• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الثامن: وفود بلا تاريخ، قليلة التفاصيل

وفد أحمس:

قال ابن سعد: قدم قيس بن غَرْبَة([1]) الأحمسي في مائتين وخمسين رجلاً من أحمس، فقال لهم رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «من أنتم»؟!
فقالوا: نحن أحمس الله. وكان يقال لهم ذلك في الجاهلية.
فقال لهم رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «وأنتم اليوم لله».
وقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» لبلال: «أعط ركب بجيلة، وابدأ بالأحمسيين». ففعل.
وعن طارق بن شهاب قال: قدم وفد بجيلة على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «اكتبوا البجليين، وابدأوا بالأحمسيين».
فتخلف رجل من قيس، قال: حتى أنظر ما يقول لهم رسول الله «صلى الله عليه وآله».
قال: فدعا لهم رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فسمى مرات: « اللهم جد عليهم، اللهم بارك فيهم».
وفي رواية: قدم وفد أحمس، ووفد قيس، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «ابدأوا بالأحمسيين قبل القيسيين».
ثم دعا لأحمس، فقال: «اللهم بارك في أحمس، وخيلها، ورجالها» سبع مرات([2]).
ونقول:
إن لنا ها هنا بعض البيانات نعرضها فيما يلي:

أنتم اليوم لله:

قد ظهر: أن الأحمسيين حين عرَّفوا أنفسهم لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، كانوا يريدون إظهار ما يعتبرونه امتيازاً لهم، مستفيدين من التعبير الذي كان يطلق عليهم في الجاهلية، فقالوا: نحن أحمس الله. أي أشداء الله تبارك وتعالى.
ولكن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم ينكر عليهم ذلك صراحة، ما دام أنهم ينسبون أنفسهم لله تبارك وتعالى، ولكنه أدخل تصحيحاً على المفهوم الذي أطلقوه، من شأنه أن يعيد الأمور إلى نصابها، ويفرض حالة من التوازن، والواقعية، والدقة حين قال لهم: «وأنتم اليوم لله..»، فأفهمهم أن عليهم أن يبتعدوا عن الإفراط والشطط فيما يدَّعونه لأنفسهم، فهم أحمس لله. أي أشداء في سبيل الله سبحانه، لا أنهم أشداء الله، وهذا هو الأنسب بمقام العبودية، والأقرب للطاعة والإنقياد.

إبدأوا بالأحمسيين:

ثم إن من يراجع حياة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فلا بد أن يقطع بأنه «صلى الله عليه وآله» لم يميز فريقاً على فريق، إلا إذا ميزته التقوى، والعمل الصالح..
ولم نجد للأحمسيين هذا التميز عن غيرهم من البجليين والقيسيين في هذا أو ذاك. فلماذا يكون هذا التفضيل لهم على بجيلة أولاً، وعلى القيسيين ثانياً؟!
ألا يثير ذلك حساسيات سلبية لا مبرر لإثارتها لدى قيس وبجيلة تجاه أحمس؟!
ولماذا لم يبادر القيسيون والبجليون إلى الإعتراض، أو إلى الإستفهام عن سبب تقديم الأحمسيين عليهم على أقل تقدير؟!

الحماس في الدعاء لأحمس:

ثم إننا لم نستطع أن نعرف سبب تخصيص أحمس بالدعاء بالبركة فيها، وفي خيلها، ورجالها!! ولماذا كرر دعاءه هذا لها سبع مرات؟!
فهل كانت خيل أحمس موصوفة ومعروفة، ومتميزة في ساحات القتال؟!
وفي أية معركة ظهر لها هذا التميز والتفرد دون قيس وبجيلة؟!
وهكذا يقال بالنسبة لرجال أحمس، حيث لابد من السؤال عن مواقفهم المشهورة، التي أظهروا فيها تفوقهم على القيسيين وعلى إخوانهم من البجليين في ساحات الجهاد!!

وفود قيس بن غَرْبَة:

إن الرواية المتقدمة تقول: إن النبي «صلى الله عليه وآله» سأل الوفد الذي قدم مع قيس بن غربة: من أنتم؟!
فأخبروه أنهم أحمس الله..
وهذا يشير إلى: أن هذه كانت أول مرة يفدون فيها إليه «صلى الله عليه وآله».. ولذلك سألهم أن يعرِّفوا له أنفسهم، ولو أنه كان قد رآهم قبل ذلك، أو رأى زعيمهم قيس بن غربة لعرفه وعرَّفه، أو لخصه هو بالسؤال عن سبب مجيئه، وعن هوية الذين جاؤوا معه..
مع أن ثمة نصاً آخر يقول: إن قيس بن غربة كان قد قدم على رسول الله «صلى الله عليه وآله» بأمر منه «صلى الله عليه وآله» قبل ذلك،
قال الراوندي: «روي أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» كتب إلى قيس بن عَرْنَة (غَرْبَة) البجلي يأمره بالقدوم عليه، فأقبل ومعه خويلد بن الحارث الكلبي، حتى إذا دنا من المدينة هاب الرجل أن يدخل..
فقال له قيس: أما إذا أبيت أن تدخل، فكن في هذا الجبل حتى آتيه، فإن رأيت الذي تحب أدعوك، فاتبعني، فأقام. ومضى قيس حتى إذا دخل على النبي «صلى الله عليه وآله» المسجد، فقال: يا محمد، أنا آمن؟!
قال: نعم، وصاحبك الذي تخلف في الجبل الخ..»([3]).

إختلاف الروايات:

ثم إن ملاحظة الروايات تعطي: أن ثمة اختلافاً فيما بينها، في عدد ذلك الوفد، فرواية ابن سعد المتقدمة، تقول: إن قيس بن غربة وفد في ماءتين وخمسين رجلاً من أحمس..
وفي نص آخر: وفد إليه في خمس مائة من أحمس، وقدم جرير بن عبدالله البجلي في ماءتين من قيس، والحجاج بن ذي الأعنق الأحمسي في رهطه([4]).
فأي ذلك هو الصحيح؟!
على أننا لا نجد ما يدعو لإيفاد هذا العدد الهائل من الناس.. خمس مائة يضاف إليها مئتان من قيس، ثم يضاف إلى هؤلاء وأولئك رهط الحجاج بن ذي الأعنق الأحمسي..
ولا ندري إن كان الأحمسيون كلهم يبلغون هذه الأعداد الكبيرة!! بل إذا كان وفدهم يصل إلى هذا العدد، فلابد أن يكون من بقي منهم في بلادهم، ليحمي البلاد والعباد، ويدفع الغارات عن المال والعرض، ويحفظ النساء والصبيان أضعاف أضعاف هذا العدد!

غزو خثعم بالأحمسيين:

وقد أضافت بعض الروايات: أن نفس وفد الأحمسيين، وقيس قد «تنادوا عند النبي «صلى الله عليه وآله»، فبعث معهم ثلاث مائة من الأنصار، وغيرهم من العرب، فأوقعوا بخثعم باليمن»([5]).
ونحن وإن كنا لم نستطع أن نفهم المراد من تناديهم في محضر رسول الله «صلى الله عليه وآله» فإننا لم نستطع أيضاً أن نؤكد صحة ادِّعاء إرسالهم في سرية إلى خثعم، فإن سرية بهذا المستوى، وبهذه الكثرة، وقد وصلت إلى اليمن، وأوقعت بقبيلة مثل خثعم، لا يمكن أن تخفى أخبارها عن الرواة والمؤرخين، إلى حد أنهم لم يتمكنوا من التصريح حتى باسم أمير تلك السرية، ولا ذكروا لنا شيئاً عن تفاصيل ما جرى لها ومنها!! ولم نعرف إن كانت قد جاءت بأسرى وسبايا وغنائم!! أم لم تحصل على شيء من ذلك!!..
كما أننا لا نعرف شيئاً عن عدد القتلى من خثعم، ولا ذكر أحد لنا اسم أحد من المقتولين من هذه القبيلة!!.

وفود غافق:

وقالوا: وفد جليحة بن شجار بن صحار الغافقي على رسول الله «صلى الله عليه وآله» في رجال من قومه، فقالوا: يا رسول الله نحن الكواهل من قومنا، وقد أسلمنا وصدقاتنا محبوسة بأفنيتنا.
فقال: «لكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم».
فقال عوذ بن سرير الغافقي: آمنا بالله واتبعنا رسوله([6]).

