• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الثالث: أبو سفيان في المدينة تدليس وخداع

عروض النبي ورفض قريش:

عن ابن عمر، وحزام بن هشام الكلبي، ومحمد بن عبَّاد بن جعفر: أن قريشاً ندمت على عون بني نفاثة، وقالوا : محمد غازينا.
فقال عبد الله بن أبي سرح: إن عندي رأياً، إن محمداً لن يغزوكم حتى يعذر إليكم، ويخيِّركم في خصال كلها أهون عليكم من غزوه.
قالوا: ما هي؟
قال: يرسل إليكم أن دوا قتلى خزاعة، وهم ثلاثة وعشرون قتيلاً، أو تبرؤوا من حلف من نقض الصلح، وهم بنو نفاثة، أو ينبذ إليكم على سواء، فما عندكم في هذه الخصال؟
فقال القوم: أحر بما قال ابن أبي سرح ـ وقد كان به عالماً ـ.
قال سهيل بن عمرو: ما خلة أهون علينا من أن نبرأ من حلف بني نفاثة.
فقال شيبة بن عثمان العبدري: حفظت أخوالك، وغضبت لهم.
قال سهيل: وأي قريش لم تلده خزاعة؟
قال شيبة: ولكن ندي قتلى خزاعة، فهو أهون علينا.
وقال قرظة بن عبد عمرو: لا والله لا يودَون ولا نبرأ من حلف بني نفاثة، ولكنا ننبذ إليه على سواء.
وقال أبو سفيان: ليس هذا بشيء، وما الرأي إلا جحد هذا الأمر، أن تكون قريش دخلت في نقض عهد، أو قطع مدة، وإنه قطع قوم بغير رضى منا ولا مشورة، فما علينا.
قالوا: هذا الرأي لا رأي غيره([1]).
وقال عبد الله بنُ عمر: إنَّ ركب خزاعة لمَّا قدموا على رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأخبروه خبرهم ، قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «فمن تهمتكم وظنتكم»؟
قالوا: بنو بكر.
قال: «أكلُّها»؟
قالوا: لا، ولكن بنو نفاثة قصرة، ورأس القوم نوفل بن معاوية النفاثي.
قال: «هذا بطن من بني بكر، وأنا باعث إلى أهل مكة، فسائلهم عن هذا الأمر، ومخيرهم في خصال ثلاث».
فبعث إليهم ضمرة ـ لم يسم أباه محمد بن عمر ـ يخيرهم بين إحدى خلال، بين أن يدوا قتلى خزاعة، أو يبرؤوا من حلف بني نفاثة، أو ينبذ إليهم على سواء.
فأتاهم ضمرة رسول رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأناخ راحلته بباب المسجد، فدخل وقريش في أنديتها، فأخبرهم أنه رسول رسول الله وأخبرهم بالذي أمره رسول الله «صلى الله عليه وآله» به.
فقال قرظة بن عبد عمرو الأعمى: أما أن ندي قتلى خزاعة، فإن نفاثة فيهم عرام، فلا نديهم حتى لا يبقى لنا سبد ولا لبد، وأما أن نتبرأ من حلف نفاثة فإنه ليس قبيلة من العرب تحج هذا البيت أشد تعظيماً له من نفاثة، وهم حلفاؤنا، فلا نبرأ من حلفهم، أو لا يبقى لنا سبد ولا لبد، ولكن ننبذ إليه على سواء.
فرجع ضمرة إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» بذلك من قولهم.
وندمت قريش على رد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وبعثت أبا سفيان فذكر قصة مجيئه إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» كما سيأتي([2]).

مساعٍ فاشلة لأبي سفيان:

روى محمد بن عمر عن حزام بن هشام عن أبيه: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال: «لكأنكم بأبي سفيان قد جاء يقول: جدِّد العهد، وزد في الهدنة (ليشد العقد ويزيد في المدة). وهو راجع بسخطه»([3]).
وروي: أن الحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي ربيعة مشيا إلى أبي سفيان بن حرب، فقالا: هذا أمر لا بد له من أن يصلح، والله لئن لم يصلح هذا الأمر لا يروعكم إلا محمد في أصحابه.
فقال أبو سفيان: قد رأت هند بنت عتبة رؤيا كرهتها وأفظعتها وخفت من شرها.
قالوا: وما هي؟
قال: رأت دماً أقبل من الحجون يسيل حتى وقف بالخندمة ملياً، ثم كأن ذلك الدم لم يكن، فكره القوم الرؤيا([4]).
وفي نص آخر زعموا: أنه لما بلغ أبا سفيان ما فعلت قريش بخزاعة ـ وهو بالشام ـ أقبل حتى دخل على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال: يا محمد، احقن دم قومك الخ..([5]).
وقال أبو سفيان لما رأى ما رأى من الشر: هذا ـ والله ـ أمر لم أشهده، ولم أغب عنه، لا يحمل هذا إلا عليَّ، ولا والله ما شوورت فيه، ولا هويته حين بلغني، والله، ليغزونا محمد إن صدقني ظني، وهو صادقي، وما بد من أن آتي محمداً فأكلمه أن يزيد في الهدنة، ويجدد العهد.
فقالت قريش: قد والله أصبت.
وندمت قريش على ما صنعت من عون بني بكر على خزاعة، وتحرجوا أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم يدعهم حتى يغزوهم.
فخرج أبو سفيان، وخرج معه مولى له على راحلتين، فأسرع السير، وهو يرى أنه أول من خرج من مكة إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فلقي بديل بن ورقاء بعسفان، فأشفق أبو سفيان أن يكون بديل جاء رسول الله «صلى الله عليه وآله» بل كان اليقين عنده، فقال للقوم: أخبرونا عن يثرب متى عهدكم بها؟
قالوا: لا علم لنا بها.
فعلم أنهم كتموه، فقال: أما معكم من تمر يثرب شيء تطعموناه؟ فإن لِتمرِ يثرب فضلاً على تمور تهامة.
قالوا: لا.
فأبت نفسه أن تقرّه حتى قال: يا بديل: هل جئت محمداً؟
قال: لا ما فعلت، ولكن سرت في بلاد بني كعب وخزاعة من هذا الساحل، في قتيل كان بينهم، فأصلحت بينهم.
فقال أبو سفيان: إنك ـ والله ـ ما علمت بر واصل.
ثم قايلهم أبو سفيان حتى راح بديل وأصحابه، فجاء أبو سفيان منزلهم ففت أبعار أباعرهم، فوجد فيها نوى من تمر عجوة كأنها ألسنة الطير، فقال أبو سفيان: أحلف بالله لقد جاء القوم محمداً([6]).
وكان القوم لما كانت الوقعة خرجوا من صبح ذلك اليوم فساروا ثلاثاً، وخرجوا من ذلك اليوم فساروا إلى حيث لقيهم أبو سفيان ثلاثاً، وكانت بنو بكر قد حبست خزاعة في داري بديل ورافع ثلاثة أيام يكلمون فيهم، وائتمرت قريش في أن يخرج أبو سفيان، فأقام يومين. فهذه خمس بعد مقتل خزاعة.
وأقبل أبو سفيان حتى دخل المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة زوج النبي «صلى الله عليه وآله»، فأراد أن يجلس على فراش رسول الله «صلى الله عليه وآله» فطوته دونه.
فقال: يا بنية!! أرغبت بهذا الفراش عني أو بي عنه؟
قالت: بل هو فراش رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأنت امرؤ مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس على فراش رسول الله «صلى الله عليه وآله».
قال: يا بنية لقد أصابك بعدي شر.
فقالت: بل هداني الله للإسلام. وأنت يا أبت سيد قريش وكبيرها، كيف يسقط عنك الدخول في الإسلام، وأنت تعبد حجراً لا يسمع ولا يبصر؟
فقام من عندها، فأتى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهو في المسجد، فقال: يا محمد!! إني كنت غائباً في صلح الحديبية، فاشدد العهد، وزدنا في المدة.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «فلذلك جئت يا أبا سفيان»؟
قال: نعم.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «هل كان من قبلكم من حدث»؟
قال: معاذ الله، نحن على عهدنا وصلحنا يوم الحديبية، لا نغير ولا نبدل.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «فنحن على مدتنا وصلحنا يوم الحديبية لا نغير ولا نبدل».
فأعاد أبو سفيان على رسول الله «صلى الله عليه وآله» القول، فلم يرد عليه شيئاً([7]).
فذهب إلى أبي بكر فكلمه، وقال: تُكلم محمداً، أو تجير أنت بين الناس.
فقال أبو بكر: جواري في جوار رسول الله «صلى الله عليه وآله».
زاد ابن عقبة: والله، لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم.
فأتى عمر بن الخطاب، فكلمه بمثل ما كلم به أبا بكر.
فقال: أنا أشفع لكم عند رسول الله «صلى الله عليه وآله»!! فوالله، لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به، ما كان من حلفنا جديداً فأخلقه الله، وما كان منه متيناً فقطعه الله، وما كان منه مقطوعاً فلا وصله الله.
فقال أبو سفيان: جوزيت من ذي رحم شراً([8]).
فأتى عثمان بن عفان فقال: إنه ليس في القوم أحد أقرب رحماً منك، فزد في المدة، وجدد العهد، فإن صاحبك لا يرده عليك أبداً.
فقال عثمان: جواري في جوار رسول الله «صلى الله عليه وآله»([9]).
فأتى علياً «عليه السلام»، فقال: يا علي، إنك أمس القوم بي رحماً، وإني جئت في حاجة فلا أرجع كما جئت خائباً، فاشفع لي إلى محمد.
فقال: ويحك يا أبا سفيان! والله لقد عزم رسول الله «صلى الله عليه وآله» على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه.
فأتى سعد بن عبادة، فقال: يا أبا ثابت، أنت سيد هذه البحيرة، فأجر بين الناس، وزد في المدة.
فقال سعد: جواري في جوار رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وما يجير أحد على رسول الله «صلى الله عليه وآله».
فأتى أشراف قريش والأنصار، فكلهم يقول: جواري في جوار رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ما يجير أحد على رسول الله «صلى الله عليه وآله».
فلما أيس مما عندهم، دخل على فاطمة الزهراء «عليها السلام» والحسن «عليه السلام» غلام يدب بين يديها، فقال: يا بنت محمد، هل لك أن تجيري بين الناس؟
فقالت: إنما أنا امرأة، وأبت عليه([10]).
(وفي نص آخر: قالت: إنما أنا امرأة.
قال: قد أجارت أختك ـ يعني: زينب ـ أبا العاص بن الربيع، وأجاز ذلك محمد.
قالت: إنما ذاك إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» الخ..)([11]).
فقال: مري ابنك هذا ـ أي الحسن بن علي «عليهما السلام» ـ فيجير بين الناس، فيكون سيد العرب الى آخر الدهر.
قالت: والله ما بلغ ابني ذلك، أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول الله «صلى الله عليه وآله»([12]).
(وفي نص آخر: ما يدري ابناي ما يجيران من قريش)([13]).
(زاد في الحلبية قوله: «قال: فكلمي علياً..
فقالت: أنت تكلمه.
فكلم علياً فقال: يا أبا سفيان، إنه ليس أحد من أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» يفتئت على رسول الله «صلى الله عليه وآله» بجوار»)([14]).
فقال لعلي «عليه السلام»: يا أبا الحسن!! إني أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني.
قال: والله ما أعلم شيئاً يغنب عنك شيئاً، ولكنك سيد بني كنانة.
قال: صدقت، وأنا كذلك.
قال: فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك.
قال: أوترى ذلك مغنياً عني شيئاً؟
قال: لا والله، ولكن لا أجد لك غير ذلك.
فقام أبو سفيان في المسجد، فقال: أيها الناس إني قد أجرت بين الناس، ولا والله ما أظن أن يخفرني أحد.
ثم دخل على رسول الله «صلى الله عليه وآله» فقال: يا محمد، إني قد أجرت بين الناس.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة»!!
ثم ركب بعيره وانطلق([15]).
وكان قد احتبس وطالت غيبته، وكانت قريش قد اتهمته حين أبطأ أشد التهمة، قالوا: والله إنَّا نراه قد صبأ، واتبع محمداً سرَّاً، وكتم إسلامه.
فلما دخل على هند امرأته ليلاً، قالت: لقد احتبست حتى اتهمك قومك، فإن كنت مع الإقامة جئتهم بنجح فأنت الرجل.
ثم دنا منها، فجلس مجلس الرجل من امرأته.
فقالت: ما صنعت؟
فأخبرها الخبر، وقال: لم أجد إلا ما قال لي علي.
فضربت برجلها في صدره وقالت: قبحت من رسول قوم، فما جئت بخير([16]).
فلما أصبح أبو سفيان حلق رأسه عند إساف ونائلة، وذبح لهما، وجعل يمسح بالدم رؤوسهما (كذا) ويقول: لا أفارق عبادتكما حتى أموت على ما مات عليه أبي، إبراء لقريش مما اتهموه به.
فلما رأته قريش، قاموا إليه، فقالوا: ما وراءك؟ هل جئت بكتاب من محمد، أو زيادة في مدة ما نأمن به أن يغزونا محمد؟
فقال: والله، لقد أبى علي.
وفي لفظ: لقد كلمته، فوالله ما رد علي شيئاً، وكلمت أبا بكر فلم أجد فيه خيراً، ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أدنى العدو (وفي رواية أعدى العدو) وقد كلمت علية أصحابه، فما قدرت على شيء منهم، إلا أنهم يرمونني بكلمة واحدة، وما رأيت قوماً أطوع لملك عليهم منهم له.
إلا أن علياً لما ضاقت بي الأمور قال: أنت سيد بني كنانة، فأَجِرْ بين الناس، فناديت بالجوار.
(وعند الحلبي: ثم جئت علياً فوجدته ألين القوم. وقد أشار علي بشيء صنعته، فوالله، لا أدري أيغني عني شيئاً أم لا)([17]).
فقال محمد: «أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة»!!
لم يزدني.
قالوا: رضيت بغير رضى، وجئت بما لا يغني عنا ولا عنك شيئاً، ولعمر الله ما جوارك بجائز، وإن إخفارك عليهم لهين، ما زاد علي من أن لعب بك تلعباً.
قال: والله ما وجدت غير ذلك([18]).
ونقول:
إن لنا هنا وقفات هي التالية:

