• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الثالث: النفير العام

إعلان المسير، لماذا؟!:

وبين «صلى الله عليه وآله» للناس مقصده، وإنه يريد بلاد الروم، وكان «صلى الله عليه وآله» قلَّ أن يخرج في غزوة إلا كنَّى عنها وورَّى بغيرها إلا ما كان من غزوة تبوك، فإنه بيَّنها للناس، لبعد الشقة، وشدة الزمان، وكثرة العدو الذي يصمد له، ليتأهب الناس لذلك أهبته، فأمر الناس بالجهاز، ودعا من حولـه من أحياء العرب للخروج معه، فأوعب معه بشر كثير، وبعث إلى مكة، وإلى سائر القبائل التي فشا فيها الإسلام.
وتخلف عنه آخرون، فعاتب الله ـ تعالى ـ من تخلف منهم لغير عذر من المنافقين والمقصرين، ووبخهم وبين أمرهم، فقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}([1]).
ثم قال: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}([2]) إلى آخر الآيات([3]).
وعن كعب بن مالك قال: كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» قلّما يريد غزوة يغزوها إلا ورَّى بغيرها، حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله «صلى الله عليه وآله» في قيظ شديد، واستقبل سفراً بعيداً، وغُزَّى وعدداً كثيراً، فجلَّى للمسلمين أمرهم، ليتأهبوا أهبة غزوهم، وأخبرهم بوجهه الذي يريده([4]).
ونقول:
إن الإعلان بمقصده «صلى الله عليه وآله» في غزوة تبوك لم يكن لمجرد بعد الشقة، وشدة الزمان، وكثرة العدو، ليتأهب الناس، فإنه قد أرسل قبل سنة وشهرين سرية إلى مؤتة، وهي أبعد من تبوك بكثير، لأنها تقع في تخوم البلقاء من أرض الشام، وكانت حشود الأعداء عظيمة، وهائلة، والشقة أبعد، وعدد جيش المسلمين لا يصل إلى عشر عدد الجيش الذي جهزه هو، حيث لم يكن عدد المسلمين يزيد على ثلاثة آلاف مقاتل بينما الجيش الذي يجهزه الآن إلى تبوك عشرة أضعاف هذا العدد، وكانت جموع الأعداء التي واجهت تلك السرية الصغيرة تعد بمئات الألوف حسبما تقدم.. بينما هم يدَّعون أن قيصر قد جهز للمواجهة في هذه المرة أربعين ألفاً فقط.
من أجل ذلك وسواه نقول:
لعل الأصح هو: أنه «صلى الله عليه وآله» قد أراد فيما أراد:
1 ـ أن يفضح حقيقة نوايا تلك الطغمة التي تتربص بالإسلام وبالمسلمين شراً، وهذا ما اشار إليه الشيخ المفيد «رحمه الله» حيث قال عن تبوك:
«فأوحى الله تبارك وتعالى اسمه إلى نبيه «صلى الله عليه وآله»: أن يسير إليها بنفسه، ويستنفر الناس للخروج معه، وأعلمه أنه لا يحتاج فيها إلى حرب، ولا يمنى بقتال عدو، وأن الأمور تنقاد له بغير سيف، وتعبَّده بامتحان أصحابه بالخروج معه واختبارهم، ليتميزوا بذلك، وتظهر به سرائرهم.
فاستنفرهم النبي «صلى الله عليه وآله» إلى بلاد الروم، وقد أينعت ثمارهم، واشتد القيظ عليهم، فأبطأ أكثرهم عن طاعته، رغبة في العاجل، وحرصاً على المعيشة وإصلاحها، وخوفاً من شدة القيظ، وبعد المسافة، ولقاء العدو، ثم نهض بعضهم على استثقال للنهوض، وتخلف آخرون الخ..»([5]).
ونلاحظ هنا أمرين:
أحدهما: قد يقال: إن هذا النص ينافي ما تقدم من أنه «صلى الله عليه وآله» كان يقول على المنبر وهو يحث الناس على المسير: «اللهم إن تهلك هذه العصبة لا تعبد في الأرض».. فإن هذا يشير إلى أن ثمة خطراً حقيقياً كان يتهدد المسلمين آنئذٍ، فإذا كان الله قد أخبر نبيه، بأن الأمور تستقيم له من غير حاجة إلى حرب لم يصح هذا القول منه «صلى الله عليه وآله».
الثاني: إذا كانت الأمور تستقيم للنبي «صلى الله عليه وآله» بغير حرب، فلماذا يكبد الناس مشقة هذا السفر البعيد، ويكلفهم مكابدة الأخطار والتفريط بالثمار في أيام القيظ، وفي الزمان الشديد؟!
ونجيب:
أولاً: إن هذا الكلام على المنبر في كل يوم لا يتناقض مع إخبار الله تعالى بأن الأمور سوف تنتهي بلا حرب، بل هو كلام صادق في نفسه على كل حال.
ثانياً: إنه «صلى الله عليه وآله» مكلف بأن يتعامل مع الناس وفق ما تقتضيه ظواهر الأمور. أما ما يعرِّفه الله إياه بالوحي، وبالطرق غير العادية، فليس له أن يجري في تعامله مع أصحابه على أساسه، إلا إذا أذن الله تعالى بذلك في بعض الموارد إذا توفرت مبررات الخروج عن هذه القاعدة.
ثالثاً: إنه قد يكون نفس مبادرة الناس إلى الإنخراط في هذا الجيش، وإظهار القوة، والرغبة في دفع العدو من الكبير والصغير هو المؤثر في دفع العدو، حين يلقي الله في قلوب الذين كفروا الرعب، بحيث يكون أي تخاذل في هذا الإتجاه يظهر حب أصحابه للدنيا، وتعلقهم بها من موجبات طمع العدو بهم، وجرأته على مهاجمتهم، وإنزال ضرباته القوية بهم..
رابعاً: إن من أسباب حفظ الإسلام، وتحصينه من شر الأشرار هو فضح نوايا المنافقين، وإكذاب أحدوثتهم، وكبت عدو أهل الإيمان في الداخل والخارج.
2 ـ إنه «صلى الله عليه وآله» أراد أن يقدم نموذجاً عملياً لأمر الإمامة من بعده، وذلك بأن يجعل الناس يتحسسون الحاجة إلى الحافظ القوي، والإمام الوصي، حتى لا يعبث أصحاب الأطماع، وطلاب اللبانات بمصير الناس، ولا يفرضوا عليهم مساراً يؤدي بهم إلى البوار والهلاك والتمزق والتشتت والتلاشي والتفتت..
3 ـ إنه لا بد من أن يسقط هالة القداسة عمن لم يكن أهلاً للقداسة، وإنما هو يضفيها على نفسه لتكون شركاً يوقع به البسطاء والسذج من الناس، ويتخذ منهم أداة لفرض واقع معين، لا يرضاه الله تعالى، ويؤدي إلى العبث بجهود الإنبياء، وتضييع منجزاتهم..
4 ـ ثم إنه قد اعلن عن غزوته تلك ليكون ذلك أبعد للسمع، حيث تتناهى أخبارها إلى بني الأصفر، فتنخلع لها قلوبهم، وتطيش لها ألبابهم، ويتلاشى تدبيرهم في ظلمات الحيرة والضياع، ويوهن الله بذلك كيدهم، وتذهب ريحهم.
5 ـ إن ذلك لا بد من أن يثير الزهو والشعور بالعزة في مجتمع المسلمين أينما كانوا، وحيثما وجدوا، وسيشد أنظار كل الناس إليهم، وسيشتاقون إلى اللحاق بركب أهل الإيمان، الذي يسير من نصر إلى نصر، ويضيف مجداً إلى مجد.. قبل فوات الأوان. حيث لم يكن أحد أعظم في أعينهم وأهيب في قلوبهم، من قيصر، هذا الرجل المنتصر لتوه على كسرى حسبما ألمحنا إليه..
فإن تبوك لم تبق مجالاً لأن يتوهم أحد أن عدم مبادرة قيصر إلى غزوهم، قد كانت بسبب غفلته عنهم، ولعدم اكتراثه بهم، أو ما إلى ذلك..

