قصة السيد الزكي التقي سعيد بن الفاضل المهذب الخطيب السيد إبراهيم البهبهاني ينقلها بنفسه قائلا :
« تزوّجت في أوائل ذي القعدة سنة ١٣٥١ هـ ، وبعد أن مضى أسبوع من أيام الزواج أصابني زكام صاحبته حمّى ، وباشرني أطباء النجف فلم انتفع بذلك ، والمرض يتزايد ، ومن جملة الأطباء الطبيب المركزي « محمد زكي أباظة » .
وفي أول جمادى الأول من سنة ١٣٥٣ هـ خرجت إلى الكوفة وبقيت إلى رجب ، فلم تنقطع الحمّى ، وقد استولى الضعف على بدني حتى لم أقدر على القيام ، ثُمّ رجعت إلى النجف وبقيت إلى ذي القعدة من هذه السنة بلا مراجعة طبيب ، لعجزهم عن العلاج .
وفي ذي الحجة من هذه السنة اجتمع الطبيب المركزي المذكور مع الدكتور محمد تقي جهان وطبيبين آخرين جاؤوا من بغداد وفحصوني ، فاتفقوا على عدم نفع كُلّ دواء ، وحكموا بالموت إلى شهر.
وفي محرم من سنة ١٣٥٤ هـ خرج والدي إلى قرية القاسم ابن الإمام الكاظم عليه السلام ، للقراءة في المآتم التي تقام لسيد الشهداء ، وكانت والدتي تمرّضني ، ودأبها البكاء ليلاً ونهاراً .
وفي الليلة السابعة[١] من هذه السنة رأيت في النوم رجلاً مهيباً وسيماً جميلاً ، أشبه الناس بالسيد الطاهر الزكي « السيد مهدي الرشتي » ، فسألني عن والدي ، فأخبرته بخروجه إلى القاسم ، فقال : إذن مَن يقرأ في عادتنا يوم الخميس ، وكانت الليلة ليلة خميس ، ثُمّ قال : إذن أنت تقرأ .
ثمّ خرج وعاد إلي وقال : إن ولدي السيد سعيد «ولد السيد مهدي الرشتي» مضى إلى كربلاء يعقد مجلساً لذكر مصيبة أبي الفضل العباس ، وفاء لنذر عليه ، فأمضي إلى كربلاء واقرأ مصيبة العباس ، وغاب عني .
فانتبهت من النوم ونظرت إلى والدتي عند رأسي تبكي ، ثُمّ نمت ثانية ، فأتاني السيد المذكور وهو يقول : ألم أقل لك إن ولدي سعيد ذهب إلى كربلاء وأنت تقرأ في مأتم أبي الفضل ، فأجبته إلى ذلك ، فغاب عني ، فانتبهت .
وفي المرة الثالثة نمت فعاد إلي السيد المذكور وهو يقول بزجر وشدة : ألم أقل لك امضي إلى كربلاء ، فما هذا التأخير ؟! فهبته في هذه المرة وانتبهت مرعوباً ، وقصصت الرؤيا من أولها على والدتي ، ففرحت وتفاءلت بأن هذا السيد هو أبو الفضل ، وعند الصباح عَزِمَت على الذهاب بي إلى حرم العباس ، ولكن كلّ من سمع بهذا لم يوافقها ، لما يراه من الضعف البالغ حدّه ، وعدم الاستطاعة على الجلوس حتى في السيارة ، وبقيت على هذا إلى اليوم الثاني عشر من المحرم ، فأصرّت الوالدة على السفر إلى كربلاء بكلّ صورة ، فأشار بعض الأرحام على أن يضعوني في تابوت ، ففعلوا ذلك ، ووصلت ذلك اليوم إلى القبر المقدس ، ونمت عند الضريح الطاهر .
وبينما أنا في حالة الإغماء في الليلة الثالثة عشر من المحرم ، إذ جاء ذلك السيد المذكور وقال لي : لماذا تأخرت عن يوم السابع وقد بقي سعيد بانتظارك ، وحيث لم تحضر يوم السابع فهذا يوم دفن العباس وهو يوم ١٣ فقم واقرأ ، ثمّ غاب عني وعاد إلي ثانياً وأمرني بالقراءة وغاب عنّي ، وعاد بالثالثة ووضع يده على كتفي الأيسر ؛ لأني كنت مضطجعاً على الأيمن ، وهو يقول : إلى متى النوم ؟ قم واذكر مصيبتي ، فقمت وأنا مدهوش مذعور من هيبّته وأنواره ، وسقطت لوجهي مغشياً عليّ ، وقد شاهد ذلك من كان حاضراً في الحرم الأطهر .
