• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الثالث عشر: نهاية المطاف في حديث الإفك

  واقع القضية، وحقيقة الأمر:
قد عرفنا: أن الافتراء على مارية وقذفها، واتهامها الباطل بمأبور مما أجمعت الأمة على حصوله. وقد ذكر ذلك كل من ترجم لمارية أو لمأبور، أو لإبراهيم ابن النبي «صلى الله عليه وآله»، ذكروه بالتفصيل تارة، وبالإجمال أخرى، فالإفك عليها أمر لا ريب فيه.
ولكن يبقى سؤال: هل هي التي نزلت فيها آيات سورة النور؟

  واقع القضية، وحقيقة الأمر:
قد عرفنا: أن الافتراء على مارية وقذفها، واتهامها الباطل بمأبور مما أجمعت الأمة على حصوله. وقد ذكر ذلك كل من ترجم لمارية أو لمأبور، أو لإبراهيم ابن النبي «صلى الله عليه وآله»، ذكروه بالتفصيل تارة، وبالإجمال أخرى، فالإفك عليها أمر لا ريب فيه.
ولكن يبقى سؤال: هل هي التي نزلت فيها آيات سورة النور؟

أم هي عائشة؟!

والجواب:
إننا قد أثبتنا فيما تقدم: أن حديث الإفك على عائشة، لا يمكن أن يصح من أساسه..
وأما الإفك على مارية فهو الصحيح، الذي لا مجال للمراء فيه، إذ رغم تصريح رواية القمي المتقدمة: بأن عائشة قد قذفت مارية بمأبور، وتأييد ذلك بما ورد في الروايات الأخرى التي وردت من طرق غير الشيعة،
ولربما يفهم من بعضها: أن لحفصة وغيرها أيضاً مساهمة في هذا الأمر،
نعم، رغم كل ذلك.. فإننا نجد: شواهد كثيرة تدل على ذلك في نفس حديث الإفك على عائشة، مما يدل دلالة واضحة على: أن رواية الإفك على مارية، التي ماتت في عهد عمر، وليس لها أحد يهتم بقضاياها أو يدافع، قد حرفت لتنطبق على عائشة. وقد كان هذا تحريفاً فاحشاً، أفقدها معظم معالمها، حتى لم يبق منها إلا لمحات خاطفة، تشير بصراحة أحياناً، وبشيء من الوهن أحياناً أخرى إلى القضية الأم، التي ذهبت ضحية الأهواء والميول، والخطط السياسية التي لا ترحم، ولا تقف عند حد.
ونحن نجمل هنا بعض تلك الشواهد في النقاط التالية:

شواهد من حديث عائشة:

