• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الرابع: مكة بعد الفتح بيد عتَّاب.. ومعاذ

عتاب بن أسيد على مكة:

قالوا: وولى رسول الله «صلى الله عليه وآله» عتاب بن أسيد، وعمره ثماني عشرة، أو إحدى وعشرون سنة أمر مكة، وأمره «صلى الله عليه وآله» أن يصلي بالناس، وهو أول أمير صلى بمكة بعد الفتح جماعة([1]).
قال في السيرة الحلبية: «في الكشاف، وعنه «صلى الله عليه وآله»: أنه استعمل عتاب بن أسيد على أهل مكة وقال: «انطلق فقد استعملتك على أهل الله. أي وقال ذلك ثلاثاً» فكان شديداً على المريب، ليناً على المؤمن.
وقال: والله، لا أعلم متخلفاً يتخلف عن الصلاة في جماعة إلا ضربت عنقه، فإنه لا يتخلف عن الصلاة إلا منافق.
فقال أهل مكة: يا رسول الله، لقد استعملت على أهل الله عتاب بن أسيد، أعرابياً، جافياً؟!
فقال «صلى الله عليه وآله»: «إني رأيت فيما يرى النائم كأن عتاب بن أسيد أتى باب الجنة، فأخذ بحلقة الباب، فقلقلها قلقالاً شديداً حتى فتح له، فدخلها، فأعز الله به الإسلام، فنصرته للمسلمين على من يريد ظلمهم»([2]).
هذا.. وفي تاريخ الأزرقي: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال: «لقد رأيت أسيداً في الجنة، وأنى. أي كيف يدخل أسيد الجنة.
فعرض له عتاب بن أسيد، فقال: هذا الذي رأيت، ادعوه لي.
فدعي له، فاستعمله يومئذ على مكة، ثم قال: يا عتاب، أتدري على من استعملتك؟ استعملتك على أهل الله، فاستوص بهم خيراً. يقولها ثلاثاً.
فإن قيل: كيف يقول عن أسيد إنه رآه في الجنة، ثم يقول عن ولد أسيد إنه الذي رآه في الجنة.
قلنا: لعل عتاباً كان شديد الشبه بأبيه، فظن «صلى الله عليه وآله» عتاباً أباه، فلما رآه عرف أنه عتاب لا أسيد.
وفي كلام سبط ابن الجوزي: عتاب بن أسيد استعمله رسول الله «صلى الله عليه وآله» على أهل مكة لما خرج إلى حنين وعمره ثماني عشرة سنة.
وفي كلام غيره ما يفيد: أنه «صلى الله عليه وآله» إنما استخلف عتاب بن أسيد وترك معه معاذ بن جبل بعد عوده من الطائف، وعمرته من الجعرانة.
إلا أن يقال: لا مخالفة، ومراده باستخلافه إبقاؤه على ذلك.
إلى أن قال في السيرة الحلبية: وكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» رأى في المنام: أن أسيداً والد عتاب والياً على مكة مسلماً، فمات على الكفر، فكانت الرؤيا لولده، كما تقدم مثل ذلك في أبي جهل وولده عكرمة.
ولما ولاه «صلى الله عليه وآله» على مكة جعل له في كل يوم درهماً، فكان يقول: لا أشبع الله بطناً جاع على درهم في كل يوم.
ويروى: أنه قام فخطب الناس، فقال: يا أيها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم. أي له درهم، فقد رزقني رسول الله «صلى الله عليه وآله» درهماً في كل يوم، فليست لي حاجة إلى أحد.
وعن جابر رضي الله تعالى عنه: «أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» استعمل عتاب بن أسيد على مكة، وفرض له عمالته أربعين أوقية من فضة».
ولعل الدرهم كل يوم يحرز القدر المذكور: أي أربعين أوقية في السنة فلا مخالفة([3]).
وستأتي مناقشة هذه الأقاويل إن شاء الله تعالى.

