتي مسروق بن الأجدع ـ المتولد في أول سني الهجرة ـ من اليمن، في خلافة أبي بكر أو عمر([42]).. ويسمع منها حديث الإفك، وغيره، وهو ابن خمس عشرة سنة، كما جزم به ابن الحربي([43]).. فضلاً عن أن يقال: إن وفاتها قد كانت في خلافة عثمان([44]).
وقد أنكر هذا: أبو عمر صاحب الإستيعاب، والسهيلي، وابن السكن، والخطيب، وصاحب المشارق والمطالع، وابن سيد الناس، والمزي في الأطراف، والذهبي في مختصراته، والعلائي في المراسيل، وآخرون([45]).
بل لقد قال السهيلي: إن مسروقاً ولد بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» بلا خلاف، ولم ير أم رومان قط([46]).
واستدلال البخاري على بقائها حية برواية مسروق عنها([47])، ليس بأولى من الحكم بإرسال رواية مسروق، استناداً إلى إجماع من سبق هذا القائل من المؤرخين والرجاليين على أنه قد ولد بعد وفاة الرسول «صلى الله عليه وآله»، وأنها ماتت في حياته «صلى الله عليه وآله»..
أضف إلى ذلك: أن السهيلي نقل عن شيخه أبي بكر([48]): أنه تتبع روايات مسروق عن أم رومان فوجد أن في بعضها: حدثتني أم رومان، وفي بعضها: عن مسروق، عن أم رومان، معنعناً، وقال: والعنعنة أصح فيه، وإذا كان الحديث معنعناً كان محتملاً، ولم يلزم فيه ما يلزم في «حدثنا»، وفي «سألت»، لأن للراوي أن يقول: عن فلان، وهو لم يدركه([49]).

أدلة وفاتها بعد النبي ’:

ولقد حاول العسقلاني إثبات بقائها إلى ما بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» ليسمع منها مسروق مستنداً إلى روايتين:
أولاهما: أن عبد الرحمن بن أبي بكر يذكرها في حديث ضيوف أبي بكر، حيث قال عبد الرحمن فيها: وإنما هو أنا وأبي، وأمي، وامرأتي، وخادم.
وفيها: فلما جاء أبو بكر قالت له أمي: احتبست عن أضيافك الخ.. وأم عبد الرحمن هي أم رومان بلا خلاف.. ولم يهاجر عبد الرحمن إلا في هدنة الحديبية في سنة سبع في قول ابن سعد، وتردد الزبير بن بكار بينها وبين التي بعدها.
أقول: بل بعد ذلك، فإنه قد أسلم يوم الفتح كما تقدم.
ومعنى ذلك: هو أن وفاتها قد كانت بعد سنة أربع وخمس وست، وأنها في سنة سبع أو ثمان قد كانت على قيد الحياة.
الثانية: أنه قد روي في مسند أحمد ـ والسند جيد ـ عن محمد بن بشر، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة: عن عائشة: أنه لما نزلت آية التخيير استدعاها الرسول «صلى الله عليه وآله»، وقال لها: إني عارض عليك أمراً، فلا تفتئتي فيه بشيء حتى تعرضيه على أبويك: أبي بكر، وأم رومان الخ..
وأصل هذا الحديث في الصحيح، ولكنه يكتفي بذكر: «أبويك» ولا يصرح باسم أم رومان.
وآية التخيير إما نزلت في سنة تسع، فهذا يدل على تأخر موت أم رومان عن قضية الإفك([50]).
هذا ما ذكره العسقلاني في مقام تأييد سماع مسروق منها، ولكنه كما ترى لا يدل على مطلوبه، وذلك لما يلي:
أولاً: لأن ما ذكره لا يثبت حياتها إلى ما بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» ليثبت سماع مسروق منها.
ثانياً: إن ذلك ليس بأولى من جعل قول المؤرخين، والرجاليين، والرواة دليلاً على أنها توفيت سنة أربع أو خمس، أو ست دليلاً على عدم صحة هاتين الروايتين.
ثالثاً: ويمكن أن نقول: إن التعبير بالأم في هذه الرواية عن زوجة أبيه قد جاء على سبيل المجاز، وهو تعبير متعارف عند الناس، وبذلك يتم الجمع، ويكون حديث وفاتها في زمنه «صلى الله عليه وآله» صحيحاً..