وفود حضرموت:

قالوا: وقدم وفد حضرموت مع وفد كندة على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وهم بنو وليعة ملوك حضرموت: جَمَد، ومِخْوَس، ومِشْرَح، وأَبْضَعة، فأسلموا.
وقال مِخْوَس: يا رسول الله، ادع الله أن يذهب عني هذه الرتَّة من لساني.
فدعا له، وأطعمه طُعمة من صدقة حضرموت([7]).
وعن أبي عبيدة من ولد عمار بن ياسر قال: وفد مِخْوَس بن معدي كرب بن وليعة فيمن معه على النبي «صلى الله عليه وآله»، ثم خرجوا من عنده، فأصابت مِخْوَس اللقوة، فرجع منهم نفر، فقالوا: يا رسول الله، سيد العرب ضربته اللقوة، فادللنا على دوائه.
فقال: «خذوا مخيطاً، فاحموه في النار، ثم اقلبوا شفر عينه، ففيها شفاؤه، وإليها مصيره، فالله أعلم ما قلتم حين خرجتم من عندي». فصنعوا به فبرأ([8]).
عن عمرو بن مهاجر الكندي قال: كانت امرأة من حضرموت، ثم من تنعة يقال لها: تهناة بنت كُلَيْب صنعت لرسول الله «صلى الله عليه وآله» كسوة، ثم دعت ابنها كليب بن أسد بن كليب. فقالت: انطلق بهذه الكسوة إلى النبي «صلى الله عليه وآله»، فأتاه بها وأسلم، فدعا له، وقال كليب حين أتى رسول الله «صلى الله عليه وآله»:
من وشز برهوت يهوي بي عذافرة             إليـك يا خـير مـن يحـفى وينتعـل
تجـوب بي صفصفـاً  غـبراً مناهله             تـزداد عـفـواً إذا مـا كـلـت الإبل
شهـريـن أعملها نصاً على وجل                 أرجـو بـذاك ثـواب الله يـا رجـل
أنـت الـنـبـي الـذي كنـا نخبره           وبشـرتـنـا بـه التـوارة والـرسل([9])

معنى النبوة في وجدان الناس:

تقدم: أن أحد ملوك حضرموت يطلب منه «صلى الله عليه وآله» أن يدعو الله له ليذهب الرتَّة من لسانه، كما أنه حين ضربته اللقوة رجع منهم إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» نفر فطلبوا منه أن يدلهم على دوائه.. وهذا معناه: أن المرتكز في نفوس الناس هو: أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن مجرد سياسي حاكم أو معلِّم ومبلِّغ للشريعة، أو قاضٍ، أو قائد، أو مصلح اجتماعي. بل هو أيضاً بنظرهم طبيب عالم بالدواء ويدلهم عليه، وهو أيضاً حلال مشكلاتهم، وشافعهم عند الله، وهو الذي يأتيهم الغيث بدعائه، وهو الذي يطلب من الله أن يزيل الرتَّة من لسان من ابتلي بها، إلى غير ذلك مما يجده المتتبع لما جرى بينه «صلى الله عليه وآله» وبين من وفد عليه من القبائل المختلفة، والبلاد المتباعدة..
وهذا الأمر يدلنا على أن هذا الفهم لمعنى النبوة هو أمر استقر في نفوسهم، وفي وجدانهم بصورة عفوية، ولم يستفده الناس من تعليم معلم، ولا من تصريح صادر عن نبي أو وصي..
ويلاحظ أيضاً: أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يستجيب لهم، ولم يقل لأحد منهم ولو مرة واحدة: إن ذلك لا يدخل في صلاحياتي، أو لم تصل إليه معرفتي، أو ليس من اختصاصي.

البشائر بالرسول:

وقد أظهر الشعر الذي قاله كُليب: أن بشائر اليهود بالنبي «صلى الله عليه وآله» وما بلغ الناس عن الأنبياء من تأكيد على ظهوره «صلى الله عليه وآله» قد أسهم في حسم الأمور لدى الكثيرين، فآمنوا به «صلى الله عليه وآله»، وكان لهم بذلك الفوز العظيم.

وفادة الحكم بن حزن الكلفي:

عن الحكم بن حزن قال: قدمنا على رسول الله «صلى الله عليه وآله» سابع سبعة، أو تاسع تسعة، فأذن لنا فدخلنا، فقلنا: يا رسول الله، أتيناك لتدعو لنا بخير، فدعا لنا بخير، وأمر بنا فأنزلنا، وأمر لنا بشيء من تمر، والشأن إذ ذاك دون.
فلبثنا أياماً، فشهدنا بها الجمعة مع رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقام متوكئاً على قوس أو عصاً، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات، طيبات مباركات، ثم قال: «يا أيها الناس، إنكم لن تطيقوا أن تفعلوا كل ما أمرتم به، ولكن سددوا وأبشروا([10]).
ونقول:
1 ـ إن قوله: أو تاسع تسعة لعله ليس من كلام الحكم بن حزم، بل هو من كلام الراوي عن الكتاب، إذ إنه كثيراً ما يشتبه الأمر على القارئ في هذا المورد لتقارب الرسم بين كلمتي سبع، وتسع، مع ملاحظة: أن النقط للحروف لم يكن شائعاً آنئذٍ.
2 ـ ويلاحظ أيضاً: أن الناس كانوا يقصدون النبي «صلى الله عليه وآله» لمجرد طلب الدعاء منه لهم.
وهذا يشير إلى: أن له موقعاً خاصاً في نفوسهم وقلوبهم، وأن الأمر لدى الكثيرين قد تجاوز موضوع القناعة، وإظهار الإعتقاد، لتصبح علاقتهم برسول الله «صلى الله عليه وآله» علاقة مشاعرية وروحية ووجدانية.

وفود بني بكر بن وائل:

قال ابن سعد: قدم وفد بكر بن وائل على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال له ر جل منهم: هل تعرف قس بن ساعدة؟
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «ليس هو منكم، هذا رجل من إياد، تحنَّف في الجاهلية، فوافى عكاظاً والناس مجتمعون، فكلمهم بكلامه الذي حفظ عنه».
وكان في الوفد بشير بن الخصاصية، وعبد الله بن مرثد، وحسان بن حوط، وقال رجل من ولد حسان:
أنـا ابـن حسـان بـن حـوط وأبي                 رسـول بـكــر كـلـهـا إلى الـنـبي
وقدم معهم عبد الله بن أسود بن شهاب بن عوف بن عمرو بن الحارث بن سدوس، وكان ينزل اليمامة، فباع ما كان له من مال باليمامة، وهاجر وقدم على رسول الله «صلى الله عليه وآله» بجراب من تمر، فدعا له رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالبركة([11]).

وفود الصدف:

عن جماعة من الصدف قالوا: قدم وفدنا على رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهم بضعة عشر رجلاً، على قلائص، لهم أزر وأردية، فصادفوا رسول الله «صلى الله عليه وآله» فيما بين بيته وبين المنبر، فجلسوا ولم يسلموا.
فقال: «أمسلمون أنتم»؟
قالوا: نعم.
قال: «فهلا سلمتم»؟
فقاموا قياماً، فقالوا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
فقال: «وعليكم السلام، اجلسوا».
فجلسوا، وسألوا رسول الله «عليه السلام» عن أوقات الصلاة، فأخبرهم بها([12]).
ونقول:
قد يقال: إننا لا نرى مبرراً لعدم مبادرة هذا الوفد إلى السلام على رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلا عدم معرفتهم بتحية الإسلام، وخوفهم من أن تكون تحية الجاهلية مرفوضة، فآثروا السكوت.
ولكن هذا التبرير لا يكفي لتفسير فعلهم هذا، فإنهم حين عاتبهم النبي «صلى الله عليه وآله» لم يعتذروا له بجهلهم بتحية الإسلام، ولا سألوا غيره عن كيفية تحية أهل الإسلام..
إلا أن يدَّعى: أنهم توهموا أن تكون تحية الإسلام بالسلام قد استبدلت بسواها.. أو أنهم ظنوا: أنهم سيتعرضون لسوء، أو أن ذلك كان سوء أدب، وجهلاً منهم.. وكلها احتمالات ليس لها ما يؤيدها.
غير أن مما لا شك فيه: أنه لم تكن لديهم أية نوايا سيئة، كما أظهره تصرفهم بعد مطالبة رسول الله «صلى الله عليه وآله» لهم بذلك.

وفود بني سحيم:

عن أبي عبيدة: أن الأسود بن سلمة قدم على رسول الله «صلى الله عليه وآله» في وفد بني سحيم، فأسلم، فردهم إلى قومهم وأمرهم أن يدعوهم إلى الإسلام، وأعطاهم أداوة ماء قد تفل فيها، أو مج، وقال: «فلينضحوا بهذه الأداوة مسجدهم، وليرفعوا رؤوسهم» إذا رفعها الله تعالى، فما تبع مسيلمة منهم رجل، ولا خرج منهم خارجي قط([13]).
ونقول:
إن الدعوة حين تأتي من خارج القبيلة تبقى هناك حالة من التراخي في مناصرتها، ولا تحظى بالحرص والإندفاع الذي تحظى به لو كانت نابعة من الداخل، ومن خلال الإحساس بضرورة تلك الدعوة، وبالحاجة لها..
كما أن ذلك يوفر لدى القبيلة مستوى من الإطمئنان، والإحساس بالأمن والسكينة معها، حيث لا يتوجس أحد من أهل القبيلة أي نوع من الخوف من تسريب ثمراتها ومنافعها، أو تسريب جزء منها إلى خارج القبيلة.
وكل ذلك يوضح لنا السبب في إرسال النبي «صلى الله عليه وآله» أبناء القبائل لدعوة قومهم وقبائلهم..

