طباعة

موقف السيّد اليزدي من جمعية النهضة الإسلامية

تشكّلت جمعية النهضة الإسلامية أواخر عام 1917م في مدينة النجف الأشرف، من قبل مجموعة من علماء الدين كان في مقدّمتهم السيّد محمّد علي بحر العلوم (رئيس الجمعية) والشيخ محمّد جواد الجزائري (نائب الرئيس)، وهما اللّذان وضعا الاُسس الفكريّة والسياسيّة للجمعيّة وحدّدا خطوطها العامّة في التحرّک والعمل[1] ، على أساس العقيدة الإسلامية.
اعتمدت الجمعيّة الاتّجاه الإسلامي صفة أساسيّة في تحديد هويّة الأعضاء الّذين ينتمون إليها؛ لذلک لم تُدخِل في عضويتها الأشخاص من ذوي الاتّجاه القومي[2] .
تميّزت الجمعيّة بامتلاكها النظرة الواعية للمرحلة الّتي تعيشها، وللأهداف الّتي تسعى لتحقيقها، فقد انطلقت من استيعابها لظروف الاُمّة الإسلامية وطبيعة التحدّيات الّتي تواجهها، وهذا ما يتّضح من خلال المادّة الاُولى من منهاج الجمعيّة حيث نصّت على :
(أجمع رأي علماء الإسلام وقادتهم الأفاضل الأعلام على لزوم تفهيم الاُمّة الإسلامية، ووجوب تحكيم ارتباط أفراد المسلمين بعضهم ببعض تحت عنوان «الجامعة الإسلامية» للتكاتف والتعاضد والاعتصام بحبل الله؛ ليكون الإسلام كتلة واحدة على من سواهم).
وفي المادّة الثانية أكدت الجمعيّة على ضرورة العمل من أجل تحكيم المفاهيم الإسلامية في المجتمع وتطبيق الشريعة الإسلامية، جاء فيها: (السعي لإعلاء كلمة الإسلام وسعادته وترقيته ومراعاة القانون الأعظم وهو الشرع الشريف المحمّدي والعمل به طبقاً لقوله تعالى: (وَلَن يَجْعَلَ آللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى آلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)[3] .
وفي المادّة الثالثة تبنّت الجمعيّة تأييد الاستقلال المطلق للحكومات الإسلامية بوجه عام والعراق بوجه خاصّ. فلقد كان اهتمامها كبيراً بالاستقلال التامّ، حتّى أنـّها أعربت عن استعدادها لمساعدة الهيئات العربيّة إذا كانت تسعى حقّاً للاستقلال الكامل، ومساندتها ماديّاً ومعنويّاً[4] .
يمكن اكتشاف علاقة الجمعيّة بالسيّد اليزدي من خلال المادّة السابعة من منهاجها، والّتي حدّدت فيها هيكلها التنظيمي، وذلک بأن يتألّف من جمعيّة مركزية عدد أعضائها (12) عضواً يرأسها المرجع الديني الأعلى للمسلمين[5] .
والمعروف أنّ السيّد كاظم اليزدي كان هو المرجع الأعلى في تلک الفترة، إلّا أنّ المصادر التاريخيّة الّتي اطِّلعنا عليها، لم تتحدّث عن علاقة تنظيمية بين السيّد اليزدي والجمعيّة بالمعنى الدقيق لهذه العلاقة. ويبدو أنّ مثل هذه العلاقات كانت معتمدة من قبل الجمعيّة؛ لظروفها الخاصّة وطبيعة عملها السري. فالشيخ عبدالكريم الجزائري كان من مؤيدي الجمعيّة، وهو رغم عدم انضمامه للجمعيّة إلّا أنّ بعض الاجتماعات كانت تعقد في داره.
انضمّ إلى الجمعيّة عدد من العلماء مثل الشيخ محمّد علي الدمشقي والسيّد إبراهيم البهبهاني وغيرهما من العلماء وطلبة الحوزة العلميّة. وقد شكّلت الجمعيّة جناحاً عسكريّاً توزّع على عدّة مجموعات، وضمّ معظم رؤساء النجف وشجعانها المعروفين مثل: بعض آل صُبّي، وآل غنيم، وآل شبع، وآل كرماشة، وآل العكاشي، وآل الحاج راضي، وآل ألبوكلل، وآل عدوة وغيرهم، ولم ينضمّ إلى الجمعيّة أحد من آل السيّد سلمان[6] . وبذلک توزعت الجمعيّة على جناحين سياسي وعسكري.
لقد أصبحت الثورة مشروع الجمعيّة الأساس، والّذي لابدّ من تنفيذه للحصول على استقلال العراق. غير أنّ اختلافاً حدث داخل الجمعيّة حول توقيت الثورة، فكان قسم منهم يرى ضرورة التعجيل، باعتبار أنّ الإنجليز بدؤوا يشعرون بوجود نشاط ثوري سرّي في المدينة. وكان حميد خان نائب الحاكم السياسي يحذّر بعض رجال الجمعيّة مثل عباس الخليلي سكرتير الجمعيّة بأنّ الإنجليز يمتلكون تقارير عن نشاطاتهم، ممّا جعلهم يفضّلون الإسراع بالثورة قبل أن يحبط الإنجليز المشروع من أساسه، ولعلّ الشيخ محمّد جواد الجزائري كان من هذا القسم كما يبدو من رسالته السابقة.
أمّا القسم الثاني فكان يرى ضرورة التريّث، حتّى يتمّ استكمال التعبئة العشائرية في المناطق الاُخرى، لتحقّق الثورة أغراضها بعد أن تتحوّل إلى حالة جماهيرية في مناطق العراق.
إ نّنا نرجّح أنّ السيّد اليزدي كان يميل إلى الاتّجاه الثاني، وهو اتجاه الأغلبيّة الّتي ترى ضرورة التريّث في إعلان الثورة، فهو لم يكن على علاقة جيّدة مع الأتراک، كما أ نّه دعم الاتّجاه الاستقلالي لإدارة النجف خلال الفترة 1915 ـ 1917م، إضافة إلى أنّ السيّد اليزدي كان يدعم من يطالب بالاستقلال التامّ الناجز[7] .
إلى هنا تكون الثورة قد نضجت كمشروع سياسي في أوساط النجف الأشرف، وبالتحديد في دوائر جمعيّة النهضة الإسلامية الّتي ضمّت عدّة مئات من الأعضاء المسلمين، إنّما الاختلاف كان في موعد التنفيذ.

***********************************
(1) ماضي النجف وحاضرها، جعفر الشيخ باقر آل محبوبة1:/344 ـ 345.
(2) ثورة العشرين في ذكراها الخمسين، محمّد علي كمال الدين: 22.
(3) النساء: 141.
(4) تاريخ العراق السياسي المعاصر، حسن شبّر: 1/38.
(5) ثورة العشرين في ذكراها الخمسين، محمّد علي كمال الدين: 68.
(6) ثورة النجف، عبدالرزاق الحسني: 28.
(7) دور الشيعة في تطّور العراق السياسي الحديث، د. عبدالله النفيسي: 59.