ترتيب الأحداث:

وقد يظن البعض: أن ثمة تناقضاً بين الروايات المتقدمة، فإنها تارة تقول: إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أرسل إلى قريش يخيرها بين أمور ثلاثة.. فاقترح أبو سفيان عليهم أن يجحدوا حصول أي شيء يمكن فهمه على أنه نقض للعهد..
وتارة تقول: إن أبا سفيان خرج إلى المدينة بعد خمس ليال فقط من العدوان على خزاعة. فأي ذلك هو الصحيح؟!
غير أننا نقول:
إنه لا تناقض بين تلك الروايات، ولكن الأمور قد اختلطت على المؤرخين، فقدموا المتأخر، وأخروا المتقدم. فاقتضى ذلك إضافة بعض البيانات التوضيحية منهم، فأوجب ذلك الخلل، وبدا أن ثمة تناقضاً واختلافاً بين المرويات.
والحقيقة هي: أنه لو أعيد كل نص إلى موضعه لاستقام السياق وانحل الإشكال بصورة تلقائية..
والذي نراه: هو أن أبا سفيان خرج إلى المدينة بعد خمسة أيام من المجزرة، وسار إلى عسفان.. فالتقى ببديل بن ورقاء وصحبه، وجرى بينه وبينهم ما جرى.. ثم تابع سيره إلى المدينة، وحاول تعمية الأمور والمكر بالمسلمين بحجة: أنه لم يحضر الحديبية، ويريد التأكيد على العهد الذي أبرم فيها، ويزيد من مدته، فواجه ما لم يكن له بالحسبان، وعاد يجر أذيال الخيبة والخسران.
ثم جاءت وفود خزاعة فأخبروا النبي «صلى الله عليه وآله» بما جرى عليهم، فوعدهم النصر، وأخبرهم: أنه سيرسل إلى قريش يخيرها بين ثلاثة أمور.
ثم أرسل «صلى الله عليه وآله» رسولاً إلى قريش يعلمهم ببوار مكرهم، وافتضاح أمرهم، ويضعهم أمام تلك الخيارات المتقدمة..
فكان اقتراح أبي سفيان يقضي بالإصرار على جحد أية مسؤولية لهم تجاه ما حصل.
سؤال وجوابه:
ولكن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو: كيف استطاع بديل بن ورقاء وصحبه أن يسافروا إلى المدينة ويعودوا منها، ويلتقي بهم أبو سفيان في عسفان في غضون أيام يسيرة قد تتجاوز أصابع اليد الواحدة بيسير، في حين أن المدينة تبعد عن مكة ما يقارب الأربع مائة كيلومتر.. وتحتاج ربما إلى ضعف هذا العدد من الأيام لقطعها ذهاباً وإياباً..
ويمكن أن يجاب: بأن أبا سفيان قد خرج من مكة ـ حسب زعمهم ـ باتجاه المدينة بعد خمسة أيام من المجزرة. ولكن لا شيء يدل على طبيعة سيره، وكم بقي حتى وصل إلى عسفان؟ وهل تلوَّمَ في طريقه من المنازل المختلفة بضعة أيام؟ أم أنه أسرع السير وواصله؟ فهذا ما لا تذكره الروايات.
فيحتمل إذن: أن يكون قد سار ببطء، بحيث لم يصل إلى عسفان حتى مرت عدة أيام، تكون هي والخمسة أيام الأولى التي أقامها في مكة بعد حصول المجزرة كافية لذهاب الركب إلى المدينة وعودته منها على جناح السرعة، خوفاً من افتضاح أمرهم..

على ماذا ندمت قريش؟!:

إن ندم قريش على عون بني نفاثة لا يخفف من قبح الجريمة التي ارتكبتها، ولا يبرر أي إجراء تخفيفي في عقوبتها، لأن هذا الندم لم يكن لأجل إقرارها ببشاعة وفظاعة الجريمة، وقبح نقض العهد، بل هو ندم يؤكد إصرارها على ذلك كله والتزامها به، ويحمل في ثناياه منطق التأييد، والرضى، وعدم التورع عن العودة إلى مثله حينما تسنح الفرصة، وتأمن من عواقبه وتبعاته السيئة عليها..
فهو ندم قبيح، ومرفوض، ويوجب لها المزيد من الخزي، والمهانة، والسقوط. إنه ليس ندماً، بل لجاج وإصرار، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه..
إنه ندم حقيقته الخوف من انتقام المظلومين، وأن يُدَان أهل الحق من الظالمين، وأهل الباطل..
وخير دليل على إصرار هؤلاء على باطلهم وسيرهم الدائب في خط الجحود والإنكار للحق، هو موقفهم الرافض للخيارات العادلة التي وضعها رسول الله «صلى الله عليه وآله» أمامهم.

أبو سفيان ينقض العهد:

زعموا: أن أبا سفيان لم يعلم بما تعاقد بنو نفاثة وزعماء من قريش عليه، وبما صنعوه في خزاعة قبل وقوعه، ولم يشاوروه في ذلك([19]).
وزعموا: أنه كان في الشام آنئذٍ([20]).
وقيل: شاوروه، فأبى عليهم([21]).
ولنفترض: أن أبا سفيان لم يرض بنقض العهد، ولم يشارك فيما جرى، فإن ذلك لا يعفيه من المسؤولية لأكثر من سبب.
فأولاً: قد تقدم: أن بعض الروايات تصرح: بأنه هو صاحب الرأي الذي يقول: إن اللازم هو إنكار حدوث أي شيء على خزاعة، وجحد هذا الأمر وإبطاله من أساسه. وهذه خيانة عظيمة، وإهدار لدماء الناس، واستخفاف بها..
وثانياً: إنه قد سعى بكل جهده للتستر على هذا الأمر حينما جاء إلى المدينة ليوثق العهد من جديد..
وأنكر لدى رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أن يكون قد حصل أي حدث يوجب نقض العهد، وبذلك يكون قد أصبح شريكاً في هذا الأمر، خصوصاً وأنه قد اتخذ سبيل المكر بالنبي «صلى الله عليه وآله» وعمل على خديعته. فهو إن كان لم يبدأ بالغدر، ولكنه قد حمى الغدرة الفجرة، المستحلين لحرم الله، والقتلة لعباد الله.