وفود بني سدوس:

عن عبد الله بن الأسود قال: كنا عند رسول الله «صلى الله عليه وآله» في وفد بني سدوس، فأهدينا له تمراً، فنثرناه إليه على نطع، فأخذ حفنة من التمر، فقال: «أي تمر هذا»؟
فجعلنا نسمي حتى ذكرنا تمراً، فقلنا: هذا الجذامي، فقال: «بارك الله في الجذامي، وفي حديقة يخرج هذا منها، أو جنة خرج هذا منها»([14]).
ونقول:
لا شك في أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان عارفاً بالتمر الذي كان يسألهم عنه، وقد ذكر لوفد آخر جميع أنواع التمر حتى أدركوا أنه أعرف بأنواع التمر ممن عاش في بلاد هجر، ولكن سؤاله هذا يؤكد لهم بشريته، ويدفع عنهم الأوهام التي ربما تكون قد علقت في أوهامهم، من خلال ما سمعوه من شياطين أهل الشرك، والكفر: من أن الرسول «صلى الله عليه وآله» لابد أن يكون مَلَكاً، أو ما إلى ذلك..
ثم هو يزيل حزازة ربما تكون قد نشأت عن تداعي المعاني، بصورة قهرية، حيث يستذكر الإنسان مرض الجذام الذي تنفر منه النفوس، وتقشعر له الأبدان، فإذا عرَّفهم بقيمة هذا التمر، وبأن الحديقة التي يخرج منها، أو الجنة التي خرج منها مباركة، فإن الرغبة به ستتضاعف، والرضا به سوف يتنامى ويتأكد.
على أن من الواضح: أن نفس هذا الثناء على هذا النوع من التمر يشير إلى معرفته «صلى الله عليه وآله» به، وإلى أن سؤاله عنه كان يهدف إلى استحضار المعنى، وتأكيد تصورهم له، والتفاتهم إلى ما يريد أن يقول لهم عنه..
وكيف لا يعرف «صلى الله عليه وآله» أنواع التمر، وهو يعيش في بلاد التمر، وهو من طعامه المفضل، ويتعامل مع الناس به..

وفد الجشمي، أو الجيشاني:

عن عمرو بن شعيب قال: قدم أبو وهب الجيشاني على رسول الله «صلى الله عليه وآله» في نفر من قومه، فسألوه عن أشربة تكون باليمن.
قال: فسموا له البِتَعَ من العسل، والمِزْر من الشعير.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «هل تسكرون منها»؟
قالوا: إن أكثرنا سكرنا.
قال: «فحرام قليل ما أسكر كثيره».
وسألوه عن الرجل يتخذ الشراب، فيسقيه عماله.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «كل مسكر حرام»([15]).
والبِتع: شراب يتخذ من العسل.
والمِزْر: نبيذ الشعير والحنطة، والحبوب.
ويلاحظ هنا ما يلي:

الجيشاني أم الجشمي؟!:

إن أبا عمر ابن عبد البر قال عن أبي وهب الجيشاني: «لا أدري اهو الجشمي أم لا. وقال فيه: الجيشاني كما ترى. والصواب عندهم الجشمي..
إلى أن قال: وأما أبو وهب الجيشاني فرجل من التابعين، من أهل مصر الخ..»([16]).

سؤال النبي عن البِتَع:

إنه لا شك في: أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يعرف معاني الألفاظ التي كان يخاطب بها. في الوقت الذي كان يكلم كل أهل لسان بلسانهم، بل كان يعرف لغة الطير وسائر المخلوقات، ولكن إذا كان لبعض المفردات معانٍ مختلفة، أو مصاديق متفاوتة، فلابد من استنطاق من يخاطبه عن المعنى الذي يقصده منها ليتم تحديده بدقة، خاصة إذا اختلفت أحكام تلك المعاني باختلافها، لكي لا تساء الإستفادة من إطلاق الجواب، وتسجيل الحكم على موضوع غائم، أو مطاط، ينتهي بالناس إلى الخطأ في فهم مرادات النبي «صلى الله عليه وآله»، وبالتالي الخروج على الثوابت الشرعية، أو الإيمانية، أو غيرها مما يتعرض له النص.
ومن المعلوم: أن المياه في كثير من المناطق العربية كانت وشلة غير صالحة للشرب، فكانوا يحاولون تحليتها وتغيير طعمها بتمر أو عسل، أو غير ذلك. فمنها ما كان يتخمر حتى يصبح مسكراً، ومنها ما كانوا يشربونه بمجرد وضعها فيه وهذا معناه: أن بعض الأنبذة حرام. وهو خصوص ما يتخمر، ويصنَّع، ليصبح مسكراً.. وبعضها حلال وهو ما كان يحلى بالعسل أو غيره ويشرب مباشرة، من دون أن يعرِّضوه للتصنيع والتخمير.
ولذلك كان لابد من تحديد معنى البِتَع، حتى لا يظن ظان: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أحل لهم ما يكون منه مسكراً.

وفود بهراء:

عن كريمة بنت المقداد قالت: سمعت أمي ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب تقول: قدم وفد بهراء من اليمن على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وكانوا ثلاثة عشر رجلاً. فأقبلوا يقودون رواحلهم، حتى انتهوا إلى باب المقداد بن عمرو، ونحن في منازلنا ببني حديلة (بطن من الأنصار).
فخرج إليهم المقداد، فرحب، وأنزلهم، وقدم لهم جفنة من حَيس([17]).
قالت ضباعة: كنّا قد هيأناها قبل أن يحلّوا لنجلس عليها، فحملها المقداد وكان كريماً على الطعام. فأكلوا منها حتى نهلوا، وردت إلينا القصعة وفيها شيء، فجمع في قصعة صغيرة، ثم بعثنا بها مع سدرة مولاتي إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فوجدته في بيت أم سلمة.
فقال «صلى الله عليه وآله»: «ضباعة أرسلت بهذا»؟
قالت سدرة: نعم يا رسول الله.
قال: «ضعي».
ثم قال: «ما فعل ضيف أبي معبد»؟
قلت: عندنا. فأصاب منها رسول الله «صلى الله عليه وآله» هو ومن معه في البيت حتى نهلوا، وأكلت معهم سدرة.
ثم قال: «اذهبي بما بقي إلى ضيفكم».
قالت سدرة: فرجعت بالقصعة إلى مولاتي. قالت: فأكل منها الضيف ما أقاموا. فرددها عليهم وما تغيض، حتى جعل الضيف يقولون: يا أبا معبد، إنك لتنهلنا من أحب الطعام إلينا، وما كنا نقدر على مثل هذا إلا في الحين.
وقد ذكر لنا: أن بلادكم قليلة الطعام، إنما هو العُلْق أو نحوه، ونحن عندكم في الشبع.
فأخبرهم أبو معبد بخبر رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنه أكل منها وردها، وهذه بركة أصابعه «صلى الله عليه وآله».
فجعل القوم يقولون: نشهد أنه رسول الله، وازدادوا يقيناً، وذلك الذي أراد «صلى الله عليه وآله».
فأتوه، فأسلموا، وتعلموا الفرائض، وأقاموا أياماً. ثم جاؤوا إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» يودعونه، فأمر لهم بجوائز، وانصرفوا إلى أهليهم([18]).
ونقول:
1 ـ إن ما فعله المقداد لم يكن مجرد كرم وسخاء، بل هو إيثار تعلمه من مدرسة الإيمان والقرآن، فجزاه الله خيراً، ورضي الله عنه وأرضاه.
2 ـ قد أشارت الرواية إلى: أنه «صلى الله عليه وآله» أراد أن يظهر لهؤلاء الوافدين الكرامة الإلهية، لكي يلمسوها بأنفسهم، ليسهل عليهم أمر الإيمان بالغيب، وبالرعاية الإلهية، فإن الكثيرين من أهل بلاد العرب ومن غيرها في مختلف الدهور، وعلى مر العصور ليسوا قادرين على محاكمة الأمور بطريقة عقلية وعلمية صحيحة، بسبب محدودية معارفهم التي تستفيد منها عقولهم في الوصول إلى النتائج الصحيحة والواضحة، فلا يكفي أن يقرأ عليهم القرآن ليدركوا إعجازه، ويؤمنوا بالله وبرسوله، بل هم يحتاجون إلى ما هو أيسر من ذلك، وأقرب إلى الحس.
ومن الواضح: أن أقرب الأشياء على تفكيرهم، وأشدها لصوقاً بأحاسيسهم، هي تلك التي يشعرون بها من خلال حاجة الجسد، ودعوته لهم لتلبيتها بما يثيره فيهم من الشعور بالخطر على الحياة، أو التماس اللذة، أو سد الحاجة وليس ذلك إلا ما يتصل بالطعام والشراب، الذي به قوام الجسد، وحفظ الوجود.
فإذا جاءت المعجزة لتلبي لهم هذه الحاجة بالذات، فإن التفاعل معها، وإدراك قيمتها لابد أن يعطي الإيمان الناشئ عنها عمقاً ورسوخاً في الروح، وتجذراً في الوجدان قد يتجاوز في مداه وفي قدرته ما تعطيه المعادلات الفكرية، والبراهين العقلية.
وهذا يؤكد لنا قيمة ما ورد في النص المذكور، «فجعل القوم يقولون: نشهد أنه رسول الله، وازدادوا يقيناً، وذلك الذي أراد «صلى الله عليه وآله»، فأتوه وأسلموا، وتعلموا الفرائض الخ..».