وهذه الرواية أيضاً صحيحة، ولا مانع من ذلك بعد ثبوت موتها في حياته «صلى الله عليه وآله».
هذا.. عدا عن المناقشة في سند هاتين الروايتين، فإن الكلام فيه يطول.
رابعاً: إن رواية أضياف أبي بكر ذكرها البخاري في ثلاثة مواضع: في آخر مواقيت الصلاة، وفي كتاب الأدب في باب ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف، ثم في الباب الذي بعده([51]).
والأولى قد اختلفت نسخ البخاري فيها، فنسخة الكشميهني، والمستملي تذكر كلمة: «وأمي» ولا تذكرها سائر النسخ.
هذا بالإضافة إلى أن عبد الرحمن يقول فيها: «قالت له امرأته» و «فقال لامرأته» مما يشعر بأن زوجة أبي بكر حينئذٍ لم تكن أماً لعبد الرحمن، وإلا لكان قال: «قالت له أمي».
وأما الرواية الثانية: فليس فيها أي ذكر للنساء. ومجرد ذكر «كلمة أمي» في الثالثة، مع شدة الاختلاف بين الروايات الثلاث، مع أن راويها واحد، وهو أبو عثمان النهدي، عن عبد الرحمن بن أبي بكر، يسقطها عن الصلاحية للاحتجاج، لوضوح وقوع التصرف فيها، وإلا لما كان ثمة اختلاف.. فليقارن بين الروايات الثلاث، ليعلم مدى الاختلاف بينها.
هذا كله عدا عن أن في رواية الأضياف اتهاماً صريحاً لأبي بكر بسوء الخلق، وبذاءة اللسان، وهو ما لا يرضى به العسقلاني ونظراؤه.
خامساً: لعل ما ورد في هذه الرواية من قول أبي بكر لزوجته: يا أخت بني فراس.. هو معتمد من قال: إن أم رومان فراسية، ويمكن أن يفهم ذلك من كلام العسقلاني في إصابته وغيره([52]).
ونقول:
إن سلسلة نسبها تدل على خلاف ذلك، فإننا لم نجد في هذه السلسـلة ـ التي اختلف فيها ابتداء من أبيها إلى كنانة([53]) ـ اسماً لفراس بن غنم بن ثعلبة..
بل ذكروا: أنها بنت عامر بن عويمر، بن عبد شمس، بن عتاب، بن أذينة، بن سبيع، بن دهمان، بن الحارث، بن غنم.. ولم يذكروا اسم فراس بن غنم أصلاً.
فلا معنى لقول ابن إسحاق: إنها بنت دهمان أحد بني فراس بن غنم.
بل إن ابن حزم والعسقلاني قد ناقضا نفسيهما هنا، لأنهما قد حكما أولاً بأنها فراسية، ولكنهما حينما يذكران سلسلة نسبها يذكرانها على نحو ما قدمناه.. أي ينهيانها إلى الحارث بن غنم([54]) لا إلى فراس بن غنم!!
وليكن ذكر كلمة: «يا أخت بني فراس» في رواية أضياف أبي بكر مؤيداً وشاهداً على: أن زوجة أبي بكر في تلك الرواية لم تكن هي أم رومان بل كانت زوجة أخرى له، إذ لم نجد في جميع ما لدينا من الكتب المتعرّضة لسلسلة نسبها ما يدل على فراسية أم رومان.. بل جميعها متفقة على عدم ذكر فراس بن غنم في سلسلة نسبها([55]).
سادساً: أما بالنسبة لآية التخيير التي استدل بها العسقلاني على حياتها إلى ما بعد وفاته «صلى الله عليه وآله».. فللكلام فيها مجال واسع، ونحن نكتفي هنا بذكر الأمور التالية:
ألف ـ إن كلمة «أم رومان» ربما تكون من تفسيرات الرواة، ولا سيما بملاحظة: أن أحمد وغيره قد ذكروا الرواية في عدة مواضع بلفظ: «أبويك»([56]). ولفظ الأبوين يصح إطلاقه على الأب وزوجته، وإن لم تكن أماً.