الخيارات العادلة:

وعن الخيارات التي وضعها رسول الله «صلى الله عليه وآله» أمام ناقضي العهد نقول:
ألف: إن الخيار الأول هو: أن يدوا قتلى خزاعة. فإن ذلك من أوليات الحقوق الثابتة والمعترف بها لمن يعانون من عدوان كهذا، حتى في المجتمع الجاهلي. بل إن القتل حين يكون عدوانياً، وعن سابق عمد وإصرار، لا يكتفى معه بالمطالبة بالدية، بل يرتقي الأمر إلى المطالبة بالقصاص من القاتل.. فكيف إذا كانت هناك عهود ومواثيق لا بد من مراعاتها والوفاء بها؟!
فالمطالبة بالدية يمثل إرفاقاً كبيراً، وتبرعاً بالعفو عن جرم كبير وخطير، يراد محاصرة آثاره، ومنعه من التوسع والانتشار، لو أريد الإصرار على خيار القصاص أو أريد الاستفادة من حق إسقاط الالتزامات، واعتبار العهد في حكم المنتهي..
ب: والخيار الثاني هو: إفساح المجال أمام العدالة لتأخذ مجراها، وذلك بالتخلي عن الحلف مع أولئك المعتدين والمجرمين، لينالوا جزاءهم..
وهو خيار متوافق مع سنة العدل والإنصاف، ومشوب بالرفق والإحسان لقريش أيضاً، من حيث إنه يظهر تصديقها فيما تدَّعيه، ويغض النظر عن ملاحقتها، ومجازاتها على ما اقترفته.
وذلك يمثل درساً عملياً لها في الوفاء بالإلتزامات، وعدم الإنسياق وراء دعوة النزوات والشهوات.. كما أنه يقدم العبرة للناس، كل الناس، في أخذ الحق للمظلوم من الظالم، وقصاص المعتدي.. وكفى ذلك رادعاً لهم عن الانسياق وراء بني نفاثة في ارتكاب جرائم مماثلة، قد يرون أن الظروف تسمح لهم بارتكابها، وذلك ظاهر لا يخفى.
ج: وأما الخيار الثالث والأخير: فيقوم على فرضية الإصرار على العدوان، وعلى مناصرة الظالمين والمجرمين.. حيث لا بد من الردع المؤثر وقطع دابر الفساد والإفساد، فإن آخر الدواء الكيّ، ومن الإحسان للإنسانية استئصال الغدة السرطانية التي تفتك بالوجود الإنساني كله..

سياسات يعرفها الجميع:

وقد قرأنا في النصوص المتقدمة: أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح يستبق الأمور، ويخبر أهل مكة بما ستأتيهم به الرسل عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، حتى لقد حدد لهم الخيارات التي سيعرضها «صلى الله عليه وآله» عليهم..
وهذا معناه: أن سياسات الإسلام المشوبة بالعفو والرفق والرحمة، والإنصاف، والمتمثلة بأقوال وأفعال رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد أصبحت معروفة، حتى لدى أعدائه.
ومما يدخل في هذا السياق أيضاً يقين بني نفاثة بأن محمداً لن يسكت على نقض العهد، وظلم الأبرياء. كما أن قريشاً خافت أن يعلم رسول الله «صلى الله عليه وآله» بما حدث، لأن عواقب ذلك ستكون غير مرضية لها..

آراء لا يحسدون عليها:

وحين عرض ابن أبي سرح الخيارات التي يتوقع أن تأتي بها الرسل من عند رسول الله «صلى الله عليه وآله».. أدلى أصحاب المواقع، وأرباب الرأي الحصيف بآرائهم السخيفة والوضيعة، التي تعبر عن ذهنيتهم وتوجهاتهم، وآفاق تفكيرهم، ومنطلقاتهم. فيلاحظ:
ألف: أن سهيل بن عمرو قد عبر عن رأي يظهر طبيعة نظرة أهل الشرك للعهود والمواثيق، ومدى هشاشتها، وسقوط محلها وقيمتها عندهم وضعف تأثيرها في التزاماتهم، فقال: «ما خلة أهون علينا من أن نبرأ من حلف بني نفاثة».
ب: وعبر شيبة بن عثمان عن سوء الظن الذي كان يهيمن على مجتمع أهل الشرك، فلم يكن يثق أحد منهم بأحد، ولا يطمئن لسلامة نواياه، الأمر الذي يضعف من درجة اعتماد بعضهم على البعض الآخر، ويحد بصورة كبيرة من إقدامهم على أي عمل يصب في مصلحة الآخرين، فضلاً عن أن يضحي في سبيلهم، أو يؤثرهم على نفسه.
ثم هو يشير إلى: أن منطلقاتهم حتى في مواقفهم المصيرية هي مصالحهم الشخصية وأهواؤهم وتعصباتهم القبليّة، ومشاعرهم العرقية. فقضاياهم الكبرى تتقزم وتتحجم لتصبح في مستوى الشخص، لا من حيث مزاياه الإنسانية، بل بلحاظ مزيته البشرية، وفي خصوص طبيعة موقعه النسبي..
ج: أما موقف قرظة بن عمرو، فيعبر عن حمية الجاهلية التي تختزنها نفوسهم، والتي تهيمن وتطغى على مشاعرهم، وعلى أحاسيسهم.
د: ثم يأتي موقف أبي سفيان، الذي يدل على أن تلك النفوس أصبحت قاحلة جرداء، لا تمر في أجوائها أي نسمة من نسمات الخير، ولا تجد فيها أي أثر للهدى والصلاح.. بل هي تضج وتعج بخصال ضربت جذورها في أعماق الباطل، وانطلقت أغصانها في آفاقه، فكانت ثمارها شراً وجهالة، وغواية، وضلالة.

تحديد المتهم بدقة:

ثم يذكر الحديث السابق: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد طلب من ركب خزاعة تحديد مرتكب الجريمة بدقة، ولم يكتف بعناوين فضفاضة وعامة.
فحين قالوا: إنهم يتهمون بني بكر، قال لهم: أكلهم؟
قالوا : لا، ولكن بنو نفاثة فقط، وعلى رأسهم فلان..
وبذلك يكون «صلى الله عليه وآله» قد استبعد المنطق العشائري الجاهلي، الذي يأخذ البريء بذنب المجرم. رغم أن الذين قتلهم بنو نفاثة هم من الصبيان والنساء، والضعفاء من الرجال..

عرام بني نفاثة:

وقد وصفت الروايات المتقدمة بني نفاثة: بأن فيهم عراماً، أي: حدة وشدة، أو شراسة وأذى..
فهو يخشى ـ إن ودى القتلى الأبرياء الذين سقطوا تحت وطأة البغي والغدر، ونكث العهود ـ أن يتعرض للأذى من أناس فيهم حدة وشراسة. وهذا التضييع لحق هؤلاء ظلم آخر يحيق بأولئك الضحايا على يد جلاديهم، وقتلتهم.

بنو نفاثة يعظمون الحرم:

وقد زعم صاحب ذلك الرأي أيضاً: أنه ليس في العرب قبيلة أشد تعظيماً لبيت الله تبارك وتعالى من بني نفاثة..
مع أن بني نفاثة أنفسهم، وفي نفس هذه الواقعة التي أوصلت الأمور إلى هذا الحد، قد هتكوا حرمة الحرم، وقتلوا النساء، والصبيان، والضعفاء فيه. وحين حاول الناس لفت نظر زعيمهم وقائدهم نوفل بن معاوية نفسه إلى أنه يهتك حرمة الحرم لأن قتل أولئك الأبرياء قد أصبح في داخله، وقالوا له: إلهك، إلهك. تفوه بما يدل على إلحاده، فقال: لا إله لي اليوم..
فإذا كان هو فعلاً أشد الناس تعظيماً للبيت والحرم، فما الذي ننتظره من سائر القبائل التي لا تعظم البيت إلى هذا الحد؟!

الخبر اليقين:

وقد أخبر النبي «صلى الله عليه وآله» بالغيب، حين قال لهم: لكأنكم بأبي سفيان قد جاء يقول: جدد العهد، وزد في المدة الخ..
ونقول:
إن قضية مكة، والتصدي بحزم لممارسات رموز الشرك فيها، لم يكن تقبُّله بالأمر السهل على الناس، بل كان يحتاج إلى جهد كبير لإقناع الناس بصحة ذلك التصدي، وصوابيته.
ولهذا الإقناع طرقه، وأساليبه المختلفة، ولكن أقواها وأعلاها تلك الإخبارات الغيبية التي يخضع لها العقل، وتتفاعل في أجوائها المشاعر والأحاسيس، ويعيش القلب معها السكينة والطمأنينة..
وقد بيّن «صلى الله عليه وآله» في هذا الإخبار الغيبي المشار إليه أعلاه تفاصيل ما يجري بصورة تامة ودقيقة، فصرح باسم القادم، وهو أبو سفيان. وذكر لهم ما يسعى إليه أبو سفيان، بل هو صرح بعين الألفاظ والعبارات التي سوف يستخدمها، فقال: قد جاء يقول: جدد العهد، وزد في المدة.
ثم بيّن لهم نتيجة سعي ذلك الرجل، وأنه سيرجع، وهو يجر أذيال الخيبة، ويحمل معه سخطه ومرارته..

رؤيا هند بنت عتبة:

وعن رؤيا هند بنت عتبة نقول:
قد عرفنا أن للرؤيا في المنام دوراً في هداية الناس، وفي إقامة الحجة عليهم، وفي لفت نظرهم لأمور يحتاجون إليها، وليست الرؤيا مجرد تخيلات عابرة، ليس لها أثر..
وقد جاءت رؤيا هند لتحذر مشركي مكة من مغبة هذا البغي الذي يمارسونه، وتريهم بعض اللمحات عن المصير الذي ينتظرهم، إن استمروا في اللجاج والعناد، والسعي لإطفاء نور الله تبارك وتعالى.

أبو سفيان هو المسؤول:

إن أبا سفيان الذي يدَّعي: أنه لم يشهد ما جرى لخزاعة، قد أقر: بأنه لم يغب عما جرى..
وهذا معناه: ليس فقط أنه كان على علم بما جرى.. بل هو قد شارك في التخطيط والتآمر، حتى لو سلمنا: أنه كان في الشام حين ارتكاب المجزرة الرهيبة كما ورد في بعض النصوص([22]).
إذ لا شيء يمنع من التخطيط والإتفاق على شيء، على أن يتم التنفيذ في وقت يحدد بعد أيام، حيث يكون المستهدفون بالمؤامرة في غفلة من ذلك كله..
وإذا كان أبو سفيان حاضراً فلا نجد مبرراً لتجاهله، وعدم استشارته، فيما عقدوا العزم عليه.
مع ملاحظة: أن لفعلهم هذا خطورة بالغة على الهدنة التي كانت بينهم وبين النبي «صلى الله عليه وآله»، لأجل الحلف الذي كان له مع خزاعة. خصوصاً وأن ذلك لا يعفي أبا سفيان من المسؤولية من اتخاذ موقف تجاه ما يحدث، سواء علم أم لم يعلم. وقد اعترف هو نفسه بذلك فقال: «لا يحمل هذا إلا علي».
وهذا أمر طبيعي: فإن من يؤسس نهجاً، ويسن سنّة للناس ليعملوا بها، فإذا عمل بها الناس، فليس له أن يقول لهم: أنا بريء مما تشركون..
وقد أقر الشرع هذا المنطق أيضاً، فقد روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أنه قال: من سن سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها. ومن سن سنة سيئة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها([23]).
وقال تعالى في إشارة إلى ذلك: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ}([24]).

