• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل السادس: على طريق مكة

 إستخلف على المدينة وخرج!!:
قيل: إنه «صلى الله عليه وآله» استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر([1]).
وقيل: استخلف رسول الله «صلى الله عليه وآله» على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين الغفاري([2]).
ويقال: ابن أم مكتوم. وبه جزم الدمياطي([3]).
وخرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم الأربعاء بعد العصر، لعشر خلون من شهر رمضان، ونادى مناديه: «من أحب أن يصوم فليصم، ومن أحب أن يفطر فليفطر». وصام رسول الله «صلى الله عليه وآله»([4]). فما حل عقدة حتى انتهى إلى الصلصل.
وخرج في المهاجرين والأنصار، وطوائف من العرب، وقادوا الخيل، وامتطوا الإبل، وقدم رسول الله «صلى الله عليه وآله» أمامه الزبير بن العوام في مائتين من المسلمين([5]).
ولما بلغ رسول الله «صلى الله عليه وآله» البيداء قال، فيما رواه محمد بن عمر عن أبي سعيد الخدري: «إني لأرى السحاب يستهل بنصر بني كعب»([6]).
وقدم «صلى الله عليه وآله» بمائة جريدة من خيل، تكون أمام المسلمين. فلما كانوا بين العرج والطلوب أتوا بعين من هوازن، فاستخبره رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأخبره أن هوازن تجمع له (وقد أجابتهم ثقيف، وقد بعثوا إلى الجرش ـ وهو مكان في اليمن ـ فعملوا الدبابات والمنجنيق) فقال: «حسبنا الله ونعم الوكيل».
فأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» خالد بن الوليد أن يحبسه، لئلا يذهب فيحذر الناس، وقد أسلم حين فتح مكة، ثم خرج مع المسلمين إلى هوازن، فقتل في أوطاس.
ولما بلغ «صلى الله عليه وآله» قديداً([7]) لقيته سُليم هناك، فعقد الألوية والرايات، ودفعها إلى القبائل([8]).
ونقول:
إن لنا بعض الملاحظات حول ما تقدم، نجملها فيما يلي:

عشرة آلاف مقاتل:
ثم إن هناك من يقول ـ كابن إسحاق ـ: إن من شهد الفتح من المسلمين عشرة آلاف([9])، ونحو من أربع مائة فارس، ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار عنه أحد([10]).
وهناك من يقول: إنهم كانوا اثني عشر ألفاً([11]).
وجمع: بأن العشرة آلاف خرج بها من نفس المدينة، ثم تلاحق الألفان([12]).
ونقول:
قد يقال: إننا نشك في صحة كلا هذين الرقمين.. فإن المسلمين لم يكونوا قد بلغوا إلى الحد الذي يستطيعون معه ان يجهزوا هذا المقدار من الرجال للحرب، ثم يبقى في بلادهم من يحرسها، من غارة أهل الأطماع.
ويشير إلى ذلك: أنه «صلى الله عليه وآله» لم يستطع أن يجهز لخيبر أكثر من ألف وخمسمائة مقاتل، ثم جهز لمؤتة ـ كما يقولون ـ ثلاثة آلاف.. مع أن تجهيز العشرة آلاف كان في مؤتة أيسر منه في فتح مكة، إلا إن كان «صلى الله عليه وآله» قد استنفر العرب من البلاد، فنفروا معه مسلمهم وكافرهم، لأنهم أيقنوا: أنه يريد الخير لهم، وأن في الخروج معه منافع تهمهم، خصوصاً بعد أن ظهر ضعف قريش في تصدياتها له..
فإذا نفر الناس من سائر القبائل معه، فإن من بقي منهم في البلاد لا يخشى منه، وقد كان «صلى الله عليه وآله» عارفاً بالمنطقة وبمن يسكنها من القبائل..
ولم يكن ليجرؤ أحد من أي قبيلة على مهاجمة المدينة إذا كان لدى رسول الله «صلى الله عليه وآله» طائفة من تلك القبيلة تقاتل معه، إذ إن ذلك سوف يسهِّل على النبي «صلى الله عليه وآله» الظفر بمن يقوم بأي تحرك من هذا القبيل ومعاقبته، لأن نفس أهل تلك القبيلة سيكونون أعواناً وأنصاراً له على الخارجين عليه، حتى إذا كانوا من قبائلهم، فكيف إذا كانوا من غيرها.
يضاف إلى هذا كله: أنه لابد أن يبقى في المدينة قوة قادرة على حمايتها من هجوم فئات صغيرة، لو فرض أن أحداً يجرؤ على القيام بشيء من ذلك.

تأويلات وتفاصيل:
وقد ذكروا هنا: بعض التفاصيل التي قد لا تملك من الدقة ما يكفي للاعتماد عليها، فقد قالوا:
أنه «صلى الله عليه وآله» كان في عشرة آلاف. أي باعتبار من لحقه في الطريق من القبائل، كبني أسد، وسليم، ولم يتخلف عنه أحد من المهاجرين والأنصار.
وكان المهاجرون سبع مائة، ومعهم ثلاث مائة فرس.
وكانت الأنصار أربعة آلاف، ومعهم خمس مائة فرس.
وكانت مزينة ألفاً، وفيها مائة فرس ومائة درع.
وكانت أسلم أربع مائة، ومعها ثلاثون فرساً.
وكانت جهينة ثمان مائة، ومعها خمسون فرساً([13]).
وعن ابن عباس: من بني سليم سبع مائة، وقيل: ألف. ومن غفار أربع مائة، ومن أسلم أربع مائة ومن مزينة ألف وثلاث مائة، وسائرهم من قريش والأنصار، وحلفائهم، وطوائف من العرب، من بني تميم، وقيس، وأسد([14]).
ونقول:
إن هذا يثير لدى الباحث أكثر من سؤال. فمتى صار المهاجرون سبع مائة؟
وكيف أصبح الأنصار أربعة آلاف؟ في حين أنه لم يستطع أن يجند منهم ومن المهاجرين وممن حولهم من الأعراب أكثر من ألف وخمس مائة مقاتل إلى ألف وثمان مائة، فراجع: حرب خيبر والحديبية وغيرهما..
إلا إن كان سكان المدينة يتكاثرون كما يتكاثر بعض فصائل الحيوان؟
ولماذا كان من المهاجرين ثلاث مائة فرس، وهم سبع مائة رجل فقط، وكان من الأنصار خمس مائة فرس وهم أربعة آلاف؟
فهل كان المهاجرون أكثر مالاً من الأنصار؟
وكيف حصلوا على هذه الثروات، ولم يحصل الأنصار على مثلها؟! وهم يعيشون في بلد واحد، ويجاهدون عدوهم معهم. مع كون المهاجرين قد قدموا إلى المدينة بدون أموال، حتى تكفل الأنصار بهم، وشاركوهم في أموالهم وبيوتهم؟!
أم أن المهاجرين كانوا مهتمين بأمر الجهاد أكثر من الأنصار؟!
ويلاحظ: أن هذه النسبة من الأفراس مع المهاجرين قد بقيت متفوقة فيهم على جميع الفئات والقبائل الأخرى.. إذ لا مجال للمقايسة بينهم وبين جهينة، التي كانت ثمان مائة، ومعها خمسون فرساً فقط.. وكانت أسلم أربع مائة، ومعها ثلاثون فرساً فقط.. وكانت مزينة ألفاً وفيها مائة فرس فقط..
فما هذا التفاوت بين المهاجرين وكل هذه الفئات؟!
ألا يشير ذلك إلى أن هذه كانت أرقاماً سياسية، وليست واقعية؟!

لا يزال المقصد مجهولاً:
وقالوا: لما نزل رسول الله «صلى الله عليه وآله» العرج، والناس لا يدرون أين توجه «صلى الله عليه وآله»، إلى قريش، أو إلى هوازن، أو إلى ثقيف. فهم يحبون أن يعلموا.
فجلس في أصحابه بالعرج، وهو يتحدث، فقال: كعب بن مالك: آتي رسول الله «صلى الله عليه وآله» فأعلم لكم علم وجهه.
فجاء كعب بن مالك فبرك بين يدي رسول الله «صلى الله عليه وآله» على ركبتيه، ثم قال:
قضـيـنـا من تهـامـة كــل ريـب           وخـيـبر ثـم أحمـيـنــا الـسـيـوفـا
نسائلهـا ولـو نطقـت لقـالـــت           قـواضـبـهـن دوسـا أو  ثـقـيـفــا
فلسـت بحـاضـر إن لم  تـروهــا                 بـسـاحــة داركـم مـنـهـا  ألـوفـا
فـنـنـتـزع الخــيـام بـبـطـن وج           ونـترك دوركـم مـنـهـا خـلـوفـا
فتبسم رسول الله «صلى الله عليه وآله» ولم يزد على ذلك.
فجعل الناس يقولون: والله ما بين لك رسول الله «صلى الله عليه وآله» شيئاً، ما ندري بمن يبدأ بقريش، أو ثقيف، أو هوازن؟!([15]).
وكان عيينة بن حصن في أهله بنجد، فأتاه الخبر: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» يريد وجهاً، وقد تجمعت العرب إليه، فخرج في نفر من قومه حتى قدم المدينة، فوجد أنه «صلى الله عليه وآله» قد خرج قبله بيومين.. فسلك يسأل عن مسيره، فبلغ إلى العرج، ثم وصل النبي «صلى الله عليه وآله» بعده إلى هناك..
فقال عيينة: يا رسول الله، بلغني خروجك، ومن يجتمع إليك، فأقبلت سريعاً ولم أشعر، فأجمع قومي، فيكون لنا جلبة كثيرة. ولست أرى هيأة الحرب، ولا أرى ألوية ولا رايات! فالعمرة تريد؟ فلا أرى هيأة الإحرام! فأين وجهك يا رسول الله؟!
قال: حيث يشاء الله.
وذهب وسار معه. ووجد الأقرع بن حابس بالسقيا في عشرة من قومه. فساروا معه، فلما نزل قديداً عقد الألوية، وجعل الرايات.
فلما رأى عيينة القبائل تأخذ الرايات والألوية عض على أنامله، فقال أبو بكر: علام تندم؟
قال: على قومي ألا يكونوا نفروا مع محمد. فأين يريد محمد يا أبا بكر؟
قال: حيث يشاء الله.
فدخل رسول الله «صلى الله عليه وآله» مكة يومئذٍ بين الأقرع وعيينة([16]).
وذكر الواقدي: أنه لما نزل «صلى الله عليه وآله» قديداً لقيته سليم، وهم تسعمائة على الخيول جميعاً، مع كل رجل منهم رمحه وسلاحه.
ويقال: إنهم ألف([17]).
فقالت سُليم: يا رسول الله، إنك تقصينا، وتستغشُّنا، ونحن أخوالك ـ أم هاشم بن عبد مناف، عاتكة بنت مرة، بن هلال، بن فالح، بن ذكوان، من بني سليم ـ فقدمنا يا رسول الله حتى تنظر كيف بلاؤنا، فإنَّا صُبُرٌ عند الحرب، صُدُقٌ عند اللقاء، فرسان على متون الخيل.
قال: ومعهم لواءان وخمس رايات، والرايات سود.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: سيروا! فجعلهم في مقدمته.
وكان خالد بن الوليد مقدمة النبي «صلى الله عليه وآله» حين لقيته بنو سليم بقديد، حتى نزلوا مر الظهران وبنو سليم معه.
ويقال: إنهم قد طووا ألويتهم وراياتهم، وليس معهم لواء ولا راية معقودة.
فقالوا: يا رسول الله، اعقد لنا وضع رايتنا حيث رأيت.
فقال: يحمل رايتكم اليوم من كان يحملها في الجاهلية!
ونادى عيينة بن حصن، فقال: أنا عُيَيْنة، هذه بنو سُلَيْم قد حضرت بما ترى من العدّة والعَدَد والسّلاح، وإنّهم لأحلاس الخيل، ورجال الحرب، ورماة الحدق.
فقال العباس بن مَرْدَاس: أقصر أيها الرجل، فوالله إنك لتعلم أنّا أفرس على متون الخيل، وأطعن بالقنا، وأضرب بالمشرفية منك ومن قومك، فقال عُيَيْنة : كذبتَ ولؤمتَ، نحن أولى بما ذكر منك، قد عرفته لنا العرب قاطبة.
فأومأ إليهما النبي «صلى الله عليه وآله» بيده حتى سكتا .
ونقول:
إن علينا أن نشير هنا إلى الأمور التالية:

