• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الخامس: حج النبي برواية أهل السنة

النبي في عرفات:

قال ابن سعد: فوقف بالهضبات من عرفات وقال: «كل عرفة موقف إلا بطن عرنة»([1]). أي بالنون.
قال ابن تيمية: بطن عرنة واد من حدود عرفة.
فخطب الناس قبل الصلاة على راحلته خطبة عظيمة.
وهو قائم في الركابين ـ كما عند أبي داود ـ عن العداء بن خالد([2]).

ونص الخطبة بعد الحمد لله، والثناء عليه:

«أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلغت، فمن كانت عنده أمانة فليردها لمن ائتمنه عليها.
ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي، وإن أول دمائكم أضع. وفي رواية: وإن أول دم أضع من دمائنا دم ربيعة.
(وفي رواية: دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، كان مسترضعاً في بني سعد بن بكر، فقتلته هذيل([3]).
وعند ابن إسحاق، والنسائي، في بني ليث، فقتلته هذيل). فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية، وإن كل ربا موضوع، {فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}([4])، قضى الله أنه لا ربا، وإن أول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله.
أما بعد أيها الناس، الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه أبداً، ولكنه إن يطمع فيما سوى ذلك، فقد رضي بما تحقرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم.
أيها الناس، إنّ {النَّسِيءَ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ}([5]) ويحرموا ما أحل الله، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، وفي رواية: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً}، {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}([6])، ثلاثة متوالية: ذي القعدة، وذي الحجة، والمحرم، ورجب مضر، الذي بين جمادى وشعبان.
«أما بعد.. أيها الناس، اتقوا الله، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهم شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله». وفي رواية: «بكتاب الله».
ولكم عليهن حق، ولهن عليكم حق، لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، وعليهن ألا يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع، وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين فلهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف.
فاعقلوا أيها الناس قولي، فإني قد بلغت، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي أبداً ـ إن اعتصمتم به ـ أمرين، (وفي رواية: أمراً بيناً) كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه «صلى الله عليه وآله».
أيها الناس، اسمعوا قولي واعقلوه، تعلمُنّ أن كل مسلم أخ لمسلم.
وفي رواية: أخو المسلم، وأن المسلمين إخوة، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس، فلا تظلمُن أنفسكم.
واعلموا أن القلوب لا تغل على ثلاث: إخلاص العمل لله عز وجل، ومناصحة أولي الأمر، وعلى لزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم.
ومن تكن الدنيا نيته يجعل الله فقره بين عينيه، ويشتت عليه ضيعته، ولا يأتيه منها إلا ما كتب له، ومن تكن الآخرة نيته يجعل الله غناه في قلبه، ويكفيه ضيعته، وتأتيه الدنيا وهي راغمة.
فرحم الله امرأً سمع مقالتي حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه وليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. أرقاءكم، أرقاءكم، أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون، فإن جاء بذنب لا تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله، ولا تعذبوهم، أوصيكم بالجار (حتى أكثر، فقلنا: إنه سيورثه).
أيها الناس، إن الله قد أدى لكل ذي حق حقه، وإنه لا يجوز وصية لوارث، والولد للفراش، وللعاهر الحجر، ومن ادّعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه، فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.
العارية مؤداة، والنحلة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم.
أما بعد.. فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من ها هنا عند غروب الشمس، حتى تكون الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها. هدْينا مخالف هدْيهم، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام عند طلوع الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها. ويقولون: أشرق ثبير، كيما نغير، فأخر الله هذه وقدم هذه. (يعني: قدم المزدلفة قبل طلوع الشمس، وأخر عرفة إلى أن تغيب الشمس)، وإنّا لا ندفع من عرفة حتى تغيب الشمس، وندفع من المزدلفة حتى تطلع الشمس، وهدينا مخالف لهدي الأوثان والشرك»([7]).
وفي حديث المسور بن مخرمة قال: خطبنا رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعرفات، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
«أما بعد.. أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من هذا الموضع إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال، كأنها عمائم الرجال في وجوهها، وإنّا ندفع بعد أن تغيب، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام إذا كانت الشمس منبسطة»([8]).
«وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون»؟
قالوا: نشهد أنك بلغت، وأديت، ونصحت، فقال بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء وينكتها على الناس: «اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد». ثلاث مرات.
وعن ابن عباس: «أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» خطب بعرفات، فلما قال: «لبيك اللهم لبيك، قال: إنما الخير خير الآخرة».
ونقول:
قد تضمنت هذه الخطبة العظيمة أموراً هامة لا مجال للإفاضة في الحديث عنها، فآثرنا أن نقتصر منها على ثلاثة أمور، نعرضها للقارئ الكريم باختصار هنا، وبتفصيل بعد انتهاء الحديث عن حج رسول الله «صلى الله عليه وآله». وهي التالية:

الأول: قريش في مواجهة الرسول :

إنها تعرضت لموضوع الإمامة بشكل أساسي، فواجهت قريش وأعوانها رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالسوء والأذى والإهانة والغوغائية.. وسنشرح ذلك بالتفصيل إن شاء الله حين نتعرض له، في باب «الغدير والإمامة».

الثاني: لبيك اللهم لبيك:

قد يقال: إنه «صلى الله عليه وآله» قد لبى في آخر الخطبة المذكورة آنفاً، مع أن الحاج يقطع التلبية في عرفة.
ويجاب: بأن قطع الحاج للتلبية في عرفة إنما هو عند زوال الشمس..
وقد صرح النص المتقدم: بأنه «صلى الله عليه وآله» قد خطب هذه الخطبة قبل الصلاة، وهذا معناه: أن تلبيته المشار إليها في آخر الخطبة قد حصلت مع الزوال أو قبله بلحظات..

الثالث: تحريف خطبة رسول الله :

إن التدقيق في نصوص الخطبة المشار إليها، وفي النصوص التي وردت في سائر الآثار بالأسانيد الصحيحة والصريحة يفيد أن هذه الخطبة قد تعرضت ـ فيما يظهر ـ للتحريف من ناحيتين:
إحداهما: قوله «صلى الله عليه وآله»: «قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي أبداً، إن اعتصمتم به»، أمرين: كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه.
فإن الرواية الصحيحة في حديث الثقلين هي قوله «صلى الله عليه وآله»: «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي».
ولكنها بُدلت وغُيرت من قبل مناوئي العترة، ظناً منهم أن ذلك يجدي في تقوية موقفهم مقابل أهل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام.
على أننا نقول:
أولاً: قد ذكرنا في بعض فصول هذا الكتاب: أن حديث «وسنتي» لا يتنافى مع حديث «وعترتي»، بل منسجم معه تمام الإنسجام حيث يدلان معاً على أن السنة التي تركها «صلى الله عليه وآله»، لا بد أن تؤخذ من العترة دون غيرهم، لأن العترة هم المأمونون على سنته أكثر من كل أحد سواهم كما أظهرته الوقائع..
ثانياً: إن نفس هذا الذي اختار إيراد الخطبة المحرفة التي قالت: «وسنتي» بدل وعترتي.. ولم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى الروايات الصحيحة.
إنه هو نفسه قد عاد فذكر الرواية الصحيحة في موضع آخر من كتابه، فأوجب هذا الفصل بين الروايتين صعوبة التنبه والجمع بينهما على القارئ العادي، بل قد لا يخطر في باله: أن ثمة رواية أخرى على الإطلاق، والرواية الصحيحة أو الأصح هي التالية:
روى الترمذي وحسنه، عن جابر بن عبد الله، قال: رأيت رسول الله «صلى الله عليه وآله» في حجة الوداع يوم عرفة، وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي([9]).
الثانية: إنه قد حذف من الخطبة حديث: «الأئمة بعدي إثنا عشر، كلهم من قريش»، الذي نص البخاري ومسلم، ومصادر كثيرة أخرى على أنه «صلى الله عليه وآله» قد قاله في يوم عرفة على رؤوس الأشهاد، فأقامت قريش، ومن يدور في فلكها الدنيا عليه ولم تقعدها..
وأساءت الأدب مع رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وفضحت نفسها، وضجت وعجت، ومنعت النبي «صلى الله عليه وآله» من إكمال كلامه، كما سنوضحه في باب: «الغدير.. والإمامة». إن شاء الله تعالى..

الذين أردفهم النبي خلفه:

ويلاحظ هنا: أنهم يذكرون: أنه «صلى الله عليه وآله» حين أفاض من عرفة أردف أسامة بن زيد خلفه([10])..
وقالوا: إنه «صلى الله عليه وآله» سار بمزدلفة مردفاً للفضل بن عباس، وانطلق أسامة بن زيد على رجليه في سباق قريش([11]).
وحين أفاض إلى مكة، زعموا: أنه أردف معاوية بن أبي سفيان من منى إلى مكة([12]).