تجديد العهد، وزيادة المدة:

وقد كان طلبُ أبي سفيان من النبي «صلى الله عليه وآله» تجديد عهد الحديبية، والزيادة في المدة، هو الخدعة التي أعدها هذا الرجل، ومن ورائه قريش، للتملص والتخلص من تبعات الجريمة التي ارتكبوها في حق صبيان ونساء وضعفاء خزاعة..
وذلك بتقدير: أن يكون ذلك الطلب يشير إلى الرغبة في تأكيد العهد، ومن تكون لديه هذه الرغبة، فلا يعقل أن يكون قد نقض ما يسعى إلى تقويته!!
ويعزز ذلك ويقويه: طلب الزيادة في المدة، لأن ذلك يبعِّد احتمال نقض العهد أيضاً. فإن ناقض العهد لا يعترف بوجوده، وقريش تعترف بالعهد، وببقائه، بل هي ترغب في إطالة أمده..
وهذا كله يدخل في سياق الإيحاء ببراءة قريش مما جرى لخزاعة. وهو أحد مظاهر جحود ما ظهر من نقضها للعهد، بالمشاركة في العدوان على خزاعة.
وهو عين الرأي الذي طرحه أبو سفيان، واستبشرت به قريش، حينما ائتمروا فيما بينهم حول كيفية الرد على الخيارات التي عرضها النبي «صلى
الله عليه وآله» عليهم..
وقد كان لا بد من رد أبي سفيان خائباً ليفهم: أن أساليب المكر والإحتيال لا تجدي في إماتة الحق، وإحياء الباطل. وهذا ما جرى له فعلاً.

أساليب استخباراتية فاشلة:

وحين التقى أبو سفيان ببديل بن ورقاء وصحبه، وظن أنهم راجعون من المدينة، بادر إلى التعامل وفق سجيته الماكرة، التي تظهر الود والصفاء، وتبطن الخبث والحقد والبغضاء، فبادر إلى طرح السؤال عن أخبار المدينة على بديل، وكأن عودته منها أمر مفروغ عنه..
فلما أنكر بديل أن يكون له علم بشيء منها بادر بطرح سؤال آخر أكثر صراحة من سابقه، على أمل أن تأخذهم المفاجأة، وتهيمن عليهم هزة مشاعرية تستثير أريحية الكرم فيهم، فيبادرون إلى الإجابة بكلمة نعم، رغبة منهم في البذل والعطاء. واكتساب الحمد والثناء.
فسألهم إن كان لديهم شيء من تمر يثرب يطعمونه إياه. ولكنه وجدهم أيضاً متيقظين لحيلته، راصدين لحركته. حين أجابوه بالنفي..
فاضطر إلى الجهر بنواياه، والكشف عن خفاياه وخباياه، فقال لبديل: هل جئت محمداً الخ..
وجاءه الجواب بالنفي أيضاً، مصحوباً بتبرير معقول ومقبول، لا سبيل إلى رده، ولا مجال للمناقشة فيه..
فلم يكن أمامه خيار سوى السكوت، وانتظر أبعار إبلهم ليتفحَّصها بعد رحيلهم، ليستدل منها على ما يريد.. فوجد فيها بعض ما يشي بصدق ما كان يخشاه..
ولكن ذلك أيضاً يبقى غير كافٍ لحسم الأمور لديه، لإمكان التأويل والتفسير، والتوجيه والتبرير. فباء بذلّ الخيبة، وذاق مرارة الفشل الذي سيكون له ما بعده، من خيبات تتلاحق، وفشل يتوالى..

أبو سفيان في المدينة:

وإن ما واجهه أبو سفيان في المدينة كان غاية في الروعة، فقد ذاق طعم الذل والخزي مرة بعد أخرى، وتجرع مرارة الخيبة والفشل كرَّات ومرَّات لم يعرف لها مثيلاً في حياته كلها.. وقد تجلى هذا الذل في مظاهر مختلفة، نذكر منها:
1 ـ أنه قد بدأ فيما ظن أنه أهونها عليه.. ألا وهو أن يوسِّط ابنته لدى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وكأنه يريد أن يستفيد من العنصر النسوي، والنسبي، والعاطفي، والتأثير الأنثوي، على قرار رسول الله «صلى الله عليه وآله» ظناً منه: أنه «صلى الله عليه وآله» كغيره من أهل الدنيا، الذين يمارسون العمل في الصالح العام بعد وضعه في بوتقة المصالح الشخصية، وصهره واستخلاص نتائجه لحساب الفرد وشهواته وأهوائه، ومن يلوذ به من قريب أو عشير..
مع أن الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» قد قدم لهم الدليل تلو الدليل على أنه يضحي بالنفس وبالمال والولد، وبكل شيء في سبيل الصالح العام، وبتعبير أدق: في سبيل الله، والمستضعفين.
ولعل أبا سفيان حين لجأ إلى ابنته قد ظن أيضاً: أن ظهور ضعفه لديها، سوف يغنيه عما بعده من مواقف ذليلة، اختار هو وضع نفسه فيها..
كما أنه سيكون قادراً بعد ذلك على لملمة ما انتشر من هيبته، والظهور على الناس من جديد بورقة التين، التي قد تستر شيئاً من عيوبه وقبائحه، وتغطي على بعض ما هو مشين ومهين من واقعه.
ولكنه لم يجد لدى ابنته ما يشجعه على طرح الموضوع معها، لأن الظاهر هو أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان قد أعطى تعليماته بهذا الخصوص كما أظهره قوله السابق وهو يخبر بالغيب عن أبي سفيان «وهو راجع بسخطه»، فالحدود كانت قد وضعت، والثغرات ضبطت، والصلاحيات حددت.. فلم يبق مجال لأحد أن يفكر في اختراقها..
ولو أن أحداً سولت له نفسه أن يفعل ذلك، فسوف ينال جزاءه العادل الذي حددته الشريعة، وبيَّنه لهم رسول الله «صلى الله عليه وآله»..
2 ـ ثم جرب حظه مع النبي «صلى الله عليه وآله» مباشرة، فطلب منه أن يجدد العهد ويزيد في المدة، وكان المبرر الذي ساقه لطلبه هذا هو: أنه لم يكن حاضراً في صلح الحديبية..
وكأنه يريد بهذا الطلب وبذلك التبرير أن يمرر لعبته على رسول الله «صلى الله عليه وآله».. وإلا، فإن غيبته عن الحديبية لا توجب أي وهن أو ضعف في العهد ليحتاج إلى التقوية والتوثيق ما دام أن الوقائع طيلة السنوات التي مرت على عقد الهدنة قد أثبتت التزام النبي «صلى الله عليه وآله» بالعهد، واستمر جميع أهل مكة على الالتزام بمراعاته، وتنفيذ بنوده.
وإنما يحتاج العهد إلى التقوية والتجديد فيما لو تعرض للنقض والتمرد على أحكامه، ورفض إجرائها..
وهذا ما ينكره أبو سفيان، بل هو لا يجرؤ على الاعتراف بشيء مما يدخل في هذا السياق..
ولذلك سأله رسول الله «صلى الله عليه وآله» إن كان قد حدث في مكة ما يوجب وهن العهد، أو نقضه، فأنكر أبو سفيان أن يكون قد حصل شيء من ذلك.
فأسقط رسول الله «صلى الله عليه وآله» حجته، ووضعه أمام خيارين كل منهما صعب:
أحدهما: أن يعترف بما جرى لخزاعة، وهذا معناه: الدخول فيما أراد أن يهرب منه، حيث لا بد من أن يرضى بتحمل جميع تبعات ما جرى، ويضطر إلى إعطاء الديات والرضى بقصاص المجرم وغير ذلك.
ثانيهما: أن يظهر للناس بصورة الرجل التافه، أو الجاهل، أو المبتلى بالخرف أو ما شاكل.. وقد أصر على رفض الخيار الأول ولم يفلح في التملص من تبعات الخيار الثاني..

خيار الهروب إلى الأمام:

فكانت النتيجة التي انتهى إليها هي اللجوء إلى خيار ثالث ظن أنه يبلغه إلى ما يريد، ألا وهو أن يطلب من بعض أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يجير بين الناس..
وبذلك يكون قد حصل على ما يحسم الأمر فيما يرتبط بما فعله بنو نفاثة وقريش ببني خزاعة، لأنه سيصبح قادراً على ادِّعاء أن هذه أمور شخصية، ليس فيها أي نقض للعهد..
والأمور الشخصية يحكم بها عقلاء القوم ويحسم الأمر فيها نفس أصحاب العلاقة بما هم أفراد. والجوار يحفظ هؤلاء الأفراد ويحميهم من الانتقام..
وبذلك يكون قد أخرج قريشاً من دائرة الصراع، ونفى أية مسؤولية لها فيه، وأبعد النبي «صلى الله عليه وآله» عن أن يكون له الحق بالمطالبة بديات أو بقصاص، ما دام أن المسألة فردية، ولا شيء أكثر من ذلك.
وبذلك يكون قد أحرج النبي «صلى الله عليه وآله»، واضطره إلى إمضاء هذا الجوار، فإذا ظهر أن أحداً قد ارتكب جرماً، فإن الجوار الذي شمله سوف يمنع من إجراء أي حكم عليه..
ولو أريد فعل شيء من ذلك؛ فإن إقناع الناس بأن هذا مما لا تصح الإجارة منه سيكون صعباً، وسيحدث بلبلة كبيرة، ويسيء إلى الذهنية العامة، وربما يحدث إرباكاً ضاراً، ويترك آثاراً سلبية لا مجال لتلافيها..
على أن هذا الموقف من شأنه أن يظهر أبا سفيان على أنه رجل سلام، يريد حقن الدماء، ويملك مشاعر إنسانية، ومن لا يستجيب لطلبه هذا فإنه يكون متهماً في ذلك كله.
فطلب من أبي بكر أن يجير بين الناس، وكذلك من عمر، ومن عثمان ومن سعد بن عبادة، وعلي «عليه السلام»، وأشراف المهاجرين والأنصار. وكان يسمع منهم جميعاً رفضاً لهذا الأمر أكيداً، وشديداً.
فتوسل بالزهراء «عليها السلام»، ثم توسل بالسبطين الحسن والحسين «صلوات الله وسلامه عليهما»، فلم يُجده هذا التوسل نفعاً، بل كان الجواب دائماً هو الرفض الأكيد، والشديد..