1 ـ إن الآيات التي في سورة النور، ليس فيها إلا ما يدل على البراءة الشرعية، دون الواقعية، فهي لا تصلح لدفع ما يُدَّعى أن أهل الإفك قالوه في عائشة، إذ لهم أن يقولوا: صحيح أن ذلك لم يثبت شرعاً، لكن عدم ثبوته شرعاً بالشهداء، لا يدل على البراءة واقعاً، ولا كان مع عائشة أحد يمكنه تبرئتها، كما هو مفروض الرواية.
أما في قضية مارية فالبراءة الشرعية قد حصلت بالآيات، والبراءة الواقعية قد حصلت على يد الإمام علي «عليه السلام»، بانكشاف حقيقة مأبور.
فسياق الآيات الشديد لا يتلاءم إلا مع وجود براءة واقعية، وإلا لم يكن معنى لهذه الشدة، والتوعد باللعن في الدنيا، والعذاب العظيم في الآخرة. كما لا معنى للوم الناس على عدم ظنهم خيراً، وعلى عدم حكمهم بأن ذلك بهتان عظيم، وإفك مبين.
قال ابن أبي الحديد المعتزلي: «..وجرت لمارية نكبة مناسبة لنكبة عائشة، فبرأها علي «عليه السلام» منها، وكشف بطلانها، أو كشفه الله تعالى على يده. وكان ذلك كشفاً محساً بالبصر، لا يتهيأ للمنافقين أن يقولوا فيه ما قالوه في القرآن المنزل ببراءة عائشة، وكل ذلك مما كان يوغر صدر عائشة عليه (أي على علي «عليه السلام»)، ويؤكد ما في نفسها منه، ثم مات إبراهيم، فأبطنت شماتة، وإن أظهرت كآبة..»([1]).
2 ـ الآيات تنص على: أن الإفك كان إفكاً ظاهراً مبيناً، يفهمه كل أحد. ولذا صح منه تعالى توبيخ المؤمنين على عدم مبادرتهم لتكذيب ذلك ورده. وروايات الإفك على عائشة تفيد ضد ذلك تماماً، بخلاف الإفك على مارية فإنه ظاهر مبين، يفهمه كل أحد، لأن مابوراً كان شيخاً كبيراً، وكان أخاً لمارية ـ كما يقولون ـ وكان مجبوباً أيضاً.
3 ـ لقد قدمت مارية إلى المدينة سنة سبع أو ثمان، وولدت إبراهيم في ذي الحجة سنة ثمان بالاتفاق([2])، وتوفي سنة عشر، كما تذكره المصادر التاريخية.
وفي رواية عائشة عدد من الشواهد الدالة على أن الإفك كان في سنة ثمان، ونذكر من ذلك ما يلي:
ألف: ما تقدم من أن المنبر قد صنع سنة سبع، أو بعد الفتح الذي كان سنة ثمان.
والروايات تقول: إن النبي «صلى الله عليه وآله» صعد المنبر، وصار يخفضهم وهو على المنبر، ثم نزل.. إلى آخر ما تقدم.
ب: ما تقدم من إهداء سيرين أخت مارية لحسان، بدلاً من ضربته، وسيرين، إنما قدمت مع أختها مارية سنة سبع أو ثمان.
ج: قولهم: إن النبي «صلى الله عليه وآله» استشار أسامة بن زيد بعد وفاة أبيه. وأبوه إنما مات سنة ثمان شهيداً في غزوة مؤتة.
د: قولهم: إنه «صلى الله عليه وآله» قد استشار أسامة بن زيد، وهو إنما كان سنة ست أو قبلها صغيراً، لم يبلغ الحلم، فاستشارته سنة ثمان، أو في التي بعدها، تكون أكثر انسجاماً ومعقولية من استشارته سنة ست، أو قبلها.
هـ: ما قدمناه: من أن سورة النور قد نزلت دفعة واحدة في حدود سنة ثمان، بل نزلت في السنة التاسعة على وجه التحديد، لأجل وجود آيات اللعان فيها.
و: دور بريرة الذي أُعطيتْه في القضية، وبريرة كما قلنا: إنما اشترتها عائشة بعد سنة ست بزمان طويل، بل بعد فتح مكة الذي كان سنة ثمان.
ز: استشارته «صلى الله عليه وآله» زيد بن ثابت الذي كان عمره في غزوة المريسيع لا يزيد على الخمسة عشر عاماً، فإن استشارة شاب مراهق كهذا بعيدة في الغاية عن شأن نبي الأمة «صلى الله عليه وآله».
وهذا يقرب: أن يكون الإفك في الثامنة أو التاسعة، ليصح ويجوز للنبي استشارة زيد، الذي يكون حينئذ في الثامنة عشرة تقريباً، فإن ذلك يكون أقرب إلى المعقولية وأبعد عن الخفة، وأقرب إلى الحكمة والحزم.
ح: ذكرهم زيد بن رفاعة في الإفكين، وفي الذين أقيم عليهم الحد.
وقد قلنا: إنه لا يعقل أن يكون هو زيد بن رفاعة الذي وجدوه قد مات عند عودتهم من المريسيع، فلا بد أن يكون هو رفاعة بن زيد الضبي، الذي قدم في هدنة الحديبية على النبي «صلى الله عليه وآله» فأسلم، وهدنة الحديبية قد كانت بعد المريسيع بالاتفاق.
ط: ذكر عبد الرحمن بن أبي بكر في روايات الإفك، وهو إنما أسلم في هدنة الحديبية، أو يوم الفتح، وهاجر إلى المدينة سنة ثمان قبل الفتح.
ي: قول روايات الإفك على عائشة: بأن قضيتها كانت بعد فرض الحجاب.
وقد قلنا: إن آيات فرض الحجاب وردت في سورة النور، التي نزلت دفعة واحدة، بعد سنة ست، بل في سنة ثمان على وجه التقريب، أو في التاسعة.
ك: إن روايات الإفك تذكر: أن ذلك كان بعد زواجه «صلى الله عليه وآله» بزينب، وقد ذكرنا عن الطبري وابن سعد: أنه «صلى الله عليه وآله» قد تزوج بزينب بعد المريسيع.
بل في بعض المصادر: أنه تزوجها بعد خيبر، بعد تزوجه بصفية كما تقدم.
4 ـ أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال على المنبر: إن المتهم لم يكن يدخل على أهله إلا معه، وكان لا يفارقه في سفر ولا في حضر. وهذا لا يناسب صفوان بن المعطل، الرجل الغريب عن بيت النبي «صلى الله عليه وآله»، والذي لم يسلم إلا قبل المريسيع بقليل، ولا سيما إذا كان ذلك بعد فرض الحجاب، حسبما تنص عليه الرواية، وإنما يناسب حال مأبور أخي مارية، أو ابن عمها، الذي كان يدخل عليها، ويسليها.
5 ـ قول أم رومان: إن الإفك كان من الضرائر، الذي تؤكده كلمة (منكم) في قوله تعالى: {إِنَّ الذِينَ جَاؤُوا بِالإفك عُصْبَةٌ مِّنكُمْ..}.
وقد تقدم: أن لعائشة دوراً في تأكيد التهمة على مارية، مع أن رواية عائشة تصر على خلاف ذلك، وأنهن جميعاً قد عصمهن الله بالورع.
6 ـ محاولة وصف صفوان: بأنه كان عنيناً، أو أن له مثل الهدبة، مع أنه كان لا يمكن زوجته من الصيام لشدة شبقه. وكان له ولدان أشبه به من الغراب بالغراب. فهذه المحاولة ما هي إلا من أجل تقريب حاله إلى حال مأبور الخصي الذي كان مجبوباً. ولا يتهيأ القول فيه كما يتهيأ في غيره على حد تعبير المعتزلي المتقدم. ولهذا بقيت عائشة حانقة، كما قال..
7 ـ ما تقدم: من أن ظاهر الآيات هو: أنه قد كان ثمة جماعة قد اتفقوا وتعاضدوا على الإفك. وهذا لا ينطبق على قضية عائشة، لأن الرمي كان عفوياً، ومن رجل واحد. ثم صار يجمعه ويستوشيه، كما تقول رواياتها. وأما رواية الإفك على مارية، فظاهرها: أنه قد كان ثمة من يقصدها بالضرر والأذى.
8 ـ قد عرفنا: أن الإفكين على عائشة، إما لم يكونوا موجودين ثمة، أو أنهم كانوا موجودين، لكن لا تنطبق القضية عليهم، مع أن الكل في الإفك على مارية كانوا موجودين. ولا مانع من اشتراكهم جميعاً وتواطئهم على قذفها: حسان، مسطح، رفاعة بن زيد، ابن أبي، حمنة ومن لم يعرفهم عروة، وغيرهم ممن شارك في تأكيد الشبهة عليها ـ كما تقول روايات مارية ـ فلم يكن ثمة مانع من اشتراكهم، وتعاضدهم، وصيرورتهم عصبة. بخلاف الأمر بالنسبة لعائشة.
9 ـ إن سؤال زينب بنت جحش، وبريرة، وأم أيمن إنما يصح إذا كان عن أمر يمكنهن معرفته، وذلك ممكن في قضية مارية، التي كانت تعيش معهن، ويعرفن اتصالاتها، ويمكنهن رؤية من يدخل عليها، أو يخرج.
أما بالنسبة لعائشة فلا يصح سؤالهن عن أمرها مع ابن المعطل، لأنهن لم يكنَّ معها في تلك الغزوة.
وحتى لو كنَّ معها، فإنها حين تخلفت عن الجيش، ووجدها صفوان بن المعطل كما تقول روايتها، لم يكن معها أي مخلوق.
بل إن سؤال النبي لأي إنسان يصبح أمراً غير معقول ولا مقبول، وستكون نتيجته معلومة سلفاً.
10 ـ إن الآيات قد وصفت المرأة التي أفك عليها الإفكون بأنها من المؤمنات، لكن الآيات في سورة التحريم التي نزلت في عائشة وحفصة لا تؤيد هذا المعنى.
وليس لدى مارية مشكلة من هذا القبيل.
11 ـ لقد وصفت الآيات المرأة التي تعرضت للإفك عليها بالغافلة وهذا الوصف إنما يناسب ما جرى لمارية التي كانت تعيش في مشربتها، حياة عادية رتيبة، خالية من أي حدث مثير وغير عادي.
أما عائشة، فقد تركها الجيش وحيدة في قلب الصحراء، وقد صادفها صفوان بن المعطل ـ وحدها ـ نائمة، أو مستيقظة، حسب زعم رواياتها. وبقيت معه إلى أن قدم بها في اليوم التالي في نحر الظهيرة على جيش فيه الكثير من المنافقين.
فكيف لم يخطر في بالها: أن يتخذ المنافقون ذلك ذريعة لاتهامها بما يسيء إلى سمعتها وكرامتها؟! إلا إذا كانت على درجة عالية من البله والسذاجة، وليست عائشة بهذه المثابة على أي حال.