توضيح عن المقدمة:
قد يُتَوَهَّم: أن النص المتقدم قد ذكر أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد جعل بني سُليم في مقدمته، مع أنهم يقولون: إن الذي كان على المقدمة إلى أن دخل النبي «صلى الله عليه وآله» مكة هو خالد بن الوليد، وهذا لا يتلاءم مع ذاك.
ويزول هذا التوهم بالكامل في النص المذكور آنفاً، حيث قال: إنه «صلى الله عليه وآله» قد جعل بني سليم في مقدمته، أي أنه قد ضمهم إلى الرجال الذين كانوا بقيادة خالد، فصار خالد أميراً على المجموع، وبما أنه كان لكل قبيلة حامل لوائها، فقد حمله عيينة بن حصن.

إلى أين يا رسول الله؟!:
إن الإنسان مهما كان دينه، وأيَّاً كانت ميوله لَيَقف خاشعاً أمام عظمة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ومبهوراً وعاجزاً عن إدراك دقة تدبيره، مذعناً لصوابية كل حركة وكل سكون، وكل لفتة، وإشارة و.. و..
وبديهي: أن الناس إذا أدركوا أن ثمة حرصاً على إخفاء شيء، فإنهم يجهدون لاستكناه حقيقته، والوقوف على واقعه، واستشراف دقائقه وتفاصيله.
فإذا كانت ألوف من الناس تلاحق هذا الأمر، وتبحث عنه، وتريد كشفه، والوقوف على كنهه بكل حرص واندفاع.
وإذا كان هذا الأمر يعنيهم كلهم أفراداً وجماعات.
وإذا كان يفترض فيهم هم أن يشاركوا في صنع نفس هذا الحدث..
وإذا كانت قد بدأت بعض التسريبات تظهر منذ اللحظة الأولى التي تفوَّه الرسول «صلى الله عليه وآله» فيها بأنه يريد سفراً، حيث قال لعائشة: «جهزينا، وأخفي أمرك».
ثم جرى بين عائشة وأبيها، ثم بين أبي بكر ورسول الله «صلى الله عليه وآله» ما قدمناه فيما سبق.
وإذا كانت هذه التسريبات قد دعت النبي بَدْأً إلى التحفظ على مسالك المدينة في سهولها وجبالها، ووضع الحرس عليها، وضبطها.
وإذا كانت الاحتمالات والتكهنات بدأت تؤتي ثمارها على شكل رسائل تحذير لقريش، حيث تجلى ذلك في قصة حاطب بن أبي بلتعة.
وإذا كانت قصة حاطب قد انتهت على ذلك النحو المثير لكل الناس الذين حضروا وشاهدوا أو سمعوا بما جرى، حيث نودي بالناس: «الصلاة جامعة»، فاجتمعوا في المسجد، ثم كان ما كان..
وإذا كان عشرة آلاف مقاتل قد بدأوا يتحركون باتجاه المقصد..
وإذا كانوا قد ساروا أياماً وليالي عديدة نحوه..
فإننا لابد أن نتوقع: أن الأمور قد اتضحت لكل أحد، وأسفر الصبح لذي عينين..
ولكن المفاجأة الهائلة والعظيمة هي: أن تسير هذه الألوف المؤلفة على هيأتها ووفق ما هو مرسوم في تدبير الجيوش، وفي كيفية سيرها نحو العدو، حيث الطلائع تقدم، تبث الأرصاد.. وتؤخذ عيون العدو، ويستفاد من المعلومات التي لديها، ثم يحتفظ بهم للوقت المناسب..
إن المفاجأة هي: أن هذا الجيش يسير باتجاه مقصده، ويصل إلى قديد (وهي قرية جامعة قريب مكة)([18])، ولا يزال يجهل الجهة التي يقصدها، والفئة التي سيناجزها القتال.
رغم أن محاولات بذلت في السقيا لاستنطاق رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولكنها تبوء بالفشل..
فهل يمكن أن نضع هذا الإنجاز في مجال الاستطلاع والحفاظ على السرية إلا في عداد المعجزات، وخوارق العادات، التي لا يقدر عليها إلا نبي، أو وصي نبي؟!
لا بد من جواب:
ويبقى أن نشير إلى أن كل هذا الذي ذكرناه لا يعفينا من الإجابة على سؤال: كيف لنا أن نتصور جمعاً يزيد على عشرة آلاف مقاتل، يجتمعون من مختلف البلاد والقبائل، ويسيرون أياماً وليالي إلى أن يصلوا إلى قديد، ثم لا يعرفون مقصدهم، ويستمر جهلهم بوجهة سيرهم، وبحقيقة العدو الذي يقصدونه..
ويمكن أن نجيب على ذلك: بأن بعض النصوص المتقدمة قد صرحت: بأن الناس كانوا متحيرين بين ثلاثة احتمالات، هي: مكة، وثقيف، وهوازن.
وهذه الخيارات كلها تحتاج لمثل هذا الجمع العظيم من المقاتلين. كما أنها كلها تقع في منطقة واحدة، وفي أمكنة متقاربة، والطريق من المدينة إليها هي نفس هذه الطريق التي سلكها «صلى الله عليه وآله» إلى قديد. وإنما تتميز الطرقات إلى تلك المناطق بدءاً من سرف، التي كانت تبعد عن مكة أميالاً يسيرة([19]).
وربما يكون من أسباب تعزيز احتمال أن يكون القصد إلى هوازن، وصرف نظر الناس عن مكة: أنه «صلى الله عليه وآله» قد أخذ عيناً لهوازن، فأقر له أنهم يجمعون الجموع لحربه؛ فيأمر خالداً بحبس ذلك العين، خوفاً من أن يذهب ويحذِّر الناس([20]).

حيث يشاء الله:
وقد أظهرت قضية كعب بن مالك، وتوسله بالشعر في محاولة معرفة الوجه الذي يريده النبي«صلى الله عليه وآله» في سفره ذاك أظهرت مدى اهتمام الناس بمعرفة هذا الأمر.. رغم أن كعباً لم يفلح في استخراج السر من النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله».
والذي زاد في حيرتهم: أنه «صلى الله عليه وآله» لم يخرج بهذه الألوف على هيئة الحرب، فهو لم يعقد ألوية، ولا رفع رايات، ولا رتب هذا الجيش العرمرم ترتيباً قتالياً..
ولكنه كان يرسل الطلائع.. ويأخذ رصد هوازن الذي وجده في طريقه، ويستجوبه، ثم يأمر بحبسه، ولا يتركه يرجع إلى من وراءه لينذرهم به..
ومن جهة ثانية: فإنه «صلى الله عليه وآله» لم يخرج على هيئة من يريد العمرة، فلم يحرم ولم يسق البدن كما فعل في الحديبية، وعمرة القضاء..
وهذا معناه: أنه لا يقصد مكة في مسيره ذاك..
ويسأله عيينة بن حصن عن مقصده في مسيره، ويصرح له بحيرته في الأمر، فيجيبه «صلى الله عليه وآله» بقوله: حيث يشاء الله.
بل إنه «صلى الله عليه وآله» حتى حين بلغ قديداً، وعقد الرايات والألوية، وعرف عيينة وغيره أن المهمة قتالية، وليست شيئاً آخر.. قد أبقاه في حيرة من أمره، فسأل أبا بكر: فأين يريد محمد يا أبا بكر؟!.
قال: حيث يشاء الله([21]).
وهي إجابة واقعية، إذ لم يكن المسؤول بأعلم من السائل، فإن أبا بكر أيضاً لم يكن يعلم بمقصد رسول الله «صلى الله عليه وآله».. ولعل الناس قد بقوا على ترددهم حتى وصلوا إلى مر الظهران، وأخذوا أبا سفيان ومن معه.

إستنفار العرب:
قد ذكرنا فيما سبق: أن الظاهر هو: أنه «صلى الله عليه وآله» قد استنفر العرب إلى مكة، مسلمهم وكافرهم..
وقد يمكن الإستشهاد على ذلك بالنص المتقدم الذي يقول: إن عيينة بن حصن قد سمع ـ وهو بنجد ـ : أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» يريد وجهاً، وقد تجمعت العرب إليه..
فعبارة تجمعت العرب إليه، يشير إلى أن هذا التجمع قد شمل المسلم وغيره.
ولعل استنفار النبي «صلى الله عليه وآله» للعرب قد أفهمهم: أن ثمة أمراً خطيراً لابد لهم من مواجهته، كذلك الذي جرى في غزوة مؤتة..
وقد أشرنا إلى ذلك فيما سبق.
وربما يكون مجيء عيينة بن حصن بمجرد سماعه بالأمر شاهداً آخر على ذلك..