التدبير الصارم:

ونحن لا نشك في أن رفض جميع هؤلاء الذين سبقت أسماؤهم إنما هو بسبب أن الجميع كان قد عرف حدَّه، وألزمه الشرع بالوقوف عنده، أو لم يترك له أي سبيل يستطيع أن ينفذ منه.
وقد ظهر ذلك من إخبار رسول الله «صلى الله عليه وآله» لهم بالغيب الإلهي: بأن أبا سفيان سيرجع بسخطه، فلم يعد أحد ليجرؤ على قبول شيء يأتيه به أبو سفيان، لأنه يعرف أن الوحي سوف يفضح أمره، وأن النبي «صلى الله عليه وآله» لن يقبل بأي شيء يطلبه أبو سفيان.. ما دام أن هذا القبول سيكون ضد القرار الإلهي بإرجاع أبي سفيان ساخطاً..
فلم يعد الإصرار يشبه أبداً ما جرى في غزوة بدر من تطاول على مقام النبوة، ومن سعي لانتهاك حرمة الحكم الشرعي الإلهي في أمر الأسرى..
وكذلك ما جرى في أحد وفي سواها من مواقف وتحركات تدخل في هذا السياق، فإن الأمور قد جرت في سياق استطاع أن يفضح هؤلاء في مواقفهم.
ورأى الناس بأم أعينهم في أكثر من مناسبة عدم صحة ما يدَّعيه هؤلاء الناس لأنفسهم من شجاعة وإخلاص والتزام.. وقد تجلى ذلك بصورة واضحة وفاضحة في الخندق، وخيبر، وقريظة وغير ذلك..
وقد عولجت تصرفات وتحركات هؤلاء الناس بصورة استطاعت أن تزيد من فضيحتهم، وظهور خطل رأيهم، وحقيقة ما يسعون إليه..

مواقف مزعومة، بل موهومة:

وقد زعمت النصوص المتقدمة: أن أبا بكر قد قال لأبي سفيان: والله، لو أن الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم..
وأن عمر بن الخطاب قال: أنا أشفع لكم عند رسول الله؟! فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به، وما كان من حلفنا جديداً فأخلقه الله، وما كان منه متيناً فقطعه الله، وما كان منه موصولاً فلا وصله الله.
فقال أبو سفيان: جوزيت من ذي رحم شراً.
ونحن نشك في صحة هذه المزاعم:
أولاً: ليس في كلام أبي سفيان ما يشير إلى أنه يطلب شفاعته عند رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فما معنى قول عمر له: «أنا أشفع لكم عند رسول الله»؟!
ثانياً: لم يصرح أبو سفيان بأن الشفاعة كانت لهم فلعله يقصد الجوار لمن يتقاتلون فيما بينهم من العرب، فإن دخولهم في جوار المسلمين يمنع الطرف المعتدي من مواصلة عدوانه.
ثالثاً: قد تقدم: أن أبا سفيان يعبر عن عمر (كما ورد في بعض النصوص دون بعضها الآخر): أنه أدنى العدو، وهي كلمة تشير إلى أن عمر كان أقرب إلى قريش من سائر صحابة النبي «صلى الله عليه وآله»..
رابعاً: إن ما نعرفه عن هذين الرجلين هو سعيهما في المواقع الحساسة إلى التخفيف من الوطأة على قريش، وحفظ موقعيتها.
كما أن قريشاً كانت تهتم بسلامتهما قدر الإمكان.
فلاحظ ما يلي:
1 ـ في بدر يستشيرالنبي «صلى الله عليه وآله» أصحابه في أمر الحرب، فيقول أبو بكر كلاماً من شأنه أن يضعف عزائم المسلمين: «إنها قريش وخيلاؤها، ما آمنت منذ كفرت، وما ذلت منذ عزت» أو نحو ذلك.
وكذلك قال عمر بن الخطاب([25]).
2 ـ وسيأتي أنه حاول منع النبي «صلى الله عليه وآله» من غزو مكة، وقال: «قلت: يا رسول الله، هم قومك، حتى رأيت أنه سيطيعني»([26]).
3 ـ وفي حرب أحد: ضرب ضرار بن الخطاب الفهري عمر بن الخطاب بالقناة حين هزم المسلمون، وقال له: يا ابن الخطاب إنها نعمة مشكورة، ما كنت لأقتلك([27]).
فما هذا الغزل الظاهر بين ضرار وعمر؟!
وقد ذكر ابن سلام: أن هذه كانت يداً له عند عمر يكافئه عليها حين استخلف([28]).
4 ـ سعي أبي بكر لتخليص أسرى بدر من القتل، رغم إصرار النبي «صلى الله عليه وآله» على قتلهم، حتى لقد نزلت الآيات في ذلك.
وهو أمر لا بد من أن تشكره عليه قريش مدى الحياة([29]).
قال الواقدي عن الأسرى: إنهم قالوا: لو بعثنا لأبي بكر، فإنه أوصل قريش لأرحامنا، ولا نعلم أحداً آثر عند محمد منه. فبعثوا إلى أبي بكر، فأتاهم، فكلموه.
فقال: نعم، إن شاء الله، لا آلوكم خيراً.
وانصرف إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وجعل يلينه، ويفثؤه، ويقول: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، قومك فيهم الآباء والأبناء، والعمومة، والإخوان وبنو العم، وأبعدهم عنك قريب فامنن عليهم، منَّ الله عليك، أو فادهم يستنقذهم الله بك من النار، فتأخذ منهم ما أخذت قوة للمسلمين ، فلعل الله يقبل بقلوبهم إليك..
ثم قام فتنحى ناحية، ولم يجب رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ثم عاد إليه، فقال له مثل مقالته الأولى، وقال أيضاً: لا تكن أول من يستأصلهم، يهديهم الله خير من أن تهلكهم. فسكت رسول الله «صلى الله عليه وآله».
وتنحى أبو بكر ناحية، ثم عاد إليه، فأعاد عليه نفس الكلام([30]).
5 ـ ما معنى: أن يهنئ أبو سفيان عمر بن الخطاب بانتصار المشركين في أُحد، ويقول له: أنعمت عيناً، قتلى بقتلى بدر([31]).
وما معنى قول أبي سفيان لعمر آنئذٍ: إنها قد أنعمت يا ابن الخطاب، فيقول عمر: إنها([32]).
6 ـ إن خالد بن الوليد رأى عمر بن الخطاب في أحد، وكان خالد في كتيبة خشناء، فما عرف عمر أحد غيره، قال خالد: فنكبت عنه، وخشيت إن أغريت به من معي أن يصمدوا له، فنظرت إليه موجهاً إلى الشعب([33]).
7 ـ إن عمر قد أخبر أبا سفيان: بأن النبي «صلى الله عليه وآله» لا يزال على قيد الحياة، رغم أنه «صلى الله عليه وآله» قد نهى عن ذلك. فقال أبو سفيان لعمر: أنت أصدق عندي من ابن قميئة وأبر([34]).
فلماذا كان عمر أبرَّ بأبي سفيان من ابن قميئة، مع أن عمر كان في صفوف المحاربين له، وابن قميئة كان يحارب معه، وتحت لوائه؟!
وفي مقام وضع اللمسات الأخيرة على حقيقة موقف هذين الرجلين، نقول:
قد يكون مما يثير الشبهة أيضاً: توافق أبي بكر وعمر في حديثهما عن الذر المقاتل للمشركين، والعنف الذي أظهراه في خصوص هذه الواقعة، في حين اكتفى كل من عداهما، ومنهم فاطمة وعلي «عليهما السلام» بالرد بالقول: بأن جوارهم جوار رسول الله «صلى الله عليه وآله»، أو أنه لا يجير على رسول الله «صلى الله عليه وآله» أحد..
مع أننا لا نشاهد لدى هذين الرجلين طيلة حياتهما مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» أي نشاط قتالي مميز، أو أي أثر لنكاية كانت لهما في المشركين. رغم حضورهما جميع المشاهد معه «صلى الله عليه وآله».
بل ظهر منهما الكثير من موارد الضعف، والوهن، وقد فرا في مواطن كثيرة، مثل أحد، وقريظة، وخيبر، وحنين. وذات السلاسل وغير ذلك. وقعدا عن مبارزة الأبطال مثل عمرو بن عبد ود، ومرحب.

جواري جوار رسول الله :

وتقدم: أن أبا سفيان أصرَّ على الحصول على جوار من أحد صحابة رسول الله «صلى الله عليه وآله».. وأجابه المسلمون بأن أحداً لا يجير على النبي «صلى الله عليه وآله»، أو أن جوارهم جوار رسول الله «صلى الله عليه وآله».
وهذا يدل على أنهم فهموا: أن مطلوب أبي سفيان هو الجوار الملزم لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، والمقيد لحركته، فهو المستهدف بهذا الجوار، والمطلوب هو منعه به عن إجراء مقاصده حين يقتضي الأمر ذلك..
وذلك يشير إلى مدى وقاحة هذا الرجل، وقلة حيائه ورعونته، حتى لقد أحرج بهذا الأمر أولئك الذين عملوا على منع القتل عن أسرى بدر حسبما قدمناه، فما ظنه أبو سفيان أكسير الغلبة ظهر له أنه هو إكسير الهزيمة والخذلان، والخزي والخسران..
وقد اكد للناس سوء نوايا أبي سفيان في طلبه هذا أمران:
أحدهما: أنه حيث أجيب بتلك الأجوبة لم يبادر إلى توضيح مراده لأحد كان هناك، ولم يقل لهم أنهم قد أخطأوا في فهم مقصوده.
الثاني: أنه لو كان يقصد حقن دماء الناس حقيقة لكان قد طلب من النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه أن يجعل الناس في جواره، فإن ذلك يكفي لمنع المعتدين من مواصلة عدوانهم. فلماذا يدعو الآخرين ليجيروا الناس من رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟! أليس لأجل أنهم اقترفوا ما يستحقون به العقوبة منه «صلى الله عليه وآله» ويريد ان يخرجهم من ورطتهم تلك بهذه الطريقة؟! وإذا صح هذا الأمر فلماذا لا يعترف لنا بهوية المجرم وبحقيقة جرمه؟
ثم إنه إذا كان يعتقد: أن الجوار على رسول الله «صلى الله عليه وآله» يعطي من يفعل ذلك وجاهة وعظمة، كما هو الحال عند سائر الناس، فهو في وهم كبير، لأن هذا الأمر لا يجري فيما بين الأنبياء «عليهم السلام»، وبين المؤمنين، لأنه يستبطن الإعلان عن وجود خلل إيماني لدى من يفعل ذلك، من حيث إنه يخطِّئ نبيه في تصرفاته، ويراه ظالماً في موقفه ممن يجيره منه، أو يرى أن ذلك النبي يعمل عملاً مرجوحاً، ويترك ما ينسجم مع العفو والكرم، وحسن الشيم، ومع النبل والشمم..
ولأجل هذا أو ذاك يبادر إلى الحد من قدرته على التصرف، ومحاصرة قراراته، ليمنعه من الغلط والشطط..
وهذا الأمر مرفوض من الناحية الإيمانية، لأنه تشكيك بالعصمة، أو اتهام للنبي «صلى الله عليه وآله» في ميزاته وصفاته، وأنها لا تصل إلى حد الكمال.
ولو كان أبو سفيان يفهم معنى الإيمان، ويدرك ما له من تبعات وآثار ومسؤوليات لما أقدم على هذا الأمر المشين والمهين..