الفضل بن عباس.. والنظر إلى الأجنبية:

وقالوا أيضاً: إنه حين كان مردفاً الفضل بن عباس في طريقه تلك عرضت له امرأة من خثعم جميلة، فسألته عن الحج عن أبيها. وكان شيخاً كبيراً لا يستمسك على الراحلة، فأمرها أن تحج عنه، وجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فوضع «صلى الله عليه وآله» يده على وجهه، فصرفه إلى الشق الآخر، لئلا تنظر إليه ولا ينظر إليها.
وقال جابر: وكان الفضل رجلاً حسن الشعر أبيض وسيماً، فقال العباس: لويت عنق ابن عمك.
فقال: «رأيت شاباً وشابة، فلم آمن الشيطان عليهما»([13]).

ليس هذا قياساً:

وسأله آخر هناك عن أمه، وقال: «إنها عجوز كبيرة، وإن حملتها لم تستمسك، وإن ربطتها خشيت أن أقتلها».
قال: «أرأيت إن كان على أمك دين أكنت قاضيه»؟
قال: نعم.
قال: «فحج عن أمك»([14]).
ونقول تعليقاً على ما تقدم:

حتى معاوية:

إننا لا ننكر أن يردف النبي «صلى الله عليه وآله» من يحتاج إلى الإرداف، لأجل حاجته إلى ما يركبه.. أو لأنه «صلى الله عليه وآله» كان يريد تكريمه وتشريفه.
ولكننا لا يمكن أن نصدق: أن هذا الأمر قد أصبح ظاهرة سلوكية، وكأنه مهنة له «صلى الله عليه وآله»..
ولا سيما إذا كان يردف أشخاصاً ليسوا ممن يحتاج إلى راحلة، ولا ينقصهم المال الذي يهيئون به ما يحتاجون إليه، كما أنهم ليسوا أهلاً للتكريم، بل قد يستفيدون من هذا التكريم لخداع الناس، والمكر بهم.
من أجل هذا وذاك، فنحن نشك كثيراً في صحة قولهم: إنه أردف معاوية أيضاً في مسيره من منى إلى مكة، أو إلى غيرها.. فإن معاوية لم يكن عاجزاً عن تهيئة الراحلة، كما أنه لم يكن ثمة موجب لتكريمه من قبل رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

تحويل وجه فضل بن عباس:

وقد رأينا: أنه «صلى الله عليه وآله» لم يزجر فضل بن عباس عن النظر إلى تلك المرأة، بل هو قد مارس الفعل عوضاً عن القول، فحول وجه فضل بن عباس إلى الجهة الأخرى بصورة عملية، فنستفيد من ذلك:
أولاً: إنه «صلى الله عليه وآله» لم يفسح المجال لممارسة التدليس، بمسارقة النظر، مع التظاهر بغض البصر، مع تعذر مراقبته ومراقبتها في لحظة واحدة، حسبما تجري به العادة..
ثانياً: إنه بفعله هذا قد سلب الشابين القدرة على النظر غير البريء إلى بعضهما البعض..
ثالثاً: إن فعله هذا قد لفت نظر الآخرين ودعاهم للتساؤل عن سببه، لكي يأتيهم التصريح بعد التلويح.. فيكون أوقع في النفس، وأكثر تعبيراً عن المطلوب.
رابعاً: إن ذلك يعطي درساً مفاده أن الحكمة تقضي بعدم السماح لأسباب الفساد بالوجود، لا أن يتركها توجد وتتنامى، ثم يحاول اقتلاعها، وهيهات أن يوفق لذلك..
خامساً: إنه لم يتهم فضل بن عباس، ولا تلك المرأة بشيء، بل صرح: بأنه أراد أن لا يقعا في خلاف ما يرضي الله تبارك وتعالى..
سادساً: إن هذا الأمر يعطي: أن على الحاكم أن يقدر الأمور، وأن يحتاط لأي طارئ قبل حدوثه، وأنَّ للإجراءات الإحتياطية قوتها في مجال التطبيق والعمل، كغيرها مما يكون لمعالجة واقع راهن..

تطبيق للقاعدة:

أما بالنسبة لحج الإنسان عن أمه، واعتبار الحج ديناً، فنقول:
إن هذا ليس من قبيل الإستدلال بالقياسات الظنية، التي منع عنها الشارع، وحاشا رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يمارس أمراً نهى هو نفسه عنه.. بل هذا من قبيل تطبيق الكبرى على الصغرى، والقاعدة على موردها.
فإن الحج دين على تلك المرأة، سوف يطالبها الله تعالى به، وولدها مطالب بقضاء ديونها، فلا فرق بين ما كان ديناً لله، وما كان ديناً للناس، إذا كان الذي لله مما يمكن أداؤه وقضاؤه..

النبي ينشد الشعر:

وفي حديث ابن عمر: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أفاض من عرفات وهو يقول:
«إليـك تـغـدو قُلفـاً وَضِيـنُـهـا            مخـالفـاً ديـن النـصـارى ديـنـهـا»
رواه الطبراني وقال: المشهور في الرواية أنه من فعل ابن عمر([15]).
يضاف إلى ذلك:
أولاً: لماذا خص النصارى بمقالته هنا، مع أن اليهود كانوا هم الأشر والأضر، وكان العرب والمشركون مبهورين بهم أكثر من كل أحد سواهم؟.
ثانياً: إنهم يزعمون، وإن كنا لم نرتض ذلك ـ: أنه «صلى الله عليه وآله» لم يكن يحسن حتى التفوه بالشعر، ولو على سبيل النقل والحكاية. فكيف استطاع أن يتفوه بهذا الشعر هنا؟!.
ثالثاً: إننا لا نظن أنه «صلى الله عليه وآله» ينشد الشعر في هذا الوقت وفي هذه الأمكنة بالذات، إذ إن الذي يعهد من رسول الله «صلى الله عليه وآله»، هو انشغاله بتسبيح الله وتقديسه، ولا سيما في المشاعر المقدسة، وحيث يريد لكل حركة من حركاته أن تحمل عبرة، وكل كلمة من كلماته أن تتضمن درساً وعظة..

الصلاة قبل الوقت:

قالوا: فلما برق الفجر، صلاها (يعني صلاة الصبح) في أول الوقت خلافاً لمن زعم أنه صلاها قبل الوقت بأذان وإقامة، يوم النحر، وهو يوم العيد، ويوم الحج الأكبر، ويوم الأذان ببراءة الله ورسوله من كل مشرك([16])..
ومن الواضح: أن دعوى أنه «صلى الله عليه وآله» قد صلى الصبح قبل وقتها، افتئات وافتراء على رسول الله «صلى الله عليه وآله»..
ولا نرى حاجة إلى الإستدلال على كذب هذه الترهات التي ربما يكون وراءها أعداء الله وأعداء رسوله «صلى الله عليه وآله»، لإشغال الناس بأباطيل، وأضاليل وإثارة شبهات من شأنها أن تسقط محل النبي «صلى الله عليه وآله» من نفوسهم..

الغلو في الدين هو الأخطر:

وأمر الفضل بن عباس أن يلقط له حصى الجمار سبع حصيات، ولم يكسرها من الجبل تلك الليلة، كما يفعل من لا علم عنده، ولا التقطها بالليل.
فالتقط له سبع حصيات من حصى الخذف، فجعل ينفضهن في كفه ويقول: «أمثال هؤلاء، فارموا، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين»([17]).
ويلاحظ هنا:
1 ـ قوله: إنه لم يلتقط حصيات الجمار بالليل، لا يدل على كراهة التقاطها فيه، ما لم يرد نص صريح في كراهة ذلك..
2 ـ إنه «صلى الله عليه وآله» قد أخذ الحصيات وأراهم إياها، ولاحظوا نوعها، وألوانها، وأشكالها، وأحجامها، وأمرهم أن يرموا بأمثالها، فاستغنى بذلك عن وصفها بما ربما يلتبس المراد منه لدى بعض القاصرين لسبب أو لآخر..
3 ـ ثم نهاهم عن الغلو في الدين، وأخبرهم أن سبب هلاك من كان قبلهم، هو الغلو في الدين..
والغلو: هو الخروج عن حد الإعتدال فيه، وهو أخطر بكثير من التفريط في الإلتزام بأحكامه، لأن الغلو يؤدي إلى الإبتداع وإدخال ما ليس من الدين في الدين، حيث تتبدل حقائقه، بسبب تبدل حدوده، من الأدنى إلى الأعلى، ومن الأقل إلى الأكثر، فتدخل مساحات من الإعتقاد والممارسة لم تكن من قبل.. فإذا انتقل إلى الآخرين على هذه الحالة، فإن الخطر سيتضاعف ويزداد تبعاً لسعة انتشاره.. فتصبح الأولوية هي منع هذا الإتساع والإنتشار، ومحاربة الجهود التي تبذل في ذلك.
أما التفريط في الإلتزام فغاية ما يترتب عليه هو المخالفة العملية لأحكامه وشرائعه مع بقائها على ما هي عليه.. وذلك يبقى أثره محصوراً بالشخص، ولا يتعداه إلى غيره.. فيمكن أن يصل الدين إلى الغير سليماً وقويماً، ولا يكون هناك أي ضير من هذا الإنتقال.