كتاب النبي للمكيين مع عتَّاب:

وقالوا أيضاً: لما حتم قضاء الله بفتح مكة، واستوسقت له أمَّر عليهم عتَّاب بن أسيد، فلما اتصل بهم خبره قالوا: إن محمداً لا يزال يستخف بنا حتى ولى علينا غلاماً حدث السن ابن ثماني عشرة سنة، ونحن مشايخ ذوي الأسنان وجيران حرم الله الآمن، وخير بقعة على وجه الأرض.
وكتب رسول الله «صلى الله عليه وآله» لعتاب بن أسيد عهداً على مكة وكتب في أوله:
«من محمد رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى جيران بيت الله الحرام، وسكان حرم الله.
أما بعد.. فمن كان منكم بالله مؤمناً، وبمحمد رسوله في أقواله مصدقاً، وفي أفعاله مصوباً، ولعلي أخي محمد رسوله، ونبيه، وصفيه، ووصيه، وخير خلق الله بعده موالياً، فهو منا وإلينا. ومن كان لذلك أو لشيء منه مخالفاً، فسحقاً وبعداً لأصحاب السعير، لا يقبل الله شيئاً من أعماله، وإن عظم وكبر، يصليه نار جهنم خالداً مخلداً أبداً.
وقد قلد محمد رسول الله عتاب بن أسيد أحكامكم ومصالحكم، وقد فوض إليه تنبيه غافلكم، وتعليم جاهلكم، وتقويم أود مضطربكم، وتأديب من زال عن أدب الله منكم، لما علم من فضله عليكم، من موالاة محمد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ومن رجحانه في التعصب لعلي ولي الله، فهو لنا خادم، وفي الله أخ، ولأوليائنا موال، ولأعدائنا معاد، وهو لكم سماء ظليلة، وأرض زكية، وشمس مضيئة، قد فضله الله على كافتكم بفضل موالاته ومحبته لمحمد وعلي، والطيبين من آلهما، وحكَّمه عليكم، يعمل بما يريد الله فلن يخليه من توفيقه.
كما أكمل من موالاة محمد وعلي «عليه السلام» شرفه وحظه، لا يؤامر رسول الله ولا يطالعه، بل هو السديد الأمين.
فليطمع المطيع منكم بحسن معاملته شريف الجزاء، وعظيم الحباء.
وليتوق المخالف له شديد العذاب، وغضب الملك العزيز الغلاب.
ولا يحتج محتج منكم في مخالفته بصغر سنه، فليس الأكبر هو الأفضل، بل الأفضل هو الأكبر، وهو الأكبر في موالاتنا وموالاة أوليائنا، ومعاداة أعدائنا، فلذلك جعلناه الأمير عليكم، والرئيس عليكم، فمن أطاعه فمرحباً به. ومن خالفه فلا يبعد الله غيره».
قال: فلما وصل إليهم عتاب وقرأ عهده، ووقف فيهم موقفاً ظاهراً نادى في جماعتهم حتى حضروه، وقال لهم:
معاشر أهل مكة، إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» رماني بكم([4]) شهاباً محرقاً لمنافقكم، ورحمة وبركة على مؤمنكم، وإني أعلم الناس بكم وبمنافقكم، وسوف آمركم بالصلاة فيقام بها، ثم أتخلف أراعي الناس، فمن وجدته قد لزم الجماعة التزمت له حق المؤمن على المؤمن، ومن وجدته قد بعد عنها فتشته، فإن وجدت له عذراً عذرته، وإن لم أجد له عذراً ضربت عنقه، حكماً من الله مقضياً على كافتكم، لأطهر حرم الله من المنافقين.
أما بعد.. فإن الصدق أمانة، والفجور خيانة، ولن تشيع الفاحشة في قوم إلا ضربهم الله بالذل، قويكم عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه، وضعيفكم عندي قوي حتى آخذ الحق له.
اتقو الله، وشرفوا بطاعة الله أنفسكم، ولا تذلوها بمخالفة ربكم.
ففعل والله كما قال، وعدل، وأنصف، وأنفذ الأحكام، مهتدياً بهدى الله، غير محتاج إلى مؤامرة ولا مراجعة([5]).