ب ـ إن آية التخيير قد وردت في سورة الأحزاب، وهي قد نزلت في وقعة الخندق سنة أربع أو خمس. ولا سيما بملاحظة: أن هذه السورة قد اشتملت على ذكر قضية زواج النبي «صلى الله عليه وآله» بزينب.. فكيف يكون التخيير في سنة تسع([57])، وآياته نزلت في سنة أربع أو خمس؟!
ويؤيد ذلك: أنه قد ورد بطرق صحيحة: أن الصحابة ما كانوا يعرفون انتهاء السورة إلا إذا نزلت: «بسم الله الرحمن الرحيم». مما يدل على أن نزول السور كان منظماً، بلا تخليط، ولا تشويش كما سيأتي، أضف إلى ذلك قول مالك الآتي.
ج ـ ومما يدل على أن التخيير كان قبل سنة تسع بعدة سنين، ما رواه مسلم، والسيوطي عن غير واحد، عن عمر بن الخطاب: من أن آية التخيير قد نزلت عندما تظاهرتا عليه عائشة وحفصة، فاعتزلهن الرسول في مشربته تسعاً وعشرين ليلة.. وذلك قبل أن يفرض الحجاب على نساء النبي «صلى الله عليه وآله»، فأنزل الله آية التخيير: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ}، {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ..} والرواية طويلة([58]).
ومعلوم: أن فرض الحجاب ـ كما يقولون ـ قد كان في السنة الخامسة، أو في الرابعة، أو في الثالثة. فكيف يكون تخيير نسائه في التاسعة؟!
وقبل أن نمضي في الحديث نشير إلى: أن عمر بن الخطاب قد غلط هنا، فإن آية التخيير ليست هي الآية المذكورة. وإنما هي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أمَتِّعْكُنَّ وَأسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً}([59]). كما أنه قد غلط في ترتيب الآيتين المذكورتين.
د ـ إن في رواية التخيير المذكورة نقاط ضعف أخرى، كقولها: إنه «صلى الله عليه وآله» قد بدأ بعائشة، فخيَّرها، فاختارت الله ورسوله، ونحن نشك في ذلك، لما يلي:
1 ـ إن رواية القمي تقول: إن أم سلمة هي التي اختارت الله ورسوله أولاً، ثم تبعنها سائر أزواج النبي «صلى الله عليه وآله» ([60]).
ويؤيد ذلك، ويدل عليه: ما رواه ابن سعد، عن عمر بن الخطاب: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» اعتزل نساءه في المشربة شهراً، حين أفشت حفصة لعائشة ما أسره الرسول إليها.
وكان قال: ما أنا بداخل عليكن شهراً. موجدة عليهن.
فلما مضت تسع وعشرون دخل على أم سلمة، وقال: الشهر تسع وعشرون.
قال: وكان ذلك الشهر تسعاً وعشرين([61]).
2 ـ إن قتادة يصرح: بأن سبب هجر النبي «صلى الله عليه وآله» لنسائه، ثم نزول آية التخيير، هو قضية فيها غيرة من عائشة، في شيء أرادته من الدنيا([62]).
فهل من المعقول: أن تكون هي السبب في كل ما حصل، ثم بعد ذلك. يظهر لها النبي «صلى الله عليه وآله» هذا الحب والعطف؟. ويميزها ـ في هذه المناسبة بالذات ـ أم أن المناسب هو إهمالها، وعدم الاعتناء بها، وعدم تمييزها على سائر أزواجه؟ بل تمييزهن عليها، لتشعر بعظيم الذنب الذي ارتكبته في حقه «صلى الله عليه وآله»، حتى اعتزل نساءه لشدة موجدته عليهن، كما صرحت به الروايات؟!
والكلام في آية التخيير طويل.. وما يهمنا هنا هو ما ذكرناه، ولذا فنحن نقتصر على ذلك، على أمل أن نوفق لبحث ذلك مفصلاً في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.
ولكن.. مما لا ريب فيه، هو: أن آية التخيير لم تنزل في سنة تسع، وإنما نزلت قبل ذلك بعدة سنين، فلا مانع من أن تحضرها أم رومان، حتى لو فرض أننا صرفنا النظر عن الإشكالات الأخرى في الرواية.
ويتضح من جميع ما قدمناه عدم صحة قولهم:
إنها عاشت إلى ما بعد وفاة النبي كما يريد العسقلاني، حتى يروي عنها ابن الأجدع.. ولذا يبقى الشك في حضورها قضية الإفك على حاله.