وفود بارق:

قال ابن سعد: قدم وفد بارق على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فدعاهم إلى الإسلام، فأسلموا، وبايعوا، وكتب لهم رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «هذا كتاب من محمد رسول الله لبارق. لا تُجذ ثمارهم، ولا تُرعى بلادهم في مربع ولا مصيف إلَّا بمسألة من بارق، ومن مر بهم من المسلمين في عَرك أو جَدب فله ضيافة ثلاثة أيام، وإذا أينعت ثمارهم فلابن السبيل اللقاط، بوسع بطنه من غير أن يقتثم» شهد أبو عبيدة بن الجراح، وحذيفة بن اليمان، وكتب أُبي بن كعب([19]).
ونقول:
بنو بارق بطن من خزاعة. وقال السمعاني: نسبوا إلى بارق، جبل ينزله الأزد ـ فيما أظنه ـ ببلاد اليمن.
وجذ الثمار: قطعها.أي ليس لأحد قطع ثمارهم، ورعي بلادهم، لا في المربع. أي في مكان نزولهم في الربيع، ولا في المصيف. أي مكان نزولهم في الصيف.
والعرك: الخصب.

اشتراط ضيافة المسلمين:

كان النبي «صلى الله عليه وآله» يشترط ضيافة جيوش المسلمين في الكتب التي كان يكتبها لوفود قبائل العرب. وقد يكون سبب ذلك أموراً مجتمعة أو متفرقة.. مثل:
1 ـ إنه «صلى الله عليه وآله» أراد أن يخفف عن تلك الجيوش التي تجوب البلاد طولاً وعرضاً، فلا تكلف بحمل زادها، الذي يحتاج إلى المزيد من الإبل، وإلى جهد، وتعب، وإلى تفرغ فريق يتولى هذه المهمة.. وإلى.. وإلى..
2 ـ إنه «صلى الله عليه وآله» يريد من تلك القبائل أن تشارك في الجهد والجهاد، وتضحي من أجل هذا الدين، وتترسخ محبتها للمجاهدين، الذين يحملون دماءهم على أكفهم، ويبذلون مهجهم من أجل ان يعيش الناس كلهم بما فيهم تلك القبائل بأمن وسلام.
كما أن جهاد هؤلاء المجاهدين لابد أن يثمر لأهل الإيمان كلهم عزة وكرامة، وشوكة، ورفعة شأن..
3 ـ إن هذه التضحيات منهم في سبيل إخوانهم من شأنها أن ترسخ علاقة الأخوة في المجتمع الإسلامي، وتزيل من القلوب أنواعاً من المشاحنات، والأحقاد، وربما حالات الحسد، وما إلى ذلك.. ولا بد من أن يحقق ذلك انسجاماً أعمق، وعلاقات أوثق. تساعد على نقل المعارف والثقافات، والتجارب من قبيلة إلى قبيلة، ومن فريق إلى فريق.

وفود عمرو بن معدي كرب الزبيدي

قالوا: قدم عمرو بن معدي كرب في أناس من بني زبيد على رسول الله «صلى الله عليه وآله» فأسلم، وكان عمرو قد قال لقيس بن مكشوح المرادي ـ وهو ابن أخته ـ: يا قيس، إنك سيد قومك، وقد ذكر لنا: أن رجلاً من قريش يقال له: محمد، قد خرج بالحجاز يقول: إنه نبي، فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه، فإن كان نبياً كما يقول فإنه لن يخفى عنك، إذا لقيناه اتبعناه، وإن كان غير ذلك علمنا علمه.
فأبى عليه قيس ذلك وسفه رأيه، فركب عمرو بن معدي كرب حتى قدم على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأسلم وصدقه وآمن به. فلما بلغ ذلك قيساً أوعد عمرواً (وتحطم عليه وقال: خالفني وترك رأيي).
فقال عمرو في ذلك شعراً أوله:
أمـرتـك يـوم ذي صـنـعـــا                ء أمـراً بــاديــــاً رشـــــده
قال ابن إسحاق: فأقام عمرو بن معدي كرب في قومه من بني زبيد وعليهم فروة بن مسيك، فلما توفي رسول الله «صلى الله عليه وآله» ارتد عمرو.
قال ابن سعد: ثم رجع إلى الإسلام، وأبلى يوم القادسية وغيرها([20]).
ونقول:

إن هذه الحكاية موضع شك:

أولاً: قال الخطيب عن عمرو: قيل: لم يلق رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وإنما قدم المدينة بعد وفاته([21]).
ثانياً: أننا قد ذكرنا في موضع آخر من هذا الكتاب: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد وجه علياً «عليه السلام»، وخالد بن سعيد إلى اليمن، فأسرا جماعة من بني زبيد قوم عمرو بن معد يكرب، فقال عمرو: دعوني آتي هؤلاء القوم، فإني لم اسمَّ لأحد قط إلا هابني، فلما دنا منهما وعرفهما بنفسه، ابتدراه كل منهما يقول: خلني وإياه.
فقال عمرو: العرب تُفَزَّع بي، وأراني لهؤلاء جزراً، فانصرف([22]).
وفي نص آخر: أن خالد بن سعيد سبى قوم عمرو، ثم كلمه عمرو فيهم، فوهبهم له، فوهبه عمرو سيفه، ومدحه في شعره([23]).
فإن كان عمرو بن معدي كرب قد وفد مع بعض بني زبيد على رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأسلم على يديه، فإنما كان ذلك بعد قصته مع أمير المؤمنين، ومع خالد بن سعيد بن العاص.. ولا يصح قوله لقيس بن مكشوح: قد ذكر لنا: أن رجلاً من قريش يقال له: محمد، قد خرج بالحجاز الخ..
بل قد يكون ثمة رغبة في إعطاء عمرو بن معدي يكرب وسام الصحبة مكافأةً له على مشاركته في الحروب في عهد عمر بن الخطاب، ومنها حرب القادسية.

وفود طارق بن عبد الله:

عن طارق بن عبد الله قال: «إني لقائم» بسوق ذي المجاز إذ أقبل رجل عليه جبة له، وهو يقول: أيها الناس، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، ورجل يتبعه، يرميه بالحجارة يقول: أيها الناس، إنه كذاب، فلا تصدقوه.
فقلت: من هذا؟
فقالوا: هذا غلام من بني هاشم يزعم أنه رسول الله.
قال: فقلت: من ذا الذي يفعل به هذا؟
قالوا: عمه عبد العزى.
قال: فلما أسلم الناس وهاجروا خرجنا من الربذة نريد المدينة، نمتار من تمرها. فلما دنونا من حيطانها ونخلها قلنا: لو نزلنا فلبسنا ثياباً غير هذه، فإذا رجل في طمرين له، فسلم وقال: من أين أقبل القوم؟
قلنا: من الربذة.
قال: وأين تريدون؟
قلنا: نريد المدينة.
قال: ما حاجتكم فيها؟
قلنا: نمتار من تمرها.
قال: ومعنا ظعينة لنا، ومعنا جمل أحمر مخطوم، فقال: أتبيعوني جملكم هذا؟
قالوا: نعم، بكذا وكذا صاعاً من تمر.
قال: فما استوفينا مما قلنا شيئاً حتى أخذ بخطام الجمل وانطلق به، فلما توارى عنا بحيطان المدينة ونخلها، قلنا: ما صنعنا والله ما بعنا جملنا ممن نعرف، ولا أخذنا له ثمناً.
فقالت المرأة التي معنا: لا تلاوموا، فلقد رأيت وجه رجل لا يغدر بكم، والله لقد رأيت رجلاً كأن وجهه شقة القمر ليلة البدر، أنا ضامنة لثمن جملكم.
إذ أقبل رجل فقال: أنا رسول رسول الله «صلى الله عليه وآله» إليكم، هذا تمركم، فكلوا واشبعوا، واكتالوا واستوفوا.
فأكلنا حتى شبعنا، واكتلنا واستوفينا، ثم دخلنا المدينة، فلما دخلنا المسجد فإذا هو قائم على المنبر يخطب الناس، فأدركنا من خطبته وهو يقول: «تصدقوا، فإن الصدقة خير لكم، اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول: أمك وأباك، وأختك وأخاك، وأدناك أدناك».
 فأقبل رجل في نفر من بني يربوع، أو قام رجل من الأنصار، فقال: يا رسول الله، إن لنا في هؤلاء دماً في الجاهلية.
فقال: «لا تجني أم على ولد» ثلاث مرات([24]).
ونقول:
إننا نشك في هذه المزاعم، وذلك لما يلي:
أولاً: إن النبي الكريم «صلى الله عليه وآله» لم يكن ليخرج وحده إلى خارج المدينة، يتجاوز حيطانها (أي بساتينها) ونخلها دونما سبب يدعوه إلى إيثار هذه الوحدة..
ثانياً: إنه لا يأخذ منهم الجمل بطريقة غير مألوفة، وكأنه يقتنصه منهم اقتناصاً، بخطامه، وانطلق به دون أن يدفع لهم من ثمنه شيئاً، بل دون أن يفاوضهم على زمان الدفع ومكانه..
فإن النبي «صلى الله عليه وآله» لا يقدم على مخالفة حكم الشريعة، حتى لو على سبيل الإحتمال، إذ لعلهم لا يرضون بأخذ الجمل منهم دون أن يدفع ثمنه، لا سيما وأنهم لا يعرفون شيئاً عن المشتري.
ثالثاً: ما معنى أن تدرك المرأة صفات وميزات ذلك المشتري، وتلاحظ: أن وجهه كأنه شقة قمر، وأن وجهه وجه من لا يغدر بالناس. ولا يدرك الآخرون من الرجال الحاضرين ذلك؟!
رابعاً: إذا كان طارق قد رأى النبي «صلى الله عليه وآله» بذي المجاز، فلابد أن يعرفه حين التقى به خارج المدينة، حتى لو فصل بين رؤيته الأولى، والثانية حوالي عشر سنوات، فإن الملامح لا تتغير في هذا السن بصورة كبيرة، ولعل التعبير عن النبي «صلى الله عليه وآله» بأنه غلام قد يكون هدفه التغرير بالناس وإيهامهم: أنه «صلى الله عليه وآله» كان صغير السن وقد تغيرت ملامحه، فلم يعرفه طارق لأجل ذلك..
وقد فاته: أنه «صلى الله عليه وآله» قد أصبح رسولاً وهو في سن الأربعين، وأن كلمة غلام تطلق على الشاب وعلى الشيخ، فراجع.

