طباعة

الشبهة التاسعة: إنَّ فريضة الخُمُس لا تخضع للرقابة المالية

 مفاد الشبهة
يدَّعي البعض أنَّ فريضة الخُمُس غير خاضعة لمسألة الرقابة المالية، ولم تكشف المؤسَّسة الدينية طريقة التعامل بهذا الحقِّ، وتعمل على أساس استحواذي تفرّدي لا يُعلَم حجم هذه الأموال ومصيرها، ممَّا يورد الشكوك عند أفراد المجتمع.
ردُّ الشبهة
أوَّلاً: أنَّ المؤسَّسة الدينية الشيعية لا بدَّ أن ننظر لها مع نظائرها من بقيَّة المؤسَّسات غير الإسلاميَّة كالمسيحية واليهودية وغيرها من الديانات، فهل هذه المؤسَّسات تتمتَّع بالشفّافية المطلقة بحيث تفصح عمَّا بيدها من الضرائب المالية التي تفرضها على أفراد مجتمعاتها؟ بالطبع لا يوجد ذلك، ولعلَّ تعليلاتهم لذلك هو أنَّ هذا من الشؤونات الخاضعة لنفس تلك الديانة أو المؤسَّسة التابعة لها ولا علاقة للغير بها، نعم وهذا لا يعني عدم وجود رقابة على تلك الأموال من داخل المؤسَّسة.
ثانياً: أنَّ ما نلاحظه في كلمات المستشكلين أنَّهم يُسجِّلون هذا الإشكال فقط على ضريبة الخُمُس للتشكيك في تشريعه، مع أنَّ الإسلام لم يفرض الخُمُس فقط وإنَّما هنالك ضرائب كثيرة وموارد مالية متعدِّدة كالزكاة والصدقات والموقوفات وغيرها ممَّا فرضه الإسلام، وكما وضعت حدود وشروط وآليات لذلك فهنالك حدود وشروط وآليات متَّبعة وملتفت إليها من قِبَل الجهة المخوَّلة شرعاً في كيفية التعاطي مع حقِّ الخُمُس، فحالها حال بقيَّة الفرائض، فإنَّ آلية الجمع والتوزيع والصرف ليس عملية استحواذية، وإنَّما قائمة على وفق أُسس ونظام رسمه لنا الشرع المقدَّس، ولا يحقُّ للفقيه أو الجهة المخوَّلة أن يخالف ما حدَّده الشارع المقدَّس في كيفية التعامل مع الأموال وإخراجها أو التصرُّف فيها.
ثالثاً: وأمَّا فيما يتربط بالكشف المالي، فهي قضيَّة نسبية وغير مطلقة، وهذا أمر متَّبع في جميع الحكومات العالمية والمؤسَّسات الدينية وغيرها، فهنالك تخصيصات مالية لوزاراتها الأمنية مثلاً كالدفاع والمخابرات لا يُكشَف عنها إلَّا ضمن أروقتها الخاصَّة، وذلك لأسباب كثيرة ودواع أمنية عالمية، فإنَّ من أحد أهمّ الخطوات في المؤسَّسات العالمية أمنياً عدم الكشف المالي للعدوِّ، لأنَّه يُعَدُّ مصدر قوَّة لكلِّ حكومة أو دين أو مذهب، فكذلك الفقيه الجامع للشرائط، فإنَّه جهة مخوَّلة من الشارع المقدَّس لحفظ هذه الأموال وإدارتها ومراعاة الأوّليات فيها، والأخذ بعين الاعتبار مسألة الكشف أمام العدوِّ والجهات العالمية المسيطرة على رأس مال الدول، وهذا من أهمّ عناصر القوَّة التي يتمتَّع بها الإسلام، وإن كان للفضلاء والعلماء المقرَّبين من المؤسَّسة الدينية دور في الرقابة والاطِّلاع والكشف، لكنَّه بإطاره الخاصّ وليس مطلقاً.
رابعاً: وإنَّ من أهمّ ما يتمتَّع به مذهب الإماميَّة هو أنَّ مسألة إيداع الأموال بيد الفقيه غير مطلقة، وإنَّما تعتمد على شرط مهمٍّ وأساسي، وهو وثاقة وعدالة وأمانة المرجع والفقيه، فإنَّه لا يحقُّ للمكلَّف إعطاء هذه الأموال لجهة غير موثوق بها ولم تثبت عدالتها، وهذا نحو من أنحاء الرقابة الداخلية على تلك الأموال، فإنَّ ثقة المكلَّف بالفقيه الجامع للشرائط يعني اعتقاده بأنَّه مؤهَّل لأن يدير هذه الأموال بطريقة عادلة ضمن رقابة خاصَّة وآليات دقيقة.
خامساً: أنَّ المؤسَّسة الدينية في بعض الأحيان تأخذ بنظر الاعتبار ملاكات ومصالح أساسية في صرف تلك الأموال، وحسب ما تراه مناسباً في تقويم مسيرة الدين والمذهب، وهذا قد لا يلتفت إليه عامَّة المكلَّفين؛ لأنَّه شأن خاصّ يحتاج إلى خبرة وعمق في التدبير، وهو غير حاصل عند أغلب الأفراد في المجتمع، وهذا أمر معمول به في جميع السياسات المالية للحكومات والمؤسَّسات المختصَّة في ذلك.