10 ـ أسامة بن زيد:
صريح روايات الإفك: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد استشار في أمر أهله أسامة بن زيد.
وإذا أردنا أن نأخذ بالرواية القائلة: بأنه إنما استشاره بعد وفاة أبيه زيد ـ وهي من روايات الإفك المتقدمة ـ فإننا نجد إجماع المؤرخين والرواة على أن زيـداً أباه كـان حياً في سنة ست، وإنـما قتـل في غزوة مؤتة في سنة ثـمان ـ وعلى هذا ـ فلا بد أن يكون الإفك بعد وفاة زيد، بينما تقول تلك الروايات المتقدمة إن الإفك كان سنة ست.
وإذا أردنا: أن لا نلتفت إلى التصريح بوفاة زيد آنئذٍ، فإننا سوف نجد: أن أسامة نفسه حين الإفك المذكور في تلك الروايات لم يكن قد بلغ الحلم بعد.
بل يقولون: إن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يقعده على فخذه هو والحسن «عليه السلام»، الذي ولد في الثانية أو الرابعة من الهجرة([63]). وهذا يدل على أن عمره كان حين الإفك في سنة ست أو خمس أو أربع كان أربع عشرة سنة أو ثلاث عشرة أو اثني عشرة سنة. وهو ينسجم مع ما هو المعروف والمشهور، من أن عمره كان حين توفي الرسول «صلى الله عليه وآله» ثمانية عشر عاماً فقط([64]).
فكيف يترك النبي «صلى الله عليه وآله» شيوخ المهاجرين والأنصار، وبني هاشم، ويلجأ إلى استشارة هذا الطفل الذي لم يمارس الأمور، ولم تحكمه التجارب بعد؟!

اعتذار لا يصح:

واعتذار العسقلاني: بأن للشاب من صفاء الذهن ما ليس لغيره، ولأنه أكثر جرأة على الجواب بما يظهر له من المسن، لأن المسن غالباً يحسب العاقبة، فربما أخفى بعض ما يظهر له، رعاية للقائل تارة، وللمسؤول عنه أخرى([65])،
هذا الاعتذار بارد حقاً.. فإن المطلوب في مثل هذه الأمور هو حساب العواقب، واللجوء إلى من أحكمتهم التجارب. لا التصرف بناءً على آراء أطفال جهال لم يبلغ الواحد منهم الحلم.
ثم إذا صح قول العسقلاني هنا، فقد كان يجب: أن لا يستشير النبي «صلى الله عليه وآله» علياً «عليه السلام» لأنه، حين قضية الإفك، قد كان له من العمر حوالي ثلاثين عاماً. وكان يجب أن لا يستشير عثمان، وعمر، وأم أيمن، ولا غير هؤلاء ممن أسنّوا وتكاملت عقولهم.. مع اعتراف العسقلاني بأنه «صلى الله عليه وآله» قد استشار هؤلاء أيضاً.
نعم، لقد كان على النبي «صلى الله عليه وآله» ـ حسب منطق العسقلاني ـ أن يذهب إلى الشارع ويأتي بمجموعة أطفال، ويطرح عليهم مشكلته، ليضعوا لها الحلول المناسبة!!
ولكان يجب أن ينال هؤلاء الأطفال درجة النبوة والولاية العظمى، وقيادة الجيش، ومناصب القضاء.. وغير ذلك من المناصب والمقامات!!
ولو صح ما ذكره فقد كان اللازم: أن يستشير الأطفال في أهم الأمور العامة أيضاً، ليستفيد من صفاء ذهنهم، وسلامة فطرتهم، مع اعتراف العسقلاني بأنه «صلى الله عليه وآله» كان يستشير في الأمور العامة ذوي الأسنان من أكابر الصحابة!!([66]).

11 ـ زيد بن ثابت:
لقد وقع في رواية الطبراني، عن ابن عباس: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد استشار زيد بن ثابت في أمر عائشة([67]).
فقال: «دعها فلعل الله يحدث لك فيها أمراً».
ولكن ذلك غير معقول..
أولاً: إن رواية ابن عمر تقول: إن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن يعدو في استشارته علياً وأسامة.