وفود عنزة:

عن سلمة بن سعد: أنه وفد على رسول الله «صلى الله عليه وآله» هو وجماعة من أهل بيته وولده، فاستأذنوا على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فدخلوا، فقال: «من هؤلاء»؟
فقيل له: هذا وفد عنزة.
فقال: «بخٍ بخٍ بخٍ بخٍ» ـ أربعاً ـ «نِعمَ الحي عنزة، مبغي عليهم منصورون، مرحباً بقوم شعيب، وأختان موسى، سل يا سلمة عن حاجتك».
قال: جئت أسألك عما افترضت علي في الإبل والغنم.
فأخبره، ثم جلس عنده قريباً، ثم استأذنه في الإنصراف. فما عدا أن قام لينصرف، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «اللهم ارزق عنزة كفافاً، لا فوت ولا إسراف»([25]).
ونقول:
1 ـ إننالا نستطيع أن نؤكد أو أن ننفي وصدور هذه الكلمات عن النبي «صلى الله عليه وآله»، فقد قلنا: إن ما يرتبط بمدح القبائل والبلدان يبقى في موقع التهمة، حتى تظهر الدلائل التي تؤكده أو تنفيه ..
ثم إن الناس بشر يخطئون ويصيبون، ويطيعون ويعصون ويقعون تحت تأثير الأهواء ووساوس الشيطان..
2 ـ لم يظهر لي وجه تخصيص عنزة بهذا الترحيب والثناء، ولم أعرف من الباغي على عنزة، الذي ينصرون عليه، ومتى كان ذلك.. ولماذا كانوا قوم شعيب، وأختان موسى «عليه السلام»..
3 ـ إن القادمين على رسول الله «صلى الله عليه وآله» هم: سلمة وأهل بيته وولده، وهم أهل بيت واحد، فأين كان سائر رجال قبيلة عنزة، فلماذا لم يفد منهم أحد؟!

وفود بني سعد هذيم:

روى محمد بن عمر الأسلمي، عن ابن النعمان، عن أبيه قال: قدمت على رسول الله «صلى الله عليه وآله» وافداً في نفر من قومي، وقد أوطأ رسول الله «صلى الله عليه وآله» البلاد غلبة، وأذاخ([26]) العرب.
والناس صنفان: إما داخل في الإسلام راغب فيه، وإما خائف من السيف، فنزلنا ناحية من المدينة ثم خرجنا نؤم المسجد حتى انتهينا إلى بابه، فنجد رسول الله «صلى الله عليه وآله» يصلي على جنازة في المسجد، فقمنا خلفه ناحية ولم ندخل مع الناس في صلاتهم، وقلنا: حتى نلقى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ونبايعه.
ثم انصرف «صلى الله عليه وآله»، فنظر إلينا فدعا بنا فقال: «ممن أنتم»؟
قلنا: من بني سعد هذيم.
فقال: «أمسلمون أنتم»؟
قلنا: نعم.
قال: «فهلا صليتم على أخيكم»؟
قلنا: يا رسول الله، ظننا أن ذلك لا يجوز لنا حتى نبايعك.
فقال «صلى الله عليه وآله»: «أينما أسلمتم، فأنتم مسلمون».
قال: فأسلمنا وبايعنا رسول الله «صلى الله عليه وآله» بأيدينا على الإسلام، ثم انصرفنا إلى رحالنا وقد كنا خلَّفنا عليها أصغرنا.
فبعث رسول الله «صلى الله عليه وآله» في طلبنا، فأتي بنا إليه، فتقدم صاحبنا فبايعه على الإسلام، فقلنا: يا رسول الله، إنه أصغرنا وإنه خادمنا.
فقال: «أصغر القوم خادمهم، بارك الله عليه».
قال: فكان والله خيرنا، وأقرأنا للقرآن، لدعاء رسول الله «صلى الله عليه وآله» له، ثم أمَّره رسول الله «صلى الله عليه وآله» علينا، فكان يؤمنا.
ولما أردنا الإنصراف أمر بلالاً فأجازنا بأواقي من فضة لكل رجل منا، فرجعنا إلى قومنا، فرزقهم الله عز وجل الإسلام([27]).

أول جنازة صلى عليها رسول الله :

قال في النور: يحتمل أن صاحب الجنازة سهيل بن بيضاء، فإن قدوم هذا الوفد كان في سنة تسع، وسهيل توفي فيها في مقدمه من تبوك، ولا أعلمه صلى في جنازة في المسجد إلا عليه.
ووقع في صحيح مسلم: أنه صلى على سهيل وأخيه في المسجد.
ففيه: أنه إن كان المراد به سهلاً فلا يصح، لأنه مات بعد النبي «صلى الله عليه وآله» كما قاله محمد بن عمر [الواقدي].
وكونه صفواناً فيه نظر أيضاً، لأنه استشهد ببدر.
والصواب: حديث عبادة في مسلم الذي فيه إفراد سهيل لا الحديث الذي بعده.
هذا في المسجد النبوي. وقد صلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» في مسجد بني معاوية على أبي الربيع عبيد الله بن عبد الله بن ثابت بن قيس، وكان قد شهد أُحداً([28]).
غير أننا نقول:
إن الذين يعيشون في المدينة من المسلمين كانوا كثيرين ويعدون بالمئات، بل قيل: يعدون بالألوف، فهل كان «صلى الله عليه وآله» يقصد بيوت من يموت منهم ليصلي على جنائزهم فيها؟ أم أنه كان يصلي عليها بالبقيع، أو في ساحات أخرى من المدينة؟! أم كانوا يأتون بجنائزهم إليه، ليصلي عليها في المسجد؟! أم أنه لم يمت أحد في المدينة طيلة تلك السنوات منذ الهجرة؟! أم أن الناس كانوا يصلون على جنائزهم بأنفسهم من دون الرجوع إلى النبي «صلى الله عليه وآله» لذلك؟!
وفي جميع الأحوال نقول:
إن عدم نقل ذلك لا يدل على عدم وجوده، ولا يستحق أن يشغل الناس بأمور كهذه.

الخوف من السيف:

قد ذكر النص المتقدم: أن الناس صنفان: إما خائف من السيف، أو داخل في الإسلام. وهذا كلام غير دقيق. فإن الإسلام لم يزل يعلن للناس أنه: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}([29]).
{فَمَنْ شَاء فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاء فَلْيَكْفُرْ}([30]).
{لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ}([31]).
وآيات كثيرة أخرى..
فالخائفون من السيف هم خصوص أولئك الذين يريدون أن يكونوا جبارين في الأرض، ويواجهون النبي «صلى الله عليه وآله» بالحرب، لمنعه من إبلاغ دعوته، ومنع من تبلغهم الدعوة من ممارسة حقهم في اختيار هذا الدين، والإيمان به، حتى أنهم يعاقبون من يفعل ذلك بالقتل، وبالتعذيب، وبالمقاطعة بجميع أنواعها وبكل ما يقع تحت اختيارهم.