الكتاب مصنوع:

قال العلامة الأحمدي «رحمه الله»: «لا يخفى ما في هذا الكتاب من آثار الكلفة والصنعة، مع ضعف هذا التفسير في الإنتساب إليه صلوات الله وسلامه عليه (وآله).
هذا مضافاً إلى أن يخالف أسلوب كتبه «صلى الله عليه وآله»([6]).

عتّاب قاض، أم أمير؟!:

وقد قال الدميري: «عتاب بن أسيد الذي وجه به النبي «صلى الله عليه وآله» قاضياً على مكة يوم الفتح»([7]).
والظاهر: أن هذا غير دقيق، فإن الروايات تؤكد أنه أمير، والقضاء من الشؤون التي ترجع إلى الأمير أيضاً.

تولية عتاب على مكة وخلافة الرسول :

وبعد.. فإن تولية عتاب على مكة وهو قرشي، وعمره ثماني عشرة، أو إحدى وعشرون سنة، ثم تولية أسامة بن زيد على المهاجرين والأنصار بعد ذلك وعمره ثماني عشرة سنة يثيران أمامنا العديد من الأمور.
ولعل أهمها: أن ذلك يدخل في سياق إبطال التعللات التي يحاول مناوئوا علي «عليه السلام» أن يتذرعوا بها في تمردهم عليه، وردّ أمر الله ورسوله فيه.
فتولية عتاب بن أسيد، على شيوخ قريش، وعتاتها، والمستكبرين فيها، وهو الشاب ذو الثمانية عشر عاماً أو أكثر بيسير، الذي تربى في محيط مكة، وترعرع بين شعابها، ويعرف الناس عنه كل شاردة وواردة، مما لا يستسيغه أولئك الناس، ولا يحبذونه، بل هم يفضلون رجلاً شيخاً مجرباً قرشياً، ظاهر السيادة فيهم، عظيم المقام بينهم.
وإذا كان قد سهل عليهم أن يتجرعوا هذه الكأس، ولو بشيء من المرارة، أو التبرم، والإستهجان، فذلك لأنه قرشي، وهو منهم وإليهم.
ولو كان من غيرهم، كأن يكون من الأنصار مثلاً، فإن المصيبة ستكون عليهم أشد، والبلاء سيكون أعظم.
ثم جاءت تولية أسامة بن زيد على شيوخ المهاجرين والأنصار في مرض رسول الله «صلى الله عليه وآله» مع ما لها من ارتباط وثيق بموضوع خلافة الرسول «صلى الله عليه وآله»، وما لها من أثر في إبطال الذرائع التي ربما تكون قد أعدت سلفاً وكان عمره أيضاً ثمانية عشر عاماً، فكانت الضربة القاسية التي استهدفت صميم مشروعهم الإنقلابي على العهود التي أعطوها لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، وعلى ما أنشأوه من بيعة لعلي «عليه السلام» بالإمامة في يوم غدير خم.
فلم يعد يفيدهم القول: بأن ثمة من هو أسنّ من علي «عليه السلام»، والناس لا يرضون بتقديمه عليهم، إذ كيف رضي عتاة قريش بتولية عتاب على مكة.. وكيف رضي شيوخ المهاجرين والأنصار بتولية أسامة بن زيد عليهم.
فإن أمكن التعلل: بأن قضية أسامة إنما ترتبط بشأن الحرب، وليس بالضرورة أن يكون الخبير بالحرب مؤهلاً لقيادة الأمة في سائر شؤونها: السياسية، والإقتصادية، والإجتماعية، ولا أن يكون قادراً على حل مشاكلها في سائر المجالات، فضلاً عن أن يكون أهلاً لمقام الفتوى والقضاء، وتربية الناس، تربية صالحة، وبث المعارف الصحيحة فيهم.
فإن الجواب عن ذلك هو:
أولاً: إن تولية عتاب بن أسيد على مكة لا تختص بالأمور العسكرية، بل هي لإدارة جميع الشؤون السياسية، والإجتماعية، وغيرها.
ثانياً: إن القيادة العسكرية هي من شؤون الحاكم أيضاً.. فإذا كان أسامة، وهو الشاب الذي قد لا يزيد سنّه على ثمانية عشر عاماً، أليق ممن يرشحون أنفسهم لخلافة النبوة، ويكون هو الذي يصدر الأوامر إليهم، ويدبر شؤونهم، فما بالك بسائر الشؤون؟!
وكيف يمكن إثبات جدارة هؤلاء الناس لمقام خلافة النبوة، في الأمور الأعظم أثراً، والأكثر خطراً؟!
ثالثاً: لو كان السن هو المعيار لقيادة الأمة، لم يصح أن يبعث الله أحداً من الأنبياء، والرسل ولا أنه يجعل أحداً من الناس رسولاً أو حاكماً للأمة إلا إذا كان أكبر الناس سناً.. ولبطلت نبوة نبينا «صلى الله عليه وآله»، لأن المفروض: أنه حين صار نبياً، ثم حين صار رسولاً كانت هناك فئات كبيرة من الأمة تكبره من حيث السن.