خذوا عني مناسككم:

عن جابر قال: رأيت رسول الله «صلى الله عليه وآله» على راحلته يوم النحر، يقول لنا: «خذوا عني مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه»([18]).
ونقول:
1 ـ إن هناك روايات تقول: إنه «صلى الله عليه وآله» قد قال للناس ذلك حين كان يطوف([19])، وحين صلى خلف المقام([20])، وحين سعى، وحين رمى الجمار، وحين كان بعرفة، وغير ذلك.
ولا مانع من أن يتكرر هذا القول منه «صلى الله عليه وآله»، في المواضع المختلفة، ولا سيما في المناسك، حين وصوله إلى مكة، وشروعه بالأعمال، بل قبل ذلك أيضاً..
2 ـ وغني عن البيان: أن الرؤية التطبيقية للفعل هي أفضل أنواع التعليم وأدقه، حيث يبقى ما يراه الإنسان في وعيه وفي ذاكرته، أكثر من الذي يُلقى إليه كأوامر وزواجر يراد لها أن تحفظ في الذاكرة..
3 ـ وحين تهتز مشاعرهم بقوله: «لا أدري، لعلي لا أحج بعد حجتي هذه»، فإن اندفاعهم إلى التأسي بأفعاله في هذه الحالة سيصاحبه شعور بالحنين والإشفاق، فتتحقق درجة من الإرتباط بين الفعل والفاعل، لتحتفظ به الذاكرة، كحدث مميز، تعرف حدوده، وتدرك دقة تطابقها مع الرمز الكبير، ويستمر ذلك إلى ما شاء الله..

التظليل:

وقالوا: «وكان «صلى الله عليه وآله» في مسيره ذلك يلبي حتى شرع في الرمي، وبلال وأسامة معه، أحدهما: آخذ بخطام ناقته، والآخر: يظله بثوب من الحر»([21]).
والذي كان يظله بلال كما في حديث أبي أمامة، عن بعض الصحابة([22])..
وحديث أم جندب: أنه كان راكباً يظلله الفضل بن العباس..
قال بعضهم: وهو غريب مخالف للروايات الصحيحة([23]).
ونقول:
1 ـ المفروض: أن يقطع التلبية بزوال الشمس من يوم عرفة، فلا معنى للعودة إليها في مسيره إلى منى، والإستمرار فيها إلى حين الشروع في الرمي..
2 ـ إن اختلافهم في تحديد الشخص الذي كان يظلل النبي «صلى الله عليه وآله»، يلقي بظلاله على مستوى الوثوق بصحة هذا النقل.
يضاف إلى ذلك: أنه كيف يصح حديث تظليل بلال، أو الفضل بن العباس على النبي «صلى الله عليه وآله» حين مسيره، وحين رميه، مع أنه لا يجوز التظليل؟!
إلا إذا فرض: أنه «صلى الله عليه وآله» كان مريضاً أو مضطراً، وليس لدينا ما يثبت ذلك أو يشير إليه، لا من قريب ولا من بعيد؟!

بطن مُحَسِّر:

قالوا: فلما أتى بطن محسَّر حرك ناقته، وأسرع السير، وهذه كانت عادته «صلى الله عليه وآله» في المواضع التي نزل فيها بأس الله بأعدائه، فهنالك أصاب الفيل ما قص الله علينا. ولذلك سمي الوادي وادي محسر، لأن الفيل حُسِر فيه. أي أَعْيَى وانقطع عن الذهاب([24]).

خطبة النبي في منى:

وبعد أن رمى النبي «صلى الله عليه وآله» جمرة العقبة.. رجع إلى منى، فخطب الناس خطبة بليغة.
قال بعض الصحابة: خطب رسول الله «صلى الله عليه وآله» الناس بمنى، وأنزلهم منازلهم، فقال: «لينزل المهاجرون ها هنا» وأشار إلى يمين القبلة، «والأنصار ها هنا» وأشار إلى ميسرة القبلة، «ثم لينزل الناس حولهم»، وعلمهم مناسكهم، ففتحت أسماع أهل منى، حتى سمعوه في منازلهم([25]).
وسئل رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يُبنى له بناءٌ بمنى يظله من الحر، فقال: «لا، منى مناخ لمن سبق إليه»([26]).
و قال «صلى الله عليه وآله» وهو على ناقته العضباء، بعد أن حمد الله وأثنى عليه:
«ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض، والسنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم. ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر،الذي بين جمادى وشعبان، أتدرون أي يوم هذا»؟
قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: «أليس هذا يوم النحر»؟
قلنا: بلى.
قال: «أي شهر هذا»؟
قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: «أليس ذو الحجة»؟
قلنا: بلى.
قال: «فأي بلد هذا»؟
قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: «أليس البلدة»؟
قلنا: بلى.
قال: فإن دماءكم وأموالكم ـ قال محمد: وأحسبه قال: وأعراضكم ـ عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه»، ثم قال: «ألا هل بلغت»؟
قلنا: نعم.
قال: «اللهم فاشهد»([27]).
وعن ابن عباس قال: خطب رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم النحر، فقال: «أيها الناس، أي يوم هذا»؟
قالوا: يوم حرام.
قال: «فأي بلد هذا»؟
قالوا: بلد حرام.
قال: «فأي شهر هذا»؟
قالوا: شهر حرام.
قال: «فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، في شهركم هذا».
فأعادها مراراً، ثم رفع رأسه [إلى السماء] فقال: «اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت»؟([28]).
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» في حجة الوداع: «ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة»؟
قالوا: شهرنا هذا.
قال: «ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة»؟
قالوا: بلدنا هذا.
قال: «ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة»؟
قالوا: يومنا هذا.
قال: «فإن الله تبارك وتعالى قد حرم عليكم دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت ثلاثاً»؟
كل ذلك يجيبونه: ألا نعم.
قال: «ويحكم ـ أو قال: ويلكم ـ لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض»([29]).

النص الكامل لخطبة منى:

قالوا: وخطب «صلى الله عليه وآله» الناس بمنى خطبة عظيمة.
وكان عم أبي حُرَّة الرقاشي آخذاً بزمام ناقة رسول الله «صلى الله عليه وآله» يذود عنه الناس.
وسببها أنه «صلى الله عليه وآله» أنزلت عليه سورة النصر في هذا اليوم، فعرف أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء فرُحِّلَت له، فوقف للناس بالعقبة، فاجتمع إليه الناس ـ وفي رواية: ما شاء الله من المسلمين ـ فحمد الله تعالى، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال:
«أما بعد أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، ألا وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
ألا هل بلغت»؟
قالوا: بلَّغ رسول الله «صلى الله عليه وآله».
قال: «فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلَّغ أوعى من سامع»، ثم قال: «أي شهر هذا»؟
فسكتوا.
فقال: شهر حرام، أي بلد هذا؟
فسكتوا، فقال: بلد حرام، أي يوم هذا؟
فسكتوا.
قال: «يوم حرام».
ثم قال: «إن الله تعالى قد حرم دماءكم وأموالكم، وأعراضكم، كحرمة شهركم هذا، في بلدكم هذا، في يومكم هذا، إلى أن تلقوا ربكم، ألا هل بلغت»؟
قالوا: نعم.
قال: «اللهم اشهد».
ثم قال: «إنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلغت»؟
قال الناس: نعم.
قال: «اللهم اشهد، ألا وإن من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، ألا وإن كل ربا في الجاهلية موضوع، وإن كل دم في الجاهلية موضوع، وإن أول دمائكم أضع دم إياس بن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعاً في بني سعد بن ليث، فقتلته هذيل، ألا هل بلغت»؟
قالوا: نعم.
قال: «اللهم فاشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، ألا إن كل مسلم محرم على كل مسلم». ثم قال: «اسمعوا مني تعيشوا، ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا. إنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه».
فقال عمرو بن يثربي: يار سول الله، أرأيت إن لقيت غنم ابن عمي فأخذت شاة فاحترزتها؟
فقال: «إن لقيتها تحمل شفرة وأزناداً بخبت الجميش فلا تهجها».
ثم قال: «أيها الناس، {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ}([30]). ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض»، ثم قرأ: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}([31]) ثلاث متواليات: ذو القعدة، ذو الحجة، والمحرم، ورجب الذي يدعى شهر مضر، الذي بين جمادى وشعبان، والشهر تسعة وعشرون وثلاثون، ألا هل بلغت»؟
قال الناس: نعم.
فقال: «اللهم اشهد»
ثم قال: «أيها الناس، إن للنساء عليكم حقاً، وإن لكم عليهن حقاً، فعليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً، ولا يدخلن بيوتكم أحداً تكرهونه إلا بإذنكم، فإن فعلن فإن الله تعالى قد أذن لكم أن تهجروهن بالمضاجع، وأن تضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم، فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما النساء عندكم عوان، لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيراً، ألا هل بلغت»؟
قال الناس: نعم.
قال: «اللهم اشهد».
ثم قال: «أيها الناس، إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرونه، فقد رضي به، إن المسلم أخو المسلم، إنما المسلمون إخوة، ولا يحل لامرئ مسلم دم أخيه ولا ماله إلا بطيب نفس منه، إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله.
لا تظلموا أنفسكم، لا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض.
إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا: كتاب الله تعالى، ألا هل بلغت»؟
قال الناس: نعم.
قال: «اللهم اشهد»([32]).
ونقول:
نكتفي هنا بالإشارة إلى أمور، نتوخى منها مجرد الإيضاح والبيان.
فنقول:

تنظيم المنازل في منى:

لقد ذكر النص المتقدم: أن النبي «صلى الله عليه وآله» هو الذي حدد مواضع نزول كل فريق من الحجاج الذين حضروا الموسم..
وقد لوحظ: أنه فصل بين المهاجرين والأنصار، وجعل كلاً على حدة، ثم جعلهم في وسط سائر الناس.
ونظن أنه فعل ذلك لكي يعرف الناس من الذي سيثير الشغب ضده، حين يخطب في منى، ويذكر أهل البيت، والأئمة الإثني عشر «عليهم السلام»، وأن المهاجرين القرشيين هم الذين سيتولون ذلك.. دون الأنصار.
وجعل الناس حولهم لكي يمكِّن أكبر عدد منهم ـ على اختلاف أقوامهم وانتماءاتهم ـ من الإشراف بأنفسهم على ما يجري، «فما راءٍ كمن سمعا».
وسيأتي بيان ذلك في باب: «الغدير والإمامة»، إن شاء الله تعالى..

