• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الشبهة الحادية عشر: إعطاء نصف الخُمُس للسادة من بني هاشم يدعو إلى التفاوت الطبقي

 مفاد الشبهة
يقول البعض: لقد أكَّد الإسلام على مبدأ التساوي بين أفراد المجتمع، وحارب مسألة التفاوت الطبقي بين أفراده، وجعل المعيار في تفضيل بني البشر هو التقوى كما نصَّ عليه القرآن الكريم في موارد عدَّة، منها قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ﴾ (الحجرات: ١٣)، والتقوى كما هو معلوم هي أمر معنوي خاصٌّ بعلاقة الفرد بالله (عزَّ وجلَّ)، ولا يوجد في القرآن الكريم أنَّ هنالك ميزة أو أفضلية من حيث النسب أو العرق أو القبيلة أو العشيرة أو الوطن أو السكن لفرد على فرد آخر أو قوم على آخرين، بل فضيلة كلِّ إنسان بما كسبه بنفسه، وعليه فإنَّ تخصيص نصف الخُمُس للسادة من بني هاشم بدعوى إكرامهم من الله تعالى لقرابتهم للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يمكن أن تنسجم مع روح الإسلام، بل هي مخالفة للقران الكريم.
ردُّ الشبهة
إنَّ المنظِّرين لهذه الشبهة ركَّزوا على جوانب عدَّة فيها، فلا بدَّ من ملاحظتها وبيان المراد الحقيقي منها، وتوضيح موارد الاشتباه فيها، وعليه نقول:
إنَّ نظام الخلق تحكمه سُنَّة التفاضل لا التساوي، فالإسلام يحمي مبدأ العدل والإحسان ولا يقرُّ المساواة المطلقة كمبدأ عامّ، وقد دلَّت على ذلك جملة من النصوص القرآنية التي تُوضِّح وجود التفاضل بين المخلوقات، كقوله تعالى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ﴾ (الإسراء: ٢١).
فالإسلام يقوم في الحقوق على مبدأ (العدل والقسط) لا على مبدأ التساوي، ولن تجد في القرآن الكريم مفردة المساواة بين الناس بنحو مطلق، بل لا بدَّ من فرق بينهم، وقد صرَّحت النصوص القرآنية والروائية على نفي التساوي في جملة من الموارد:
منها: عدم التساوي بين الكامل وغيره، كتفضيل الأنبياء والأئمَّة (عليهم السلام) على سائر البشر من ناحية الكمال والعلم والعصمة، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالاَ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (النمل: ١٥)، وقال تعالى: ﴿وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلّاً فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ * وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (الأنعام: ٨٦ و٨٧)، وقال أيضاً: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (آل عمران: ٣٣ و٣٤)، فهذه النصوص الكريمة واضحة وصريحة أنَّ الأنبياء وخلفاء الله في الأرض لهم صفات كمالية خاصَّة اقتضت تفضيلهم واجتباءهم من قِبَل الحقِّ سبحانه وتعالى، وذلك لاستحقاقهم لهذه الكمالات، فإنَّ الله تعالى عالم بالخلق قبل الوجود وحينه وبعده.
ومنها: عدم التساوي بين العالم وغيره، فقد صرَّحت النصوص القرآنية والروائية على تفضيل العالم على غيره، قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ﴾ (الزمر: ٩)، وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإنَّ العلماء ورثة الأنبياء»(١١٩)، وعن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: «يا عليُّ، نوم العالم أفضل من عبادة العابد الجاهل. يا عليُّ، ركعتان يُصلّيهما العالم أفضل من ألف ركعة يُصلّيها العابد»(١٢٠).
ومنها: أنَّ الشارع المقدَّس قد ميَّز بين المجاهد والقاعد، فقال تعالى: ﴿لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً﴾ (النساء: ٩٥)، وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أمَّا بعد، فإنَّ الجهاد باب من أبواب الجنَّة، فتحه الله لخاصَّة أوليائه، وسوَّغهم كرامة منه لهم ونعمة ذخرها، والجهاد هو لباس التقوى ودرع الله الحصينة وجُنَّته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذلِّ وشمله البلاء»(١٢١).