خلاصة أخيرة لحديث الإفك:

كانت تلك دراسة تكاد تكون موجزة حول موضوع الإفك، وقد رأينا أن الروايات القائلة بأن الإفك كان على عائشة لا يمكن أن تصح. وإنما الذي يقرب في النظر هو صحة ما اتفقوا على نقله من الإفك على مارية.
وأن الظاهر هو: أن الآيات قد نزلت في هذه القضية خاصة لا في عائشة كما يقولون.
ونرى: أن يد السياسة هي التي آثرت تحجيم قضية مارية، إن لم يمكن القضاء عليها، وإعطاء كل النقاط، والامتيازات للفريق الآخر، عائشة، ومن يدور في فلكها، ثم استغلال ذلك لاهداف سياسية ذات طابع معين، كما بيناه في الفصول المتقدمة، ولا سيما فصل: الكيد السياسي في حديث الإفك، والله الموفق والبادي.

 

([1]) شرح النهج للمعتزلي ج9 ص195.
([2]) راجع: فتح الباري ج3 ص140 ومستدرك الحاكم ج4 ص38 وتلخيصه، ووفاء الوفاء ج1 ص316 وذخائر العقبى ص153 ـ 155 وصفة الصفوة ج1 ص148 وأسد الغابة ج5 ص544 وطبقات ابن سعد ج1 قسم1 ص86.
 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page