ثانياً: لماذا اختص زيد بن ثابت، الشاب المراهق، الذي كان عمره في المريسيع حوالي خمسة عشر عاماً فقط، لأنه إنما أجيز عام الخندق، حسب رواية عنه([68]) ـ نعم، لماذا اختص هذا الشاب أو فقل هذا الطفل ـ بهذه المشورة دون سائر شيوخ المهاجرين والأنصار من صحابته «صلى الله عليه وآله»؟!
اعتذار غير صحيح:
واحتمل العسقلاني: أن يكون ثمة اشتباه من الراوي، وأنه كان في الأصل زيد بن حارثة.
ولكن هذا غير مسموع.
أولاً: لأنه رجم بالغيب. لا شاهد له ولا دليل عليه.
ثانياً: إن رواية ابن عمر المتقدمة تقول: إنه لم يكن يعدو في استشارته علياً وأسامة.
وهذه الرواية ترد حديث استشارته لعمر، وعثمان، وبريرة، وغيرهم أيضاً.
ثالثاً: إن رواية ابن عمر تنص على أن زيد بن حارثة كان قد توفي، فلا معنى للتصحيح بها.. وإلا فالأولى تصحيح ذلك بأن المقصود هو أسامة بن زيد، فذهل الراوي عن أسامة وتوجه إلى كلمة زيد، وأضاف إليها كلمة ابن ثابت دون قصد.. لكن هذا كله أيضاً مجرد تخرص ورجم بالغيب. لا شاهد له، ولا دليل عليه.

12 ـ الأنصارية وابنها:
لقد جاء في رواية أم رومان قولها: «..بينما أنا قاعدة عند عائشة، إذ ولجت امرأة من الانصار.
فقالت: فعل الله بفلان وفعل.
فقالت أم رومان: وما ذاك؟
قالت: ابني فيمن حدث الحديث..».
ولكن ذلك موضع شك وريب، فإن اللذين جاءا بالإفك من الانصار هما: عبد الله بن أُبي، وحسان بن ثابت، ولم تكن أم واحد منهما موجودة([69]).
وأما رفاعة بن زيد.. فقد قدمنا: أنه مات قبل ذلك.

ولا بد أيضاً من الاعتذار:

واحتمل البعض: أن يكون لأحدهما أم من رضاع، أو غيره([70]).. وهو احتمال لا شاهد له، ولا دليل عليه، إلا الالتزام بتصحيح ما ورد في حديث الإفك.. وليس هو مما يستحق هذا التكلف، بعد أن تواردت عليه العلل والأسقام.
13 ـ زيد بن حارثة:
تنص رواية ابن عمر على: أن زيد بن حارثة كان حين قضية الإفك قد توفي ولذلك استشار النبي «صلى الله عليه وآله» ولده أسامة.
ونقول:
إن من الواضح: أن الإفك قد كان في سنة ست، أو قبلها. وزيد بن حارثة قد استشهد في غزوة مؤتة في سنة ثمان، فكيف يكون حين الإفك قد توفي؟!



([1]) مروج الذهب ج2 ص289.
([2]) راجع: بهجة المحافل ج1 ص341 وفتح الباري ج7 ص332 ونقله ص360 و 361 عن إسماعيل القاضي، ونقله عن إسماعيل أيضاً في شرح مسلم للنووي (مطبوع بهامش إرشاد الساري) ج10 ص227. ونقله المعلق على السيرة النبوية لابن هشام ج3 بهامش ص302 عن الزرقاني. وراجع أيضاً: وفاء الوفاء ج1 ص314.
([3]) فتح الباري ج7 ص333.
([4]) مرآة الجنان ج1 ص7.
([5]) شرح صحيح مسلم للنووي (مطبوع بهامش إرشاد الساري ج10 ص226 وفتح الباري ج8 ص360).
([6]) فتح الباري ج8 ص360 و 361.
([7]) السيرة الحلبية ج2 ص301.
([8]) تاريخ ابن خلدون ج2 قسم2 ص33.
([9]) مغازي الواقدي ج2 ص435 والسيرة الحلبية ج2 ص301.