تكاليف الحرب على المحاربين؟!:

لقد يفهم من آيات سورة التوبة، ومن آية التهلكة: أن نفقات الحرب تقع على عاتق المقاتلين.. وربما يؤَيَّد ذلك بأن الفارس يعطى سهمين من الغنيمة، أحدهما له، والآخر لفرسه.. والمقصود ـ بحسب الظاهر ـ: هو الفرس التي يملكها المقاتل نفسه.
ولكن الحقيقة هي: أن ذلك لا يحتم هذه النتيجة، ولا يقضي بحصر وجوب الإنفاق لحفظ بيضة الإسلام، والدفع عن حريم المسلمين بالمقاتلين، بل هو واجب على جميع الناس، على سبيل الكفاية، فإذا قام به البعض سقط عن سائرهم.. وحين تملك الدولة أسباب القوة، فباستطاعتها أن تستفيد من سهم «سبيل الله» أيضاً..
كما أن ملكية الفارس للفرس وعدم ملكيتها لا تؤثر على لزوم إعطاء الفارس سهمين، والراجل سهماً واحداً، فيجب أن يعطى سهمين مطلقاً، أي سواء كانت الفرس له أو لم تكن.
على أن التقريع الوارد في سورة التوبة للأغنياء المتخلفين، إنما هو على ما يمارسونه من نفاق، وعلى كذبهم فيما يدعونه، وما يظهرونه من أعذار واهية، وعلى رضاهم بسقوط هذا الدين، وحلول النكبات بإخوانهم لمجرد حبهم للمال والراحة والدنيا وزخارفها.. وعلى عدم امتثالهم أوامر رسول الله «صلى الله عليه وآله» المباشرة لهم.. وعلى ما يتسببون به من إخلال في تصميم الناس، وفي طاعتهم وانقيادهم، وما يشيعونه من ضعف وتخاذل.

الإستنفار العام:

قال ابن واضح: «ووجَّه إلى رؤساء القبائل والعشائر يستنفرها»([6]).
وقال الطبرسي: «تهيأ رسول الله «صلى الله عليه وآله» في رجب سنة تسع لغزو الروم. وكتب إلى قبائل العرب، ممن قد دخل الإسلام، وبعث إليهم الرسل، يرغبهم في الجهاد والغزو. وكتب إلى تميم، وغطفان، وطيء، وبعث إلى عتاب بن أسيد عامله على مكة يستنفرهم لغزو الروم».
وقالوا أيضاً: وضرب «صلى الله عليه وآله» عسكره فوق ثنية الوداع بمن تبعه من المهاجرين، وقبائل العرب، وبني كنانة، وأهل تهامة، ومزينة، وجهينة، وطيء، وتميم.
واستعمل الزبير على راية المهاجرين، وطلحة بن عبيد الله على الميمنة، وعبد الرحمن بن عوف على الميسرة.
وسار رسول الله «صلى الله عليه وآله» حتى نزل الجرف. فرجع عبد الله بن أُبي بغير إذن، فقال «صلى الله عليه وآله»: «حسبي الله، هو الذي أيدني بنصره وبالمؤمنين، وألف بين قلوبهم»([7]).
أضاف اليعقوبي قوله: «وخرجت النساء والصبيان يودعونه عند الثنية، فسماها ثنية الوداع»([8]).
العدد، والعدة، والألوية، والرايات:
وقالوا أيضاً: خرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» في رجب سنة تسع، فعسكر في ثنية الوداع.
وعن زيد بن ثابت و معاذ بن جبل قال: خرجنا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى غزوة تبوك زيادة على ثلاثين ألفاً([9]).
ونقل الحاكم في الإكليل عن أبي زرعة قال: كانوا بتبوك سبعين ألفاً([10]).
وجُمِعَ بين الكلامين: بأن من قال ثلاثين ألفاً: لم يعد التابع.
ومن قال سبعين ألفاً: عد التابع والمتبوع.
وكانت الخيل عشرة آلاف فرس، وقيل: بزيادة ألفين([11]).
وفي نص آخر: كانوا أربعين ألفاً([12]).
قال عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب: خرج المسلمون في غزوة تبوك، الرجلان والثلاثة على بعير واحد([13]).
وأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» كل بطن من الأنصار والقبائل من العرب أن يتخذوا لواء وراية.
وأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» جيشه بالاستكثار من النعال، وقال: «إن الرجل لا يزال راكباً ما دام منتعلاً»([14]).

توزيع الرايات، واللواء الأعظم مع أبي بكر:

ثم قالوا أيضاً: لما رحل رسول الله «صلى الله عليه وآله» من ثنية الوداع عقد الأولوية والرايات، فدفع لواءه الأعظم إلى أبي بكر الصديق، ورايته العظمى إلى الزبير بن العوام، ودفع راية الأوس إلى أسيد بن الحضير، وراية الخزرج إلى أبي دجانة، ويقال: إلى الحباب بن المنذر، وأمر كل بطن من الأنصار أن يتخذ لواءاً([15]).
وحمل زيد بن ثابت لواء بني النجار([16]).
وكان دليله «صلى الله عليه وآله» إلى تبوك علقمة بن الفغواء الخزاعي([17]).

خمسة وعشرون رجلاً مؤمناً فقط:

ولا بد أن يستغرب الكثيرون ما جاء في بعض النصوص من أن عدد الجيش الذي سار إلى تبوك كان خمسة وعشرين ألفاً، وكان عدد المؤمنين فيه لا يزيد على خمسة وعشرين رجلاً، يقول النص:
«كان مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» بتبوك رجل يقال له: «المضرب» من كثرة ضرباته التي أصابته ببدر وأُحد، فقال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: عُدَّ لي أهل العسكر، فعددهم.
فقال: هم خمسة وعشرون ألف رجل سوى العبيد والأتباع.
فقال: عُدَّ المؤمنين.
فعددهم، فقال: هم خمسة وعشرون رجلاً، وقد كان تخلف عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قوم من المنافقين، وقوم من المؤمنين مستبصرين لم يعثر عليهم في نفاق الخ..»([18]).
نعم، وهذا هو الذي يفسر نزول ما يقرب من تسعين آية من سورة التوبة لتبين ما جرى في تبوك، ولتظهر حجم التحدي والخطر الذي واجهه رسول الله «صلى الله عليه وآله» من هؤلاء المنافقين، الذين كان قسم منهم يسعى لزعزعة الإستقرار الداخلي حتى احتاج «صلى الله عليه وآله» إلى أن يخلف أمير المؤمنين علياً «عليه السلام» مكانه، ليكون منه بمنزلة هارون من موسى.
كما أننا لا نستطيع أن نشكك في صحة النص المذكور آنفاً، فإن عامة من ساروا إلى تبوك إنما أسلموا خلال الأشهر اليسيرة بين فتح مكة في شهر رمضان، السنة الثامنة، وشهر رجب السنة التاسعة.. والذين أسلموا قبل ذلك لم يكن قد مضى على إسلام معظمهم الذي بدأ من صلح الحديبية سوى وقت قليل أيضاً.. والباقون الذين قد لا يزيد عددهم على ألف وخمس مائة، كان قسم كبير منهم يظهر الإسلام، ويبطن النفاق، وقد ظهر ذلك في كثير من المواطن، ومنها غزوة أُحد كما هو معلوم..

لا تقتل معي فتدخل النار:

ورأى رسول الله «صلى الله عليه وآله» برأس الثنية عبداً متسلحاً، فقال العبد: أقاتل معك يا رسول الله.
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «إرجع إلى سيدك لا تُقْتَل معي فتدخل النار»([19]).
ونقول:
إن لنا مع النصوص المتقدمة وقفات عديدة نبدؤها بالنص الأخير على النحو التالي:

مشاركة العبد بدون إذن سيده:

إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم يرض بمشاركة العبد بدون إذن سيده، وهذا الموقف منه «صلى الله عليه وآله» يوضح: انه «صلى الله عليه وآله» لم يكن يريد أن يجمع الناس حوله كيفما اتفق، بل هو يريد أن يتم ذلك وفق الضوابط الشرعية، والمنطق السليم..
كما أنه لا يريد أن يغرر بالناس، وبهدف تكثير السواد معه، بل يريد أن يعطيهم الضابطة الشرعية، ويلزمهم بها، ويعطيهم تلك التي تقول: لا يطاع الله من حيث يعصى..
وهو يريد لهم أن يسعدوا بجهادهم ويكون من أسباب تكاملهم، وسمو مقامهم عند الله، ولا يكون ذلك إلا بالإلتزام بأحكامه، والسير على منهاجه، وتطبيق شرائعه. ومراعاة حقوق الناس.
إنه لا يريد أن يتخذ الناس منه غطاء لتمرير مخالفاتهم، ولا ذريعة لتضييع حقوق الآخرين، حتى لو كان ذلك بالحضور في ساحات الجهاد وتعريض أنفسهم للقتل في سبيل الله، لأن القتل في سبيله لا بد أن يحمي حقوق الناس، لا أن يضيعها.