خلاصة وتوضيح:

إن عتاب بن أسيد قد أسلم يوم الفتح. وقد كان في المهاجرين المكيين، من هو أفضل وأورع وأتقى، وأكثر تجربة منه بلا شك..
ولكن النبي «صلى الله عليه وآله» في نفس الوقت الذي يريد أن يكون والي مكة من قريش، فإنه أراده ممن يعيش في مكة..
وممن أسلم يوم الفتح بالذات، فإن حقد عتاة قريش عليه أضعف، وحساسيتهم منه تكون أقل..
وأراده أيضاً بهذا السن.
وأراد أن يبقيه لآخر حياته «صلى الله عليه وآله»، لأن ذلك يبطل ما سوف يتذرع به نفس هؤلاء، نصرة لأحبائهم لردّ خلافة أمير المؤمنين «عليه السلام» بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وهو أن من اختاروه كان أكبر سناً من علي، وأن الناس لا يرضون بعلي «عليه السلام» بسبب حداثة سنه، وهذه الذريعة سوف تظهر، على رغم وجود عتّاب أميراً على مكة فعلاً.
ومع أمارة أسامة عليهم في المدينة فعلاً أيضاً..
ورغم أنهم قد بايعوه يوم الغدير.
ورغم أن توليته «صلى الله عليه وآله» من هو أصغر من علي «عليه السلام» سناً، سواء لأمور البلاد، كما هو الحال في مكة، التي هي قلب الإسلام النابض، أو لأمور الجيوش في الحروب، كما في قضية تولية أسامة بن زيد، وبديهي: أن قيادة الجيوش تعني أن تصبح أرواح الناس، وخصوصاً الثلة المؤمنة، ومصير البلاد، بل مصير الأمة بأسرها، مرهونة بسياسات هذا القائد، وخططه، وقرارته..
إن ذلك كله يوضح: أن قضية تولية عتَّاب كانت في غاية الأهمية، وفي منتهى الحساسية..

لا حاجة إلى المبالغة في أمر عتاب:

إن عتَّاب بن أسيد قد أسلم يوم الفتح، وتوفي يوم موت أبي بكر، وقيل: غير ذلك([8]).
وعتَّاب أموي نسباً([9]).
وقد أبقاه أبو بكر على مكة إلى أن مات([10]). وهذا يشير إلى مدى التوافق والإنسجام بين عتَّاب وأبي بكر.
ويظهر من إبقاء معاذ معه في مكة لتعليم الناس أحكام دينهم، رغم أن ما يحتاجون إليه هو أبسط الأمور، مثل تعليم الصلاة، والوضوء، ونحو ذلك: أن عتَّاباً لم يكن قادراً على القيام بهذه المهمة، بل كان هو بحاجة إلى أن يتعلم من معاذ نفس ما كان أهل مكة يتعلمونه منه، لأنه إنما أسلم كغيره قبل أيام من توليته.
كما أن من يسلم قبل أيام من توليته، فلا مجال للمبالغة في إخلاصه لهذا الدين، ولا في تقواه، ولا في معارفه الإيمانية، ولا.. ولا.. إلا سبيل الادِّعاء والتكلف.