أصغر القوم خادمهم:

وأما حديث أصغر القوم خادمهم، فنحن نشك في صحته لا سيما وأن الخادم للقوم هو الذي يقدر على خدمتهم، والقيام بحوائجهم، والأصغر قد لا يكون كذلك في أحيان كثيرة..
والمروي عن النبي «صلى الله عليه وآله»: «سيد القوم خادمهم»([32]). وهذا الحديث، وإن حاول بعض أهل السنة تضعيفه سنداً([33])، ولكنه يبقى هو المناسب لطبيعة الأمور، فإن سيد القوم يكون بحسب العادة قادراً على قضاء حوائج الناس وتقديم الخدمات لهم، إما مباشرة أو من خلال ما لديه من نفوذ ومكانة تجعل كلمته مسموعة، وتجعله قادراً على استخدام وسائل مختلفة..

وفود أسلم:

قال ابن سعد: قدم عُمير بن أفصى في عصابة من أسلم، فقالوا: «قد آمنا بالله ورسوله، واتبعنا منهاجك، فاجعل لنا عندك منزلة تعرف العرب فضيلتها، فإنا إخوة الأنصار، ولك علينا الوفاء والنصر في الشدة والرخاء».
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها».
وكتب رسول الله «صلى الله عليه وآله» كتاباً لأسلم، ومَن أسلم من قبائل العرب، ممن يسكن السيف([34]) والسهل، وفيه ذكر الصدقة والفرائض في المواشي. وكتب الصحيفة ثابت بن قيس بن شماس. وشهد أبو عبيدة بن الجراح، وعمر بن الخطاب([35]).
ونقول:
إننا لا نطمئن إلى صحة ما تقدم، فلاحظ ما يلي:

الثناء على أسلم وغفار:

وأول ما نذكره هنا هذا الثناء على قبيلتي أسلم وغفار، من دون أي مبرر ظاهر، مع أن هاتين القبيلتين بالإضافة إلى جهينة ومزينة هم المعنيون بالآية: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ}([36]). كما قاله عكرمة([37]).
وقد تحدثنا عن هذا الأمر في بعض أجزاء هذا الكتاب فراجع.
ولعل سبب هذا الثناء على قبيلة أسلم هو أنها هي التي كانت قد احتلت المدينة، ومكنت لأبي بكر من غصب الخلافة من الوصي والولي المنصوب من قِبَلِ الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» في يوم الغدير بأمر من الله تعالى، ولم يزل النص عليه بالإمامة والخلافة يتوالى منه «صلى الله عليه وآله» طيلة أكثر من عشرين سنة. ولعلنا نشير إلى ما فعلته أسلم في التمكين لأبي بكر إن شاء الله تعالى([38]).

أسلم إخوة الأنصار:

ثم إننا لم نستطع أن نفهم السبب في أنهم اعتبروا أنفسهم أخوة الأنصار.. فإن كان المقصود هو الأخوّة في الإيمان، فإن هذا لا يجعل لهم امتيازاً على من سواهم من سائر المسلمين، لكي يطالبوا النبي «صلى الله عليه وآله» بتمييزهم على من عداهم، كما أنه لا يبرر تخصيصهم للأنصار بالأخوة، فهم إخوة للمهاجرين أيضاً.
وإن كان المقصود هو: أخوة خاصة، فإن التاريخ لا يثبت لهم شيئاً من ذلك.

طلب المنزلة الخاصة:

على أن طلبهم أن يكون لهم منزلة خاصة عند رسول الله «صلى الله عليه وآله» يدل دلالة تكاد تكون واضحة على حب هؤلاء للدنيا، وعلى أن لهم تعلقاً خاصاً بها..
وذلك يقتضي أن يبادر «صلى الله عليه وآله» إلى معالجة هذا الأمر فيهم.. إذ إنهم لم يفعلوا بعد أي شيء يستحقون به تلك المنزلة، سوى أنهم قد آمنوا بالله ورسوله، وهذا ما يفعله سائر الناس، وقد سبقهم إليه غيرهم.

وفد بني هلال:

قالوا: وقدم على رسول الله «صلى الله عليه وآله» نفر من بني هلال، فيهم عبد عوف بن أصرم بن عمرو، فسأله عن اسمه، فأخبره.
فقال: «أنت عبد الله»، فأسلم.
ومنهم قبيصة بن المخارق قال: يا رسول الله، إني حملت عن قومي حمالة، فأعنّي فيها.
قال: «هي لك في الصدقة إذا جاءت»([39]).
وروى مسلم عن قبيصة بن مخارق الهلالي قال: تحملت حمالة، فأتيت رسول الله «صلى الله عليه وآله» أسأله فيها، فقال: «أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها».
قال: ثم قال: «يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش ـ أو قال سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه (فيقولون) لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش ـ أو قال: سداداً من عيش ـ فما سواهن [من المسألة] يا قبيصة سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً»([40]).
ونقول:

لماذا غضب النبي ؟!:

زعمت الراية المتقدمة: أن النبي «صلى الله عليه وآله» غضب حين رأى زياد بن الحارث عند ميمونة، ورجع، فلما أخبرته ميمونة بأنه ابن أختها عاد فدخل إليها.
وهذا كلام يشك في صحته:
أولاً: لأن المفروض أنه: لا بد للنبي «صلى الله عليه وآله» أن يحسن الظن بميمونة، فإنها مسلمة يحمل فعلها على الصحة، ومع شكه في الأمر، فلماذا غضب، ثم بادر لاتخاذ قرار بالرجوع، ورجع، قبل أن يتحقق من صحة ما ظنه، ولو بسؤال ميمونة عن ذلك الرجل الغريب..
ثانياً: لماذا لم يبادر «صلى الله عليه وآله» إلى طرد ذلك الرجل، بدلاً من أن يرجع؟! أو فقل: لماذا لم يسأله عن سبب دخوله إلى بيته؟!

وفود بني عقيل بن كعب:

قال أشياخ من بني عقيل: وفد منا من بني عقيل على رسول الله «صلى الله عليه وآله» ربيع بن معاوية بن خفاجة بن عمرو بن عقيل، ومطرف بن عبد الله بن الأعلم بن عمرو بن ربيعة بن عقيل، وأنس بن قيس بن المنتفق بن عامر بن عقيل، فبايعوا وأسلموا، وبايعوه على من وراءهم من قومهم، فأعطاهم النبي «صلى الله عليه وآله» العقيق، عقيق بني عقيل، وهي أرض فيها عيون ونخل، وكتب لهم بذلك كتاباً في أديم أحمر:
«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمد رسول الله «صلى الله عليه وآله» ربيعاً ومطرفاً وأنساً، أعطاهم العقيق، ما أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وسمعوا وأطاعوا». ولم يعطهم حقاً لمسلم [وكان الكتاب في يد مطرف]([41]).
ونقول:
بايعوا على من وراءهم:
إن بيعة بني عقيل على من وراءهم من قومهم لعلها كانت مستندةً إلى أن قومهم كانوا قد فوضوهم، والتزموا بما يقررونه في وفادتهم تلك، أو أنهم يثقون بقبول قومهم منهم.

إقطاع أرض فيها عيون ونخل:

وقد ذكر آنفاً: أن النبي «صلى الله عليه وآله» أعطى العقيق لبني عقيل، وهي أرض فيها عيون ونخل..
وقد ذكرنا حين الحديث عن إقطاعات رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أن الظاهر هو أن المقصود بالنخيل أصولها، أو تلك التي تركها أهلها، وليس لها من يهتم بها..
وربما يكون بنو عقيل هم الأقرب أو الأقدر على إحيائها من غيرهم، بملاحظة ظروفهم وظروف غيرهم..
وعن تصريح في الكتاب بقوله: «ولم يعطهم حقاً لمسلم» نقول:
إن ذلك يقطع الطريق على أي احتمال ربما يتذرع به أهل الريب في هذا الإتجاه.

إقطاع مشروط:

وقد صرح الكتاب الذي كتبه لبني عقيل: بأن هذا الإقطاع مشروط بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والسمع والطاعة، فمتى لم يقوموا بهذه الشروط سقطت مالكيتهم..
وليس لأحد أن يعترض أو أن يناقش في هذا الإشتراط، فإن الأرض لله ولرسوله، وهو الذي يشرع، ويقرر، ويشترط.