سُليم تريد الحظوة عند النبي :
وقد ظهر من كلام بني سليم: أنهم كانوا يسعون لتكون لهم الحظوة عند النبي «صلى الله عليه وآله»، ويريدون الفوز بثقته من خلال أفعالهم ومواقفهم المؤثرة التي تشهد لهم بصحة ما يدَّعونه.
وقد صرحوا في كلامهم: بأن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يستغشهم ويقصيهم، رغم أنهم أخواله، بسبب عاتكة بنت مرة، فإنها أم هاشم بن عبد مناف..
ولا يمكن الأخذ بظاهر كلامهم هذا إلا بتقدير: أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد رأى في تصرفات بني سُليم غشاً يوجب الإقصاء والحذر، فإن هذا هو مقتضى الحزم.
كما أنه لا بد من ملاحظة: أن هذا الإقصاء لم يتخذ أسلوب التنفير، المؤسس للكره، وللعقدة، بل كان إقصاءً يدعوهم إلى مراجعة حساباتهم، ويزيد من رغبتهم في إصلاح أمرهم معه «صلى الله عليه وآله». حتى إنهم لينفرون إليه حين يستنفر العرب، وهم مصممون على أن يزيلوا هذه الصبغة عن أنفسهم، بأفعالهم قبل أقوالهم..
وقد أفسح لهم النبي «صلى الله عليه وآله» المجال للوفاء بتعهداتهم، حيث جعلهم مقدمة له.. كما صرحت به الرواية.
وقد أظهروا بعضاً من الأدب مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» حين طووا ألويتهم، وطلبوا منه «صلى الله عليه وآله» أن يعقدها لهم، وأن يضعها حيث يشاء..
فجعل عليهم عيينة بن حصن كما تقدم..

 إستخلف على المدينة وخرج!!:
قيل: إنه «صلى الله عليه وآله» استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر([1]).
وقيل: استخلف رسول الله «صلى الله عليه وآله» على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين الغفاري([2]).
ويقال: ابن أم مكتوم. وبه جزم الدمياطي([3]).
وخرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم الأربعاء بعد العصر، لعشر خلون من شهر رمضان، ونادى مناديه: «من أحب أن يصوم فليصم، ومن أحب أن يفطر فليفطر». وصام رسول الله «صلى الله عليه وآله»([4]). فما حل عقدة حتى انتهى إلى الصلصل.
وخرج في المهاجرين والأنصار، وطوائف من العرب، وقادوا الخيل، وامتطوا الإبل، وقدم رسول الله «صلى الله عليه وآله» أمامه الزبير بن العوام في مائتين من المسلمين([5]).
ولما بلغ رسول الله «صلى الله عليه وآله» البيداء قال، فيما رواه محمد بن عمر عن أبي سعيد الخدري: «إني لأرى السحاب يستهل بنصر بني كعب»([6]).
وقدم «صلى الله عليه وآله» بمائة جريدة من خيل، تكون أمام المسلمين. فلما كانوا بين العرج والطلوب أتوا بعين من هوازن، فاستخبره رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأخبره أن هوازن تجمع له (وقد أجابتهم ثقيف، وقد بعثوا إلى الجرش ـ وهو مكان في اليمن ـ فعملوا الدبابات والمنجنيق) فقال: «حسبنا الله ونعم الوكيل».
فأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» خالد بن الوليد أن يحبسه، لئلا يذهب فيحذر الناس، وقد أسلم حين فتح مكة، ثم خرج مع المسلمين إلى هوازن، فقتل في أوطاس.
ولما بلغ «صلى الله عليه وآله» قديداً([7]) لقيته سُليم هناك، فعقد الألوية والرايات، ودفعها إلى القبائل([8]).
ونقول:
إن لنا بعض الملاحظات حول ما تقدم، نجملها فيما يلي:

عشرة آلاف مقاتل:
ثم إن هناك من يقول ـ كابن إسحاق ـ: إن من شهد الفتح من المسلمين عشرة آلاف([9])، ونحو من أربع مائة فارس، ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار عنه أحد([10]).
وهناك من يقول: إنهم كانوا اثني عشر ألفاً([11]).
وجمع: بأن العشرة آلاف خرج بها من نفس المدينة، ثم تلاحق الألفان([12]).
ونقول:
قد يقال: إننا نشك في صحة كلا هذين الرقمين.. فإن المسلمين لم يكونوا قد بلغوا إلى الحد الذي يستطيعون معه ان يجهزوا هذا المقدار من الرجال للحرب، ثم يبقى في بلادهم من يحرسها، من غارة أهل الأطماع.
ويشير إلى ذلك: أنه «صلى الله عليه وآله» لم يستطع أن يجهز لخيبر أكثر من ألف وخمسمائة مقاتل، ثم جهز لمؤتة ـ كما يقولون ـ ثلاثة آلاف.. مع أن تجهيز العشرة آلاف كان في مؤتة أيسر منه في فتح مكة، إلا إن كان «صلى الله عليه وآله» قد استنفر العرب من البلاد، فنفروا معه مسلمهم وكافرهم، لأنهم أيقنوا: أنه يريد الخير لهم، وأن في الخروج معه منافع تهمهم، خصوصاً بعد أن ظهر ضعف قريش في تصدياتها له..
فإذا نفر الناس من سائر القبائل معه، فإن من بقي منهم في البلاد لا يخشى منه، وقد كان «صلى الله عليه وآله» عارفاً بالمنطقة وبمن يسكنها من القبائل..
ولم يكن ليجرؤ أحد من أي قبيلة على مهاجمة المدينة إذا كان لدى رسول الله «صلى الله عليه وآله» طائفة من تلك القبيلة تقاتل معه، إذ إن ذلك سوف يسهِّل على النبي «صلى الله عليه وآله» الظفر بمن يقوم بأي تحرك من هذا القبيل ومعاقبته، لأن نفس أهل تلك القبيلة سيكونون أعواناً وأنصاراً له على الخارجين عليه، حتى إذا كانوا من قبائلهم، فكيف إذا كانوا من غيرها.
يضاف إلى هذا كله: أنه لابد أن يبقى في المدينة قوة قادرة على حمايتها من هجوم فئات صغيرة، لو فرض أن أحداً يجرؤ على القيام بشيء من ذلك.

تأويلات وتفاصيل:
وقد ذكروا هنا: بعض التفاصيل التي قد لا تملك من الدقة ما يكفي للاعتماد عليها، فقد قالوا:
أنه «صلى الله عليه وآله» كان في عشرة آلاف. أي باعتبار من لحقه في الطريق من القبائل، كبني أسد، وسليم، ولم يتخلف عنه أحد من المهاجرين والأنصار.
وكان المهاجرون سبع مائة، ومعهم ثلاث مائة فرس.
وكانت الأنصار أربعة آلاف، ومعهم خمس مائة فرس.
وكانت مزينة ألفاً، وفيها مائة فرس ومائة درع.
وكانت أسلم أربع مائة، ومعها ثلاثون فرساً.
وكانت جهينة ثمان مائة، ومعها خمسون فرساً([13]).
وعن ابن عباس: من بني سليم سبع مائة، وقيل: ألف. ومن غفار أربع مائة، ومن أسلم أربع مائة ومن مزينة ألف وثلاث مائة، وسائرهم من قريش والأنصار، وحلفائهم، وطوائف من العرب، من بني تميم، وقيس، وأسد([14]).
ونقول:
إن هذا يثير لدى الباحث أكثر من سؤال. فمتى صار المهاجرون سبع مائة؟
وكيف أصبح الأنصار أربعة آلاف؟ في حين أنه لم يستطع أن يجند منهم ومن المهاجرين وممن حولهم من الأعراب أكثر من ألف وخمس مائة مقاتل إلى ألف وثمان مائة، فراجع: حرب خيبر والحديبية وغيرهما..
إلا إن كان سكان المدينة يتكاثرون كما يتكاثر بعض فصائل الحيوان؟
ولماذا كان من المهاجرين ثلاث مائة فرس، وهم سبع مائة رجل فقط، وكان من الأنصار خمس مائة فرس وهم أربعة آلاف؟
فهل كان المهاجرون أكثر مالاً من الأنصار؟
وكيف حصلوا على هذه الثروات، ولم يحصل الأنصار على مثلها؟! وهم يعيشون في بلد واحد، ويجاهدون عدوهم معهم. مع كون المهاجرين قد قدموا إلى المدينة بدون أموال، حتى تكفل الأنصار بهم، وشاركوهم في أموالهم وبيوتهم؟!
أم أن المهاجرين كانوا مهتمين بأمر الجهاد أكثر من الأنصار؟!
ويلاحظ: أن هذه النسبة من الأفراس مع المهاجرين قد بقيت متفوقة فيهم على جميع الفئات والقبائل الأخرى.. إذ لا مجال للمقايسة بينهم وبين جهينة، التي كانت ثمان مائة، ومعها خمسون فرساً فقط.. وكانت أسلم أربع مائة، ومعها ثلاثون فرساً فقط.. وكانت مزينة ألفاً وفيها مائة فرس فقط..
فما هذا التفاوت بين المهاجرين وكل هذه الفئات؟!
ألا يشير ذلك إلى أن هذه كانت أرقاماً سياسية، وليست واقعية؟!