تهديد المتخلفين عن الجماعة:

وبعدما تقدم نقول:
قد ذكروا: أن عتَّاباً قد هدد بقتل المتخلفين عن الجماعة، غير أننا نلاحظ: أن هذا لا يكشف عن شدة تعلق عتَّاب بهذا الدين، ولا عن اهتمامه بتطبيق أحكامه، إذ قد يكون داعيه إلى ذلك هو جمع الناس إلى جماعته، والطمأنينة إلى بسط نفوذه.

إستدلالات واهية أخرى:

ثم إن من غير الطبيعي أن ينسب إلى النبي «صلى الله عليه وآله» أنه يستدل على صحة اختياره لعتاب، وعلى أهليته لمقام الولاية، بأنه من أهل الجنة، فإن كون إنسان من أهل الجنة لا يدل على مقدرته، وأهليته لمقام ولاية أمور الناس.
ويدل على ذلك: أن هؤلاء القوم، هم الذين يروون: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد قال لأبي ذر: «إني أراك ضعيفاً وإني أحب لك ما أحب لنفسي، فلا تأمرنّ على اثنين ولا تولّين مال يتيم»([11]).
ولا يشك أحد في عظمة أبي ذر، وفي رفعة مقامه في الجنة.
وأما الحديث عن عزة الإسلام بعتاب بن أسيد، فلم يظهر له وجه، فإن مجرد توليه مكة من قبل النبي «صلى الله عليه وآله» لا يعني أن يعزّ الإسلام به، وأن تأتي البشارة بهذا العز لرسول الله «صلى الله عليه وآله» في المنام.

النبي لا يعرف الأب من الابن:

ولا ندري كيف صح للحلبي الشافعي أن يزعم: أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يميز بين عتاب وبين أبيه أسيد، لشدة الشبه بينهما.
فأولاً: كيف يستطيع أن يثبت الحلبي هذا الشبه الشديد بين الأب والابن، فإن مجرد الإحتمال لا يجدي في رفع المناقضة.
ثانياً: لنفترض: أن ثمة شبهاً، ولكن أليس الأب شيخاً، وعتَّاب شاباً؟! فهل يعقل أن لا يميز بين الشيخ الكبير والشاب الذي لا يتجاوز عمره الثمانية عشر عاماً، أو أكثر من ذلك بقليل؟!
ثالثاً: إذا كان النبي «صلى الله عليه وآله» يخلط بين الأمور إلى هذا الحد، فكيف يمكن أن نطمئن إلى أن هذا الخلط والإشتباه لم يحصل في ما هو أهم من هذا وذلك؟!
وأين هو موقع عصمة الأنبياء، وتسديدهم؟!
أليس يقولون: إن رؤيا الأنبياء وحي أيضاً؟!
فهل يمكن أن يتطرق الخطأ إلى الوحي الإلهي؟!

أهل مكة أهل الله!!:

وأما وصف أهل مكة: بأنهم أهل الله، فلا ندري كيف نفهمه، أو نفسره؟ إذ إنهم قد استسلموا وأصبحوا في قضية الإسلام قبل أيام، ولم يسلم الكثيرون منهم حتى هذه الساعة، والذين اسلموا منهم لمّا يدخل الإيمان في قلوبهم.. فكيف صاروا أهل الله، وهم على هذه الحالة؟!

الشك في كتاب النبي لأهل مكة:

إن ما ذكر في الكتاب المتقدم لأهل مكة، من مدح لعتَّاب لا يمكن قبوله، فإن عتاباً لا يمكن أن يكون بهذه المثابة التي وضعه فيها الكتاب المذكور، فهو:
1 ـ لم يكن عارفاً بأحكام الله تعالى، لكي يعلّم جاهلهم.
2 ـ لا يصح وصفه: بأنه سماء ظليلة، وأرض زكية، وشمس مضيئة، ما دام أنه حديث الإسلام ولم يتفقه في الدين.
3 ـ متى بلغ من الفضل والتقى حداً جعله مفضلاً على كافة أهل مكة؟! مع وجود كثير من المسلمين يعيشون بين أهل مكة منذ سنوات، وخصوصاً بعد الحديبية.
4 ـ وكيف ومتى ظهر حبه لمحمد «صلى الله عليه وآله» وأهل بيته «عليهم السلام» إلى هذا الحد الذي وصفه الكتاب المذكور.
5 ـ على أن في خطبة عتاب فقرات يعرف الناس كلهم أنها لأمير المؤمنين «عليه السلام»([12]).
6 ـ يضاف إلى ذلك: أن رواية هذا الكتاب تقول: فلما وصل إليهم عتاب، وقرأ عهده.. مع أن عتَّاباً كان معهم، ولم يأتهم من خارج بلادهم؟!