فهذه النصوص الكريمة صرَّحت بأنَّ هنالك تفاضل بين المؤمنين أنفسهم، وذلك من خلال التلبُّس بالجهاد، فمن كان من المجاهدين أفضل من القاعدين؛ لأنَّه بذل مهجته لأجل نصرة الدين والحفاظ على شريعة سيِّد المرسلين.
ومنها: ما ذكره القرآن الكريم من أنَّ الإنفاق والقتال قبل الفتح أفضل منه بعده، حيث قال (عزَّ وجلَّ): ﴿وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَللهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (الحديد: ١٠).
إنَّ هذه الآيات الكريمة قد بيَّنت معنىً دقيقاً جدّاً لمبدأ (العدل)، وأنَّه هو المدار في التفاضل وليس التساوي، حيث إنَّ الذين أنفقوا وقاتلوا قبل الفتح أفضل من الذين أنفقوا وقاتلوا بعده، حيث كان المسلمون قبل الفتح قلَّة قليلة شُرِّدوا عن ديارهم وسُلِبَت أموالهم وعاشوا فترات عصيبة جدّاً في نصرة الدين الإسلامي، على عكس من أنفق وقاتل بعد الفتح حيث قويت شوكت المسلمين واشتدَّ عودهم وتوسَّعت مواردهم المالية، فليس من العدل المساواة بينهم في الثواب والجزاء والدرجات العظيمة عند الله تعالى.
ومنها: فقد فضَّل الله تعالى السابق بالإيمان به واليوم الآخر والجهاد في سبيله، حيث قال (عزَّ وجلَّ): ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (التوبة: ١٩).
يُحدِّثنا التاريخ بأنَّ المشرف على سقاية الحاجِّ قبل الإسلام كان يتمتَّع بمنزلة اجتماعية مرموقة لما يُقدِّم للحاجِّ من خدمات حياتية أساسية، وكذلك عمارة المسجد الحرام وسدنته ورعايته، فقد كانت تُعَدُّ فضيلة للمتصدّي لها، وعلى رغم هذا فقد صرَّح القرآن الكريم بأنَّ الإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيل الله أفضل من جميع تلك الأعمال عند الله تعالى.
وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن أبي بريدة، عن أبيه، قال: بينما شيبة والعبّاس يتفاخران إذ مرَّ عليهما عليُّ بن أبي طالب، قال: «بما تفتخران؟»، قال العبّاس: لقد أُوتيت من الفضل ما لم يؤتَ أحد سقاية الحاجِّ، وقال شيبة: أُوتيت عمارة المسجد الحرام، وقال عليٌّ: «وأنا أقول لكما: لقد أُوتيت على صغري ما لم تُؤتيا»، فقالا: وما أُوتيت يا عليُّ؟ قال: «ضربت خراطيمكما بالسيف حتَّى آمنتما بالله تبارك وتعالى ورسوله»، فقام العبّاس مغضباً يجرُّ ذيله حتَّى دخل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال: أمَا ترى ما استقبلني به عليٌّ؟ فقال: «ادعوا لي عليّاً»، فدُعي له، فقال: «ما حملك يا عليُّ على ما استقبلت به عمَّك؟»، فقال: «يا رسول الله صدقته الحقَّ فإن شاء فليغضب وإن شاء فليرضَ»، فنزل جبرئيل (عليه السلام)، وقال: «يا محمّد ربُّك يقرأ عليك السلام ويقول: اتل عليهم: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ... لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ...﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [التوبة: ١٩-٢٢]»(١٢٢).
وقد ذكر القرآن الكريم أنَّ هنالك مشتركات كثيرة بين الرجل والمرأة، وذلك من قبيل التكاليف والأحكام وإقامة الحدود والثواب والعقاب وغيرها، حيث قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (النحل: ٩٧).