لا يزال المقصد مجهولاً:
وقالوا: لما نزل رسول الله «صلى الله عليه وآله» العرج، والناس لا يدرون أين توجه «صلى الله عليه وآله»، إلى قريش، أو إلى هوازن، أو إلى ثقيف. فهم يحبون أن يعلموا.
فجلس في أصحابه بالعرج، وهو يتحدث، فقال: كعب بن مالك: آتي رسول الله «صلى الله عليه وآله» فأعلم لكم علم وجهه.
فجاء كعب بن مالك فبرك بين يدي رسول الله «صلى الله عليه وآله» على ركبتيه، ثم قال:
قضـيـنـا من تهـامـة كــل ريـب           وخـيـبر ثـم أحمـيـنــا الـسـيـوفـا
نسائلهـا ولـو نطقـت لقـالـــت           قـواضـبـهـن دوسـا أو  ثـقـيـفــا
فلسـت بحـاضـر إن لم  تـروهــا                 بـسـاحــة داركـم مـنـهـا  ألـوفـا
فـنـنـتـزع الخــيـام بـبـطـن وج           ونـترك دوركـم مـنـهـا خـلـوفـا
فتبسم رسول الله «صلى الله عليه وآله» ولم يزد على ذلك.
فجعل الناس يقولون: والله ما بين لك رسول الله «صلى الله عليه وآله» شيئاً، ما ندري بمن يبدأ بقريش، أو ثقيف، أو هوازن؟!([15]).
وكان عيينة بن حصن في أهله بنجد، فأتاه الخبر: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» يريد وجهاً، وقد تجمعت العرب إليه، فخرج في نفر من قومه حتى قدم المدينة، فوجد أنه «صلى الله عليه وآله» قد خرج قبله بيومين.. فسلك يسأل عن مسيره، فبلغ إلى العرج، ثم وصل النبي «صلى الله عليه وآله» بعده إلى هناك..
فقال عيينة: يا رسول الله، بلغني خروجك، ومن يجتمع إليك، فأقبلت سريعاً ولم أشعر، فأجمع قومي، فيكون لنا جلبة كثيرة. ولست أرى هيأة الحرب، ولا أرى ألوية ولا رايات! فالعمرة تريد؟ فلا أرى هيأة الإحرام! فأين وجهك يا رسول الله؟!
قال: حيث يشاء الله.
وذهب وسار معه. ووجد الأقرع بن حابس بالسقيا في عشرة من قومه. فساروا معه، فلما نزل قديداً عقد الألوية، وجعل الرايات.
فلما رأى عيينة القبائل تأخذ الرايات والألوية عض على أنامله، فقال أبو بكر: علام تندم؟
قال: على قومي ألا يكونوا نفروا مع محمد. فأين يريد محمد يا أبا بكر؟
قال: حيث يشاء الله.
فدخل رسول الله «صلى الله عليه وآله» مكة يومئذٍ بين الأقرع وعيينة([16]).
وذكر الواقدي: أنه لما نزل «صلى الله عليه وآله» قديداً لقيته سليم، وهم تسعمائة على الخيول جميعاً، مع كل رجل منهم رمحه وسلاحه.
ويقال: إنهم ألف([17]).
فقالت سُليم: يا رسول الله، إنك تقصينا، وتستغشُّنا، ونحن أخوالك ـ أم هاشم بن عبد مناف، عاتكة بنت مرة، بن هلال، بن فالح، بن ذكوان، من بني سليم ـ فقدمنا يا رسول الله حتى تنظر كيف بلاؤنا، فإنَّا صُبُرٌ عند الحرب، صُدُقٌ عند اللقاء، فرسان على متون الخيل.
قال: ومعهم لواءان وخمس رايات، والرايات سود.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: سيروا! فجعلهم في مقدمته.
وكان خالد بن الوليد مقدمة النبي «صلى الله عليه وآله» حين لقيته بنو سليم بقديد، حتى نزلوا مر الظهران وبنو سليم معه.
ويقال: إنهم قد طووا ألويتهم وراياتهم، وليس معهم لواء ولا راية معقودة.
فقالوا: يا رسول الله، اعقد لنا وضع رايتنا حيث رأيت.
فقال: يحمل رايتكم اليوم من كان يحملها في الجاهلية!
ونادى عيينة بن حصن، فقال: أنا عُيَيْنة، هذه بنو سُلَيْم قد حضرت بما ترى من العدّة والعَدَد والسّلاح، وإنّهم لأحلاس الخيل، ورجال الحرب، ورماة الحدق.
فقال العباس بن مَرْدَاس: أقصر أيها الرجل، فوالله إنك لتعلم أنّا أفرس على متون الخيل، وأطعن بالقنا، وأضرب بالمشرفية منك ومن قومك، فقال عُيَيْنة : كذبتَ ولؤمتَ، نحن أولى بما ذكر منك، قد عرفته لنا العرب قاطبة.
فأومأ إليهما النبي «صلى الله عليه وآله» بيده حتى سكتا .
ونقول:
إن علينا أن نشير هنا إلى الأمور التالية:

توضيح عن المقدمة:
قد يُتَوَهَّم: أن النص المتقدم قد ذكر أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد جعل بني سُليم في مقدمته، مع أنهم يقولون: إن الذي كان على المقدمة إلى أن دخل النبي «صلى الله عليه وآله» مكة هو خالد بن الوليد، وهذا لا يتلاءم مع ذاك.
ويزول هذا التوهم بالكامل في النص المذكور آنفاً، حيث قال: إنه «صلى الله عليه وآله» قد جعل بني سليم في مقدمته، أي أنه قد ضمهم إلى الرجال الذين كانوا بقيادة خالد، فصار خالد أميراً على المجموع، وبما أنه كان لكل قبيلة حامل لوائها، فقد حمله عيينة بن حصن.

إلى أين يا رسول الله؟!:
إن الإنسان مهما كان دينه، وأيَّاً كانت ميوله لَيَقف خاشعاً أمام عظمة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ومبهوراً وعاجزاً عن إدراك دقة تدبيره، مذعناً لصوابية كل حركة وكل سكون، وكل لفتة، وإشارة و.. و..
وبديهي: أن الناس إذا أدركوا أن ثمة حرصاً على إخفاء شيء، فإنهم يجهدون لاستكناه حقيقته، والوقوف على واقعه، واستشراف دقائقه وتفاصيله.
فإذا كانت ألوف من الناس تلاحق هذا الأمر، وتبحث عنه، وتريد كشفه، والوقوف على كنهه بكل حرص واندفاع.
وإذا كان هذا الأمر يعنيهم كلهم أفراداً وجماعات.
وإذا كان يفترض فيهم هم أن يشاركوا في صنع نفس هذا الحدث..
وإذا كانت قد بدأت بعض التسريبات تظهر منذ اللحظة الأولى التي تفوَّه الرسول «صلى الله عليه وآله» فيها بأنه يريد سفراً، حيث قال لعائشة: «جهزينا، وأخفي أمرك».
ثم جرى بين عائشة وأبيها، ثم بين أبي بكر ورسول الله «صلى الله عليه وآله» ما قدمناه فيما سبق.
وإذا كانت هذه التسريبات قد دعت النبي بَدْأً إلى التحفظ على مسالك المدينة في سهولها وجبالها، ووضع الحرس عليها، وضبطها.
وإذا كانت الاحتمالات والتكهنات بدأت تؤتي ثمارها على شكل رسائل تحذير لقريش، حيث تجلى ذلك في قصة حاطب بن أبي بلتعة.
وإذا كانت قصة حاطب قد انتهت على ذلك النحو المثير لكل الناس الذين حضروا وشاهدوا أو سمعوا بما جرى، حيث نودي بالناس: «الصلاة جامعة»، فاجتمعوا في المسجد، ثم كان ما كان..
وإذا كان عشرة آلاف مقاتل قد بدأوا يتحركون باتجاه المقصد..
وإذا كانوا قد ساروا أياماً وليالي عديدة نحوه..
فإننا لابد أن نتوقع: أن الأمور قد اتضحت لكل أحد، وأسفر الصبح لذي عينين..
ولكن المفاجأة الهائلة والعظيمة هي: أن تسير هذه الألوف المؤلفة على هيأتها ووفق ما هو مرسوم في تدبير الجيوش، وفي كيفية سيرها نحو العدو، حيث الطلائع تقدم، تبث الأرصاد.. وتؤخذ عيون العدو، ويستفاد من المعلومات التي لديها، ثم يحتفظ بهم للوقت المناسب..
إن المفاجأة هي: أن هذا الجيش يسير باتجاه مقصده، ويصل إلى قديد (وهي قرية جامعة قريب مكة)([18])، ولا يزال يجهل الجهة التي يقصدها، والفئة التي سيناجزها القتال.
رغم أن محاولات بذلت في السقيا لاستنطاق رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولكنها تبوء بالفشل..
فهل يمكن أن نضع هذا الإنجاز في مجال الاستطلاع والحفاظ على السرية إلا في عداد المعجزات، وخوارق العادات، التي لا يقدر عليها إلا نبي، أو وصي نبي؟!
لا بد من جواب:
ويبقى أن نشير إلى أن كل هذا الذي ذكرناه لا يعفينا من الإجابة على سؤال: كيف لنا أن نتصور جمعاً يزيد على عشرة آلاف مقاتل، يجتمعون من مختلف البلاد والقبائل، ويسيرون أياماً وليالي إلى أن يصلوا إلى قديد، ثم لا يعرفون مقصدهم، ويستمر جهلهم بوجهة سيرهم، وبحقيقة العدو الذي يقصدونه..
ويمكن أن نجيب على ذلك: بأن بعض النصوص المتقدمة قد صرحت: بأن الناس كانوا متحيرين بين ثلاثة احتمالات، هي: مكة، وثقيف، وهوازن.
وهذه الخيارات كلها تحتاج لمثل هذا الجمع العظيم من المقاتلين. كما أنها كلها تقع في منطقة واحدة، وفي أمكنة متقاربة، والطريق من المدينة إليها هي نفس هذه الطريق التي سلكها «صلى الله عليه وآله» إلى قديد. وإنما تتميز الطرقات إلى تلك المناطق بدءاً من سرف، التي كانت تبعد عن مكة أميالاً يسيرة([19]).
وربما يكون من أسباب تعزيز احتمال أن يكون القصد إلى هوازن، وصرف نظر الناس عن مكة: أنه «صلى الله عليه وآله» قد أخذ عيناً لهوازن، فأقر له أنهم يجمعون الجموع لحربه؛ فيأمر خالداً بحبس ذلك العين، خوفاً من أن يذهب ويحذِّر الناس([20]).