ما المراد باستدارة الزمان؟!:

1 ـ وحول المراد من استدارة الزمان، كهيئة يوم خلق الله تعالى السماوات والأرض نقول:
إن العرب كانوا يؤخرون المحرم إلى صفر، وهو النسيء، ليقاتلوا فيه، وفي السنة الثانية ينقلونه شهراً، فيصير في ربيع الأول، وهكذا.. فينتقل المحرم من شهر إلى شهر، وتنتقل سائر الشهور وراءه تبعاً له، حتى يمر في جميع شهور السنة..
فلما كانت تلك السنة، أعني سنة حجة الوداع كان قد عاد إلى زمنه الطبيعي المخصوص به قبل ذلك النقل المتكرر، ودارت السنة وعادت كهيئتها الأولى، فجاء في تلك السنة متوافقاً مع ذي الحجة الواقعي..
2 ـ وأما نسبة رجب إلى مضر، فلأن مضراً كانت تعظم هذا الشهر، بخلاف غيرهم، ثم حدد «صلى الله عليه وآله» للناس الأشهر الحرم، وذكر لهم: أن شهر رجب بين شعبان وجمادى، لمزيد التوضيح والبيان، لأنهم كانوا ينسئونه، ويحولونه من شهر إلى شهر، فكانت الأمور تختلط على الناس، فأحب «صلى الله عليه وآله» التأكيد على موقع الشهر الحرام منذ تلك السنة لكي تستقر الأمور، ولا يضيع الناس بسبب تأثيرات النسيء على ذهنيتهم، وليتم ضبط أمور الشهور لديهم..

ففتحت أسماع أهل منى:

وقد تقدم: أن الله تعالى فتح أسماع جميع أهل منى، حتى سمعوا النبي «صلى الله عليه وآله» في منازلهم. وقد حصلت هذه المعجزة له «صلى الله عليه وآله» بعد جرأتهم عليه، ومنعهم إياه من بلوغ مراده في عرفات، كما سيأتي بيانه بالتفصيل في فصل: «الغدير والإمامة»، ليفهم الناس أن الجرأة على النبي «صلى الله عليه وآله» لا تبطل نبوته، وأن عدم اتخاذ موقف صارم ضد المتجرئين لا يعني ضعف النبي «صلى الله عليه وآله» وتخلّي ربه عنه.
ولكنه حلم وتكرم، وإعطاء مهلة، وإمداد للمبطلين، الذين ظهرت حسيكة الطمع والحسد لأهل البيت «عليهم السلام» التي كانت تعتمل في نفوسهم..
وإذا تأكد لدينا أن ما جرى في عرفات قد تكرر أيضاً في منى، فإن جرأتهم هذه المرة قد جاءت في نفس اللحظات التي يعاينون فيها كرامة الله تعالى له، ولكنهم لا يبالون بها، ويعودون لارتكاب حماقتهم في نفس هذه الخطبة التي لا تزال المعجزة تتجلى فيها مع كل كلمة، وكل حرف..

تحريف حديث الثقلين:

حرفت رواية ابن عمر حديث الثقلين في خطبته «صلى الله عليه وآله» في منى أيضاً.. كما حرفوا خطبة النبي «صلى الله عليه وآله» في عرفات، كما ألمحنا إليه فيما سبق فليلاحظ ذلك..

علي لم يشارك النبي في نحر البدن:

قالوا: ثم انصرف «صلى الله عليه وآله» إلى النحر بمنى، فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده الشريفة بالحربة، وكان ينحرها قائمة معقولة اليسرى، وكان عدد هذا الذي نحره عدد سنيِّ عمره «صلى الله عليه وآله».
ثم أمسك، وأمر علياً «عليه السلام» أن ينحر ما بقي من المائة، ثم أمره أن يتصدق بجلالها، وجلودها، ولحومها، في المساكين، وأمره أن لا يعطي الجزار في جزارتها شيئاً منها، وقال: «نحن نعطيه من عندنا»([33])، وقال: «من شاء اقتطع»([34]).
وفي حديث ابن جريج، عن جعفر بن محمد، عن جابر: ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر، فطبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها.
قال ابن جريج: قلت: من الذي أكل مع النبي «صلى الله عليه وآله» وشرب من المرق؟
قال جعفر: علي بن أبي طالب «عليه السلام» أكل مع النبي «صلى الله عليه وآله» وشرب من المرق.
وقول أنس: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» نحر بيده سبع بدن قياماً. حمله أبو محمد: على أنه «صلى الله عليه وآله» لم ينحر بيده أكثر من سبع بدن كما قال أنس، وأنه أمر من ينحر ما بعد ذلك إلى تمام ثلاث وستين، ثم زال عن ذلك المكان، وأمر علياً «عليه السلام» فنحر ما بقي، أو أنه لم يشاهد إلا نحره «صلى الله عليه وآله» سبعاً فقط بيده، وشاهد جابر تمام نحره «صلى الله عليه وآله» للباقي، فأخبر كل واحد منهما بما رأى وشاهد، أو أنه «صلى الله عليه وآله» نحر بيده مفرداً سبع بدن كما قال أنس، ثم أخذ هو وعلي الحربة معاً، فنحرا كذلك تمام ثلاث وستين.
وقد قال عروة بن الحارث الكندي: أنه شاهد رسول الله «صلى الله عليه وآله» يومئذ أخذ بأعلى الحربة، وأمر علياً «عليه السلام» فأخذ بأسفلها، ونحرا بها البدن، ثم انفرد علي «عليه السلام» ينحر الباقي من المائة كما قال جابر([35]).
ونقول:
لاحظ ما يلي:

لتخرس الألسنة:

لو أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أشرك أبا بكر في الهدي كما أشرك علياً «عليه السلام»، أو أشركه بما هو أقل من هذا، لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها في التحليلات، والإستفادات، والإستدلالات على عظمة ومنزلة أبي بكر، وعلى إمامته وخلافته، وربما يترقى بهم الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير و.. و.. الخ..
بل إن إساءات وضعف وأخطاء أبي بكر وعمر، تعتبر فضائل وكرامات، وإشارات ودلالات، وقد تجلى ذلك في موقفهم من كلمة عمر: إن النبي ليهجر، فإنهم اعتبروا هذه الكلمة سبباً في إنقاذ الإسلام والأمة من أمر عظيم!! كما سنرى..
ولكن حين يتعلق الأمر بعلي «عليه السلام»، فإن الألسنة تخرس، والمحابر تجف، والأقلام تلتوي وتعيا عن أن تسجل عشر معشار ما حصل، فهل يتوقع منها أن تشير إلى شيء من الدلالات واللمحات؟!. بل تلهج ليل نهار بالتأويلات الهادفة إلى إفراغ مواقفه الرائدة والعظيمة من محتواها.

نحرا على عدد سني عمرهما:

إنه إذا كان «صلى الله عليه وآله» قد نحر ثلاثاً وستين بدنة على عدد سني عمره، فإن علياً «عليه السلام» أيضاً قد نحر الباقي، وكان على عدد سني عمره أيضاً. وليس لنا أن نقطع بأن ذلك قد جاء على سبيل الصدفة، للإحتمال القوي أن يكون مراداً له ومقصوداً..

المرجع هو أحاديث العترة:

بالنسبة للإختلاف في عدد الإبل التي نحرها الرسول «صلى الله عليه وآله»، وكيفيته، وفي استقلاله بذلك أو في مشاركته علياً «عليه السلام» لا سبيل إلى الجزم بذلك إلا إذا وجد أهل البيت «عليهم السلام» ضرورة للتحديد والبيان، فيتعين العودة إليهم، والأخذ منهم، فإن أهل البيت «عليهم السلام» أدرى بما فيه..