هل تجير الزهراء عليها السلام؟!:

ولم يكن أبو سفيان يرى للسيدة الزهراء «عليها السلام» ما يميزها عن غيرها أكثر من كونها امرأة كسائر النساء، ولم يكن يرى لجوار النساء قيمة وأثراً.. ولكنه حين سدت في وجهه المذاهب لجأ إليها على أمل أن تستجيب لطلبه بسبب ما توهمه منها من غفلة عما يتنبه له الرجال المتمرسون، والدهاة المجربون ، أو لعدم قدرتها ـ بزعمه ـ على إدراك الأمور وتقديرها بسبب قلة معرفتها بالسياسات، وبأعراف الناس.
فإذا استجابت لطلبه، فإنها سوف تحرج أباها، وقد يوافق على طلبها من وجهة نظر عاطفية، بسبب موقعها منه «صلى الله عليه وآله» من ناحية النسب، ومن ناحية المكانة والكرامة..
وقد فوجئ برفضها القائم على أساس البرهان، حيث قالت له: «إنما أنا امرأة». أي: ولا يحق للمرأة أن تتصدى لأمر كهذا بزعمك فلماذا تريد أن تدفعني إلى أمر لا تؤمن أنت به؟!

قد أجارت أختك:

ولكن أبا سفيان يستدرك الأمر، ويقدم تبريراً لتصرفه هذا حين احتج عليها بإجارة زينب لزوجها أبي العاص بن الربيع، وقد قبل «صلى الله عليه وآله» ذلك منها.
فجاءه جواب الزهراء المعصومة «عليها السلام» ليفند قوله، ويؤكد له أنها «عليها السلام» تدرك الفرق بين ما فعلته زينب، وبين هذا الذي يطلبه هو منها، فقالت كلمة واحدة، كانت حاسمة ونهائية وهي: إنما ذاك إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»..
إنها تريد أن تقول: إن زينب حين أجارت أبا العاص بن الربيع، فإنما أرادت أن تمنع الناس من التعرض لأبي العاص، إلى أن يبت النبي «صلى الله عليه وآله» في أمره، ويصدر عليه حكمه. ولم ترد أن تمنع رسول الله «صلى الله عليه وآله» من إجراء حكم الله تعالى في حقه.
وهذا بالذات هو نفس ما فعلته أم هاني حين أجارت بعض من أهدر النبي «صلى الله عليه وآله» دمهم، ولم تكن تعلم بذلك. كما أنها لم تعرف أن الذي يريد تنفيذ أمر النبي «صلى الله عليه وآله» هو أخوها علي «عليه السلام».
فأرادت حفظ نفس أولئك الأشخاص من سائر أفراد الجيش إلى أن يرى فيهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» رأيه، ويصدر عليهم حكمه كما سيأتي.
أما أبو سفيان فيريد منها أن تجير الناس، ليمنع بذلك رسول الله «صلى الله عليه وآله» من مجازاة المعتدي، ولتطلّ بذلك دماء الأبرياء من صبيان ونساء، وضعفاء خزاعة.. وشتان ما بين الأمرين.

أخت الزهراء عليها السلام:

وعلينا أن لا ننسى: أن تعبير أبي سفيان عن زينب: بأنها أخت الزهراء «عليها السلام» إنما جاء وفق ما كان متداولاً بين الناس، من التعبير عمن تنشأ في بيت كافلها بعد أن مات ابوها الحقيقي، فإنها تنسب إلى ذلك الكافل بعبارات البنوة، وتضاف إلى أبنائه بتعابير الأخوة.. حيث يكون المقصود هو البنوة بالتربية، وكذلك الأخوة.

مُري ابنك:

ولعل ما ذكرناه آنفاً حول طلب أبي سفيان من فاطمة «عليها السلام» أن تجير بين الناس، يغني عن التعليق على طلب أبي سفيان منها «عليها السلام» أن تأمر ابنها الحسن «عليه السلام»، الذي كان بعمر الخمس سنوات، أن يجير بين الناس، فإن الكلام هنا هو نفسه الكلام هناك.
غير أننا نقول: إن علينا أن نضيف هنا ما يلي:
أولاً: إن أبا سفيان يغري فاطمة بالإقدام على هذا الأمر بمنطق أن ذلك يجعل ولدها سيد العرب إلى آخر الدهر.
نعم، وهذا هو منطق أهل الدنيا، الذين يقيسون الأمور بمقاييس السمعة، والشهرة، والسيادة، والمال، والجاه، وما إلى ذلك..
وذلك هو منطق أبي سفيان، لأنه من أهل الدنيا. وأما منطق العقل والدين، والشرع، ورضا الله تعالى والقيم الإنسانية، والمشاعر النبيلة، والمبادئ والخصال الحميدة، ونحوها. فهو الذي تلتزم به فاطمة «عليها السلام»، وتؤمن به، وتنطلق في مواقفها منه. لأنها من أهل الدين والشرع، والقيم الإنسانية، والعقل والأخلاق الفاضلة، والمزايا النبيلة..
ثانياً: إن الإمام الحسن «عليه السلام» كان كبيراً في نفسه وفق مقاييس أهل العقل والحكمة والإيمان، وقد بايعه النبي «صلى الله عليه وآله» في بيعة الرضوان، وأشهده على كتاب ثقيف، وأخرجه يوم المباهلة بأمر من الله، وجعله شريكاً في الدعوة، ويتحمل مسؤولية إثباتها.. وغير ذلك..
ولكن هذه لم تكن نظرة أبي سفيان إلى الإمام الحسن «عليه السلام»، بل هو ينظر إليه على أنه طفل كسائر أطفال الناس، ويريد أن يستفيد منه كوسيلة يصل من خلالها إلى مآربه، فيحرج به رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ويثير الشبهات والإشكالات حول صحة وسلامة ما يتخذه «صلى الله عليه وآله» من مواقف..
ولأجل ذلك خاطبته الزهراء «عليها السلام» بما ينسجم مع نظرته هذه، وقالت له: ما بلغ ابني أن يجير بين الناس.
ثم تقدمت خطوة أخرى في بيانها، لتاكيد بطلان منطق أبي سفيان فقالت: «ما يدري ابناي ما يجيران من قريش».
فإن هذه الكلمة أيضاً قد صدرت وفق منطق أبي سفيان الذي يعتبر الحسنين «عليهما السلام» مجرد طفلين صغيرين، لا يحملان في نفسيهما أية ميزة على غيرهما.
فهما في نظره لا يملكان من التعقل ما يكفي لإدراك معنى ما يتفوهان به، فهما إذن غير قادرين على إدراك معاني الكلمات، فضلاً عن أن يقصدا معانيها، ليصبح لتلك المعاني تحقق في مقام التخاطب، يصلح لترتيب الآثار عليه، والمطالبة به، والإشارة إليه. فهو من قبيل القضية السالبة بانتفاء موضوعها.

هما صبيان:

قال الحلبي: «قول فاطمة في حق ابنيها: إنهما صبيان ليس مثلهما يجير هو الموافق لما عليه أئمتنا، من أن شرط من يؤمِّن أن يكون مكلفاً.
وأما قولها: وإنما أنا امرأة، فلا يوافق عليه أئمتنا، من أن للمرأة والعبد أن يؤمِّنا؛ لأن شرط المؤمِّن عند أئمتنا أن يكون مسلماً، مكلفاً، مختاراً. وقد أمَّنت زينب بنت النبي «صلى الله عليه وآله» زوجها أبا العاص ابن الربيع، وقال «صلى الله عليه وآله»: قد أجرنا من أجرت.
وقال: المؤمنون يد على من سواهم، يجير عليهم أدناهم..».
إلى أن قال: «إن أم هاني أجارت، وإنه «صلى الله عليه وآله» قال لها: أجرنا من أجرت يا أم هاني.
لكن سيأتي: أن هذا كان تأكيداً للأمان الذي وقع منه «صلى الله عليه وآله» لأهل مكة، لا أمان مبتدأ»([35]).
ونقول:
أولاً: إننا نعتقد: أن جواب الزهراء «عليها السلام» الذي يشير إلى أن الحسنين «عليهما السلام» لا يجيران، وبالنسبة لنفسها أيضاً، قد جاء على سبيل الجري على ما كان يراه أبو سفيان، ومن هم على شاكلته، فإنه إذا كان يرى: أن المرأة لا جوار لها، ويرى: أن الحسنين «عليهما السلام» كانا صبيين لا يجوز جوارهما عنده، فلماذا يريد من هذه المرأة، ومن ذلك الصبي أن يجير بين الناس؟!
ثانياً: إن للجوار مسؤولياته وتبعاته، لأن المجير يتكفل بمن يجير، ويتحمل أعباء وتبعات ما صدر منه.. ولم يكن ذلك ممكنا بالنسبة لفاطمة والحسنين «عليهم السلام»، فهناك قتلى وتعديات وظلم وقهر.
وقريش تنكر ذلك وتجحده، وتمتنع عن الالتزام بأدنى شروط الجوار.. لأنها ترفض تحمل ديات المقتولين، أو البراءة من حلف من تعدى ونقض العهد..
فما معنى: أن تتحمل فاطمة والحسنان «عليهم السلام» هذه الديات عن أولئك المجرمين؟!
وما معنى: حفظ مرتكب الجريمة، وصيانته عن التعرض للجزاء والقصاص العادل؟!
ثالثاً: إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد قبل من الحسنين «عليهما السلام» البيعة في الحديبية([36])، وقد كان سنهما لا يتجاوز السنتين أو الثلاث.. وأشهدهما على كتاب ثقيف([37]).