حيث يشاء الله:
وقد أظهرت قضية كعب بن مالك، وتوسله بالشعر في محاولة معرفة الوجه الذي يريده النبي«صلى الله عليه وآله» في سفره ذاك أظهرت مدى اهتمام الناس بمعرفة هذا الأمر.. رغم أن كعباً لم يفلح في استخراج السر من النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله».
والذي زاد في حيرتهم: أنه «صلى الله عليه وآله» لم يخرج بهذه الألوف على هيئة الحرب، فهو لم يعقد ألوية، ولا رفع رايات، ولا رتب هذا الجيش العرمرم ترتيباً قتالياً..
ولكنه كان يرسل الطلائع.. ويأخذ رصد هوازن الذي وجده في طريقه، ويستجوبه، ثم يأمر بحبسه، ولا يتركه يرجع إلى من وراءه لينذرهم به..
ومن جهة ثانية: فإنه «صلى الله عليه وآله» لم يخرج على هيئة من يريد العمرة، فلم يحرم ولم يسق البدن كما فعل في الحديبية، وعمرة القضاء..
وهذا معناه: أنه لا يقصد مكة في مسيره ذاك..
ويسأله عيينة بن حصن عن مقصده في مسيره، ويصرح له بحيرته في الأمر، فيجيبه «صلى الله عليه وآله» بقوله: حيث يشاء الله.
بل إنه «صلى الله عليه وآله» حتى حين بلغ قديداً، وعقد الرايات والألوية، وعرف عيينة وغيره أن المهمة قتالية، وليست شيئاً آخر.. قد أبقاه في حيرة من أمره، فسأل أبا بكر: فأين يريد محمد يا أبا بكر؟!.
قال: حيث يشاء الله([21]).
وهي إجابة واقعية، إذ لم يكن المسؤول بأعلم من السائل، فإن أبا بكر أيضاً لم يكن يعلم بمقصد رسول الله «صلى الله عليه وآله».. ولعل الناس قد بقوا على ترددهم حتى وصلوا إلى مر الظهران، وأخذوا أبا سفيان ومن معه.

إستنفار العرب:
قد ذكرنا فيما سبق: أن الظاهر هو: أنه «صلى الله عليه وآله» قد استنفر العرب إلى مكة، مسلمهم وكافرهم..
وقد يمكن الإستشهاد على ذلك بالنص المتقدم الذي يقول: إن عيينة بن حصن قد سمع ـ وهو بنجد ـ : أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» يريد وجهاً، وقد تجمعت العرب إليه..
فعبارة تجمعت العرب إليه، يشير إلى أن هذا التجمع قد شمل المسلم وغيره.
ولعل استنفار النبي «صلى الله عليه وآله» للعرب قد أفهمهم: أن ثمة أمراً خطيراً لابد لهم من مواجهته، كذلك الذي جرى في غزوة مؤتة..
وقد أشرنا إلى ذلك فيما سبق.
وربما يكون مجيء عيينة بن حصن بمجرد سماعه بالأمر شاهداً آخر على ذلك..

سُليم تريد الحظوة عند النبي :
وقد ظهر من كلام بني سليم: أنهم كانوا يسعون لتكون لهم الحظوة عند النبي «صلى الله عليه وآله»، ويريدون الفوز بثقته من خلال أفعالهم ومواقفهم المؤثرة التي تشهد لهم بصحة ما يدَّعونه.
وقد صرحوا في كلامهم: بأن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يستغشهم ويقصيهم، رغم أنهم أخواله، بسبب عاتكة بنت مرة، فإنها أم هاشم بن عبد مناف..
ولا يمكن الأخذ بظاهر كلامهم هذا إلا بتقدير: أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد رأى في تصرفات بني سُليم غشاً يوجب الإقصاء والحذر، فإن هذا هو مقتضى الحزم.
كما أنه لا بد من ملاحظة: أن هذا الإقصاء لم يتخذ أسلوب التنفير، المؤسس للكره، وللعقدة، بل كان إقصاءً يدعوهم إلى مراجعة حساباتهم، ويزيد من رغبتهم في إصلاح أمرهم معه «صلى الله عليه وآله». حتى إنهم لينفرون إليه حين يستنفر العرب، وهم مصممون على أن يزيلوا هذه الصبغة عن أنفسهم، بأفعالهم قبل أقوالهم..
وقد أفسح لهم النبي «صلى الله عليه وآله» المجال للوفاء بتعهداتهم، حيث جعلهم مقدمة له.. كما صرحت به الرواية.
وقد أظهروا بعضاً من الأدب مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» حين طووا ألويتهم، وطلبوا منه «صلى الله عليه وآله» أن يعقدها لهم، وأن يضعها حيث يشاء..
فجعل عليهم عيينة بن حصن كما تقدم..

نخوة الجاهلية:

ولكن نخوة الجاهلية قد تحركت لدى عيينة والعباس بن مرداس حيث افتخر عيينة ببني سُليم الذين فاز عيينة بتأمير رسول الله «صلى الله عليه وآله» له عليهم، فلم يرق ذلك لعباس بن مرداس، فافتخر بقومه، وفضَّلهم على بني سليم..
فقال له عيينة: كذبت ولؤمت.
إلى أن تقول الرواية: فأومأ لهما النبي«صلى الله عليه وآله» حتى سكتا..
فهذا الحدث يدل على أن هؤلاء الناس رغم أنهم قادة ورؤساء في قومهم، لم يكونوا يملكون الشيء الكثير من أدب الخطاب، أو من تقدير الأمور، فهم لم يراعوا الأدب في محضر رسول الله «صلى الله عليه وآله»، حتى بلغ الأمر بهم إلى التفوه بالشتائم.. دون أي مبرر معقول أو مقبول لكل ما جرى.
فلم يكن هناك مبرر لتفضيل عباس بن مرداس قومه على بني سليم، ، فإن عيينة وإن كان قد مدح قومه، ولكنه لم يفضلهم على أحد..
كما أنه لم يكن يجوز لعيينة أن يشتم عباساً بحضرة رسول الله، تأدباً مع الرسول «صلى الله عليه وآله»، وتسليماً لأمره..
ولعل هذه الهفوات الصادرة من كلا الرجلين، كانت كافية لأمرهما بالسكوت، دون توجيه اللوم إلى أحد بعينه، فإن الخطأ قد صدر منهما معاً، وعليهما معاً أن يراجعا حساباتهما، ليجدا أنهما على غير سبيل هدى.

بِيض النساء وأُدُم الإبل في بني مدلج:

وروى محمد بن عمر، عن يزيد بن أسلم، وأبي الحويرث: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لما انتهى إلى قديد، قيل له: يا رسول الله، هل لك في بيض النساء، وأدم الإبل، بني مدلج؟!
فقال «صلى الله عليه وآله»: «إن الله عز وجل حرَّمهن علي بصلة الرحم».
وفي لفظ: «ببر الوالد، ووكزهم في لبات الإبل»([22]).
ونقول:
إن هذا الذي أشار إليه النص آنفاً، لهو أمر في غاية الأهمية فيما يرتبط بسياسة الإسلام ومفاهيمه، فقد عُرِضَ عليه «صلى الله عليه وآله» أن يهاجم بني مدلج، تحت وطأة إغراء قوي في اتجاهين:
أحدهما: إغراء الجنس، ففي بني مدلج بيض النساء.
والآخر: إغراء المال، لأن لدى بني مدلج أُدُم الإبل.
ولكن رسول الله «صلى الله عليه وآله» رفض ذلك، ولم يكن رفضاً مبهماً، ومن دون توضيح، بل هو رفض معلل، يعطي قاعدة هامة فيما يرتبط بسياسة الإسلام تجاه الآخرين.
حيث قرر أن التشريع الإسلامي لا يبيح مهاجمة الآخرين بصورة عشوائية، وبلا ضابطة. بل ذلك له منطلقات وضوابط أحكامية لا تجوز مخالفتها، ومن يفعل ذلك يعرض نفسه للعقوبة الإلهية.
وهذه القاعدة هي: أن لأعمال العباد تأثيراً في اتخاذ أي موقف منهم.. فلا تجوز مهاجمة بني مدلج، حتى لو كانوا على الشرك، وفي حالة عداء للمسلمين، لأن فيهم خصالاً تمنع من ذلك، ذكرت الروايات منها:
أولاً: أنهم يصلون رحمهم ويبرون آباءهم..
الثاني: أنهم لا يقتلون الإبل كيفما اتفق، من أجل الاستفادة من لحمها، وإنما ينحرونها بالطريقة الصحيحة، وفق أحكام الشرائع التي بلغتهم، أي بالوكز في لباتها..
وبعدما تقدم نقول:
1 ـ إنك تجد لمحة من الرقة، والرفق، والرحمة، والشعور الإنساني ظاهرة في كلا هذين الأمرين.. وقد جاء الحكم الناشئ عن ذلك بعدم جواز مهاجمة هذا النوع من الناس منسجماً مع خصوصية الرحمة والرقة والرفق.. ومع ضرورة حفظ الإنسانية، وتنميتها، وإفساح المجال لها لتؤثر في مسار الحياة..
2 ـ ونحن في غنى عن التذكير: بأن للعمل الصالح والملائم لمرتكزات الخلق والتكوين آثاراً وضعية، وأخرى أحكامية في هذه الدنيا كما أظهرته هذه القضية نفسها، بل ربما تؤسس هذه الأعمال لحدوث تغيرات جذرية في حالات النفس، وفي إدراكاتها، وتعطيها جرعة من الواقعية، تتمكن من خلالها من بلوغ الحق، ومن الانصياع والبخوع له، الأمر الذي لا يتوفر للنفوس الأخرى، التي عزفت عن السير في هذا الاتجاه، ولم تتقبل هذه التوفيقات، وانتهى الأمر بها إلى أن تسير في طريق الجحود والإنكار، عن سابق علم وتصميم وإصرار.
3 ـ وفي سياق آخر: لا بد لنا من التوقف قليلاً عند هذا التوجيه التربوي النبوي لأهل الإيمان، الهادف إلى دفعهم نحو الالتزام بمبدأ الرحمة والرقة والرأفة، وصلة الرحم، والبر بالوالدين، والالتزام بأحكام الشرائع، ليكون ذلك أساساً أخلاقياً وعملياً لنظرتهم للآخر، وللتعامل معه..
4 ـ يضاف إلى ذلك: أن من الطبيعي أن تنتاب أولئك الذين عرضوا على النبي «صلى الله عليه وآله» الفوز ببيض النساء، وأدم الإبل، صحوة تجعلهم يقارنون بين ما عرضوه عليه «صلى الله عليه وآله»، وبين ما أجابهم به، لكي يكتشفوا ما يصح أن يكون معياراً للحرب والسلم، والإقدام، والإحجام تجاه الذين يدينون بغير دين الإسلام، ويضعون أنفسهم في مواضع المناوئ له..
5 ـ وقد أظهرت هذه الحادثة: أن ثمة أموراً يحسبها الإنسان ثانوية، وغير ذات قيمة، في حين أنها قد تصبح الأساس الذي يرتكز عليه أخطر قرار، وأهم موقف يرتبط بالمصير، وبالحياة كلها..
وقد تجلى ذلك في التزام بني مدلج الوكز في لبات الإبل، وفقاً لما قررته الشرائع في كيفية نحرها.