([10]) تاريخ الأمم والملوك ج2 ص231 والكامل لابن الأثير ج2 ص177، والتنبيه والإشراف ص217 ومروج الذهب ج2 ص289 وطبقات ابن سعد ج2 قسم1 ص81 وج8 ص125 و 126 و 127 وتاريخ الخميس ج1 ص500 و 501 و 267، ونقله أيضاً عن أسد الغابة، وعن المنتقى، ونقله في البداية والنهاية ج4 ص145 عن قتادة، والواقدي، وبعض أهل المدينة، والبيهقي. ونقله في السيرة الحلبية ج2 ص293 عن الإمتاع، عن بعض أهل الأخبار، ثم أشكل على ذلك بما ورد في حديث الإفك.. ونقله في فتح الباري ج8 ص351 عن الواقدي، وصفة الصفوة لابن الجوزي ج2 ص46 ووفاء الوفاء للسمهودي ج1 ص310.
([11]) راجع: البداية والنهاية ج4 ص145.
([12]) راجع: فتح الباري ج8 ص360.
([13]) فتح الباري ج8 ص360.
([14]) فتح الباري ج8 ص360.
([15]) راجع: تاريخ الخميس ج2 ص38 وطبقات ابن سعد ج8 ص153 وأسد الغابة ج5 ص544 و 585 والإصابة ج4 ص404، وغير ذلك.. فإن ذلك من الأمور المتسالم عليها ويظهر ذلك بالمراجعة إلى كتب التراجم، ترجمة حسان، ومارية، وسيرين، وعبد الرحمن بن حسان.
([16]) الإستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص341 والسيرة الحلبية ج2 ص305 وتاريخ الخميس ج1 ص478.
([17]) المصنف ج9 ص454 والإستذكار ج25 ص51.
([18]) الكشاف ج3 ص217 وعنه في فتح الباري ج8 ص352 وتاريخ الخميس ج1 ص479، عن الإكتفاء ومعالم التنزيل وإرشاد الساري ج4 ص398 وتفسير النيسابوري، هامش جامع البيان للطبري ج18 ص62.
([19]) السيرة الحلبية ج2 ص300.
([20]) نفس المصدر السابق.
([21]) أسد الغابة ج2 ص181 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص243 والكامل في التاريخ ج2 ص207.
([22]) تاريخ الأمم والملوك (ط مطبعة الإستقامة) ج2 ص262.
([23]) فتح الباري ج8 ص352.
([24]) طبقات ابن سعد ج3 قسم1ص64 وأسد الغابة ج3 ص131 والإصابة ج2 ص287 والسيرة الحلبية ج2 ص300 وصفة الصفوة ج1 ص386.
([25]) السيرة الحلبية ج2 ص300.
([26]) طبقات ابن سعد ج3 قسم1 ص62 والإستيعاب بهامش الإصابة ج2 ص272.
([27]) راجع: أسد الغابة ج3 ص131 والإصابة ج4 ص4 والإستيعاب بهامش الإصابة ج2 ص272 ـ 274 وطبقات ابن سعد ج3 قسم1 ص62 والتنبيه والإشراف ص223.
([28]) الإستيعاب بهامش الإصابة ج2 ص400 والإصابة ج2 ص407.
([29]) المصدران السابقان.
([30]) الإصابة ج2 ص407 والإستيعاب بهامش الإصابة ج2 ص399.
([31]) صحيح البخاري ج3 ص176 و 177 وإرشاد الساري ج4 ص394 وج7 ص261 وفتح الباري ج8 ص358.
([32]) صحيح البخاري ج3 ص176 بسندين.
([33]) الإصابة ج2 ص271 وإرشاد الساري ج7 ص261 وج4 ص394.
([34]) راجع: فتح الباري ج8 ص358 وإرشاد الساري ج7 ص261 وج4 ص394.
([35]) إرشاد الساري ج4 ص395 وج7 ص261 وفتح الباري ج8 ص358.
([36]) الروض الأنف ج4 ص20.
[37]) سيرة مغلطاي ص54.
([38]) راجع الأقوال في وفاتها في: تهذيب الأسماء واللغات ج2 ص350 وأسد الغابة ج5 ص583 وفتح الباري ج7 ص337 والإستيعاب بهامش الإصابة ج4 ص449 وأنساب الأشراف ج1 ص420 والإصابة ج4 ص451 و 452 وتهذيب التهذيب ج2 ص467 وطبقات ابن سعد ج8 ص202 وتاريخ الخميس ج2 ص26 والروض الأنف ج4 ص21 وإرشاد الساري ج6 ص343 والسيرة الحلبية ج2 ص79 وغير ذلك.