معاذ يعلِّم أهل مكة:

وقالوا: إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد جعل معاذاً بمكة مع عتاب، ليفقّه أهلها، ويعلمهم السنن([13]).
ونقول:
1 ـ إنه لا شك في أن ما كان يحتاجه أهل مكة في أول إسلامهم هو: تعلم أبسط الأمور، وأوضحها، مثل: الصلاة، والزكاة، والتطهر من الجنابة، ودلالتهم على ما هو نجس، ولزوم تطهيره.. والوضوء، والتيمم، وحرمة الكذب، والنميمة والبهتان.. وسائر المحرمات.. وكيفية الذبح، والصلاة على الميت، وقراءة القرآن ونحو ذلك.
ولم يكونوا في مستوى يحتاجون فيه إلى المعارف الدقيقة والعالية.
فإبقاء معاذ في مكة ليعلم أهلها أمثال هذه لا يدل على أنه يملك علماً، وأن له فضلاً يعتد به..
كما أن هذا لا يدل على استقامته، فضلاً عن أن يدل على عدالته..
وهل هذا إلا مثل إرسال خالد لدعوة الناس إلى الإسلام، وإذ به يرتكب في حقهم أفظع الجرائم، ويبوء بأعظم المآثم..

من هو معاذ بن جبل؟!:

ثم إن معاذاً ـ كما يقول سليم بن قيس ـ كان من الذين كتبوا صحيفة تعاقدوا فيها على أن يزيلوا الإمامة عن علي «عليه السلام»([14]).
وقال الديلمي: إنه حين احتضاره كان يدعو بالويل والثبور، لممالأته القوم ضد علي «عليه السلام»([15]).
وهو من الجماعة الذين شهروا سيوفهم يوم السقيفة، ومضوا حتى أخرجوا أبا بكر، وأصعدوه المنبر([16]).
وهو أول من اتجر في مال الله، وذلك حين ولاه رسول الله «صلى الله عليه وآله» على اليمن، فلما توفي «صلى الله عليه وآله» قدم، فقال عمر لأبي بكر: أرسل إلى هذا الرجل، فدع له ما يُعيشه، وخذ سائره.
فقال أبو بكر: إنما بعثه النبي «صلى الله عليه وآله» ليجبره، ولست آخذاً شيئاً منه إلا أن يعطيني([17]).
قال التستري: «لم يبعثه النبي «صلى الله عليه وآله» لأكل مال الله، ولا أجازه في التجارة به»([18]).
ومن الذي قال لأبي بكر: إنه «صلى الله عليه وآله» إنما بعثه ليجبره. فلعله بعثه لحفظ الشأن العام، وحفظ أموال بيت المال؟!
وقالوا: إنه في أحداث البيعة لأبي بكر جاءهم خالد بن الوليد المخزومي، ومعه ألف رجل، وجاءهم سالم مولى أبي حذيفة، ومعه ألف رجل، وجاءهم معاذ بن جبل، ومعه ألف رجل، فما زال يجتمع إليهم رجل رجل حتى اجتمع لهم أربعة آلاف رجل، فخرجوا شاهرين أسيافهم يقدمهم عمر بن الخطاب، حتى وقفوا بمسجد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال عمر: والله، يا أصحاب علي، لئن ذهب فيكم رجل يكلم بالذي تكلم بالأمس لنأخذن الذي فيه عيناه.
ثم يذكر كيف أن عمر صار يطوف بالمدينة، ويجمع الناس ويكبسهم، ويستخرجهم من بيوتهم للبيعة.
وبعد ذلك بادر إلى إحراق بيت الزهراء «عليها السلام»([19]).
وحين جيء بعلي «عليه السلام» للبيعة ـ جبراً وقهراً ـ كان في جملة الجالسين حول أبي بكر بالسلاح([20]).