الرفق بالحيوان.. مسؤولية شرعية:

ولما سار رسول الله «صلى الله عليه وآله» عن العرج ـ وكان فيما بين العرج والطلوب ـ نظر إلى كلبة تهر عن أولادها، وهن حولها يرضعنها، فأمر جميل (والصحيح: جعيل)([23]) بن سراقة: أن يقوم حذاءها، لا يعرض لها أحد من الجيش، ولا لأولادها([24]).
ونقول:
قد تحدثنا في جزء سابق من هذا الكتاب عن بعض ما يتصل بموضوع الرفق بالحيوان، وصدر لنا كتاب بعنوان: «حقوق الحيوان في الإسلام» ويمكننا أن نكتفي بما ذكرناه هناك عن إعادة الكلام عن ذلك هنا..
غير أننا نود أن نذكر القارئ الكريم بما يلي:
1 ـ إن علينا أن نرصد مشاعر هذا الجيش العرمرم، الذي اختلطت فيه الفئات، والثقافات، والقبائل. وفيهم الحاضر والبادي، والجاهل والعالم، والكبير والصغير، والغني والفقير، والرئيس والمرؤوس و.. و.. الخ.. وقد عاش هؤلاء ولا يزال كثير منهم يعيش حياة جاهلية بكل مفاهيمها، وحالاتها، وعاداتها، وبكل ما فيها من مآسٍ، وكوارث، وقد تربوا على استحلال السلب والنهب، والغارة، وقتل الرجال، وسحق الضعفاء من الرجال، والنساء، والأطفال.
وها هم، وهم الجناة الجفاة القساة، يواجهون قراراً حاسماً وحازماً لا بالتجاوز وإطلاق سراح البشر، بل بمراعاة حال البهائم، وحراستها من أن ينالها أي سوء أو أذى، أو حتى مجرد تكدير لصفاء أجوائها.
2 ـ إن هذا الذي جرى لا بد من أن يفهمهم أيضاً: أن ثمة أموراً يحسبها الإنسان صغيرة في حين أنها قد تكون على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة..
3 ـ إن هذا الذي يرونه يتجاوز موضوع الرحمة، والرفق بالحيوان، ليكون دليلاً على ثبوت حق، وأن ثمة مسؤولية تجاه هذه المخلوقات.. وفقاً للحديث الشريف الذي يقول: «إنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم»([25]).
4 ـ إن على هؤلاء الناس الذين رأوا هذا الموقف أن يعودوا إلى أنفسهم، ليقارنوا بين قسوتهم على البشر، حتى الضعفاء، وبين الرحمة والرقة والمسؤولية التي أظهرها رسول الله «صلى الله عليه وآله» على الحيوان، لتكون الرحمة هي الأساس الذي لا بد من أن يبنوا عليه علاقاتهم بالحيوان..
وإذا كانت علاقاتهم بالحيوان لا بد من أن تصل إلى هذا الحد، فما بالك بعلاقاتهم ببني الإنسان.
5 ـ لقد كان بإمكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يوقف الجيش، ثم يطلب إقصاء تلك الكلبة عن ذلك المكان، ليمر الجيش وتكون هي وأولادها منه في مأمن وسلام..
ولكنه لم يفعل ذلك، لأن الذين سوف يعرفون سبب إيقاف الجيش، ويعاينون مبرراته عن قرب سيكونون قلة قليلة من الناس، وهو يريد إشاعة هذه السياسة، وتعريف أكبر قدر ممكن من الناس بها، فكان أن وضع لها حارساً يرشد الجيش إلى لزوم الابتعاد عنها، ولو باختيار مسار آخر.. ربما لأن إبعادها عن الطريق ليس بأولى من الابتعاد عن طريقها، وكلا الأمرين يرجعان إلى اختيار السالكين، ولا تكون حقوقها مرهونة بإرادات الناس، بل لا بد لإراداتهم من أن تنطلق وتتبلور على أساس المفروغية عن ثبوت تلك الحقوق ومراعاتها..
6 ـ لا بد لذلك الجيش من أن يدرك أن انشغال القائد بالقضايا الكبرى لا يبرر له تضييع ما عداها، ما لم يضر الاهتمام بها بالقضية الكبرى، إذ إن الأمر الصغير كبير في حد ذاته وفي موقعه، ولا يغني عنه سواه، ولا يصح التخلي عنه إلا إذا تصادم مع ما هو أكبر وأخطر، بحيث يشكل خطورة عليه، كما هو ظاهر.

صيام النبي في السفر:

وروي بسند صحيح عن أبي هريرة قال: «رأيت رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالعرج يصب الماء على رأسه من الحر وهو صائم»([26]).
وعن جابر، عن ابن عباس: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» خرج من المدينة في غزوة الفتح في شهر رمضان يصوم ويصومون، حتى بلغ الكديد([27])، بين عسفان وقديد([28]).
(وفي رواية: بين عسفان وأمج([29]). وفي حديث جابر: كراع الغميم([30]))، بلغه أن الناس شق عليهم الصيام، وقيل له: إنما ينظرون فيما فعلت.
فلما استوى على راحلته بعد العصر دعا بإناء من لبن، أو ماء، وجزم جابر بأنه ماء، وكذا ابن عباس([31]).
وفي رواية: فوضعه على راحلته ليراه الناس، فشرب فأفطر، فناوله رجلاً إلى جنبه، فشرب فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس صام، فقال: «أولئك العصاة ، أولئك العصاة»، فلم يزل مفطراً حتى انسلخ الشهر([32]).
وعن أبي سعيد الخدرى قال: سافرنا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» ونحن صيام، فنزلنا منزلاً، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم».
وكانت رخصة، فمنا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلاً آخر، فقال: «إنكم مصبحو عدوكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا».
فكانت عزيمة، فأفطرنا([33]).

أين أفطر رسول الله ؟!:

وقد اختلفوا في الموضع الذي أفطر فيه رسول الله «صلى الله عليه وآله» هل هو قديد؟ أو كديد؟ أو كراع الغميم؟ أو عسفان؟([34]).
قال الصالحي الشامي وغيره: «يجوز أن يكون قد وقع منه «صلى الله عليه وآله» الفعل في المواضع الأربعة، والفطر في موضع منها، لكن لم يره جميع الناس فيه لكثرتهم، وكرره ليتساوى الناس في رؤية الفعل الخ..»([35]).
وقال الحلبي: «لا منافاة لتقارب الأمكنة»([36]).
ونقول:
إن تقارب الأمكنة لا يجدي شيئاً، فإنه إذا كان الفعل قد وقع منه «صلى الله عليه وآله» في كراع الغميم، فلماذا عدل الناقل عنها إلى عسفان، أو قديد، أو كديد؟
وإذا كان قد حصل ذلك في عسفان، فلماذا يذكر الراوي كراع الغميم، أو قديداً؟!
وأما ما ذكروه من احتمال تكرر الفعل منه «صلى الله عليه وآله» ليراه الناس، فيحتاج إلى شاهد وقرينة تدل على هذا التعدد.
على أن ظاهر الروايات هو: أنها تتحدث عن فعل واحد صدر منه «صلى الله عليه وآله» بما له من خصوصيات وتفاصيل ..

حديث الصيام باطل من أصله:

ونظن أننا لن نفاجىء القارىء الكريم إذا قلنا: إن هذا الذي ذكروه عن أمر الصيام والإفطار باطل من أساسه، فلاحظ ما يلي:
1 ـ إن المسافة التي توجب القصر في مدرسة أهل البيت «عليهم السلام» هي ثمانية فراسخ إمتدادية، أو ملفقة من الذهاب والإياب.
والفرسخ: ثلاثة أميال.
والمسافة بين المدينة والأماكن التي يُدَّعى أنه «صلى الله عليه وآله» قد أفطر فيها، هي أضعاف المقدار الذي يجب فيه القصر، وفق ما عليه أهل البيت «عليهم السلام»، وأهل البيت أدرى بما فيه، وهم سفينة النجاة، والثقل الذي أمر الله تعالى بالتمسك به مع القرآن..
2 ـ والمسافة الموجبة للقصر عند أهل السنة: المالكية، والحنابلة، والشوافع، هي: مسيرة يوم وليلة، وقدروها بستة عشر فرسخاً، التي هي حوالي اثنين وثمانين كيلو متراً أي ثمانية وأربعون ميلاً.
وعند الحنفية هي: مسيرة ثلاثة أيام من أقصر أيام السنة بدأً من الصباح إلى الزوال فقط.
وقدرها بعضهم: بأربعة وعشرين فرسخاً([37]).
والمسافة بين المدينة والمواضع التي زعموا أن النبي «صلى الله عليه وآله» أفطر فيها : هي أضعاف هذه المسافة..
3 ـ تقدم أن الحلبي يقول: إن هذه المواضع المذكورة في الروايات متقاربة بحيث يصح ذكر بعضها مكان بعض.
وقد قلنا: إن ذلك لا يصح، إذ لا نجد مبرراً لترك اسم الموضع الأصلي، وذكر اسم الموضع المجاور له.
ولكننا نقول:
إن عسفان تبعد عن مكة ستة وثلاثين ميلاً فقط([38]).. فهي على مسافة يومين من مكة([39]).
وكديد: تبعد عن مكة اثنين وأربعين ميلاً([40]).
وكراع الغميم: أمام عسفان بثمانية أميال([41]).
وقد صرح أبو هريرة: بأنه «صلى الله عليه وآله» كان بالعرج لا يزال صائماً، وهي تبعد عن المدينة ثمانية وسبعين ميلاً([42]).
وقديد: موضع قرب مكة([43])، وبينها وبين ضجنان يوم([44]).
وضجنان: على بعد خمسة وعشرين ميلاً من مكة([45]).
وقيل: على بعد بريد منها([46]).
وهذا معناه: أن ثمة مسافات طويلة فيما بين هذه الأمكنة، قد تصل إلى عشرة أو خمسة عشر كيلومتراً..
علماً بأن هذه الأماكن التي تتحدث الروايات عنها تبعد عن المدينة مئات الكيلومترات، كما يظهر من ملاحظة ما ذكرناه..
أي أن عسفان تبعد عن المدينة حوالي ثماني مراحل. أي بما يزيد عن ثلاث مائة كيلومتر، وكذلك الحال بالنسبة لكديد، فضلاً عن كراع الغميم، وقديد.
فإذا لاحظنا النصوص في المصادر المختلفة، فسنجد: أن القادم من المدينة إلى مكة يمر بالعرج، ثم بالجحفة، ثم بكديد، ثم بعسفان.
والجحفة أقرب إلى مكة منها إلى المدينة، فإنها تبعد عن مكة أربع مراحل ونصفاً([47])، وتبعد عن المدينة خمس مراحل وثلثي مرحلة([48]).
والمرحلة هي في الحقيقة: مسيرة يوم([49]).
وبعد عسفان تأتي كراع الغميم، ثم أمج.. وتأتي أخيراً قديداً، وضجبان.
وذلك كله يوضح لنا: أن كديداً وعسفان، وكراع الغميم، وقديد، تبعد عن المدينة أضعاف المسافة التي توجب الإفطار وقصر الصلاة، وذلك ظاهر لا يخفى.
والأخذ بهذه الروايات يقتضي طرح جميع الروايات الأخرى التي اعتمد عليها فقهاء المذاهب الأربعة فيما يرتبط بتقدير المسافة التي توجب الفطر والقصر، فضلاً عن مخالفتها لما يقوله أهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين..