قريش في مأزق:

وقد بينت عبارة السيدة الصديقة فاطمة الزهراء «عليها السلام»: «ما يدري ابناي ما يجيران في قريش»: أن أبا سفيان يتستر على امر كان معروفاً لدى الناس.. وهو أن قريشاً في مأزق، ويريد بهذا الجوار إخراجها منه. وإن استخدامه عبارات غائمة وعامة، لا يجدي في تعمية الأمور..
فالمطلوب هو تحصيل جوار لفئة من قريش ترى نفسها في دائرة الخطر، ولكن أبا سفيان يحاول أن يتذاكى عليهم، فيطلق كلامه على شكل عمومات، فيطلب من هذا أو ذاك أن يجير بين الناس. وهذه الكلمة تنطبق على القرشي وعلى غيره..

كلمي علياً:

ونستطيع أن نلمح في طلب أبي سفيان من السيدة الصديقة الطاهرة المعصومة فاطمة الزهراء «عليها السلام» أن تكلم علياً صلوات الله وسلامه عليه في أمر الجوار: أن أبا سفيان كان يحسب لعلي «عليه السلام» حساباً خاصاً به.. فهو يقترب في طريقة تعامله معه من طريقة تعامله مع رسول الله «صلى الله عليه وآله»..
فكما حاول أن يستفيد من موقع أم حبيبة زوجة الرسول «صلى الله عليه وآله»، حاول أيضاً أن يستفيد من موقع فاطمة لدى علي «عليهما السلام» فطلب منها أن تكلم هي علياً..
ولكنها رفضت طلبه، لأنه لو كان يرى أن طلبه طلب حق، أو كان فيه أي أثر للرجحان، لبادر إلى مطالبة علي «عليه السلام» بل والنبي «صلى الله عليه وآله» بالعمل بهذا الحق، والأمر الراجح.
ولكنه أراد أن يحصل على ما يريد بأساليب الضغط العاطفي، أو من خلال المراعاة لدواعي النسب، وفي غير ذلك من أمور تقع خارج دائرة الإنصاف، والحكمة، والتعقل، ورعاية الصالح العام، والعمل بما يرضي الله تبارك وتعالى، بل هي خارج دائرة الإلتزام بالمعاني الإنسانية والأخلاقية أيضاً..

سيد كنانة!! يطلب النصيحة!!:

وأول طلب وضعه أمام الإمام علي «عليه السلام» هو النصيحة منه. ولا شك في أن هذا الطلب من أبي سفيان غريب وعجيب، لا لأن علياً «عليه السلام» يبخل بالنصيحة على أي كان من الناس.. فحاشا علياً «عليه السلام» أن يبخل بأمر كهذا..
بل لأن هذا الرجل لا يريد النصيحة بالحق، بل يريد النصيحة التي تعزز وتقوي، وتنتج تضييعاً للحق، وتزويراً للحقيقة، وظلماً آخر لأولئك الأبرياء من خزاعة، والذين كان أكثرهم من الصبيان، والنساء، والضعفاء. وتقوية ونصراً لظالمهم، ومرتكب الجريمة البشعة والفظيعة بحقهم.
والغريب في الأمر: أن يطلب أبو سفيان هذه النصيحة التي هي بهذه المثابة من نفس ذلك المعني بالحفاظ على حقوق الناس، ويفترض فيه أن ينصر المظلوم، وأن يأخذ بحقه من ظالمه!!

وكانت نصيحة علي «عليه السلام» تقضي: بحمله عن الكف عن هذا السعي الظالم، والقائم على الخديعة والمكر حتى لنبي الله «صلى الله عليه وآله».
وتتلخص الطريقة التي اعتمدها بتذكير أبي سفيان بما يعتقده لنفسه، من مكانة في كنانة كلها، فأقر بأنه هو سيد كنانة.
ثم إنه «عليه السلام» ألزمه بمقتضيات هذه السيادة التي يعطيها لنفسه، لو كان صادقاً فيما يدَّعيه، ومنها أن يقبل الناس جواره.
ولكن أبا سفيان كان يعرف أن هذه السيادة التي يدَّعيها ليست بهذه المثابة، ولا تكفي لتحقيق الغرض الذي سعى إليه، ولكنه سأل علياً «عليه السلام» إن كان ذلك يحقق له ما يريد، فعسى أو لعل!!
فأجابه علي «عليه السلام» بما يجلب اليأس والأسى إلى قلبه، وهو: أنه لا يرى ذلك مغنياً عنه شيئاً، ولكنه لا يجد له سبيلاً للخروج من حيرته غير ذلك..
وربما يكون الهدف من ذلك هو إفهام أبي سفيان أن ما يزعمه لنفسه من موقع وزعامة ليس سوى مجرد خيال، ووهم، وقد تغيرت الأمور، وأصبح للزعامة معايير أخرى، لا بد من مراعاتها، والإلتزام بمقتضياتها.. وفهم هذه الحقيقة لا بد من أن يكون مفيداً جداً لأبي سفيان، وسوف يعينه كثيراً على الخروج من أجواء الوهم والخيال التي وضع نفسه فيها.

قريش تتهم زعيمها:

إن من الواضح: أن المشركين كانوا لا يثقون ببعضهم البعض، لأن دواعي الثقة وموجباتها عندهم مفقودة.. أما مجتمع أهل الإيمان فيعيش الثقة لأن موجباتها متوفرة فيه.
فهناك الإيمان بالله، والالتزام بشرائعه وأحكامه، التماساً لرضاه، وطمعاً في ثوابه، وخوفاً من عقابه.
وهو يملك ثروة ثمينة جداً من المبادئ والقيم التي تحكم مسيرة الإنسان، وتهيمن على حركته وعلى مواقفه في الحياة. وهناك الفضائل النفسية، والكمالات التي يربيها وينميها اهل الدين في داخل نفوسهم، ويبنون من خلالها ميزاتهم، وملكاتهم، التي تطبع شخصياتهم بطابعها..
وهناك الإلزامات الدينية الحازمة والحاسمة، فيما يرتبط بطبيعة تعامل أهل الإيمان مع بعضهم، ومع الآخرين..
نعم، إن ذلك كله ينتج درجة عالية من الاعتماد، ورؤية واضحة لمسار الأمور، فيما يرتبط بتعهدات الآخرين، ووفائهم بالتزاماتهم، وقيامهم بواجباتهم الدينية والأخلاقية..
ولكن ذلك كله مفقود في مجتمع الشرك والكفر. وتبقى الضمانة لتعهدات الأشخاص عندهم في مهب رياح المصالح والأهواء، ومحكومة للنزوات والأهواء والشهوات والميول، ولتقلبات الأمزجة الفردية..
ولأجل ذلك نلاحظ: أن المشركين يتهمون حتى زعيمهم أبا سفيان أشد التهمة، لمجرد زيادة غيبته عن المدة التي يتوقعونها، ويقولون عنه: إنه قد صبأ، واتبع محمداً سرَّاً، وكتم إسلامه.
وقد بلغت هذه التهمة من القوة والشدة حداً اضطر معه هذا الزعيم إلى أن يحلق رأسه عند أساف ونائلة، وأن يذبح لهما، وجعل يمسح بالدم رؤوسهما (كذا)، ويقول: «لا أفارق عبادتكما، حتى أموت على ما مات عليه أبي»، إبراءً لقريش مما اتهموه به.