([1]) السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص59 .
([2]) السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص59 و 60 وتفسير الثعلبي ج6 ص128 وميزان الإعتدال للذهبي ج2 ص406 والإصابة ج4 ص357 ولسان الميزان ج3 ص270.
([3]) السيرة الحلبية ج4 ص105 و (ط دار المعرفة) ج3 ص59 و 60.
([4]) لعل الصحيح: رماكم بي.
([5]) البحار ج21 ص122 ـ 124 والتفسير المنسوب للإمام العسكري «عليه السلام» ص555 و 557 وراجع: الإقبال ص318 ومدينة البلاغة ج2 ص292.
([6]) مكاتيب الرسول ج2 ص262.
([7]) حياة الحيوان ج2 ص13 ووفيات الأعيان ج6 ص149.
([8]) أسد الغابة ج3 ص358، وتهذيب التهذيب ج7 ص82 و 191، والإصابة في تمييز الصحابة ج2 ص451/5391، والطبقات الكبرى ج5 ص446 وشرح مسند أبي حنيفة ص546 وتهذيب الكمال ج19 ص282 و 283 والأعلام للزركلي ج4 ص 199 و 200 والإصابة ج4 ص356 وراجع: مكاتيب الرسول ج1 ص30 وتحفة الأحوذي ج3 ص244 وعون المعبود ج4 ص345 والبداية والنهاية ج7 ص41 والوافي بالوفيات ج19 ص289 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص98 والمعارف لابن قتيبة ص283 والكاشف من معرفة من له رواية في كتب الستة للذهبي ج1 ص695 والثقات لابن حبان ج3 ص304 وشرح النهج للمعتزلي ج11 ص123.
([9]) الإستيعاب ج3 ص1023 وطبقات خليفة بن خياط ص485 وتاريخ مدينة دمشق ج21 ص181 وج37 ص11 والوافي بالوفيات ج19 ص289 والبداية والنهاية ج7 ص41 وأسد الغابة ج3 ص308 والكاشف من معرفة من له رواية في كتب الستة للذهبي ج1 ص695 والإصابة ج5 ص35 والأعلام للزركلي ج4 ص199 والمعارف لابن قتيبة ص283 واللباب في تهذيب الأنساب ج2 ص319 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص612 وج3 ص97 وشرح النهج للمعتزلي ج11 ص123 وج15 ص265 والطبقات الكـبرى = = لابن سعد ج5 ص446 والآحاد والمثاني ج1 ص403 والمعجم الكبير للطبراني ج17 ص161 وتاريخ خليفة بن خياط ص77 والمستدرك للحاكم ج3 ص595 وعمدة القاري ج17 ص158 وتفسير مقاتل بن سليمان ج1 ص149 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص347 وتفسير الثعلبي ج2 ص285 وج6 ص128 والأحكام لابن حزم ج7 ص983 والثقات لابن حبان ج2 ص67وج3 ص304 والدرر لابن عبد البر ص225 وإمتاع الأسماع ج2 ص10 والسيرة النبوية لابن هشام ج1 ص181 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص615.
([10]) الأعلام للزركلي ج4 ص200 والمعارف لابن قتيبة ص283 والكاشف من معرفة من له رواية في كتب الستة للذهبي ج1 ص695 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص612 وج3 ص98 والوافي بالوفيات ج19 ص289 والبداية والنهاية ج7 ص41 وإمتاع الأسماع ج2 ص10
([11]) المغني لابن قدامة ج6 ص577 وشرح الأزهار ص308 والشرح الكبير لابن قدامة ج6 ص590 وجواهر العقود ج2 ص281 ونيل الأوطار ج9 ص167 وفقه السنة ج3 ص580 والبحار ج22 ص406 وج72 ص4 و 342 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص583 ومسند أحمد ج5 ص180 وصحيح مسلم ج6 ص7 وسنن أبي داود ج1 ص655 وسنن النسائي ج6 ص255 والمستدرك للحاكم ج4 ص91 والسنن الكبرى للبيهقي ج3 ص129 وج6 = = ص283 وج10 ص95 وشرح مسلم للنووي ج12 ص210 وعمدة القاري