حديث شق عليهم الصوم:

وعن الحديث الذي يقول: إنه «صلى الله عليه وآله» إنما أفطر حين بلغه أن الصوم شق على الناس، نقول:
إننا نضيف إلى ما قدمناه ما يلي:
أولاً: إن فطره «صلى الله عليه وآله» لأجل التخفيف على الناس غير مقبول؛ لأن الصوم إن كان مفروضاً وواجباً، فلا يصح إفطار من لا يشق عليه الصوم لإغراء من شق عليه بالإفطار.
بل الواجب هو: إرشادهم إلى أن من بلغ مقدار المشقة عليه حداً يقتضي الإفطار، فعليه أن يفطر، ومن لم تبلغ به المشقة هذا الحد، لم يجز له الإفطار..
وإن كان الصوم ليس واجباً عليهم، فلا معنى لإناطة الإفطار بالمشقة..
والمفروض: أنه «صلى الله عليه وآله» لم يكن الصوم شاقاً عليه، فكيف جاز له أن يفطر؟!
ثانياً: إن حديث مشقة الصوم لا ينسجم مع الحديث الآخر، الذي تحدث عن الرخصة تارة، والعزيمة أخرى.. لأن هذا الحديث يدل على أن السبب في أمره «صلى الله عليه وآله» لهم بالإفطار هو: أنه يريد أن يجد فيهم المزيد من القوة في مواجهة عدوهم.
إلا أن يقال: إن هذه الرواية لم تصرح بأن ذلك كان في غزوة الفتح.
وليس فيها أيضاً: أن صيامهم كان في شهر رمضان..
فلعلها قصة أخرى، غير هذه..
لا سيما وأنه لم تكن هناك حرب حقيقية في غزوة الفتح.
ثالثاً: إن اعتبار الذين صاموا عصاةً، يتوقف على أن يكون الصوم واجباً عليهم، فوجوب الإفطار يدور بين احتمالات:
الأول: أن تكون المسافة التي قطعت من موجبات الإفطار.
وقد تقدم بطلان هذا الاحتمال.
الثاني: أن يكون الصوم واجباً، لكن المشقة هي التي حتمت إفطارهم.
الثالث: أن يكون النبي «صلى الله عليه وآله» قد حتَّم عليهم الإفطار من موقع كونه أولى بهم من أنفسهم، لكي تظهر قوتهم للأعداء، التي هي بنظره أهم من مصلحة الصوم. فهم قد خالفوا أمره الولائي، ولم يخالفوا أمر الله تعالى لهم في صيام شهر رمضان المبارك.
الرابع: أن يكون وجوب الصوم قد كان بنذر ونحوه، وقد حل النبي «صلى الله عليه وآله» نذرهم، من حيث إنه أولى بهم من أنفسهم..
وكل هذا بعيد.. والإعتماد على احتمالات كهذه غير سديد ولا رشيد.