النبي يقسم شعره للتبرك به:

قالوا: لما أكمل رسول الله «صلى الله عليه وآله» نحره استدعى بالحلاق، فحلق رأسه، فقال للحلاق ـ وهو معمر بن عبد الله بن نضلة ـ وحضر المسلمون يطلبون من شعره ـ وهو قائم على رأسه بالموسى، ونظر في وجهه وقال: «يا معمر، أمكنك رسول الله «صلى الله عليه وآله» من شحمة أذنه، وفي يدك الموسى»!!.
قال معمر: فقلت: أما والله يا رسول الله، إن ذلك من نعم الله علي ومَنِّه.
قال للحلاق: «خذ»، وأشار إلى جانبه الأيمن، فلما فرغ منه قسم شعره على من يليه.
ثم أشار إلى الحلاق، فحلق جانبه الأيسر، ثم قال: «ها هنا أبو طلحة»، فدفعه إليه([36]).
قال ابن سعد: وحلق رأسه، وأخذ من شاربه وعارضيه، وقلم أظفاره، وأمر بشعره وأظفاره أن تدفن([37]).
وروى البخاري عن أنس: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول من أخذ شعره، قال: وهذا لا يناقض رواية مسلم.
وفي رواية: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أعطاه أم سليم، ولا يعارض هذا أنه دفعه لأبي طلحة لأنها امرأته.
وفي لفظ: فبدأ بالشق الأيمن، فوزعه الشعرة والشعرتين بين الناس، ثم قال: بالأيسر، فصنع به مثل ذلك، ثم قال: «ها هنا أبو طلحة» فدفعه إليه.
وفي لفظ ثالث: دفع إلى أبي طلحة شعر شق رأسه الأيسر، ثم أظفاره وقسمها بين الناس.
وكلمه خالد بن الوليد في ناصيته حين حلق، فدفعها إليه، فكان يجعلها في مقدم قلنسوته، فلا يلقى جمعاً إلا فضه.
وحلق أكثر أصحابه «صلى الله عليه وآله» وقصر بعضهم، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «اللهم اغفر للمحلقين»، ثلاثاً، كل ذلك يقال: والمقصرين يا رسول الله، فقال: «والمقصرين في الرابعة»([38]).
ومما يدخل في هذا السياق يعني سياق دعوة الناس للتبرك قولهم: إنه مج في دلوِ، فأفرغ على سقايتهم في زمزم([39])..
ونقول:
إننا نشير هنا إلى بعض الأمور، فنقول:

قصة الحلاق:

إن روايتهم لقصة الحلاق هنا قد اختلفت عما روي عن أهل البيت «عليهم السلام»، فقد تقدم عن الإمام الصادق «عليه السلام»: أن قريشاً قالت للحلاق: «أي معمر، أذن رسول الله «صلى الله عليه وآله» في يدك، وفي يدك الموسى»؟.
لكن روايتهم هنا تقول: إن النبي «صلى الله عليه وآله» هو الذي قال لمعمر ذلك..
وقد قلنا هناك: إن من القريب جداً أن يكون الذين قالوا ذلك لمعمر كانوا يريدون إغراءه بقتل رسول الله «صلى الله عليه وآله»، بصورة مبطنة..
ولعل الرواية عن الإمام الصادق «عليه السلام» هي الأولى بالإعتبار، إذ لا يمكن أن يقول النبي «صلى الله عليه وآله» ذلك لمعمر، لأنه إن كان يقصد إغراءه بالقتل، فذلك لا يمكن صدوره عنه «صلى الله عليه وآله»، لأن الإغراء بالقتل من أعظم الجرائم، فكيف إذا كان المقصود هو أن يغريه بقتل نفسه، وكيف إذا كان أكرم الخلق، وأعظم الأنبياء، وسيد المرسلين؟!
وإن كان المقصود: هو اتهام معمر بأنه يقصد ذلك، أو يراد جعله في دائرة الإحتمال بنظر الناس، فذلك لا يصدر من النبي «صلى الله عليه وآله» أيضاً، إذ لا يحق له اتهام الناس بلا مبرر ودليل..
وإن كان المقصود هو المزاح والملاطفة، فالنبي «صلى الله عليه وآله» لا يمزح بما يثير الشبهة، ويعطي الإنطباع السلبي عن الأبرياء..

إصرار عائشة بلا مبرر:

ورغبت إليه عائشة تلك الليلة ـ أعني ليلة النفر من منى ـ: أن يعمرها عمرة منفردة.
فأخبرها أن طوافها بالبيت وبالصفا والمروة قد أجزأ عن حجها وعمرتها.
فأبت إلا أن تعتمر عمرة منفردة.
فأمر أخاها عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم.
ففرغت من عمرتها ليلاً، ثم وافت المحصب مع أخيها، فأتيا في جوف الليل، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: فرغتما؟
قالت: نعم.
فلما كانت ليلة الحصبة قلت: يا رسول الله، يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع أنا بحجة.
فقال: «أوما كنت طفت ليالي قدمنا مكة»؟
قلت: لا.
قال: «فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم، فأهلي بعمرة، ثم موعدك مكان كذا وكذا»([40]).
قالت عائشة: فلقيني رسول الله «صلى الله عليه وآله» مُصعِداً على أهل مكة وأنا منهبطة، أو أنا مُصعِدة وهو مُنهبط منها.
وظاهر هذا: أنهما تقابلا في الطريق، وفي الأول: أنه انتظرها في منزله، فلما جاءت نادى بالرحيل في أصحابه.
وقولها: وهو مُصعد من مكة، وأنا منهبطة عليها للعمرة، ينافي انتظاره لها في المحصب.
قال: فإن كان حديث الأسود محفوظاً عنها، فصوابه: (لقيني رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأنا مُصعدة من مكة، وهو منهبط إليها، فإنها طافت وقضت عمرتها ثم أصعدت لميعاده، فوافته وهو قد أخذ في الهبوط إلى مكة للوداع، فارتحل وأذن في الناس بالرحيل).
ولا وجه لحديث الأسود غير هذا([41]).
ونقول:
1 ـ إذا كان النبي «صلى الله عليه وآله» قد أخبر عائشة: أنه لا داعي لتلك العمرة التي طلبتها، فلماذا تصر على فعل شيء يخبرها النبي «صلى الله عليه وآله» أنه لم يعد له مكان؟ وهل بقي ذلك مستحباً إذا كان النبي «صلى الله عليه وآله» قد عرَّفها أنه لم يعد له مكان بعد حجها؟!
2 ـ ولو فرضنا: أن ذلك كان منها طمعاً في الثواب، فلماذا تحرج النبي «صلى الله عليه وآله» في أمر أظهر أنه يرغب بخلافه؟ أليس ذلك يوجب حبط عملها لو كان عملها مستحباً؟! وألا يسقط استحبابه، ويحبط أجره ـ لو سلمنا باستحبابه ـ حين تكون قيمته هي أذى النبي «صلى الله عليه وآله»، وإرباك حركته وتفويت ما يرغب النبي «صلى الله عليه وآله» بعدم تفويته؟!.

عائشة تعتمر رغم نهي النبي :

عن عائشة قالت: أحرمت من التنعيم بعمرة فدخلت، فقضيت عمرتي، وانتظرني رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالأبطح حتى فرغت، وأمر الناس بالرحيل([42])..
كما أن أم سلمة لم تكن قد طافت، وأرادت الخروج ـ وكانت قد اشتكت، فأمرها أن تطوف على بعيرها من وراء الناس، والناس يصلون ـ أي الصبح ـ فطافت كذلك([43])..
ونقول:
إنه لا كلام لنا على حديث طواف أم سلمة. ولكننا نريد أن نشير إلى بعض ما يرتبط بعمرة عائشة، فنقول:
أولاً: يفهم مما ذكرناه آنفاً: أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن راضياً باعتمار عائشة، حتى لقد قالت له: «أترجع نساؤك بحجة وعمرة معاً، وأرجع بحجة»؟([44]).
ثانياً: قال ابن عباس: والله، ما أعمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك.
وقال: كانوا يرون: أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض([45])..
ونلاحظ هنا على رواية ابن عباس: أنه لا شك في أنه قد كان لدى النبي «صلى الله عليه وآله» ما يدعوه إلى الإسراع بالخروج، ولكن إصرار عائشة قد منعه «صلى الله عليه وآله» من المضي لإنجاز ذلك الأمر الهام.

اللهم اغفر للمحلقين:

وقد تقدم في النص السابق: أن بعض أصحابه «صلى الله عليه وآله» أصر على التقصير، ولم يرض بالحلق. وقد مر نظير ذلك في الحديبية..
وهذا يعطي: أن عدم حلق الناس في الحديبية، لم يكن بسبب حنقهم لأجل عدم دخول مكة، بل كان لأمر آخر. قد يكون له ارتباط بعدم صحة اعتقادهم، أو بعدم الرغبة في التخلي عن الرسوم التي كانت لدى أهل الجاهلية، أو بعدم مبالاتهم بمراعات الأحكام الشرعية.. أو بغير ذلك..
كما أن هذا التصرف الذي ظهر منهم في حجة الوداع يمثل فضيحة أخرى لهم، ويبين أن ما يدعونه لأنفسهم من الطاعة لله ورسوله، أو ما يدّعى لهم من العدالة والإستقامة، هو مجرد ادِّعاءات، أو شعارات ترفع لتلافي الإحراج، في مواقع الإستدلال والإحتجاج..

تبرك الصحابة:

ورغم ظهور هذه الهنات في سلوك كثير من صحابة النبي «صلى الله عليه وآله»، فإن ذلك لم يمنع النبي «صلى الله عليه وآله» من أن يوزع شعره وأظفاره على الناس لأجل التبرك، لأن ذلك يدخل في دائرة التشريع، والتعليم لهم، ولا يختص أثره بأهل تلك الحقبة، بل يمتد إلى كل مسلم يأتي عبر الأجيال والأحقاب..
هذا بالإضافة إلى أنه يفيد خالصي الإيمان منهم، وكذلك الحال بالنسبة للتائبين والنادمين.