ثنية الوداع:

وقد زعمت رواية اليعقوبي: أن ثنية الوداع قد سميت بهذا الاسم بسبب وداع الناس لنسائهم وصبيانهم في غزوة تبوك..
وهو كلام غير دقيق..
فأولاً: إنهم تارة يزعمون: أن هذا الاسم قد أطلق على هذه الثنية حين عودتهم من خيبر، حين تمتع الناس ببعض النساء وفارقوهن عند تلك الثنية..
ويزعمون تارة أخرى: أن هذا الاسم قد ورد في النشيد الذي استقبل به أهل المدينة النبيَّ «صلى الله عليه وآله» حين هجرته، حيث قالوا:
طـــلـــع الـبـــدر عـلـيــنـــا                مــن ثـــنـــيــــــات الــــوداع
وجــب الــشــكر  عـلـيـــنــا               مــــــــــــا دعـــــــــا لله  داع
أيــهــــا المـبــعــوث  فــيـنـا             جــئــت بـالأمـــر المــطــاع([20])..
فأي ذلك هو الصحيح؟!..
ثالثاً: إن الأقرب هو: أن هذا الاسم: «ثنيات الوداع» اسم قديم جاهلي، يسمى هذا الموضع به لتوديع المسافرين فيه وقد ذكروا في التفاصيل: أنه كان لا يدخل أحد المدينة إلا من ثنية الوداع، فإن لم يُعشِّر بها مات قبل أن يخرج.
فإذا وقف على الثنية، قيل: قد ودع، فسميت ثنيات الوداع حتى قدم عروة بن الورد فلم يُعشر، ثم دخل، فسأل اليهود عن سبب التعشير.
فقالوا: لا يدخلها أحد من غير أهلها فلم يعشر بها إلا مات، ولا يدخلها أحد من غير ثنية الوداع إلا قتله الهزال.
فلما ترك عروة التعشير تركه الناس، ودخلوا من كل ناحية([21]).
والتعشير هو: أن ينهق كالحمار عشرة أصوات في طلق واحد، قال عمرو بن الورد العبسي:
لعمري لئن عشرت من خشية الردى  نهـــاق الحـــمار إنــنـي لجـزوع([22])

أبو بكر يصلي بالناس:

وقالوا: إنه «صلى الله عليه وآله» أمر أبا بكر أن يصلي بمن تقدمه «صلى الله عليه وآله»([23]).
ونقول:
إنه بعد فتح مكة بدأ الفريق المتخصص بمنح الفضائل يشعر بأن الوقت حان لمنح الأوسمة والفضائل لمناوئي أمير المؤمنين «عليه السلام»، فكان أن ظهرت لهم فضائل لم نر لها أثراً قبل غزوة تبوك، فإنه إذا كان «صلى الله عليه وآله» قد خلف أمير المؤمنين «عليه السلام» على المدينة، وأعلن أنه منه بمنزلة هارون من موسى، فلا بد أن يكون لأبي بكر ما يضاهي ذلك أو يزيد عليه، فكان طبيعياً أن يدَّعوا أنه «صلى الله عليه وآله» استخلف أبا بكر على الصلاة، ليكون لأبي بكر نصيب من الخلافة والإستخلاف. فإن إعطاء هذا الوسام لعلي «عليه السلام» قد جعل الأمر بالغ الحساسية، وفي منتهى الخطورة.. ودعوى استخلاف أبي بكر على الصلاة، ليست ذات قيمة، ولا تستحق الذكر.
فإن ذلك لا يدل على شيء من الفضائل لدى المستخْلَف، أي أنه لا يدل على علم أبي بكر، ولا على حسن أخلاقه، ولا على زهده وتقواه، ولا على أية صفة أخرى سوى صفة العدالة عند الشيعة، أما أهل السنة، فإنهم ينكرونها أيضاً، ويفتون ويروون عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أنه قال: صلوا خلف كل بر وفاجر([24]).
فإذا كانت الإمامة في الصلاة عندهم لا تُثْبِت حتى صفة العدالة، فهل تُثْبِت الإمامة العظمى، التي تحتاج إلى كل تلك الصفات، وسواها مما لا مجال لذكره في أعلى مستوياتها وأفضل حالاتها؟!
كما أن الإمامة تتضمن منصب القضاء وقيادة الجيوش و.. و.. الخ.. فالإمام هو الحاكم والمدبر والمعلم وغير ذلك. وكل واحدة من هذه الأمور تحتاج إلى ما يناسبها. من صفات ومزايا..
فقيادة الجيوش مثلاً تحتاج إلى صفات تناسب هذه المهمة، مثل الشجاعة، والخبرة بشؤون الحرب.
فإذا كانت الإمامة في الصلاة لا تُثْبِت شيئاً من الصفات المطلوبة، فهل تثبت تمييزاً فيها على جميع البشر؟!.
وقد تحدثنا ببعض التفصيل عن هذا الأمر حين الكلام عما زعموه من صلاة النبي «صلى الله عليه وآله» خلف عبد الرحمن بن عوف، وهم في الطريق إلى تبوك. فليلاحظ ما ذكرناه هناك.