وكذا قد بيَّن القرآن الكريم تمايزاً وتفاضلاً بين الرجل والمرأة في موارد عدَّة، منها: قوله تعالى في الميراث: ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ (النساء: ١١)، وقوله تعالى بأنَّ القوامة للرجل لا للمرأة: ﴿الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ﴾ (النساء: ٣٤)، وأوجب الجهاد على الرجل دون المرأة، وجعل الطلاق بيد الرجل دونها، وجعل ديتها نصف دية الرجل.
وهذا التمايز والتفاضل بينهما هو عين العدل الإلهي، حيث إنَّ العرف يرى وبكلِّ وضوح أنَّ المتصدّي لإدارة شؤون البيت والعائلة وتلبية حاجات المرأة والكدِّ عليها والكسب والدفاع عن الأرض والعرض والمال كلُّه على عاتق الرجل، وهذا قد أقرَّه الشارع المقدَّس؛ وذلك لأنَّ طبيعة خلقة الرجل تقتضي ذلك، وهذا لا يعني ظلماً للمرأة، بل على العكس فقد حفظ الإسلام مكانة المرأة بين المجتمع وراعى طبيعتها وعفَّتها وكلَّ ما يصبُّ في حفظ كيانها.
فإنَّ استواء الرجل والمرأة من جميع النواحي لا يمكن أن يتحقَّق؛ لأنَّ الفوارق بين النوعين كوناً وقدراً أوَّلاً وشرعاً ثانياً تمنع من ذلك البتَّة.
ومن هنا يتَّضح أنَّ نظام الخلق قائم على أساس العدل والقسط وإعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه، وليس على أساس المساواة المطلقة في كلِّ شيء.
وكذا يتَّضح أيضاً أنَّ ما يدَّعيه البعض من أنَّ أساس التفاضل بين بني البشر هو التقوى غير تامٍّ، فإنَّ التقوى ليست علَّة تامَّة للتفاضل والتمايز، فقد بيَّنّا أنَّ المتَّقين أنفسهم بينهم تفاضل وتمايز، كمن كان مجاهداً أو عالماً منهم دون غيره.
بل إنَّ التفاضل في الأحكام لا علاقة له بالإنسانية أو الأكملية أو القرب من الله تعالى، فإنَّ نصَّ القرآن بأنَّ للذَّكَر مثل حظِّ الأُنثيين لا يعني أنَّ الذَّكَر أقرب من الأُنثى إلى الله، فلا معنى لذلك، وهو أمر أجنبي على الأحكام الفقهية، فإذا التزمنا فقهاً مثلاً بعدم جواز إمامة النساء للرجال فهذا لا يعني أنَّه نقص في المرأة، بل هو حكم شرعي لا علاقة له بالإنسانية ولا بالأكرمية وغيرها من الحالات الروحية.
إعطاء نصف الخُمُس للسادة من بني هاشم:
ذكرنا فيما تقدَّم أنَّ الملاك في التمايز بين بني البشر هو (العدل والقسط وإعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه)، وعليه فإنَّ إعطاء نصف الخمس كفريضة مالية للمؤمنين من الفقراء والمساكين والأيتام من السادة من بني هاشم هو من باب العدل الإلهي، فهو استحقاق لهم، وذلك لأُمور عدَّة امتازوا بها عن غيرهم:
الأمر الأوَّل:
لقد حظي بنو هاشم بمكانة مرموقة قبل الإسلام وبعده، وقد تواترت النصوص على أفضليتهم على غيرهم من بني البشر(١٢٣)، وذلك لسبقهم لاعتناق الإسلام والإيمان بالله ورسوله، فقد قال ابن عبّاس: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «بعثني الله نبيّاً، فأتيت بني أُميَّة فقلت: يا بني أُميَّة إنّي رسول الله إليكم، قالوا: كذبت ما أنت برسول، ثمّ أتيت بني هاشم فقلت: إنّي رسول الله إليكم، فآمن بي عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) سرّاً وجهراً، وحماني أبو طالب (عليه السلام) جهراً وآمن بي سرّاً، ثمّ بعث الله جبرئيل بلوائه فركزه في بني هاشم، وبعث إبليس بلوائه فركزه في بني أُميَّة، فلا يزالون أعداءنا وشيعتهم أعداء شيعتنا إلى يوم القيامة»(١٢٤).