التبرك، في معناه ومغزاه:

وإذا أردنا أن نعرف مغزى تشريع التبرك بالأنبياء والأوصياء، وآثارهم، حسبما أكده النبي «صلى الله عليه وآله» للناس في مناسبات كثيرة، ومنها هذا المورد الذي نحن بصدد الحديث عنه، فعلينا أن نرجع أولاً إلى معنى البركة في اللغة، لنجد أنها تعني: النماء والزيادة، فالتبرك: هو طلب ذلك..
فإذا كان النبي «صلى الله عليه وآله» يوجه الناس إلى التبرك، فهو يوجههم إلى طلب الفاقد للنماء والزيادة من الواجد، من خلال الإقتراب منه والإتصال به..
والله هو مصدر الفيض لكل هذا الوجود وما فيه، فالإتصال به ولو بمستوى الإتصال الشكلي أو الرمزي، أو الروحي بصفيِّه ونبيه، بإظهار الحب، وبالتعبير عن القناعة الوجدانية ـ إن هذا الإتصال من موجبات النماء والزيادة، ويهيء لهذا الفيض، الذي هو مرهون باستجلاب الرضا والمحبة والفوز بالعناية والرعاية، والمنح والألطاف..
وبذلك نعرف: أن التبرك معناه: الشعور بالحاجة والنقص والضعف، أو بالحاجة إلى الإنتقال من حسن إلى أحسن، ومن مرحلة إلى مرحلة أسمى منها..
كما أنه يعني: بلورة إرادة التكامل والتسامي، والخروج من هذا الواقع إلى ما هو أفضل منه وأمثل.
كما أن التبرك ينتهي بالإنسان إلى الدخول في آفاق الرحمة الإلهية، والإنطلاق في رحابها، بعد أن يكون الإنسان قد حرر نفسه من كل قيد يشده إلى الأرض، ومن كل عبودية وبعد أن يملك قراره، وحريته، واختياره..
ثم هو يعني: الشعور بالقوة، وبالغنى عن الخلق، والتخلي عن الأنا، والإبتعاد عن الغرور والعنجهية.
وهو أخيراً: يدفع الإنسان إلى مراقبة نفسه، وتهذيبها، ورسم ملامحها وفق ما يرضي من يسعى لنيل رضاه، ويرى في ذلك غاية الفوز بمبتغاه..

النفر من منى:

قالوا: وكان يوم الثلاثاء، فركب رسول الله «صلى الله عليه وآله»، والمسلمون معه، فنفر بهم من منى، فنزل المحصب ـ وهو واد بين مكة ومنى ـ فصلى بهم العصر، وهو بالأبطح، وهو خيف بني كنانة، حيث تقاسم المشركون على الكفر، ثم هجع هجعة بعد العشاء الآخرة، ثم دخل مكة فطاف بالبيت([46])..
وهذا يشير إلى: أنه «صلى الله عليه وآله» قصد أن ينزل بالمحصب، مراغمة لمشركي قريش لما كتبوا الصحيفة التي التزموا فيها بمصارمة بني هاشم وبني المطلب، حيث حصروهم في شعب أبي طالب «عليه السلام».
وهذا هو الموضع الذي نزل فيه عام الفتح أيضاً..
وقد حاول بعضهم أن يدَّعي: أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يتعمد ذلك([47])، ولعله لكي يخفف من حدة وقع هذا الإجراء على رؤوس الحاقدين على النبي «صلى الله عليه وآله» وعلى دينه..

لم يدخل إلى البيت ولم يطف:

وقد زعمت الروايات: أن النبي «صلى الله عليه وآله» بعد نفره من منى دخل مكة، وطاف بالبيت، وبقي إلى صباح اليوم التالي، فصلى الصبح، ثم ارتحل([48])..
ولكننا نقول:
أولاً: إن الروايات الصحيحة، الواردة عن أهل البيت «عليه السلام» تقول: إنه «صلى الله عليه وآله» نفر حتى انتهى إلى الأبطح، فطلبت عائشة العمرة، فأرسلها، فاعتمرت، ثم أتت النبي «صلى الله عليه وآله»، فارتحل من يومه، ولم يدخل المسجد الحرام، ولم يطف بالبيت([49])..
ثانياً: عن جابر قال: خرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» من مكة عند غروب الشمس، وصلى المغرب في سرف([50])، وهذا معناه: أنه لم يصلَّ المغرب والعشاء، ولا الصبح في مكة في اليوم التالي، كما زعموه..
فلا يصح قولهم: إنه «صلى الله عليه وآله»: لما فرغ من صلاة الصبح، طاف بالبيت سبعاً، ووقف في الملتزم بين الركن الذي فيه الحجر الأسود، وبين باب الكعبة، فدعا الله عز وجل وألزق جسده بجدار الكعبة.
ولا يصح أيضاً ما روي عن بعضهم: أنه رأى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، يلزق وجهه، وصدره بالملتزم([51])..
غير أن ذلك لا يعني أنه «صلى الله عليه وآله» لم يفعل ذلك كله، بل الظاهر: أنه «صلى الله عليه وآله» قد وقف في الملتزم، وألزق جسده به، وغير ذلك، لكن في الأيام التي سبقت على النفر من منى..
عمرة في رمضان تعدل حجة معه:
وقالوا: إنه بعد رجوع النبي «صلى الله عليه وآله» من حجة الوداع، أعلم أن عمرة في رمضان تعدل حجة معه([52])..
لكننا نقول:
قد يقال: إن السبب في ذلك هو: أن مرض الجدري أو الحصبة انتشر في الناس بعد إعلان النبي «صلى الله عليه وآله» عن عزمه على المسير إلى الحج، فمنعت من شاء الله أن تمنع من الحج.. فإن صح ذلك، فإن إعلان هذا الأمر بعد عودته، قد يسهم في جبر النفوس الكسيرة، التي آلمها حرمانها من نيل شرف المسير مع رسول الله «صلى الله عليه وآله»..
غير أننا نقول عن الإعتمار في شهر رمضان:
إننا لم نجد فيما روي عن أهل بيت العصمة «عليهم السلام»، ما يدل على فضل العمرة في شهر رمضان على ما سواها، بل وجدنا ما روي عن الإمام الصادق «عليه السلام»: «أفضل العمرة، عمرة رجب»([53])..
وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه سئل اي العمرة أفضل؟ عمرة في رجب أو عمرة في شهر رمضان؟ فقال: لابل عمرة في شهر رجب أفضل([54]).
وعنه «عليه السلام»: «اعتمر في أي شهر شئت، وأفضل العمرة، عمرة رجب»([55])..
وعنهم «عليهم السلام»: «لكل شهر عمرة»([56])..
ولعل الصحيح هنا ما روي عن الإمام الصادق «عليه السلام» عندما سأله الوليد بن صبيح:
«قال: قلت لأبي عبد الله «عليه السلام»: بلغنا أن عمرة في شهر رمضان تعدل حجة.
فقال: إنما كان ذلك في امرأة وعدها رسول الله «صلى الله عليه وآله» فقال لها: اعتمري في شهر رمضان فهي لك حجة»([57]).
فالظاهر من هذه الرواية اختصاص هذا الفضل بتلك المرأة لوعد النبي صلى الله عليه وآله وضمانه «صلى الله عليه وآله» لها بقرينة «فهي لك حجة».
يويد ذلك ما روي من حديث أم معقل الذي أخرجه أيضاً النسائي من طريق معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن امرأة من بني أسد يقال لها أم معقل قالت: «أردت الحج فاعتل بعيري، فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: اعتمري في شهر رمضان فإن عمرة في شهر رمضان تعدل حجة»([58]).
وأما رواية علي بن حديد التي تقول: «كتبت إلى أبي جعفر «عليه السلام» أسأله عن الخروج في عمرة شهر رمضان أفضل، أو أقيم حتى ينقضي الشهر وأتم صومي ؟ فكتب إلي كتابا قرأته بخطه:
سألت يرحمك الله عن أي العمرة أفضل، عمرة شهر رمضان أفضل يرحمك الله»([59]).
فالمراد بها كما قال المحقق النراقي وغيره: أن العمرة في شهر رمضان أفضل من الإقامة والصوم، كما يدل عليه صدرها([60]).

إعتمار النبي بعد حجة الوداع:

وقد زعمت روايات غير أهل البيت «عليهم السلام»: أنه «صلى الله عليه وآله» قد اعتمر في حجة الوداع، فقد روي عن ابن عباس: أنه «صلى الله عليه وآله» قد اعتمر أربع عمر، عمرة الحديبية، وعمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، والعمرة التي مع حجة الوداع([61])..
ولكن المروي عن أئمة أهل البيت «عليهم السلام» ـ وهم أدرى بما فيه ـ: أنه «صلى الله عليه وآله» اعتمر ثلاث عمر متفرقات، هي: الحديبية، والقضاء، والجعرانة، بعد رجوعه من الطائف من غزوة حنين([62])..
وعن أبي عبد الله «عليه السلام»، قال: ذكر أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» اعتمر في ذي القعدة ثلاث عمر، كل ذلك يوافق عمرته ذا القعدة([63])..