الألوية.. والرايات:

وقد لاحظنا هنا عدة أمور في غزوة تبوك، التي لم يكن فيها قتال، بل تقدم أن الله سبحانه وتعالى قد أخبر نبيه «صلى الله عليه وآله» بعدم حصول قتال فيها([25]).
الأمر الأول: أنه «صلى الله عليه وآله» قد أمر كل بطن من الأنصار، والقبائل من العرب أن يتخذوا لواء وراية. مع أن المعروف هو أنه «صلى الله عليه وآله» كان هو الذي يعطي الرايات للفرسان وللزعماء من كل قبيلة، أو جماعة، فراجع ما جرى في فتح مكة، وخيبر، وسواهما.
الثاني: أنه «صلى الله عليه وآله» جعل ـ حسب زعمهم ـ الرايات والألوية حسب أقسام الجيش، فجعل هذا على الميمنة، وذاك على الميسرة، أو على المقدمة، كما يفهم من النصوص المتقدمة، مع أن ذلك إنما يتم حين المواجهة بين الجيشين المتحاربين، فيجعل قسماً من الجيش ميمنة، وقسماً منه ميسرة، وطائفة منه قلباً، وسواها يكون الجناحين، ويكون هناك خيالة، ورجالة، ومقدمة، وما إلى ذلك..
وأما في حال المسير، مع العلم بأن هنا ثمة مئات الأميال التي تحتاج إلى أيام وليالي كثيرة لقطعها عن جيش الأعداء، فإن ذلك لا يكون ضرورياً. بل قد يكون معيقاً لحركة الجيش..
الثالث: قد لفت نظرنا قولهم: إن أبا بكر حمل اللواء الأعظم، ثم قولهم: إن الزبير قد حمل الراية العظمى.. حيث لم يتأكد لدينا أن ثمة فرقاً بين اللواء والراية، حيث ينقلون عن بعض أهل اللغة أنه لا فرق بينهما([26]).
الرابع: إن النصوص المتقدمة تارة تقول: إن الراية العظمى كانت مع الزبير، وأخرى تقول: إنه «صلى الله عليه وآله» جعل إليه راية المهاجرين..
إن ذلك كله يحتاج لمزيد من التأمل والتدبر.

خبير الفرار من الزحف:

1 ـ إن من الطبيعي أن يعطي المتخصصون بمنح الفضائل والكرامات لواء الجيش الأعظم لأبي بكر، ما دام أن علياً «عليه السلام» قد غاب عن ذلك المسير بأمر من الله ورسوله «صلى الله عليه وآله»، لأن المدينة لا تصلح إلا به أو بأخيه رسول الله «صلى الله عليه وآله».. فإن أبا بكر كان يحتاج إلى هذا اللواء لكي يثبت أهليته لمقام القيادة، ولا خوف عليه، فإن هذا المسير ليس فيه حرب، ولا طعن ولا ضرب، لكي يخشى عليه من الفرار، وأن يولي عدوه الأدبار..
ولكن الحقيقة هي: أن أبا بكر لن ينتفع كثيراً من هذه الفضيلة المنحولة، فإنه قد أبان عن شجاعته، واقتداره، حين فر في أحد، وفي قريظة، وخيبر، وحنين، وذات السلاسل، و.. و..
وحين لم يجرؤ على مباشرة القتال في بدر، بل بقي معتصماً بأمنع حوزة، حيث آثر أن يكون مع النبي «صلى الله عليه وآله» الذي يفديه المسلمون بأرواحهم، ويدافعون عنه بكل وجودهم.. كما أنه آثر السكوت في الخندق، ولم نشهد له أي موقف شجاع في كل تاريخ الإسلام..
وماذا يفيد أن يحمل اللواء أبو بكر أو غيره في مشهد استعراضي، حيث لا عدوّ، ولا قتال.
وحتى لو واجه الأعداء، فهناك ثلاثون ألفاً من الرجال، لا بد أن يدفع بهم إلى ساحة المواجهة،حتى إذا أحس بأي خطر يتعرض له، فقد أعد للفرار عدته، وقد اكتسب طيلة تلك السنين، وفي المواجهات المختلفة خبرة عميقة في أساليب الهرب من خلال التجربة المتكررة لها في المواطن العديدة كلما أحس أحس بحاجة إلى ذلك.
2 ـ إن جميع الدلائل تشير إلى أن ثمة تزويراً في أمر الألوية والرايات، ومن شأن ذلك أن يزيل الثقة بما يقولونه في هذا المجال..
إذ ما معنى قولهم: دفع اللواء الأعظم إلى أبي بكر، والراية العظمى للزبير، فقد تقدم: أن ثمة صعوبة في إثبات وجود فرق بين اللواء والراية..

بركات غزوة تبوك:

لقد كان لغزوة تبوك بركات وآثار هامة، فقد عرف الناس أنه «صلى الله عليه وآله» يقصد بحركته هذه إرهاب أعظم ملك في ذلك الزمن، وقد كتب إليه يدعوه إلى الإسلام أو الجزية، ثم أرسل إليه رسالة دعوة أخرى من بلاد يراها ذلك الطاغية جزءاً من مملكته وبلاده بعد أن وطأتها جيوش الإسلام، وبسط «صلى الله عليه وآله» نفوذه عليها، ونشر دعوته ودينه فيها..
وأصبحت مناطق منها تدين بالولاء لهذا النبي الكريم والعظيم، وتؤدي له الجزية..
وفي تبوك فتح الله له دومة الجندل، وأخذ ملكها. وفيها جاءه أسقف أيلة وهو يُحَنَّة بن رؤبة، ووفد عليه أهل أذرح، وسألوه الصلح على الجزية، ووفد إليه أهل مقنا وغيرهم([27]).
وكل ذلك من شأنه أن يؤلم قيصر، ويهيج أشجانه، ويهين كبرياءه، الشيطاني، ويثير حميته، وهو الرجل المغرور بنفسه وبملكه العريض، ولا يرى له نظيراً على وجه الأرض، وقد عاد لتوه من نصر عظيم على أعظم مملكة في زمانة، وهي مملكة الفرس التي كانت تجاريه، وتباريه، وتتقاسم معه الملك والنفوذ على الأرض كلها..
ثم إن مما يزيد الطين بلة والخرق اتساعاً بالنسبة لقيصر: أن يقف هذا الذي يصفونه بالعربي والمسلم بجيوشه على تخوم مملكته، ويطأ بجيوشه أطرافاً منها عزيزة عليه، ليطلب منه الإسلام أو الجزية!! فهل هناك من ذل وخزي لقيصر أعظم من هذا؟!
وأية عزة هذه التي منحها الله لرسوله وللمؤمنين!!