وفود خولان:

قالوا: قدم وفد خولان (قبيلة في اليمن) وهم عشرة نفر في شعبان سنة عشر، فقالوا: يا رسول الله، نحن مؤمنون بالله، ومصدقون برسوله، ونحن على من وراءنا من قومنا، وقد ضربنا إليك آباط الإبل، وركبنا حزون الأرض وسهولها، والمنة لله ولرسوله علينا، وقدمنا زائرين لك.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «أما ما ذكرتم من مسيركم إلي، فإن لكم بكل خطوة خطاها بعير أحدكم حسنة. وأما قولكم زائرين لك، فإنه من زارني بالمدينة كان في جواري يوم القيامة».
فقالوا: يا رسول الله، هذا السفر الذي لا تَوىَ عليه (أي لا هلاك).
ثم قال «صلى الله عليه وآله»: «ما فعل عم أنس»؟ وهو صنم خولان الذي كانوا يعبدونه.
قالوا: بِشَرٍّ وعَرٍّ، أبدلنا الله به ما جئت به، ولو قد رجعنا إليه لهدمناه، وبقيت منا بعد بقايا من شيخ كبير، وعجوز كبيرة متمسكون به، ولو قد قدمنا عليه هدمناه إن شاء الله تعالى، فقد كنا منه في غرور وفتنة.
فقال لهم رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «وما أعظم ما رأيتم من فتنته»؟
قالوا: لقد رأيتنا وأسْنَتْنا حتى أكلنا الرمة، فجمعنا ما قدرنا عليه، وابتعنا مائة ثور ونحرناهم لعم أنس قرباناً في غداة واحدة، وتركناها تردها السباع، ونحن أحوج إليها من السباع، فجاءنا الغيث من ساعتنا، ولقد رأينا العشب يواري الرجل، فيقول قائلنا: أنعم علينا عم أنس.
وذكروا لرسول الله «صلى الله عليه وآله» ما كانوا يقسمون لصنمهم هذا من أنعامهم وحروثهم، وأنهم كانوا يجعلون من ذلك جزءاً له، وجزءاً لله بزعمهم. قالوا: كنا نزرع الزرع فنجعل له وسطه، فنسميه له، ونسمي زرعاً أخر حجرة لله، فإذا مالت الريح فالذي سميناه لله جعلناه لعم أنس، وإذا مالت الريح فالذي سميناه لعم أنس جعلناه لله.
فذكر لهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن الله عز وجل قد أنزل عليه في ذلك: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَهِ وَمَا كَانَ لِلَهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}([42]).
قالوا: وكنا نتحاكم إليه فنكَلم.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «تلك الشياطين تكلمكم».
قالوا: إنّا أصبحنا يا رسول الله وقلوبنا تعرف أنه كان لا يضر ولا ينفع، ولا يدري من عبده ممن لم يعبده.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «الحمد لله الذي هداكم وأكرمكم بمحمد».
وسألوا رسول الله «صلى الله عليه وآله» عن أشياء من أمر دينهم، فجعل يخبرهم بها، وأمر من يعلمهم القرآن والسنن، وأمرهم بالوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وحسن الجوار، وألا يظلموا أحداً.
قال: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «الظلم ظلمات يوم القيامة.
وأنزلوا دار رملة بنت الحدث، وأمر بضيافة، فأجريت عليهم، ثم جاؤوا بعد أيام يودعونه، فأمر لهم بجوائز باثنتي عشرة أوقية ونشاً، ورجعوا إلى قومهم فلم يحلوا عقدة حتى هدموا عم أنس، وحرَّموا ما حرَّم عليهم رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأحلوا ما أحل لهم([43]).
ونقول:
إننا لا نرى أن ثمة حاجة للتعليق على ما ذكر آنفاً، فإنه واضح قريب المأخذ. ولا نجد فيه ما يثير الريب والشك.

وفود تُجِيب، وهم من السكون:

وقدم وفد تُجِيب (وهم بطن من كندة) على رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهم ثلاثة عشر رجلاً، وساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرض الله عز وجل، فسر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بهم، وأكرم منزلهم. وقالوا: يا رسول الله، سقنا إليك حق الله في أموالنا.
فقال «صلى الله عليه وآله»: «ردوها فاقسموها على فقرائكم».
قالوا: يا رسول الله، ما قدمنا عليك إلا بما فضل من فقرائنا.
فقال أبو بكر: يا رسول الله، ما قدم علينا وفد من العرب بمثل ما وفد به هذا الحي من تجيب.
فقال «صلى الله عليه وآله»: «إن الهدى بيد الله عز وجل، فمن أراد الله به خيراً شرح صدره للإيمان».
وسألوا رسول الله «صلى الله عليه وآله» أشياء فكتب لهم بها، وجعلوا يسألونه عن القرآن والسنن، فازداد رسول الله «صلى الله عليه وآله» فيهم رغبة، وأمر بلالاً أن يحسن ضيافتهم.
فأقاموا أياماً، ولم يطيلوا اللبث.
فقيل لهم: ما يعجلكم؟
قالوا: نرجع إلى من وراءنا فنخبرهم برؤيتنا رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وكلامنا إياه. وما رد علينا.
ثم جاؤوا رسول الله «صلى الله عليه وآله» يودعونه، فأمر بلالاً فأجازهم بأرفع مما كان يجيز به الوفود، وقال: «هل بقي منكم أحد»؟
قالوا: غلام خلفناه على رحالنا وهو أحدثنا سناً.
قال: «أرسلوه إلينا».
فلما رجعوا إلى رحالهم قالوا للغلام: انطلق إلى رسول الله، فاقض حاجتك منه، فإنا قد قضينا حوائجنا منه وودعناه.
فأقبل الغلام حتى أتى رسول الله «صلى الله عليه وآله» فقال: يا رسول الله، إني غلام من بني أبذى من الرهط الذين أتوك آنفاً، فقضيت حوائجهم، فاقض حاجتي يا رسول الله.
قال: «وما حاجتك»؟
قال: «يا رسول الله، إن حاجتي ليست كحاجة أصحابي، وإن كانوا قد قدموا راغبين في الإسلام، وساقوا ما ساقوا من صدقاتهم، وإني والله ما أعملني من بلادي إلا أن تسأل الله عز وجل أن يغفر لي، ويرحمني، وأن يجعل غناي في قلبي».
فقال «صلى الله عليه وآله»: «اللهم اغفر له وارحمه، واجعل غناه في قلبه».
ثم أمر به بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه.
فانطلقوا راجعين إلى أهليهم، ثم وافوا رسول الله «صلى الله عليه وآله» بمنى سنة عشر، فقالوا: نحن بنو أبذى، فسألهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» عن الغلام، فقالوا: يا رسول الله، والله ما رأينا مثله قط، ولا حدثنا بأقنع منه بما رزقه الله. لو أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر نحوها ولا التفت إليها.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «الحمد لله، إني لأرجو أن يموت جميعاً».
فقال رجل منهم: أوليس يموت الرجل جميعاً؟
فقال «صلى الله عليه وآله»: «تشعب أ

الإكتفاء الذاتي في عهد رسول الله :

هواؤه وهمومه في أودية الدنيا، فلعل أجله يدركه في بعض تلك الأودية، فلا يبالي الله عز وجل في أيها هلك».
قالوا: فعاش ذلك الرجل فينا على أفضل حال وأزهده في الدنيا، وأقنعه بما رزقه الله.
فلما توفي رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ورجع من رجع من أهل اليمن عن الإسلام، قام في قومه فذكرهم الله والإسلام، فلم يرجع منهم أحد. وجعل أبو بكر يذكره، ويسأل عنه حتى بلغه حاله، وما قام به. فكتب إلى زياد بن لبيد يوصيه به خيراً([44]).

الإكتفاء الذاتي في عهد رسول الله :
ونلاحظ أن النص المتقدم قد صرح: بأن تلك القبيلة قد استغنى فقراؤها حين أخذت الزكاة من أغنيائها ووزعت عليهم، وبقيت لديها أموال لم تجد لها مورداً تصرفها فيه، فحملتها إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله».
وذلك يشير إلى أن ما شرعه الإسلام في أمر الأموال يحقق العدالة الإجتماعية، ويكفي لاقتلاع جذور الفقر من بين البشر، فإن الكل يعلم أنه لا خصوصية لقبيلة تجيب السكونية في المجتمع العربي، فما يجري في هذه القبيلة وعليها يجري في غيرها، خصوصاً في الشأن المعيشي.
وقد ورد في بعض الأخبار ما يدل على أن الناس لو التزموا بأحكام الله وشرائعه، وعملوا بما فرضه الله في الأموال، وأخرجوا حق الله منها، وأوصلوه إلى أهله لم يبق في الدنيا فقير على الإطلاق، ومن هذه النصوص قول أمير المؤمنين «عليه السلام»: «ما جاع فقير إلا بما متع به غني»([45]).
أو «ما جاع فقير إلا بما منع غني»([46]).
وفي رواية عن أبي الحسن الأول «عليه السلام» يقول في آخرها بعد أن ذكر أصناف المستحقين وسهامهم: «فلم يبقى فقير من فقراء الناس، ولم يبق فقير من فقراء قرابة رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلا وقد استغنى فلا فقير»([47]).

حديث الرجل من بني أبذى:

وقد لفت نظرنا أيضاً: أنه برغم أهمية قصة ذلك الرجل الذي هو من بني أبذى، فإن الروايات المتقدمة قد عجزت عن ذكر اسمه لنا، مع انهم يذكرون لنا اسماء من ليس له أثر يستحق الذكر على الإطلاق. فلماذا كان ذلك؟! لا ندري!!



