وفي ضوء توجيهات السيّد اليزدي عُقدت عدّة اجتماعات في النجف الأشرف لبحث مسألة الإجابة على أسئلة الاستفتاء البريطاني.
ويبدو أنّ السيّد اليزدي في نفس الوقت كان يقوم بنشاط سرّي في هذا الخصوص مع بعض الشخصيّات الشيعيّة في بغداد، وكان عضو الارتباط الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء. وهذا ما توضِّحه وثيقة زوّدني بها السيّد عبدالعزيز الطباطبائي، وهي رسالة كتبها الشيخ أحمد كاشف الغطاء إلى السيّد اليزدي من كربلاء يخبره عن قرب مجيء الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء وجعفر أبوالتمّن إلى النجف الأشرف قادمين من بغداد، جاء فيها :
(... وفي هذه الليلة كتبنا تلغرافاً إلى بغداد إلى الأخ الشيخ محمّد حسين وجعفر الحاج داود إخباراً لهما بمجيئهما وهما يتحرّكان بالعربة هذه الليلة ـ أعني ليلة الجمعة (غير مفهومة) ـ فانتظر قدوم الأخ الشيخ محمّد حسين، وعند مجيئه نتوجّه معاً لطرفكم...)
لقد كان لوصول الحاج جعفر أبوالتمّن أثره في تحديد الرأي المتّفق عليه بشأن أسئلة الاستفتاء. فبعد عدّة اجتماعات تمّ الاتّفاق وبإشارة من السيّد اليزدي على مضبطة تطالب بحكومة مستقلّة استقلالاً تامّاً ناجزاً برئاسة ملک عربي مقيّد بدستور ومجلس تشريعي منتخب[1] ، وكان للحاج جعفر أبوالتمن دور في
ذلک. كانت تجربة الاستفتاء في النجف الأشرف أوّل إخفاق عملي واجهه المشروع البريطاني في تحديد مستقبل العراق السياسي، وقد عزّز موقف النجف المدن العراقية الاُخرى ولا سيّما الشيعيّة، حيث رفضت إعطاء الآراء الّتي تريدها سلطات الاحتلال، وأصرّت على الحكم المستقل.
* * *
إلى هنا ينتهي بنا المطاف من سرد حياة السيد اليزدي 1 في فترة سياسية مرت على الاُمة الإسلامية والتي عمتها عواصف وتيارات كانت تستهدف الإسلام أوّلاً والمسلمين ثانياً، حيث التطور العالمي وتجاذب القوى الاستكبارية لاخضاع الشعوب وقمعها ومحاولة إمحاء تراثها الديني المتمثل في الإسلام .
************************************
(1) ثورة النجف على الإنجليز، حسن الأسدي: 366.