([1]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص204 عن ابن عائذ، والواقدي، ومسدد في مسنده بسند صحيح، والمغازي للواقدي ج2 ص787 و 788 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص261.
([2]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص204 و 205 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص72 والمطالب العالية ج4 ص243 وعن فتح الباري ج8 ص4 والمغازي للواقدي ج2 ص786 و 787 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص260.
([3]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص205 عن عبد الرزاق عن نعيم، مولى ابن عباس وعن ابن أبي شيبة عن عكرمة، وعن الواقدي، والسيرة الحلبية ج3 ص72 و (ط دار المعرفـة) ج3 ص3 والسـيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد علي = = صبيح) ج4 ص855 و (ط دار المعرفة) ص27 وعيون الأثر ج2 ص183 ومجمع البيان ج10 ص555 و (ط مؤسسة الأعلمي) ص468 والجامع لأحكام القرآن ج8 ص64 وجامع البيان للطبري ج2 ص84 والبحار ج21 ص101 وزاد المعاد (ط مؤسسة الرسالة) ج1 ص1147 والمغازي للواقدي ج2 ص791 وتاريخ الخميس ج2 ص78 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص262.
([4]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص205 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص71 و (ط دار المعرفة) ص3 والمغازي للواقدي ج2 ص785 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص259.
([5]) البحار ج21 ص101 و 126 عن إعلام الورى ج1 ص217، وعن المناقب لابن شهرآشـوب ج1 ص177 وراجـع: تفسـير نـور الثقلـين ج5 ص692 = = وتاريخ مدينة دمشق (ط دار الكتب العلمية) ج73 ص88 و (ط دار الفكر) ج79 ص150 ومجمع البيان ج10 ص555 و (ط مؤسسة الأعلمي) ص469 وتفسير الميزان ج20 ص379 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص321 و (ط مكتبة المعارف) ج2 ص278 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص532 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص206.
([6]) المغازي للواقدي ص785 و 786 و 791 و792 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص206 والسيرة الحلبية ج3 ص72 و (ط دار المعرفة) ص3 وأشار إلى ذلك في: مجمع البيان ج10 ص555 والبحار ج21 ص101 و 102 وتاريخ الخميس ج2 ص78 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص259 ـ 262 .
([7]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص206 والسيرة الحلبية ج3 ص72 و (ط دار المعرفة) ص3 وراجع: مجمع البيان ج10 ص555 و (ط مؤسسة الأعلمي) ص468 والبحار ج21 ص101 و 102 و 126 عن إعلام الورى ج1 ص217، والمغازي للواقدي ج2 ص792 و 793 وتاريخ الخميس ج2 ص78 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص262 و 263 وتاريخ مدينة دمشق ج69 ص150 و 151 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص321 و (ط مكتبة المعارف) ج2 ص278 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص532.
([8]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص206 والسيرة الحلبية ج3 ص72 و 73 و (ط دار المعرفة) ص3 وراجع: مجمع البيان ج10 ص555 والبحار ج21 ص101 و 102 و 126 والمغازي للواقدي ج2 ص793 وتاريخ الخميس ج2 ص78 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص321 و (ط مكتبة المعارف) ج2 ص278 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص533.
([9]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص207 والسيرة الحلبية ج3 ص73 و (ط المعرفة) ص3 والمغازي للواقدي ج2 ص793 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث) ج4 ص321 و (ط مكتبة المعارف) ج2 ص278.
([10]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص207 والسيرة الحلبية ج3 ص73 و (ط دار المعرفة) ص3 والمغازي للواقدي ج2 ص794 والبدايـة والنهايـة (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص321 و (ط مكتبة المعارف) ج2 ص278 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص533 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص263.
([11]) سبـل الهـدى والرشـاد ج5 ص207 والسـيرة الحلبيـة ج3 ص73 و (ط دار = = المعرفة) ص3 والمغازي للواقدي ج2 ص794 وراجع: البحار ج21 ص 102 و 126 ومجمع البيان ج10 ص555 و (ط مؤسسة الأعلمي) ص468 وإعلام الورى ج1 ص217 والمصنف للصنعاني ج5 ص375 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص363.
([12]) البحار ج21 ص126 وإعلام الورى ج1 ص218.
([13]) السيرة الحلبية ج3 ص73 والمغازي للواقدي ج2 ص793 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص326 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص320 و (ط مكتبة المعارف) ج2 ص277 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص530 والسيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج4 ص856 وعيون الأثر ج2 ص184 وراجع: الإرشاد ج1 ص133 والبحار ج22 ص77 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص42 وزاد المعاد ج1 ص1147.
([14]) السيرة الحلبية ج3 ص73 و (ط دار المعرفة) ص3.
([15]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص207 والسيرة الحلبية ج3 ص73 و (ط دار المعرفة) ص3 والبحـار ج21 ص126 و 127 وج22 ص77 وإعلام الورى ج1 ص218 والمغازي للواقدي ج2 ص794 و 795 وتاريخ الخميس ج2 ص78 والمناقب لابن شهرآشوب ج1 ص177 والأنوار العلوية للنقدي ص200.
([16]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص207 والسيرة الحلبية ج3 ص73 و (ط دار المعرفة) ص3 والمغازي للواقدي ج2 ص795 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص264.
([17]) السيرة الحلبية ج3 ص74 و (ط دار المعرفة) ص3وتاريخ الخميس ج2 ص78 وراجع: الإرشاد ج1 ص133 والبحار ج22 ص77 والثقات لابن حبان ج2 ص40 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص327 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص320 و (ط مكتبة المعارف) ج2 ص277 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص531 والسيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج4 ص857 و (ط دار المعرفة) ج4 ص27 وعيون الأثر ج2 ص184 وزاد المعاد (ط مؤسسة الرسالة) ج1 ص1147.
([18]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص207 و 208 والسيرة الحلبية ج3 ص74 و (ط دار المعرفة) ص3 وراجع: الإرشاد ج1 ص134 وتفسير نور الثقلين ج5 ص692 وتفسير الميزان ج20 ص380 والثقات ج2 ص40 ومجمع البيان ج10 ص555 و (ط مؤسسة الأعلمي) ص469 والمناقب لابن شهرآشوب ج1 ص178 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص327 والبحار ج21 ص126 و 127 وج22 ص78 وإعلام الورى ج1 ص218، والمغازي للواقدي ج2 ص795 وتاريـخ الخميس ج2 ص78 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) = = ج4 ص322 و (ط مكتبة المعارف) ج2 ص278 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص534 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق3 ص42 والسيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج4 ص857 وعيون الأثر ج2 ص184.
([19]) السيرة الحلبية ج3 ص71 والمغازي للواقدي ج2 ص783 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص205 وتاريخ مدينة دمشق ج23 ص453 والبحار ج21 ص108 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص260 و 271 .
([20]) راجع: البحار ج21 ص126 ومناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج1 ص177 وإعلام الورى ج1 ص217 والأنوار العلوية للنقدي ص199 .
([21]) السيرة الحلبية ج3 ص71 وراجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص201 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص257.
([22]) راجع: البحار ج21 ص126 وعن مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج1 ص177 وعن إعلام الورى ج1 ص217 والأنوار العلوية للنقدي ص199.
([23]) راجع: الفصول المختارة للمفيد ص136 وروضة الطالبين للنووي ج1 ص73 وحاشية رد المختار ج1 ص62 ونيل الأوطار ج7 ص192 ومستدرك الوسائل ج12 ص229 والإختصاص ص251 ومنية المريد ص145 والبحار ج2 ص24 وج71 ص204 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص184 ومسند أحمد ج4 ص357 و 359 و 361 و 362 وصحيح مسلم ج3 ص87 وسنن النسائي ج5 ص76 والسنن الكبرى للبيهقي ج4 ص176 وفتح الباري ج13 ص256 وتحفة الأحوذي ج9 ص68 ومسند أبي داود ص93 ومسند ابن الجعد ص90 والمصنف لابن أبي شيبة ج3 ص3 و 4 وصحيح ابن خزيمة ج4 ص112 وجزء الحميري ص25 وصحيح ابن حبان ج8 ص101 والمعجم الأوسط ج4 ص343 و 384 والمعجم الكبير ج2 ص315 و 329 و 330 و 346 ورياض الصالحين للنووي ص143 واللمع في أسباب ورود الحديث ص68 وكنز العمال ج15 ص780 وفيض القدير ج1 ص672 وكشف الخفـاء ج2 ص255 و 256 والتبيـان ج1 ص187 وج3 ص502 وتفسير مجمع البيان ج1 ص186 وج3 ص322 وتفسير نور الثقلين ج1 ص73 وتفسير الميزان ج12 ص230 وج17 ص70 وج19 ص47 وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص507 وج3 ص188 ومفردات غريب القرآن للراغب ص263 و 521 والجامع لأحكام القرآن ج2 ص87 وج6 ص140 وج19 ص99 وتفسير القرآن العظيم ج3 ص572 وج4 ص365 والبرهان للزركشي ج2 ص144 والدر المنثور ج5 ص260 وج6 ص201 وتفسير الثعالبي ج3 ص201 والفصول في الأصول للجصاص ج3 ص198 وأصول للسرخسي ج1 ص114 و 381 والتعديل والتجريح ج1 ص13 و 45 وتاريخ مدينة دمشق ج43 ص544 والإستغاثة ج1 ص20 والنصائح الكافية ص120 والنهاية في غريب الحديث ج1 ص106 ولسان العرب ج8 ص6 ومجمع البحرين ج1 ص164 وتاج العروس ج5 ص271.
([24]) الآية 13 من سورة العنكبوت.
([25]) راجع: البحار ج19 ص217 و 274 والمغازي للواقدي ج1 ص48 والسيرة الحلبية ج2 ص105 والدر المنثور ج3 ص166 عن دلائل النبوة للبيهقي، وتفسير القمي ج1 ص258 وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص112 وعن عيون الأثر ج1 ص327 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص26 وصحيح مسلم كتاب الجهاد والسير، باب غزوة بدر ج5 ص170 و (ط أخرى) ج3 ص1403، ومسند أحمد ج3 ص219 بطريقين، وعن الجمع بين الصحيحين، والبداية والنهاية ج3 ص263، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص394 وتفسير أبي حمزة الثمالي ص181 وتفسير مجمع البيان (ط مؤسسة الأعلمي) ج4 ص432 والتفسير الصافي ج2 ص274 والتفسير الأصفى ج1 ص425 وتفسير نور الثقلين ج2 ص124 وتفسير الميزان ج9 ص25 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص118.
([26]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص208 وعن المصنف لابن أبي شيبة ج14 ص506 و (ط دار الفكر) ج8 ص542 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج10 ص529 و (ط دار الفكر) ج1 ص2104 وجامع الأحاديث والمراسيل ج21 ص423 .
([27]) المغازي للواقدي ج1 ص282 وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص274 وج15 ص20 عنه، وعن ابن إسحاق، والبلاذري، وطبقات الشعراء لابن سلام ص63 وراجع: البداية والنهاية ج3 ص107 عن ابن هشام، والبحار ج20 ص135 و 138 ومناقب أهل البيت «عليهم السلام» للشيرواني ص332 وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص274 وج15 ص20 وتاريخ مدينة دمشق ج24 ص393 و 397 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص500 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص628.
([28]) طبقات الشعراء لابن سلام ص63.
([29]) مصادر ذلك كثيرة، فراجع هذا الكتاب: غزوة بدر، فصل الغنائم والأسرى.
([30]) راجع: المغازي ج1 ص107 ـ 109 وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص173 و 174 وإمتاع الأسماع للمقريزي ج9 ص244.
([31]) المصنف للصنعاني ج5 ص366 وتفسير القرآن للصنعاني ج1 ص136 وإمتاع الأسماع للمقريزي ج1 ص171.
([32]) تفسير القرآن العظيم ج1 ص412 والأوائل لأبي هلال العسكري ج1 ص184 و 185 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص31 وإمتاع الأسماع للمقريزي ج1 ص171.
([33]) المغازي للواقدي ج1 ص297 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص23.
([34]) تاريخ الخميس ج1 ص440 ووفاء الوفاء ج1 ص294 والسيرة الحلبية ج1 ص244 و 245 وسيرة ابن إسحاق ج3 ص309 وتاريخ الأمم والملوك (ط الإستقامة) ج2 ص205 والكامل في التاريخ ج2 ص160 والثقات ج1 ص232 وراجع: شرح الأخبار ج1 ص280 تفسير القرآن العظيم ج1 ص414 و 415.
([35]) السيرة الحلبية ج3 ص73.
([36]) الإحتجاج ج2 ص245 والبحار ج50 ص78 عنه، والإرشاد للمفيد ص363 وتفسير القمي ج1 ص184 و 185 وينابيع المودة ص375 وترجمة الإمام الحسين لابن عساكر (بتحقيق المحمودي) ص150 والمعجم الكبير للطبراني وحياة الصحابة ج1 ص250 ومجمع الزوائد ج6 ص40 والعقد الفريد ج4 ص384.
([37]) الأموال لأبي عبيد ص289 و 290 وراجع: التراتيب الإدارية ج1 ص274 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص284 ومكاتيب الرسول ج3 ص58 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص373 .
 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page