([1]) البحار ج21 ص127 عن إعلام الورى (ط مؤسسة أهل البيت لإحياء التراث) ج1 ص218 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص58.
([2]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص212 عن أحمد والطبراني، عن ابن عباس. والسيرة الحلبية ج3 ص76 ومجمع الزوائد ج6 ص164 وصححه، والبحار ج21 ص102 ومجمع البيان ج10 ص555 وتاريخ الخميس ج2 ص79 والمعجم الكبير للطبراني ج8 ص9 وج19 ص182 والدرر لابن عبد البر ص214 وتفسير البغوي ج4ص538 والثقات لابن حبان ج2 ص42 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص328 والتنبيه والإشراف للمسعودي ص231 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص527 والبداية والنهاية ج4 ص325 و 326 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص539 و 540 وعيون الأثر ج2 ص185 ومسند أحمد ج1 ص226 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص859 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص539.
([3]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص212 عن ابن سعد والبلاذري، وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص79 وعيون الأثر ج2 ص185 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص135 والمسترشد للطبري ص128 والطرائف لابن طاووس ص233 والبحار ج28 ص169.
([4]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص212 والسيرة الحلبية ج3 ص77 و (ط دار المعرفة) ص15والمغازي للواقدي ج2 ص801 وتاريخ الخميس ج2 ص79 وإمتاع الأسماع ج1 ص355 وج13 ص374 والمصنف للصنعاني ج2 ص569 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص135.
([5]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص212 والسيرة الحلبية ج3 ص77 و (ط دار المعرفة) ص7 والمغازي للواقدي ج2 ص801 وتاريخ الخميس ج2 ص79 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص267 وإمتاع الأسماع ج1 ص354.
([6]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص212 والمغازي للواقدي ج2 ص801 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص267 وإمتاع الأسماع ج13 ص374.
([7]) قديد: موضع قرب مكة. مراصد الإطلاع ج3 ص1070.
([8]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص212 والمغازي للواقدي ج2 ص804 ـ 806 و 801 الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص135 وإمتاع الأسماع ج8 ص385 وأعيان الشيعة ج1 ص275.
([9]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص65 و 214 و 256 وقال: رواه البخاري في صحيحه عن عروة، وإسحاق بن راهويه، من طريق آخر بسند صحيح عن ابن عباس. والسيرة الحلبية ج3 ص76 ومجمع البيان ج10 ص555 والبحار ج21 ص102 و 118 و 127 و 128 عن الخرايج والجرايح، وإعلام الورى، والمغازي للواقدي ج2 ص801 و 815 و 822 وتاريخ الخميس ج2 ص80 و 89. وراجع: الطبقات الكبرى ج2 ص139 والتنبيه والإشراف للمسعودي ص231 والكامل في التاريخ ج2 ص244 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص535 والبداية والنهاية ج4 ص325 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص787 وج4 ص859 وأعيان الشيعة ج1 ص275 والعبر وتاريخ المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص42 والكامل لابن عدي ج1 ص272 ولسان الميزان ج1 ص115 وعيون الأثر ج2 ص185 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص324 و 539 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص328 والخرائج والجرائح ج1 ص162 والبحار ج21 ص102 و 118 والنص والإجتهاد ص183 ومسند أحمد ج1 ص226 والمستدرك للحاكم ج3 ص43 ومجمع الزوائد ج6 ص164 و 165 وفتح الباري ج7 ص340 وشرح معاني الآثار ج3 ص320 والمعجم الكبير للطبراني ج8 ص10 والدرر لابن عبد البر ص214 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص259 وفيض القدير ج3 ص632  وتفسير مجمع البيان ج5 ص34 وج10 ص470 وتفسير نور الثقلين ج5 ص693 وتفسير الميزان ج9 ص231 وج18 ص253 وج20 ص380 وتفسـير البغـوي ج1 ص290 والمحـرر = = الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج3 ص19 وج5 ص138 وتفسير القرطبي ج16 ص261 وتفسير البحر المحيط ج5 ص25 وتفسير الثعالبي ج3 ص172 وج5 ص260 وتفسير الآلوسي ج26 ص84
([10]) مجمع البيان ج10 ص555 و (ط مؤسسة الأعلمي) ص470 والبحار ج21 ص102 و 127 وتفسير نور الثقلين ج5 ص693 وتفسير الميزان ج20 ص380 وتاريخ الخميس ج2 ص80 وعن مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب، وعن إعلام الورى ج1 ص219 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص107 وراجع: تفسير البغوي ج4 ص538.
([11]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص266 عن عروة، والزهري، وابن عقبة، والسيرة الحلبية ج3 ص76 وتفسير البحر المحيط ج2 ص437 والسيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج4 ص891 وج5 ص107 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص615 وعيون الأثر ج2 ص215 والكامل في التاريخ ج2 ص262 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص347.
([12]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص266 وتفسير الآلوسي ج30 ص256.
([13]) السيرة الحلبية ج3 ص76 و (ط دار المعرفة) ص13 والمغازي للواقدي ج2 ص800 وإمتاع الأسماع ج1 ص354 وأعيان الشيعة ج1 ص275.
([14]) تاريخ الخميس ج2 ص89 عن شفا الغرام، وراجع: تفسير الثعالبي ج10 ص319 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص340 والكامل في التاريخ ج2 ص244 والبداية والنهاية ج4 ص354 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص877 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص587.
([15]) المغازي للواقدي ج2 ص802 وإمتاع الأسماع ج13 ص375.
([16]) المغازي للواقدي ج2 ص803 و 804.
([17]) راجع: إمتاع الأسماع ج1 ص358.
([18]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص281 ومعجم البلدان ج4 ص313 وراجـع: عمدة = = القاري ج9 ص287 ج17 ص276 وتحفة الأحوذي ج8 ص242 وعون المعبود ج10 ص144 وتنوير الحوالك ص342 وفتح الباري ج3 ص399.
([19]) المغازي للواقدي ج2 ص805 ومجمع البحرين ج2 ص365 ومعجم ما استعجم ج3 ص957 وعمدة القاري ج14 ص291 وشرح إحقاق الحق ج32 ص441 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص558 وسبل الهدى والرشاد ج8 ص492 والنهاية في غريب الحديث ج2 ص362 ولسان العرب ج9 ص150.
([20]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص212 والمغازي للواقدي ج2 ص805 وإمتاع الأسماع للمقريزي ج1 ص356 وج9 ص234.
([21]) المغازي للواقدي ج2 ص 804.
([22]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص213 والمغازي للواقدي ج2 ص803 وإمتاع الأسماع ج1 ص355 وج13 ص375.
([23]) سبل الهدى والرشاد ج7 ص29 والمغازي للواقدي ج2 ص804 وإمتاع الأسماع ج1 ص356 وج2 ص225.
([24]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص212 وج7 ص29 والمغازي للواقدي ج2 ص804 وإمتاع الأسماع ج1 ص356 وج2 ص225.
([25]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج2 ص80 والبحار ج22 ص9 و 41 وج65 ص290 والكامل في التاريخ ج3 ص194 وأعيان الشيعة ج1 ص446 وشرح النهج للمعتزلي ج9 ص288 وتفسير نور الثقلين ج4 ص402 وتفسير الميزان ج17 ص142 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص457 والبداية والنهاية ج7 ص254.
([26]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص212 عن مالك والواقدي، وعن الحاكم في الإكليل وج8 ص423 عن أحمد وأبي داود، وص 426 عن مالك والشافعي وأحمد، والسيرة الحلبية ج3 ص77 والمغازي للواقدي ج2 ص801 و 802 ونيل الأوطار للشوكاني ج4 ص287 ومسند أحمد ج4 ص63 وج5 ص376 وراجع: كتاب الموطأ ج1 ص294 والمغني لابن قدامة ج3 ص45 وفتح الباري ج4 ص133 والإستذكار لابن عبد البر ج3 ص298 وإمتاع الأسماع ج13 ص374 والتمهيد لابن عبد البر ج22 ص47 والمصنف للصنعاني ج4 ص207 والشرح الكبير لابن قدامة ج3 ص45 ولسان الميزان لابن حجر ج1 ص377 .
([27]) (الكديد): قيل: بالفتح، وبالكسر، وآخره دال أخرى: موضع بالحجاز على اثنين وأربعين ميلاً من مكة، بين عسفان وأمج. مراصد الإطلاع ج3 ص1152 ومعجم البلدان ج4 ص442 وتاج العروس ج5 ص219 وراجع: فتح الباري (المقدمة) ص174 .
([28]) تاريخ الخميس ج2 ص79 وتنوير الحوالك للسيوطي ص281 وتلخيص الحبير ج6 ص427 ونيل الأوطار ج4 ص304 والطرائف لابن طاووس ص528 وتلخيص الحبير ج6 ص427 وتنوير الحوالك ص281 وعوالي اللآلي ج1 ص203 ومسند أحمد ج1 ص334 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص14= = وسبل الهدى والرشاد ج5 ص213 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص537 والتنبيه والإشراف ص230 وتذكرة الحفاظ ج4 ص1214 وتفسير القرطبي ج2 ص299 ومنتخب مسند عبد بن حميد ص216 والمصنف للصنعاني ج5 ص373 والسنن الكبرى للبيهقي ج4 ص241 وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج2 ص238 وج5 ص90 وعمدة القاري ج11 ص46 وج17 ص276 وفي القاموس: الكديد ما بين الحرمين.
([29]) تاريخ الخميس ج2 ص79 ومسند أحمد ج1 ص266 ومجمع الزوائد ج6 ص165 وعمدة القاري ج9 ص234 والمعجم الكبير ج8 ص10 والـدرر لابن عبد البر ص214 وجامع البيان للطبري ج2 ص202 وتفسير البغوي ج4 ص538 والثقات لابن حبان ج2 ص43 ومعجم البلدان ج4 ص442 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص328 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص527 والبداية والنهاية ج4 ص325 و 326 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص859 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص539 و 540 والنهاية في غريب الحديث ج1 ص65 ولسان العرب لابن منظور ج2 ص208 وتاج العروس ج3 ص288. و(أمج) بفتحتين، والجيم: بلد من أعراض المدينة. مراصد الإطلاع ج1 ص115.
([30]) البحار ج21 ص127 عن إعلام الورى والمجموع للنووي ج6 ص264 والمغني لابن قدامة ج3 ص34 والشرح الكبير ج3 ص19 والمحلى ج6 ص253 وبداية المجتهد ج1 ص238 ونيل الأوطار ج4 ص306 و 308 والطرائف ص529 واختلاف الحديث للشافعي ص493 وصحيح مسلم ج3 ص141 وسنن الترمذي ج2 ص106 وسنن النسائي ج4 ص177 والسنن الكبرى للبيهقي ج4 ص241 و 246 وعمدة القاري ج11 ص47 ومسند أبي داود ص232 والسنن الكـبرى للنسائي ج2 ص101 ومسنـد ابي يعلى ج3 ص400 وج4 = = ص98 وصحيح ابن خزيمة ج3 ص255 وشرح معاني الآثار ج2 ص65 وصحيح ابن حبان ج6 ص423 وج8 ص318 و 319 ومعرفة السنن والآثار ج3 ص390 والإستذكار لابن عبد البر ج3 ص301 والتمهيد لابن عبد البر ج9 ص68 وج22 ص52 وتفسـير الثعلـبـي ج2 ص73 وتفسـير السمعاني ج1 ص184 وتفسير البغوي ج1 ص153 والبداية والنهاية ج4 ص327 و 542 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص213 وج8 ص426 ونهج الحق للعلامة الحلي ص442 وإحقاق الحق (الأصل) ص383.
([31]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص213 وج8 ص428 وإحقاق الحق (الأصل) ص383 والسيرة الحلبية ج3 ص77 وراجع: صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج5 ص90 وفتح الباري ج4 ص158 وصحيح مسلم ج3 ص141   وصحيح ابن خزيمة ج3 ص255 وصحيح ابن حبان ج8 ص318 و 319 ونصب الراية ج3 ص27 والعهود المحمدية ص716 ونيل الأوطار ج4 ص309 و 310 والطرائف لابن طاووس ص529 وعمدة القاري ج17 ص276 والمعجم الكبير ج11 ص274 وراجع: الكافي ج4 ص127 ومن لا يحضره الفقيه ج2 ص141 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج10 ص176 و (ط دار الإسلامية) ج7 ص125 والفصول المهمة ج1 ص691 وجامع أحاديث الشيعة ج9 ص293 ومنتقى الجمان ج2 ص527 ونهج الحق وكشف الصدق ص442.
([32]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص426 وج5 ص213 وفي هامشه عن: مسلم من حديث ابن عباس 2/784 (88/1113) ومن حديث جابر أخرجه مسلم في الصيام 2/785 (90/1114) والبخاري (4275)، والترمذي (710) والنسائي في الصيام باب (47) والطيالسي كما في المنحة (912) والطحاوي في معاني الآثار 2/65 والشافعي في المسند (158) والبيهقي في الدلائل 5/25 وفي السنن 4/241، وانظر التلخيص 2/203 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص77 والمغازي للواقدي ج2 ص802 وبداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد ج1 ص238 وعوالي اللآلي ج1 ص204 وراجع: شرح معاني الآثار ج2 ص64 ونيل الأوطار ج4 ص309 و 312 والطرائف ص528 ونهج الحق ص442 وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج5 ص90 وعمدة القاري ج17 ص275 ونصب الراية ج3 ص28.
([33]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص213 وفي هامشه عن: مسلم 2/789 (102/1120) والسيرة الحلبية ج3 ص77 و (ط دار المعرفة) ص15 وراجع: المغازي للواقدي  ج2 ص802 وتلخيص الحبير ج6 ص431 وصحيح مسلم (ط دار الفكر) ج3 ص144 والسنن الكـبرى ج4 ص242 وفتـح البـاري ج4 ص160 وتحـفـة  = = الأحوذي ج3 ص328 وج5 ص271 والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص627 وصحيح ابن خزيمة ج3 ص257 وشرح معاني الآثار ج2 ص65 ومسند الشاميين ج3 ص130 ونيل الأوطار ج4 ص304 وفقه السنة لسيد سابق ج1 ص442 وسنن أبي داود ج1 ص538 والسنن الكبرى ج4 ص242.
([34]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص267 والسيرة الحلبية ج3 ص77 و (ط دار المعرفة) ص14.
([35]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص267 والسيرة الحلبية ج3 ص77 و (ط دار المعرفة) ص14.
([36]) السيرة الحلبية ج3 ص77 و (ط دار المعرفة) ص14.
([37]) راجع: الفقه على المذاهب الأربعة ج1 ص472 و 473 وراجع: تذكرة الفقهاء (ط ج) ج4 ص371 و (ط ق) ج1 ص188 وتفسير مجمع البيان ج2 ص16 وزاد المسير ج1 ص168 وتفسير الرازي ج5 ص82.
([38]) مراصد الإطلاع ج2 ص940 وشرح مسلم للنووي ج7 ص230 وعمدة القاري ج9 ص203 والديباج على مسلم ج3 ص215 وعون المعبود ج4 ص74.
([39]) وفاء الوفاء ج4 ص1266 والشرح الكبير لابن قدامة ج2 ص93 وكشاف القناع ج1 ص616.
([40]) مراصد الإطلاع ج3 ص1152 ومعجم البلدان ج4 ص442 وشرح مسلم للنووي ج7 ص230 وفتح الباري (المقدمة) ص174 وتارج العروس ج5 ص219.
([41]) مراصد الإطلاع ج3 ص1153 ومعجم البلدان ج4 ص443 ووفاء الوفاء ج4 ص1279 والديباج على مسلم ج3 ص216.
([42]) وفاء الوفاء ج4 ص1264 وشرح مسلم للنووي ج15 ص15 وعمدة القاري ج10 ص177 والديباج على مسلم ج5 ص274 وسبل الهدى والرشاد ج12 ص77.
([43]) مراصد الإطلاع ج3 ص1070 ومعجم البلدان ج4 ص313.
([44]) وفاء الوفاء ج4 ص1257 وفتح الباري ج2 ص93 وفي عمدة القاري ج5 ص146 ومعجم ما استعجم: ليلة.
([45]) وفاء الوفاء ج4 ص1257 ومراصد الإطلاع ج2 ص865 ومعجم البلدان ج3 ص453.
([46]) مراصد الإطلاع ج2 ص865 ومعجم البلدان ج3 ص453 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج1 ص480.
([47]) وفاء الوفاء ج4 ص1174 وراجع: مراصد الإطلاع ج1 ص315 ومعجم البلدان ج3 ص62 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج2 ص111.
([48]) وفاء الوفاء ج4 ص1174 وراجع: مراصد الإطلاع ج1 ص315 ومعجم البلدان ج3 ص62 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج2 ص111.
([49]) الفقه على المذاهب الأربعة ج1 ص473 والحدائق الناضرة ج14 ص326 عن المصباح للفيومي.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page