([39]) أسد الغابة ج5 ص583 وتهذيب الأسماء واللغات ج2 ص350 و 351 عنه.
([40]) راجع المصادر الكثيرة المتقدمة، وغيرها من كتب التاريخ والتراجم، في ترجمة أم رومان.. أو في عام وفاتها.
([41]) طبقات ابن سعد ج8 ص202 والروض الأنف ج4 ص21 ووفاء الوفاء ج3 ص897 والسيرة الحلبية ج2 ص79.
([42]) فتح الباري ج7 ص337 والإصابة ج4 ص451 وإرشاد الساري ج6 ص343.
([43]) الإصابة ج4 ص451 وتهذيب التهذيب ج12 ص468.
([44]) تهذيب التهذيب ج12 ص468، عن البخاري في تاريخيه الأوسط والصغير، وأيده العسقلاني.
([45]) الإستيعاب بهامش الإصابة ج4 ص452 والروض الأنف ج4 ص21 والإصابة ج4 ص452 وفتح الباري ج7 ص337 و 338، وليراجع تهذيب التهذيب ج12 ص468 عن الخطيب.
([46]) الروض الأنف ج4 ص21 وفي السيرة الحلبية ج2 ص79، من دون قوله: ولم ير أم رومان قط.
([47]) نقله عن العسقلاني في كتابه: تهذيب التهذيب ج2 ص468 وفتح الباري ج7 ص337 والإصابة ج4 ص451 والسيرة الحلبية ج2 ص79.
([48]) المراد به: الخطيب البغدادي.
([49]) الروض الأنف ج4 ص21.
([50]) راجع: الإصابة ج4 ص451 و 452 وفتح الباري ج7 ص337 وتهذيب التهذيب ج12 ص468 و 469 ورواية التخيير موجودة في مسند أحمد ج6 ص212.
([51]) راجع صحيح البخاري ج1 ص74، وج4 ص47.
([52]) الإصابة ج4 ص450، وراجع: تهذيب التهذيب ج2 ص467 وجمهرة أنساب العرب لابن حزم ص188.
([53]) الإستيعاب بهامش الإصابة ج4 ص448 والإصابة ج4 ص450.
([54]) راجع: جمهرة أنساب العرب ص137 و 188 وتهذيب التهذيب ج12 ص467 و 433 والإصابة ج4 ص450.
([55]) راجع: طبقات ابن سعد ج8 ص202 والإصابة ج4 ص450 والإستيعاب بهامشها ج4 ص448 وتهذيب التهذيب ج12 ص433 وجمهرة أنساب العرب، وغير ذلك.
([56]) مسند أحمد ج6 ص78 و 103 وصحيح مسلم ج4 ص186 و 187 و 194.
([57]) وفاء الوفاء ج1 ص316، وغير ذلك.
([58]) صحيح مسلم ج4 ص188 ـ 190 والدر المنثور ج6 ص242 و 243 عنه، وعن ابن مردويه، وعبد بن حميد.
([59]) الآية 28 من سورة الأحزاب.
([60]) تفسير القمي ج2 ص192 ونور الثقلين ج4 ص464 والميزان ج16 ص315 كلاهما عنه.
([61]) طبقات ابن سعد ج8 ص138.
([62]) جامع البيان ج21 ص100 والدر المنثور ج5 ص195 عنه، وعن ابن المنذر، وابن ابي حاتم.
([63]) الطبقات لابن سعد ج4 ص43 وتهذيب الأسماء واللغات ج1 ص114.
([64]) كما جزم به ابن الأثير، في أسد الغابة ج1 ص64 وابن الجوزي في صفة الصفوة ج1 ص522. وليراجع: الإصابة ج1 ص31 عن ابن أبي خيثمة، وعن ابن سعد كان عمره عشرين سنة، والإستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص57.
([65]) فتح الباري ج8 ص357.
([66]) فتح الباري ج8 ص357.
([67]) المعجم الكبير ج23 ص123 و 124 ومجمع الزوائد ج9 ص237.
([68]) الإصابة ج1 ص561، روى ذلك عنه الواقدي.. وقيل: بل أجيز يوم أحد.
([69]) راجع: إرشاد الساري ج6 ص343.
([70]) المصدر السابق.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page