ابن أُبي في أُحد كما في تبوك:

عن كعب بن مالك قال: خرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى تبوك يوم الخميس، وكانت آخر غزوة غزاها، وكان يستحب أن يخرج يوم الخميس([28]).
وعسكر عبد الله بن أُبي معه على حدة، وكان عسكره أسفل منه نحو ذباب.
وكان فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين([29]).
فأقام ابن أُبي ما أقام رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فلما سار رسول الله «صلى الله عليه وآله» نحو تبوك تخلف ابن أُبي راجعاً إلى المدينة، فيمن تخلف من المنافقين، وقال: يغزو محمد بني الأصفر، مع جهد الحال، والحر، والبلد البعيد إلى ما لا طاقة له به، يحسب محمد أن قتال بني الأصفر معه اللعب، والله لكأني أنظر إلى أصحابه مقرنين في الحبال، إرجافاً برسول الله «صلى الله عليه وآله» وبأصحابه([30]).
ونقول:
1 ـ قولهم: إن عسكر ابن أبي لم يكن أقل العسكرين، قال ابن حزم: وهذا باطل، لم يتخلف عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلا ما بين السبعين إلى الثمانين فقط([31]).
2 ـ إذا صح قولهم: أن ابن أُبي تخلف عن تبوك، وصح أنه عسكر مع جماعة من أصحابه بصورة منفصلة عن باقي العسكر، فيمكن أن يكون الراوي قد ضخَّم الأمر، حتى ادَّعى أن جماعة ابن أُبي يضاهون بكثرتهم عسكر النبي «صلى الله عليه وآله»، لكي يبرئ ساحة جماعات أخرى قد يظهر أنهم تخلفوا وتسببوا بمشكلة كبيرة نزلت فيها الآيات التي تلوم وتقرّع..
أو لعل الراوي كان قد رأى جمعهم في بداية تكوين عسكر النبي «صلى الله عليه وآله»، حين كان لا يزال عددهم قليلاً جداً، وقبل قدوم العساكر من سائر الجهات، فأخبر عما رآه في تلك الساعة، ثم تناقله الرواة فيما بعد من دون ملاحظة ذلك.
والذي نراه هو: أن الأمر كان كما ذكره هذا الراوي، وأن المنافقين كانوا بهذه الكثرة العظيمة، لأن أكثرهم قد اظهر الإسلام بعد فتح مكة، أي قبل مدة يسيرة من غزوة تبوك، فاقتضى ذلك نزول الآيات الكثيرة التي تؤنبهم على نفاقهم، وعلى ممارستهم الخبيثة التي تكاد تلحق أذى عظيماً في الإسلام، فنزلت أكثر آيات سورة التوبة لمعالجة هذا الواقع، فنجحت المحاولات، واستعاد النبي «صلى الله عليه وآله» قسماً كبيراً ممن تخلف، وبقيت طائفة منهم وهي أيضاً طائفة كبيرة وخطيرة أيضاً، وكانت تضمر للإسلام شراً، ولم يكن يمكن السيطرة عليها، ومعالجة أمرها إلا بأمير المؤمنين «عليه السلام» أو النبي «صلى الله عليه وآله»، فخلَّف «صلى الله عليه وآله» أمير المؤمنين علياً «عليه السلام»، وسار هو بالجيش الذي هيأه كما هو معلوم.
3 ـ لقد تعلل ابن أُبي لرجوعه مع غيره من المنافقين بخوفه من بني الأصفر، وهم الروم.. وببعد الشقة، وثقل وخطورة المهمة، وبأنه يرى أن المسلمين سيتحولون إلى أسرى في يد أعدائهم.. مع أنه قد رأى من المعجزات على يد رسول الله «صلى الله عليه وآله» ما لا يبقي عذراً لأحد في أي تخاذل عن نصرته.. لأن تلك المعجزات تضطره إلى الإيمان بأن النبي «صلى الله عليه وآله» متصل بالله تبارك وتعالى.. فلا بد من إطاعته، ما دام أنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
إنه قد رأى كيف انتصرت قلة قليلة من المسلمين على ما يفوقهم عدداً بأضعاف كثيرة، ولم تكن غزوة مؤتة إلا حجة دامغة على كل منافق لا يؤمن بيوم الحساب.. فضلاً عما جرى في بدر وخيبر، وحنين، والخندق، وقريظة، وغيرها..