في الطريق إلى المدينة:

وفي العودة إلى المدينة: خرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» من أسفل مكة، عند غروب الشمس([64])، فصلى المغرب في سرف ـ على بعد تسعة أميال من مكة..
ثم واصل سيره ومعه مئات الألوف من الناس، حتى بلغ غدير خم، حيث أخذ «صلى الله عليه وآله» البيعة لعلي «عليه السلام» بالإمامة بعده، كما سنرى في الأبواب والفصول التالية.



([1]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص468 عن أبي داود ج2 ص189 (1917) وراجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص173 وإمتاع الأسماع ج2 ص113.
([2]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص468 عن أبي داود ج2 ص189 (1917).
([3]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص468و469 وفي هامشه عن: مسلم ج2 ص886 ـ 892 (147/1218) وأبي داود ج2 ص185 (1905) وابن ماجة ج2 ص1025 (3074).
([4]) الآية 36 من سورة التوبة.
([5]) الآية 279 من سورة البقرة.
([6]) الآية 36 من سورة التوبة.
([7]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص468و469و470 عن ابن إسحاق والنسائي.
([8]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص470 عن الطبراني في الكبير ج20 ص24.
([9]) راجع: ينابيع المودة ج1 ص99و109و125 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص6 والجامع الصحيح للترمذي ج5 ص327 وامتاع الأسماع ج6 ص4 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص123 والمعجم الأوسط ج5 ص89 والمعجم الكبير ج3 ص66 ونظم درر السمطين ص232 والغيبة للنعماني ص50 والمحتضر ص199 والبحار ج23 ص129 وج89 ص102 وجامع أحاديث الشيعة ج1 ص196 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص232 وخلاصة عبقات الأنوار ج1 ص105 و 124 و 198 و 234 و 251 و 255 وكنز العمال ج1 ص48 (ط = = أولى) ونوادر الأصول ص68 وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج10 ص51 وتحفة الأشراف ج2 ص278 وجامع الأصول ج1 ص277 ومشكاة المصابيح ج3 ص258.
([10]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص472 ومسند أحمد ج1 ص75 و 157و 213 و 214 وسنن أبي داود ج1 431 و كنز العمال ج5 ص151 والتاريخ الصغير للبخاري ج1 ص330 والثقات لابن حبان ج2 ص128 وعلل الدارقطني ج4 ص16 وعيون الأثر ج2 ص346.
([11]) سبل الهدى والرشـاد ج8 ص473 وراجع: مسند أحمـد ج5 ص200 وسنن = = الدارمي ج2 ص57 وصحيح مسلم ج4 ص74 وسنن أبي داود ج1 ص431 وسنن النسائي ج5 ص261 و السنن الكبرى للبيهقي ج5 ص122 وفتح الباري ج3 ص417 و 425 وعمدة القاري ج10 ص24 وكنز العمال ج5 ص201 و عيون الأثر ج2 ص347.
([12]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص479 وإمتاع الأسماع ج2 ص117.
([13]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص473 و 474 وراجع: كتاب الأم للشافعي ج2 ص124 وكتاب الموطأ لمالك ج1 ص359 والمغني لابن قدامة ج7 ص460 وسبل السلام ج2 ص181 وكتاب المسند للشافعي ص108 ومسند أحمد ج1 ص359 وصحيح البخاري ج2 ص140 و 218 وصحيح مسلم ج4 ص101 و سنـن أبي داود ج1 ص407 وسنن النسـائي ج5 ص118 وج8 = = ص228 والسنن الكبرى للبيهقي ج4 ص328 و شرح مسلم للنووي ج9 ص97 وعمدة القاري ج9 ص123 وج10 ص215 والسنن الكبرى للنسائي ج2 ص325 وج3 ص472 وصحيح ابن خزيمة ج4 ص342 و 343 و 344 و صحيح ابن حبان ج9 ص301 و 309 والمعجم الكبير ج18 ص282 ومعرفة السنن والآثار ج3 ص473 والاستذكار لابن عبد البر ج4 ص163 والتمهيد لابن عبد البر ج9 ص122 وتفسير البغوي ج1 ص330 والسيرة الحلبية ج3 ص326.
([14]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص474 وسنن الدارمي ج2 ص41 وسنن النسائي ج5 ص119 وج8 ص229 والسنن الكبرى للنسائي ج2 ص325 وج3 ص470 والمعجم الكبير ج18 ص296 وكنز العمال ج5 ص273.
([15]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص472 عن الطبراني في الكبير والأوسط، ومجمع الزوائد ج3 ص256 وراجع: كتاب الأم للشافعي ج2 ص234 والمجموع للنووي ج8 ص144 ومغني المحتاج ج1 ص501 و إعانة الطالبين ج2 ص349 والمبسوط للسرخسي ج4 ص18 والمغني لابن قدامة ج3 ص444 والشرح الكبير لابن قدامة ج3 ص444 وكشاف القناع للبهوتي ج2 ص579 وتلخيص الحبير ج7 ص370 والبحار ج21 ص336 و 339 ومكاتيب الرسول ج2 ص494 وكتاب المسند للشافعي ص373 والسنن الكبرى للبيهقي ج5 ص126 ومجمع الزوائد ج3 ص256 والمصنف لابن أبي شيبة ج4 ص529 وج 6 ص176 والمعجم الأوسط ج1 ص282 والمعجم الكبير ج12 ص238 ومعرفة السنن والآثار ج4 ص120 والإستيعاب لابن عبد البر ج3 ص890 والتمهيد لابن عبد البر ج24 ص423 والفايق في غريب الحديث ج3 ص367 وجزء أحاديث الشعر 85 وكنز العمال ج5 ص195 و كنز العمال ج5 ص207 و 215 وتفسير مقاتل بن سليمان ج2 ص382 وتفسير السمعاني ج5 ص345 والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج5 ص241 و تفسير البحر المحيط ج8 ص201 والدر المنثور ج1 ص223 و 224 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص165 و 357 والكامل لابن عدي ج1 ص378 وميزان الإعتدال للذهبي ج1 ص263 والإصابة 1 ص446 وج5 ص438 وغير ذلك من المصادر.
([16]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص473.
([17]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص473 والمجموع للنووي ج8 ص171 والمبسوط للسرخسي ج4 ص69 والمحلى لابن حزم ج7 ص133 وتلخيص الحبير 7 ص397 وعوالي اللآلي ج1 ص185 ومسند أحمد ج1 ص215 وسنن النسائي ج5 ص268 والمستدرك للحاكم ج1 ص466 و فتح الباري ج13 ص234 وعمدة القاري ج25 ص37 والسنن الكبرى للنسائي ج2 ص435 ومسند أبي يعلى ج4 ص316 و 357 و المنتقى من السنن المسندة ص127 وصحيح ابن خزيمة ج4 ص274 و 276 وأمالي المحاملي ص84 وصحيح ابن حبان ج9 ص183 والإستذكار لابن عبد البر ج4 ص350 و نصب الراية ج3 ص165 وموارد الظمآن 3 ص330 والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج2 ص25 وفيض القدير ج1 ص613 والجامع لأحكام القرآن ج3 ص12 والدر المنثور ج1 ص235.
([18]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص475 عن مسلم، وابن سعد، والبيهقي، وقال في هامشه: أخرجه مسلم ج2 ص943 (310/1297) وأبو داود ج2 ص201 (1970) والنسائي ج5 ص219 والبيهقي ج5 ص125 وأحمد ج3 ص301 وراجع: المجموع للنووي ج8 ص21 والمبسوط للسرخسي ج4 ص24 والسنن الكبرى للبيهقي ج5 ص125 وتفسير الرازي ج4 ص69 وأضواء البيان للشنقيطي ج4 ص418 والإحكام لابن حزم ج3 ص300 والبداية والنهاية ج5 ص203.
([19]) راجع: المجموع ج8 ص30 ومغني المحتاج ج1 ص486 ومواهب الجليل ج4 ص97 و101.
([20]) مغني المحتاج ج1 ص491.
([21]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص474 وفتح العزيز ج7 ص434 ومواهب الجليل ج4 ص206 وكشاف القناع للبهوتي ج2 ص493 والإحتجاج ج1 ص65 ومعرفة السنن والآثار ج4 ص43 وتفسير الإمام العسكري «عليه السلام» ص389 وسبل الهدى والرشاد ج8 ص474.
([22]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص474 عن ابن سعد، وفي هامشه عن: الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص127.
([23]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص474 وفي هامشه: عن أبي داود ج2 ص200 (1966) وابن ماجة ج2 ص1008 (3031) عن أحمد، والبيهقي.
([24]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص474 وراجع: عون المعبود ج5 ص266 وتحفة الأحوذي ج3 ص534.
([25]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص475 وفي هامشه عن أحمد ج4 ص61 وراجع: مسند أحمد ج5 ص374 والبداية والنهاية ج5 ص206 وعيون الأثر ج2 ص347 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص375.