([1]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص261 عن الطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ق2 ص78. والطبقات الكبرى لابن سعد (ط دار صادر) ج1 ص347.
([2]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص261 عن أحمد بن حنبل. ومسند احمد ج4 ص315 ومجمع الزوائد للهيثمي ج10 ص49.
([3]) الخرائج والجرائح (ط مؤسسة الإمام المهدي ـ قم) ج1 ص103 والبحار ج22 ص76 وج18 ص117 عنه، ومكاتيب الرسول ج1 ص204.
([4]) الإصابة ج3 ص256 وفي (ط دارالكتب العلمية) ج5 ص374.
([5]) الإصابة ج3 ص256.
([6]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص390 عن طبقات ابن سعد (ط ليدن) ج2 ص115. وفي (ط دار صادر) ج1 ص352.
([7]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص321 عن ابن سعد، وفي هامشه عن: الطبقات الكبرى (ط ليدن) ج2 ص112. وفي الطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج1 ص349.
([8]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص321 عن ابن سعد. والطبقات الكبرى لابن سعد (ط دار صادر) ج1 ص350.
([9]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص321 و 322 عن ابن سعد. والطبقات الكبرى لابن سعد (ط دار صادر) ج1 ص350 وتاريخ مدينة دمشق ج3 ص399 والأعلام للزركلي ج5 ص232 والإصابة ج5 ص464.
([10]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص222 وج6 ص322 عن أحمد، وأبي داود، والبيهقي واللفظ له. وفي هامشه عن: كنز العمال (5219). ومسند أحمد ج4 ص212 ونيل الأوطار ج3 ص330 وسنن أبي داود ج1 ص246 والمعجم الكبير للطبراني ج3 ص213 ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ج2 ص490 وكنز العمال ج3 ص671 وأسد الغابة ج2 ص32 وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج23 ص209 وتهذيب الكمال ج7 ص93.
([11]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص281 وتهذيب تاريخ دمشق ج10 ص166 وعن الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج2 ص79. وفي (ط دار صادر) ج1 ص315 وتاريخ مدينة دمشق ج10 ص306.
([12]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص343 و352 عن ابن سعد، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص248 والبداية والنهاية ج5 ص110 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص181.
([13]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص342 عن الرشاطي. والإصابة ج1 ص257.
([14]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص343 عن البزار، وقال في هامشه: ذكره الهيثمي في المجمع ج5 ص43 وعزاه للبزار، والطبراني بنحوه، وقال: وفيه جماعة لم يعرفهم العلائي ولم أعرفهم. وكنز العمال ج12 ص342 وج14 ص189.
([15]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص318 وفي هامشه عن: الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج2 ص121 و(ط دار صادر) ج1 ص359 وراجع: الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج4 ص216 عن سنيد، عن الأوزاعي.
([16]) الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج4 ص216 و الإستيعاب (ط دار الجيل) ج4 ص1775 وأسد الغابة ج5 ص322.
([17]) الحَيس: تمر يعجن بسمن وأقط.
([18]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص284 عن الواقدي، والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص213 و 214. وعيون الأثر لابن سيد الناس ج2 ص308.
([19]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص277 والطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج1 ق2 ص35 و81 وفي (ط دار صادر) ج1 ص286 ورسالات نبوية ص116 ومجموعة الوثائق السياسية ص241.
([20]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص386 والإصابة ج3 ص18 والطبقات الكبرى لابن سعد (ط دار صادر) ج1 ص328 وتاريخ مدينة دمشق ج46 ص372.
([21]) الإصابة ج3 ص18 عن المتفق والمفترق للخطيب وج4 ص569.
([22]) ذكرنا مصادر ذلك في موضعه من السرايا، وراجع: الإصابة ج3 ص18 عن مناقب الشافعي لابن شاكر.
([23]) تقدمت مصادر ذلك، وراجع: الإصابة ج3 ص18 عن ابن أبي شيبة
([24]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص357 والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص199 ـ 202 عن البيهقي، والحاكم وذكره الهيثمي في المجمع ج6 ص25 وعزاه للطبراني وقال فيه: أبو حباب الكلبي وهو مدلِّس وقد وثقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح. وتغليق التعليق لابن حجر ج3 ص238 وراجع: كنز العمال ج6 ص381 وتاريخ مدينة دمشق ج67 ص169 وسنن ابن ماجة ج2 ص890 والمستدرك للحاكم ج2 ص612 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص21 والسنن الكبرى للنسائي ج4 ص243 والمفاريد عن رسول الله (ص) لأبي يعلى الموصلي ص109 وصحيح ابن حبان ج14 ص519 وإمتاع الأسماع ج8 ص315 وسيرة ابن إسحاق ج4 ص216.
([25]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص388 عن مجمع الزوائد ج10 ص54 عن الطبراني، والبزار، والإصابة ج2 ص65 عن الطبراني، وابن قانع. والمعجم الكبير للطبراني ج7 ص55 وكنز العمال ج12 ص65.
([26]) لعل الصحيح: أذاح العرب. أي فرقهم وبددهم.
([27]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص343 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص204 ـ 206 وعيون الأثر لابن سيد الناس ج2 ص304 والسيرة الحلبية ج3 ص267.
([28]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص344 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص205 وحواشي الشرواني ج 3 ص190.
([29]) الآية 256 من سورة البقرة.
([30]) الآية 29 من سورة التوبة.
([31]) الآية 272 من سورة البقرة.
([32]) من لا يحضره الفقيه ج4 ص378 ومكارم الأخلاق للطبرسي ص251 والبحار ج73 ص273 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص59 و 290 والجهاد لعبد الله بن المبارك ص177 والجامع الصغير للسيوطي ج2 ص59 وكنز العمال ج6 ص710 وج9 ص40 وفيض القدير للمناوي ج4 ص161وكشف الخفاء للعجلوني ج1 ص462 و 463 وتفسير نور الثقلين ج4 ص209 وتاريخ بغداد ج10 ص185 وشرح السير الكبير للسرخسي ج1 ص30 وتاريخ مدينة دمشق ج33 ص313 وأعيان الشيعة ج1 ص302 والسيرة الحلبية ج1 ص109 وج3 ص267.
([33]) كشف الخفاء ومزيل الإلباس للعجلوني ج1 ص463.
([34]) أي سيف البحر.
([35]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص270 عن ابن سعد والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص354 وهو عند البخاري ج2 ص32 ومسلم ج4 ص1922 وراجع الإصابة ج3 ص29.
([36]) الآية 101 من سورة التوبة.
([37]) الدر المنثور ج3 ص271 عن ابن المنذر. وفتح القدير ج2 ص401.
([38]) راجع: تاريخ الأمم والملوك (بتحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم) ج3 ص222 وتلخيص الشافي ج3 ص66 والبحار ج28 ص326 والكامل في التاريخ ج3 ص326 و 331 وشرح النهج للمعتزلي ج2 ص40 والجمل للمفيد ص119.
([39]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص425 وفي هامشه عن: الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج2 ص74 وراجع: الإصابة ج1 ص558 والمعجم الصغير للطبراني ج1 ص 180.
([40]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص403 وج6 ص425 وفي هامشه عن: مسلم، كتاب الزكاة (109) وأبي داود (1640) والنسائي ج5 ص89.
([41]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص384 والطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج2 ص66 و 67 والبداية والنهاية ج5 ص105 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص174.
([42]) الآية 136 من سورة الأنعام.
([43]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص324 والسيرة الحلبية ج3 ص275 وعيون الأثر ج2 ص312 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص331 و 332 وفي هامشه عن: البخاري ج3 ص169 والترمذي (2030) ومسند أحمد ج2 ص137 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص93.
وراجع: المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص219 و 220.
([44]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص285 و 286 والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني = = ج5 ص202 ـ 204 عن الديلمي، واليعمري، وراجع: البداية والنهاية ج5 ص93 ومكاتيب الرسول ج1 ص245 عن السيرة الحلبية ج3 ص260 وعن السيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج3 ص32 وعن الطبقات الكبرى ج1 ق2 ص60 و 61 ورسالات نبوية ص37 و 38 ومعجم القبائل ج1 ص116 وعيون الأثر ج2 ص302.
([45]) نهج البلاغة ج4 ص78 الخطبة رقم (328) ومستدرك الوسائل ج7 ص9 والغدير ج8 ص256 وشرح النهج للمعتزلي ج19 ص240 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» للريشهري ج4 ص30 و 203 والبحار ج93 ص22 وروائع نهج البلاغة لجورج جرداق ص233.
([46]) البحار ج93 ص22 وروضة الواعظين للفتال النيسابوري ص454 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج9 ص29 و (ط دار الإسلامية) ج6 ص16 ومشكاة الأنوار لعلي الطبرسي ص228 وجامع أحاديث الشيعة ج8 ص36 ومستدرك سفينة البحار ج4 ص294 وينابيع المودة ج2 ص249 والجامع للشرايع للحلي ص152 وعيون الحكم للواسطي ص153 ومشكاة الأنوار للطبرسي ص228.
([47]) تهذيب الأحكام ج4 ص131 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج9 ص514 و (ط دار الإسلامية) ج6 ص359 عن أصول الكافي ج1 ص542 وشرح أصول الكافي ج7 ص395 وجامع أحاديث الشيعة ج8 ص61   و586 وذخيرة المعاد (ط.ق) للمحقق السبزواري ج1 ق3 ص486.

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page