نتائج تبوك معلومة سلفاً:

وهنا سؤال يقول:
قد صرح الشيخ المفيد: بأن رسو ل الله «صلى الله عليه وآله» كان يعلم عن طريق الوحي بأن غزوة تبوك ستنتهي من دون حرب، فما معنى إصرار النبي «صلى الله عليه وآله» على المسلمين بالمشاركة في هذا المسير؟!
ولماذا جاءت الآيات الكريمة في سورة التوبة بهذه الحدة والشدة؟!
ولماذا الإصرار على إدانة وتقبيح عمل من تخلف عن تلك الغزوة؟!
وما معنى أن يقول النبي «صلى الله عليه وآله» على المنبر: إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض أبداً؟!
والجواب:
أولاً: قد ذكرنا أكثر من مرة: أن ما يطلع الله تعالى عليه نبيه «صلى الله عليه وآله» من الغيوب بوسائط غير عادية، فليس له أن يرتب الأثر عليه، ولا أن يأخذ الناس به..
ثانياً: إن السبب في عدم حصول القتال في تلك الغزوة هو نفس مبادرة النبي «صلى الله عليه وآله» إلى جمع الجموع للتصدي لتدبير كانوا يخفونه، ويعتقدون أنه يخفى على رسول الله «صلى الله عليه وآله».. حيث إن هذا الحشد الكبير سوف يرعبهم، وسيجعلهم يفكرون مرات ومرات قبل أن يقدموا على أي عمل عدواني.. ولا سيما بعد ما رأوه في مؤتة، حسبما وصفناه أكثر من مرة.
ثالثاً: إذا كانت المصلحة تكمن في تحصين أهل الإسلام من الخارج، بإلقاء الرعب في قلوب أعداء دينهم، وتحصين أهل الإيمان من الداخل بفضح أهل النفاق، وإبطال كيدهم، فذلك يحتم إخفاء نتائج المسير إلى تبوك عن كل أحد، إذ إن إظهارها سيفقد ذلك المسير معنى الجدية، ويحوله إلى حركة إستعراضية فاشلة، وغير ذات أثر.. هذا إن لم تصل أخبار ذلك إلى مسامع الروم وملكهم..
رابعاً: إن معلومية نتائج تبوك لا يضر بسلامة التصرف النبوي على المنبر، إذ لا شك في أنه إن تهلك تلك العصابة التي معه فإن الله لن يعبد في الأرض.. بل إن عدم مشاركة المسلمين في ذلك المسير، ربما يؤدي إلى هلاك هذه العصابة، حيث يطمع فيهم عدوهم، ويندفع لإيراد الضربة القاسمة والحاسمة بالإسلام وأهله، كما أنه قد يقوي من عزيمة أهل النفاق في الداخل، ويزيد من التمزق، والتناحر، ويفتح أمامهم نوافذ التوسع في التآمر وإشراك العدو الخارجي في ممارسة الضغوط الخانقة على أهل الإيمان.

لا يدخل الجنة عاص:

قالوا: «ونادى منادي رسول الله «صلى الله عليه وآله»: لا يخرج معنا إلا مقو، فخرج رجل على بكر صعب، فصرعه بالسويداء.
فقال الناس: الشهيد الشهيد!!
فبعث النبي «صلى الله عليه وآله» منادياً ينادي: لا يدخل الجنة عاص»([32]).
وأقول:
ولست أدري مدى صحة هذا الحديث.
فأولاً: إن ركوب ذلك الرجل بكراً صعباً لا يعني أنه خالف أمر النبي «صلى الله عليه وآله» بأن يختار دابة قوية، فإن البكر الصعب ليس ضعيفاً.
ثانياً: سوف يأتي: أن أبا ذر قد لحق بالنبي «صلى الله عليه وآله» على بعير ضالع، فلم يسر معه إلا شيئاً يسيراً حتى اضطر إلى تركه، وحمل متاعه على ظهره، ولحق بالنبي «صلى الله عليه وآله» ماشياً. فهل كان أبو ذر عاصياً أيضاً، ولا يدخل الجنة؟!.
إلا أن يقال: إن كلام النبي «صلى الله عليه وآله» حول لزوم تهيئة مركوب مناسب لم يصل إلى مسامع أبي ذر.. وكان «صلى الله عليه وآله» عالماً بتعمد صاحب البكر الصعب مخالفة أوامره.. وهذا القول يحتاج إلى دليل، وإلا كان رجماً بالغيب!!



