طباعة

ثانياً: المنقذ اصطلاحاً:

 جاءت لفظة المنقذ لتشارك وترادف في معناها ألفاظاً أخرى كالمخلص، والموعود، والمنتظر، والمهدي، والمصلح، وأصبحت تشارك هذه الألفاظ التي حملتها بطون الكتب والروايات لتصبح لقباً للشخص الذي يقيم دولة السماء على الأرض، الرجل الذي يحكم الدولة الكبرى بالعدالة المطلقة، لذا أصبح لهذه اللفظة معنى اصطلاحي - ديني تشاركته الأديان، كلٌّ حسب تسميتها لهذا الشخص، وممّا يبدو لي أنَّ هذه التسمية أخذت حضوراً واسعاً في كتب الأديان والمعتقدات الإنسانية تشاركت في وحدة المعنى وترادفت في الاصطلاح وتنوَّعت في التسميات لكنها في حقيقتها صورة واحدة لمدلول واحد هو المنقذ الذي تنتظره كلّ الأديان مع اختلافها واختلاف تشخيصها لهوية هذا الشخص فأصبح هذا اللفظ من الناحية الاصطلاحية هو المعنى الشامل لذاك الرجل المنتظر، الذي سوف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
وقد حمل الاعتقاد بهذا المنقذ المنتظر فكرة حكومته الشاملة الكاملة العادلة أكثر الأديان بل جميعها (ففكرة المهدي (عجَّل الله فرجه) وظهور قائد في آخر الزمان موجودة في كثير من الأديان)(١٦).
وقد كان أصحاب الرسالات السماوية والدعوات الإصلاحية والوضعية يحملون هذه الفكرة ويمهِّدون الطريق لهذا المنقذ الموعود الذي يتأمَّلون مجيئه ليملأ الأرض عدلاً وسعادة.
وهذا سرُّ ديمومة الفكرة وتناقلها، فقد روي عن كعب الأحبار (ت: ٣٧هـ/٦٥٧م)(١٧).
قوله: (إنِّي أجد المهدي مكتوباً في أسفار الأنبياء، وما في عمله ظلم ولا عيب)(١٨)، هكذا تنوقلت الفكرة وامتزجت بالعقائد السماوية والوضعية وصارت محط تشارك أفكار البشرية التي تنتظر مخلصاً لها ينقذها من الشر الذي طغى على الأرض وينير ظلمة أيامها.
***************
(١٦) الموسوي، موسى، الشيعة والتصحيح، (بيروت، ١٤٠٩هـ/١٩٨٨م)، ص٦١.
(١٧) كعب بن مانع الحِميّري ويكنى بأبي إسحق كان عالماً بالإسرائيليات وتفسير آيات القرآن كان كاتباً ويسمى بالـ(حبر) وهو أشهر المسلمين من أصول يهودية ورواياته وتفسيراته لبعض الآيات وقصص الأنبياء والأقدمين هي مصدر روايات كثيرة للصحابة والتابعين، كان له معارضون من الصحابة أو من الإخباريين الذين اتَّهموه بمحاولة إقحام يهوديته في الإسلام، وللشيعة موقف منه، وكان مقرَّباً وجليساً لعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عباس ومعاوية بن أبي سفيان. سكن بالشام وتوفي فيها سنة (٣٧هـ/ ٦٥٧م).
ينظر، إسرائيل أبو ذؤيب، كعب الأحبار، مراجعة: محمود عباسي، (القدس، مطبعة الشرق التعاونية، د.ت)، ص٢٢-٢٩.
(١٨) وافي، علي عبد الواحد، الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، (القاهرة، مكتبة البيان العربي، ١٣٨٤هـ/١٩٦٤م)، ص٩٢.