وانتبهت من غشوتي وأنا أتصبّب عرقاً ، والصحة ظاهرة عليّ ، وكان ذلك في الساعة الخامسة من الليلة الثالثة عشر من المحىم سنة ١٣٥٤ هـ .
فاجتمع عليّ من في الحرم الشريف ، وأقبل من في الصحن والسوق ، وازدحم الناس في الحضرة المنوّرة ، وكثر التكبير والتهليل ، وخرق الناس ثيابي ، وجاءت الشرطة فأخرجوني إلى البهو الذي هو أمام الحرم ، فبقيت هناك إلى الصباح .
وعند الفجر تطّهرت للصلاة ، وصلّيت في الحرم بتمام الصحة والعافية ، ثُمّ قرأت مصيبة أبي الفضل عليه السلام ، وابتدأت بقصيدة السيد راضي بن السيد صالح القزويني وهي :
أبا الفَضل يَامن أسَسَّ الفضل والإبا
أبــا الـفـضــل إلا أن يــكـون لــهُ أبـا
والأمر الأعجب أني لمّا خرجت من الحرم قصدت داراً لبعض أرحامنا بكربلاء ، وبعد أن قرأت مصيبة العباس خلوت بزوجتي ، وببركات أبي الفضل حملت ولداً سميته «فاضل» ، وهو حي يرزق ، كما رُزقت عبد الله وحسناً ومحمداً وفاطمة كنيتها أم البنين .
هذه من عُلاه إحدى المعالي
وعلى هذه فقـس ما سواهـا
وذكر أن السيد الطاهر الزاكي السيد مهدي الأعرجي ، وكان خطيباً نائحاً له مدائح ومراثي لأهل البيت عليهم السلام كثيرة ، ورد النجف يوم خروجي إلى كربلاء ، فبات مفكراً في الأمر ، وكيف يكون الحال ؟! وفي تلك الليلة الثالثة عشر رأى في المنام كأنه في كربلاء ، ودخل حرم العباس ، فرأى الناس مجتمعين عليّ وأنا أقرأ مصيبة العباس ، فارتجل في المنام :
لقــد كُنـتَ بالسِــلِّ الــمبــرح داوه
فشافاني العباسُ من مرض السلِ
ففضـلـت بـيـن النـاسِ قـدراً وإنّـمـا
لي الفضل إذ أني عتيقُ أبي الفضل
وانتبه السيد من النوم يحفظ البيتين ، فقصد دارنا وعرّفهم بما رآه ، وفي ذلك اليوم وضح لهم الأمر »[٢]
• وقد نظم هذه الكرامة جماعة من الأدباء الذين رأوا السيد سعيد البهبهاني في الحالتين الصحة والمرض منهم:
١- السيد الخطيب العالم السيد صالح الحلي.
٢- والخطيب الفاضل الأستاذ الشيخ محمد علي اليعقوبي .
٣- والعلامة الشيخ علي الجشي .
٤- والسيد حسون السيد راضي القزويني البغدادي .
٥- والأديب الكامل السيد محمد بن العلامة السيد رضا الهندي .
٦- والخطيب الذاكر الفاضل الشيخ عبد علي الشيخ حسين .
٧- والشيخ جعفر الطريفي .
٨- والشيخ كاظم السوداني .
٩- والخطيب الشيخ حسن سبتي .
١٠- والسيد نوري ابن السيد صالح ابن السيد عباس البغدادي .
ملاحظة : بعد هذه الكرام كتب السيد سعيد البهبهاني كتابا في أحوال مولانا العباس عليه السلام يزيد على أربعمائة صفحة بإسم : إعلام الناس في فضائل العباس .
*********************
[١] في العراق مخصوصة هذه الليلة بمولانا العباس بن أمير المؤمنين عليهما السلام .
[٢] نقل القصة السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه : العباس ، ص٢١٩-٢٢٣ ، ط: مكتبة الروضة العباسية ٢٠٠٦ م .