إنّ حضور المجاهدين العراقيين من أبناء العشائر وغيرهم في ساحات القتال تحت قيادة علماء الدين، يكشف عن الوعي العام للشيعة في تشخيص الخطر الّذي يتعرّض له العالم الإسلامي من القوى الاستعمارية، وهو الموقف الّذي سبقته مواقف مماثلة عام (1911م وعام 1912)، عندما احتلت روسيا شمال إيران واحتلت إيطاليا ليبيا، فلقد كان علماء الدين وأبناء الشيعة يتعاملون مع الحدث من بُعده الإسلامي دون سواه، وهذا ما يتّضح من خلال تصدّي مراجع الدين من غير العرب لقضايا عربيّة، وكذلک استجابة العشائر العربية لفتاوى المراجع الإيرانيين وانضوائهم تحت قيادتهم المباشرة، ونثبت هنا وثيقتين تاريخيتين تؤكدان ذلک :
الوثيقة الاُولى :
رسالة كتبها متصرّف لواء المنتفک محمّد حمزة إلى السيّد كاظم اليزدي، يعرب فيها عن استجابته لأوامره السابقة حول تسهيل شؤون المجاهدين، ويخبره بحركة التطوّع لمحاربة الإنكليز بتأثير فتواه، كتب يقول :
(إلى جناب الأجلّ الأمجد حضرة مولانا ومقتدانا خادم الشرع الشريف فخر العلماء صاحب الفضيلة السيّد كاظم اليزدي المحترم وفّقه الله وحرسه وحماه بجاه البيت ومن بناه.
بعد عرض واجبات الاحترام لدى أعتابكم الشريفة نالت أيدي التكريم والتعظيم كتابكم وأسرّنا خطابكم... وأمّا منطرف مسائل الجهادية (كذا) فالحمد لله قبل كم يوم تحركوا (كذا) مقدار تسعة آلاف مجاهد من مركز اللواء وألفين خيّال إلى مناطق الحربيّة. والعشائر بكمال الشوق والسرور لازالوا يتواردو (كذا) علينا من كلّ فجٍّ عميق وسنلحقهم، إلى محالّ اللازمة (كذا) وذلک من ثمرة أنفاسكم الطاهرة ومن تأثيرات فتاويكم الشريفة الّتي اُنشرت وتبلغة (كذا) لعالم الإسلامي وافتهمنا (كذا) من أنباء البرقيّة الواردة أنّ قضاء القورنة سيرد من قبل عساكرنا المنصورة والمجاهدين...).
3 ربيع الأول 1333
متصرّف لواء المنتفک)[1] .
الوثيقة الثانية :
رسالة موجهة من مواقع القتال إلى أحد أبناء السيّد كاظم اليزدي، يبيّن فيها المُرسل امتثال المجاهدين للسيّد محمّد ابن السيّد اليزدي، جاء فيها :
(... لايخفاكم من خصوص جناب مولانا حجّة الإسلام السيّد محمّد بكمال الصحّة، وجميع من بخدمته وصحبته، وهذه المدّة نحنو (كذا) بخدمته مع عساكرنا المنصورة مع المجاهدين نازلين (كذا) الجميع بقرب الناصريّة عنها ثلاث ساعات... والعدو خذله الله على كارون بالناصريّة، وهذه المدّة لم يقع عندنا حادث جديد غير المصادمة الأوليّة. وعمدة هذا التعطيل والتوقّف للعساكر والمجاهدين من الهجوم على العدو هو شدّة احتياط حجّة الإسلام وتوقّفه مهما أمكن... وعن قريب ـ إن شاء الله ـ نبشّركم بالفتح التام، ويكون الفتح من جهتنا إن شاء الله، وذلک ببركة دعاء آية الله دام ظلّه...)[2] .
***************************
(1) مجموعة الوثائق الخطية للسيّد اليزدي، السيّد عبدالعزيز الطباطبائي.
(2) المصدر السابق.