ج12 ص19 وشرح سنن النسائي للسيوطي ج6 ص255 والسنن الكبرى والنسائي ج4 ص113 وأمالي المحاملي ص389 ومعرفة السنن والآثار ج7 ص353 ورياض الصالحين للنووي ص340 ونصب الراية ج5 ص41 والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج2 ص166 والعهود المحمدية ص893 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص465 وج3 ص42 والأحكام لابن حزم ج5 ص694 وج7 ص986 والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص231 وعلل الدارقطني ج6 ص285 وتاريخ مدينة دمشق ج66 ص219 وتهذسي الكمال ج10 ص141 وسير أعلام النبلاء ج2 ص75 وتهذيب التهذيب ج3 ص377 وأخبار القضاة ج1 ص21 وفتوح مصر وأبارها ص480 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص406 وسبل الهدى والرشاد ج10 ص103.
([12]) راجع على سبيل المثال: الخطبة رقم 37 من نهج البلاغة، ففيها: الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق منه.
([13]) راجع: سير أعلام النبلاء ج1 ص459 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص611 و 612 ومكاتيب الرسول ج2 ص663 والبداية والنهاية ج4 ص422 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص679 والمستدرك للحاكم ج3 ص270.
([14]) كتاب سليم بن قيس ص154 والبحار ج28 ص274 والإحتجاج ج1 ص110 وكتاب الأربعين للشيرازي ص249 ومستدركات علم الرجال ج7 ص436 والأنوار العلوية ص288 وغاية المرام ج5 ص318 و 336 ونفس الرحمن في فضائل سلمان للميرزا الطبرسي ص485 وتنقيح المقال ج3 ص221 والمحتضر لحسن بن سليمان الحلي ص60 ومجمع النورين ص100 ومدينة المعاجز ج2 ص100.
([15]) البحار ج28 ص122 وج30 ص127 و 128 وج31 ص634 وج58 ص241 = = ومستدركات علم الرجال ج4 ص412 ومستدرك سفينة البحار ج2 ص320 وتنقيح المقال ج3 ص221 عن الديلمي، وكتاب سليم بن قيس (تحقيق الأنصاري) ص346 وإرشاد القلوب ص391 والصراط المستقيم ج3 ص153 وكتاب الأربعين للشيرازي ص574 ومجمع النورين ص204 وعاية المرام ج4 ص367 ومدينة المعاجز ج2 ص90 ومجمع النورين ص204 ومدينة المعاجز ج2 ص93.
([16]) رجال البرقي ص60 وقاموس الرجال للتستري ج10 ص98 وراجع: مكاتيب الرسول ج1 ص178 والفوائد الرجالية للسيد بحر العلوم ج1 هامش ص466 ومعجم رجال الحديث ج19 ص203.
([17]) الإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج3 ص358 و (ط دار الجيل) ص1404ومكاتيب الرسول ج3 ص555 عنه، والمصنف للصنعاني ج8 ص268 و 269 ونصب الراية ج6 ص198 وكنز العمال ج5 ص591 و 592 وقاموس الرجال ج10 ص99 وتاريخ مدينة دمشق ج58 ص430 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص95 والتمهيد لابن عبد البر ج2 ص9.
([18]) قاموس الرجال ج9 ص99.
([19]) الإحتجاج ج1 ص200 و (ط دار النعمان) ص104 و 105 والبحار ج28 ص202 ومواقف الشيعة ج1 ص430 و 431 والفوائد الرجالية ج2 ص333 و 334 ومجمع النورين ص79 و 80 ونهج الإيمان لابن جبر ص586 وبيت الأحزان ص79 و 95 و 96 وراجع: الصوارم المهرقة ص58.
([20]) كتاب سليم بن قيس (تحقيق الأنصاري) ص151 والبحار ج28 ص270 والإحتجاج ج1 ص109 ومجمع النورين ص98 وبيت الأحزان ص110.
 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page