وقد سجَّلت لنا المصادر التاريخية مجموعة من الخصال الكريمة التي كان يمتاز بها بنو هاشم عن غيرهم، كالجود والعطاء والرجولة والتنزُّه عن الرذائل، ومن أبرز تلك الوثائق ما جاء في حلف الفضول الذي كان يُمثِّل فيه بنو هاشم قطب الرحى في نصرة المظلوم والوقوف بوجه الظالمين، وروي عن ابن عبّاس أنَّه قال: (أعطى الله (عزَّ وجلَّ) بني عبد المطَّلب الصباحة والفصاحة والسماحة والشجاعة والعلم وحُبَّ النساء)(١٢٥).
وقد ذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث المناشدة فضله على المسلمين حيث قال: «نشدتكم بالله هل سمعتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: كلُّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلَّا سببي ونسبي، فأيُّ سبب أفضل من سببي؟ وأي نسب أفضل من نسبي؟ إنَّ أبي وأبا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لإخوان، وإنَّ الحسن والحسين ابنَيّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وسيِّدَيّ شباب أهل الجنَّة ابناي، وفاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) زوجتي سيِّدة نساء أهل الجنَّة، غيري؟»، قالوا: اللّهمّ لا.
قال: «نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنَّ الله خلق الخلق ففرَّقهم فرقتين، فجعلني في خير الفرقتين، ثمّ جعلهم شعوباً فجعلني في خير شعبة، ثمّ جعلهم قبائل فجعلني في خير قبيلة، ثمّ جعلهم بيوتاً فجعلني في خير بيت؟»(١٢٦).
بل قد كان النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يصنع بمن مات من بني هاشم خاصَّة شيئاً لا يصنعه بأحد من المسلمين(١٢٧).
وقد وقفت السلطات الجائرة من الأُمويين والعبّاسيين بوجه السادة من بني هاشم من العلويين والحسنيين لما يحملونه من الحقِّ والذبِّ عن الشريعة المقدَّسة، فعمدوا إلى تشريدهم وطردهم وصلبهم وقتلهم ومنعهم من العطاءات وممارسة الأعمال في الدولة، وقد اشتدَّ بهم الفقر والعوز ممَّا لا يخفى.
فمن هنا جاءت النصوص والروايات عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام) بإكرام بني هاشم، لما عرفت من فضلهم وجهادهم وسبقهم بتوحيد الله والذبِّ عن رسوله والدفاع عن حريم الإسلام ونصرة المظلوم، ولما عانوه من الظلم والتشريد.
روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «من صنع إلى أحد من أهل بيتي يداً كافأته به يوم القيامة»، وعنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أنا شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا: رجل نصر ذرّيتي، ورجل بذل ماله لذرّيتي عند الضيق، ورجل أحبَّ ذرّيتي باللسان والقلب، ورجل سعى في حوائج ذرّيتي إذا طُردوا أو شُرِّدوا»(١٢٨).
وعليه فإنَّ إعطاء نصف الخُمُس للسادة من بني هاشم إكراماً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقد جُعِلَ هذا التكليف اختباراً وامتحاناً لمن لا يرضى أن يرى لأهل البيت (عليهم السلام) عيناً وأثراً، بل إنَّ الحفاظ على عنوان بني هاشم له من الإيجابيات في دفع الشبهات وتسجيل الحقائق، أليس يستحقُّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يُكرَم؟ وإنَّما يُحفَظ المرء في عشيرته وولده، وهذا أمر عقلائي عرفي يقبله روح الاجتماع.