([1]) الآيتان 38 و 39 من سورة التوبة.
([2]) الآيتان 41 و 42 من سورة التوبة.
([3]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص434.
([4]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص434 عن ابن أبي شيبة، والبخاري، وابن سعد، وقال في هامشه: أخرجه البخاري (2948) و (ط دار الفكر) ج5 ص130، وصحيح مسلم ج8 ص106 ومسند أحمد ج3 ص456 والسنن الكبرى للبيهقي ج7 ص40 وج9 ص34 وص150 وعمدة القاري ج14 ص216 وفيض القدير ج5 ص123 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص411 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص167.
([5]) الإرشاد ج1 ص154 و 155 والبحـار ج21 ص207 وموسوعـة الإمام علي = = بن أبي طالب «عليه السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج1 ص261 وأعيان الشيعة ج1 ص415 وكشف الغمة ج1 ص227.
([6]) تاريخ اليعقوبي (ط الحيدرية ـ النجف) ج2 ص57 و (ط دار صادر) ج2 ص67.
([7]) مكاتيب الرسول ج1 ص287 وفي هامشه عن: البحار ج21 ص244 و 245 عن إعلام الورى، ومغازي الواقدي ج3 ص990 وحياة الصحابة ج1 ص404.
وفي الجامع لأبي زيد ص295: كتب إلى القبائل سنة 9 بعد الفتح إلى القبائل التي لم يفش فيها الإسلام يدعوهم، وكتب إلى التي فشا فيها الإسلام بغزو الروم وواعدهم تبوك.
وراجع الحلبية ج3 ص129 والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج2 ص323 وشرح المواهب للزرقاني ج3 ص66 وإعلام الورى ص129 و 130 و (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص243 وتاريخ اليعقوبي (ط الحيدرية ـ النجف) ج2 ص58 والمناقب لابن شهرآشوب ج1 ص182.
([8]) تاريخ اليعقوبي (ط الحيدرية ـ النجف) ج2 ص58.
([9]) سبل الهدى ج5 ص442 عن ابن إسحاق، والواقدي، وابن سعد. وفتح الباري لابن حجر ج8 ص87، وتفسير القرطبي ج8 ص280، والكامل لعبد الله بن عدي ج7 ص270.
([10]) سبل الهدى ج5 ص442 عن الحاكم في الإكليل، وابن الأمين، وراجع: عمدة القاري ج18 ص45، ومقدمة ابن الصلاح ص177، والتسهيل لعلوم التنزيل ج4 ص222.
([11]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص442 وتاريخ الخميس ج2 ص125 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص36، والسيرة الحلبية ج3 (ط دار المعرفة) ص102.
([12]) راجع: تاريخ الخميس ج2 ص125 وعمدة القاري ج18 ص45، ومقدمة ابن الصلاح ص177، وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص36، والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص102.
([13]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص443 عن البيهقي. وتفسير مقاتل بن سليمان ج2 ص75، وتفسير القرآن للصنعاني ج2 ص290، وجامع البيان ج11 ص75، وغيرهم.
([14]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص442 وفي هامشه: عن صحيح مسلم كتاب اللباس (66) وتاريخ الخميس ج2 ص125. والجامع الصغير ج1 ص152، وتفسير العز بن عبد السلام ج2 ص44.
([15]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص443 والمغازي للواقدي ج3 ص996 وتاريخ الخميس ج2 ص125.
([16]) المغازي للواقدي ج3 ص996.
([17]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص443 وتاريخ الخميس ج2 ص125 والمغازي للواقدي ج3 ص999 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص36 والإستيعاب لابن عبد البر ج3 ص1088 وأسد الغابة ج4 ص14 والوافي بالوفيات ج20 ص47.
([18]) البحار ج21 ص218 وتفسير البرهان ج2 ص132 وتفسير القمي ج1 ص296 والتفسير الصافي ج2 ص385.
([19]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص443 والمغازي للواقدي ج3 ص996 وإمتاع الأسماع ج2 ص51.
([20]) وفاء الوفاء ج4 ص1171 والغدير ج7 ص259 وإمتاع الأسماع ج9 ص202 وسبل الهدى والرشاد ج3 ص271 والسيرة الحلبية ج2 ص235.
([21]) وفاء الوفاء ج4 ص1167 و 1168 وج1 ص59 عن ابن شبة. وتاريخ المدينة لابن شبة ج1 ص269 وسبل الهدى والرشاد ج10 ص6.
([22]) وفاء الوفاء ج1 ص59. ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس ج4 ص325.
([23]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص442.
([24]) جامع الخلاف والوفاق ص84 وفتح العزيز للرافعي ج4 ص331 والمجموع للنووي ج5 ص268 ومغني المحتاج للشربيني ج3 ص75 والمبسوط للسرخسي ج1 ص40 وتحفة الفقهاء للسمرقندي ج1 ص229 وبدائع الصنائع لأبي بكر الكاشاني ج1 ص156 والجوهر النقي للمارديني ج4 ص19 والبحر الرائق لابن نجيم المصري ج1 ص610 وتلخيص الحبير ج4 ص331 ونيل الأوطار ج1 ص429 وشرح أصول الكافي ج5 ص254 والمسترشد للطبري والإفصاح للشيخ المفيد ص202 والمسائل العكبرية للشيخ المفيد ص54 والطرائف لابن طاووس ص232 وعوالي اللآلي ج1 ص37 والسنن الكبرى للبيهقي ج4 ص19 وعمدة القاري للعيني ج11 ص48 وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص145 وسنن الدارقطني ج2 ص44 وتنقيح التحقيق في أحاديث التعليق للذهبي ج1 ص256 و 257 ونصب الراية ج2 ص33 و 34 والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج1 ص168 والجامع الصغير للسيوطي ج2 ص97 وكنز العمال ج6 ص54 وكشف الخفاء للعجلوني ج2 ص29 و 32 وشرح السير الكبير للسرخسي ج1 ص156.
([25]) البحار ج37 ص259 وكتاب الأم ج4 ص175 والمناقب لابن شهرآشوب ج2 ص219 والمسترشد للطبري ص444.
([26]) السيرة الحلبية ج2 ص147 وراجع: نيل الأوطار ج8 ص61 وشرح مسلم للنووي ج12 ص43.
([27]) راجع: التنبيه والإشراف ص236 ومكاتيب الرسول للأحمدي ج2 ص414 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص68.
([28]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص442 عن ابن سعد، وعبد الرزاق، والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص167 وراجع: المجموع للنووي ج4 ص387 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص243 والمعجم الأوسط للطبراني ج2 ص74 ورياض الصالحين للنووي ص72.
([29]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص442. وجامع البيان للطبري ج10 ص190، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص368، وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص631، والبداية والنهاية ج5 ص10، والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص946، وغيرهم.
([30]) السيرة الحلبية ج3 ص102 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص442 و 443 عن ابن إسحاق، والواقدي، وابن سعد.. وراجع المصادر السابقة.
([31]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص442. وراجع: السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص102.
([32]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص443 وراجع: المصنف للصنعاني ج5 ص178.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page