([26]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص477 وفي هامشه عن أحمد ج6 ص207 والحاكم ج1 ص467 وابن ماجة (3006، 3007) وانظر صحيح مسلم (1218) وأبو داود (1907) وراجع: المغني لابن قدامة ج4 ص306 ونيل الأوطار ج8 ص172 ومسند أحمد ج6 ص207 ومسند أبي يعلى ج8 ص16 وتهذيب الكمال ج35 ص308.
([27]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص475 لاو476 عن أحمد، والبخاري، ومسلم، وقال في الهامش: أنظر مسند أحمد ج5 ص37 وراجع: المعجم الأوسط ج1 ص293 وفضائل الأوقات للبيهقي ص428 والبداية والنهاية ج5 ص213.
([28]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص476 عن أحمد والبخاري، وقال في هامشه: مسند أحمد ج1 ص230 والبخاري ج3 ص670 حديث (1739) (7079).
([29]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص476 عن البخاري ومسلم، وفي هامشه قال: البخاري ج3 ص671 (1742 و 4403 و 6043 و 2166 و 6785 و 6868 و 7077).
([30]) الآية 37 من سورة التوبة.
([31]) الآية 36 من سورة التوبة.
([32]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص482 و 483 وراجع: البحار ج21 ص380 و 381 عن الخصال ج2 ص84 وفيه تقديم وتأخير وزيادة ونقص، وراجع: السيرة النبوية لابن هشام ج4 ص275.
([33]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص476 و 477 والمجموع للنووي ج8 ص361 وقد تقدمت مصادره فراجع.
([34]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص476 و 477 والمغني لابن قدامة ج3 ص558 وقد تقدمت مصادره فراجع.
([35]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص476 و 477.
([36]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص477 و478 وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج19 ص413 و 414 ومسند أبي يعلى ج5 ص211 وصحيح ابن حبان ج4 ص206.
([37]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص478 وقال في هامشه: البخاري ج1 ص273 (171) ومسلم ج2 ص947 (323/1305)، (326/1305)، وراجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص174 وإمتاع الأسماع ج2 ص116 وج10 ص50.
([38]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص478 ومستدرك الوسائل ج10 ص7 و 135 والبحار ج 96 ص 302 ومسند أحمد ج6 ص402 وإمتاع الأسماع ج2 ص116 و السيرة الحلبية ج2 ص713.
([39]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص479.
([40]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص484 وراجع: نيل الأوطار ج5 ص59 ومسند أحمد ج6 ص122 وصحيح البخاري ج2 ص151و 196 وصحيح مسلم ج4 ص33 وسنن النسائي ج5 ص178 وعمدة القاري ج9 ص195 وعمدة القاري ج10 ص98 والسنن الكبرى للنسائي ج2 ص366 وشرح معاني الآثار ج2 ص203 وتغليق التعليق ج3 ص114.
([41]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص484 وراجع: مسند إسحاق بن راهويه ج3 ص862 والبداية والنهاية ج5 ص227 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص413.
([42]) السيرة النبوية لابن كثير ج4 ص410 عن البخاري ومسلم، وأبي داود، وراجع: سنن أبي داود ج1 ص445 والبداية والنهاية ج5 ص225 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص 41.
([43]) السيرة النبوية لابن كثير ج4 ص411 عن البخاري، وراجع: كتاب الموطأ لمالك ج1 ص371 والمغني لابن قدامة ج3 ص388 و 415 والشرح الكبير لابن قدامة ج3 ص391 والشرح الكبير لابن قدامة ج3 ص394 و 395 وكشاف القناع للبهوتي ج2 ص559 والمحلى لابن حزم ج4 242 ونيل الأوطار ج5 ص122 ومسند أحمد ج6 ص290 وصحيح البخاري ج1 ص119 وج2 ص164 و 167 وج6 ص49 وصحيح مسلم ج4 ص68 وسنن أبي داود ج1 ص420 وسنن النسائي ج5 ص223 وغير ذلك من مصادر فراجع.
([44]) الكافي ج4 ص248 والبحار ج21 ص393 وتهذيب الأحكام ج5 ص457 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج11 ص217 و 218 و (ط دار الإسلامية) ج8 ص153 و 154 ومسند أحمد ج6 ص165 و 266 ومسند إسحاق بن راهويه ج3 ص643 وتفسير مجمع البيان ج2 ص42 ومنتقى الجمان ج3 ص125.
([45]) الغدير ج6 ص217 عن صحيح البخاري ج3 ص69 وعن صحيح مسلم ج1 ص355 وسنن البيهقي ج4 ص345 وسنن النسائي ج5 ص180.
([46]) راجع: السيرة النبوية لابن كثير ج4 ص405 ـ 408 والمبسوط للسرخسي ج4 ص8 ونيل الأوطار ج5 ص165 ومسند أحمد ج2 ص110 و 124 والبداية والنهاية ج5 ص224.
([47]) راجع: السيرة النبوية لابن كثير ج4 ص408 و 409.
([48]) السيرة النبوية لابن كثير ج4 ص406 و 407 و 410 و 411 والمغازي ج3 ص1114 وراجع: مغني المحتاج ج1 ص472.
([49]) الكافي ج4 ص248 والبحار ج21 ص393 وراجع: تهذيب الأحكام ج5 ص275 و 457 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج11 ص217 و 218 وج14 ص284 و (ط دار الإسلامية) ج8 ص153 وج8 ص154 وج10 ص229 ومستطرفات السرائر لابن إدريس ص553 والبحار ج21 ص393 وج96 ص327 وجامع أحاديث الشيعة ج10 ص355 وج10 ص355.
([50]) راجع: مسند أحمد ج3 ص305 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص412.
([51]) راجع: السيرة النبوية لابن كثير ج4 ص411و412 وتلخيص الحبير ج7 ص420 والسنن الكبرى للبيهقي ج5 ص164 وسنن الدارقطني ج2 ص254 ونصب الراية للزيلعي ج3 ص185 والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج2 ص30 وكنز العمال ج7 ص93 والكامل لابن عدي ج6 ص424 والبداية والنهاية ج5 ص226 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص412.
([52]) راجع سبل الهدى والرشاد ج8 ص450 عن ابن سعيد.
([53]) تفسير العياشي ج1 ص88 والبحار ج96 ص332 و 331 وعن علل الشرائع ص408.
([54]) ذخيرة المعاد (ط.ق) ج1 ق3 ص697 والحدائق الناضرة ج16 ص330 ورياض المسائل ج7 ص176 ومستند الشيعة ج13 ص121 وراجع جواهر الكلام ج20 ص458 وجامع المدارك ج2 ص558 والإحصار والصد ص172 ومن لا يحضره الفقيه ج2 ص454 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج14 ص301 و (ط مؤسسة آل البيت) ج14 ص301.
([55]) دعائم الإسلام ج1 ص334 والبحار ج96 ص333 ومستدرك الوسائل ج10 ص176.
([56]) قرب الإسناد ص162 والبحار ج96 ص331 ومختلف الشيعة ج4 ص360 والحدائق الناضرة ج16 ص320 ورياض المسائل ج7 ص179 ومستند الشيعة ج11 ص163 وج13 ص121 ومن لا يحضره الفقيه ج2 ص458 والإستبصار= = ج2 ص156 و 326 و تهذيب الأحكام ج5 ص32 و 164 و 435 والبحار ج96 ص331 وجامع أحاديث الشيعة ج10 ص340 وغير ذلك من المصادر فراجع.
([57]) الكافي ج4 ص536 وكشف اللثام (ط.ج) ج6 ص295 وجامع أحاديث الشيعة ج10 ص462 وجواهر الكلام ج20 ص459 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج14 ص304 و  (ط دار الإسلامية) ج10 ص241.
([58]) مسند أحمد ج6 ص406 ونيل الأوطار ج5 ص30 وفتح الباري ج3 ص480 والسنن الكبرى للنسائي ج2 ص472 والمعجم الكبير للطبراني ج25 ص155 والإستذكار لابن عبد البر ج4 ص106 والتمهيد لابن عبد البر ج22 ص56.
([59]) مستند الشيعة ج13 ص121وجواهر الكلام ج20 ص459 والكافي ج4 ص536 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج14 ص304 وخاتمة المستدرك ج5 ص336 وجامع أحاديث الشيعة ج10 ص463.
([60]) مستند الشيعة ج13 ص121 وراجع جواهر الكلام ج20 ص459 والإحصار والصد ص173.
([61]) البحار ج21 ص397 و 398 عن مناقب آل أبي طالب ج1 ص152 وعن الطبري، وعن الخصال ج1 ص93 وتقدم ذكر المصادر فراجع.
([62]) البحار ج21 ص398 و 400 و 401 عن مناقب آل أبي طالب ج1 ص152 وعن الكافي (الفروع) ج1 ص 235 وتقدم ذكر المصادر فراجع.
([63]) الكافي ج4 ص252.
([64]) راجع: السيرة النبوية لابن كثير ج4 ص412 ومسند أحمد بن حنبل ج3 ص305 والبداية والنهاية ج5 ص226 والمعجم الأوسط ج2 ص134 وكنز العمال ج8 ص247 والجامع لأحكام القرآن ج10 ص305 والسيرة الحلبية ج3 ص335.
 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page