الأمر الثاني:
إنَّ تخصيص نصف الخُمُس للمؤمنين من فقراء بني هاشم ومساكينهم ممَّا تقتضيه العدالة الإلهيَّة، وليس تميُّزاً طبقيّاً؛ وذلك لأنَّهم حُرموا من الزكاة التي شُرِّعت للفقراء من عامَّة المسلمين، فليس للهاشمي أن يأخذ زكاة الأموال، وفي ذات الوقت هو مطالب شرعاً بإخراج الزكاة كما هو شأن بقيَّة المسلمين، فهو ليس معفيّاً عنها، وكذلك ليس معفيّاً عن إخراج الخُمُس.
فقد روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «وإنَّما جعل الله هذا الخُمُس خاصَّة لهم دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم عوضاً لهم من صدقات الناس تنزيهاً من الله لهم لقرابتهم برسول الله وكرامة من الله لهم عن أوساخ الناس، فجعل لهم خاصَّة من عنده ما يُغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذلِّ والمسكنة»(١٢٩).
وعن الإمام الرضا (عليه السلام)، قال: «فلمَّا جاءت قصَّة الصدقة نزَّه نفسه ورسوله ونزَّه أهل بيته فقال: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ﴾ [التوبة: ٦٠]»، ثمّ قال: «فلمَّا نزه نفسه عن الصدقة ونزَّه رسوله ونزَّه أهل بيته، لا بل حرَّم عليهم؛ لأنَّ الصدقة محرَّمة على محمّد وآله، وهي أوساخ أيدي الناس لا تحلُّ لهم؛ لأنَّهم طُهِّروا من كلِّ دنس ووسخ»(١٣٠).
هل إعطاء نصف الخُمُس لمطلق السادة؟
يُصوِّر البعض من المغرضين أنَّ إعطاء نصف الخُمُس هو لمطلق السادة من بني هاشم، وهذا خلاف ما عليه الطائفة الإماميَّة، فإنَّ إعطاء نصف الخُمُس للسادة فيما إذا توفَّرت فيهم الشروط، وإليك بيانها:
الشرط الأوَّل: أن يكون مؤمناً، فلا يجوز إعطاء هذا الحقِّ ممَّن كان منحرفاً عن خطِّ الله ورسوله وأهل بيته (عليهم السلام) وإن كان قريباً من النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
الشرط الثاني: أن لا يكون متجاهراً بالفسق والعصيان، فلا يجوز إعطاء الحقِّ لمن كان شارباً للخمر أو عاصياً أو لم يؤدِّ الفرائض الواجبة.
الشرط الثالث: الفقر، كما نصَّت عليه آية الخمس، فلا يجوز إعطاء هذا الحقِّ للأغنياء من بني هاشم.
***************
(١١٩) الكافي (ج ١/ ص ٣٤).
(١٢٠) البحار (ج ٧٤/ ص ٥٧).
(١٢١) الكافي (ج ٥/ ص ٤).
(١٢٢) مجمع البيان (ج ٥/ ص ٢٣).
(١٢٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج ١٩/ ص ٢١٠).
(١٢٤) البحار (ج ٢٤/ ص ٧٦).
(١٢٥) ذخائر العقبى (ص ١٥).
(١٢٦) البحار (ج ٣١/ ص ٣٢٣).
(١٢٧) نفس المصدر (ج ٣/ ص ١٩٩).
(١٢٨) وسائل الشيعة (ج ١٦/ ص ٣٣٢/ باب تأكُّد استحباب اصطناع المعروف إلى العلويين والسادات/ ح ١).
(١٢٩) الوسائل (ج ٩/ ص ٥١٣/ باب ١ من أبواب قسمة الخُمُس/ ح ٨).
(١٣٠) الوسائل (ج ٩/ ص ٥١٤/ باب تحريم الزكاة الواجبة على بني هاشم/ ح ٢).


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page