مفاد الشبهة
إنَّ أساس تشريع الخُمُس إنَّما شُرِّع لأجل الحاجة، وأنَّ الله تعالى غنيٌّ مطلق، فكيف يُنسَب هذا الحقُّ إلى الله تعالى، كما في قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ﴾ (الأنفال: ٤١)؟ ومن المعلوم عدم إمكان نسبة الخمس لله تعالى؛ وذلك لأنَّه الغني المطلق، فنسبته لله (عزَّ وجلَّ) ينافي غناه.
ردُّ الشبهة
إنَّ هذه الشبهة لا بدَّ أن يُلحَظ فيها أُمور عدَّة:
الأمر الأوَّل:
قد توهَّم المستشكل بأنَّ تشريع الخُمُس منحصر بالحاجة إليه فقط، مع أنَّ الملاك في ذلك أعمّ من الحاجة، فإنَّها ليست هي العلَّة التامَّة في تشريع هذا الحقِّ، وإنَّما يُصرَف هذا الحقُّ في سبيل الله تعالى، وهذا الملاك عامٌّ شامل لجميع ما يدخل في حفظ ونشر معالم الدين والمذهب الحقِّ، وكلُّ ما يكون فيه رضا لله (عزَّ وجلَّ)، وللنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمَّة (عليهم السلام).
وقد بيَّنّا فيما سبق أيضاً بعض الملاكات الأُخرى لتشريع الخُمُس كالتكريم للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحفظ قرابته لما قدَّموه في الدفاع عن الدين الإسلامي وسبقهم في الدعوة إلى التوحيد، وجعله عوضاً عن الزكاة التي حُرِّمت عليهم.
وورد هذا المعنى عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه سُئِلَ عن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ (الأنفال: ٤١) فقال: «أمَّا خُمُس الله (عزَّ وجلَّ) فللرسول يضعه في سبيل الله، وأمَّا خمس الرسول فلأقاربه، وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه، واليتامى يتامى أهل بيته»(١٣١).
الأمر الثاني:
إنَّ قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ﴾ (الأنفال: ٤١) نظير قوله: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ (الحديد: ١١)، فليس من المعقول أن يُنسَب القرض والدَّين إلى الله تعالى، فهو ليس محتاجاً، بل هو الغني المطلق، وإنَّما المراد منه من أنفق ممَّا رزقه الله تعالى، وإِنَّما عبَّر عنه بالإِقراض لتحريك المشاعر وإِثارتها لدى الناس قدراً أكبر.
وهذا الإشكال نفسه قد أبرزه اليهود في عهد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حيث ورد عن ابن عبّاس أنَّه قال: كتب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كتاباً إلى يهود بني قينقاع دعاهم فيه لإِقامة الصلاة وإِيتاء الزكاة وأن يُقرضوا الله، فدخل رسول النبيِّ إلى بيت المدارس حيث يتلقّى اليهود دروساً في دينهم، وسلَّم كتاب النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى فنحاص وهو من كبار أحبار اليهود، فلمَّا قرأه قال مستهزءاً: لو كان ما تقولونه حقّاً فإنَّ الله إِذن لفقير ونحن أغنياء، ولو كان غنيّاً لما استقرض منّا، وهو يشير إلى قوله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ (الحديد: ١١)، فنزل قوله تعالى: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ﴾ (آل عمران: ١٨١)(١٣٢).
***************
(١٣١) الوسائل (ج ٩/ ص ٥٠٩/ باب ١ من أبواب قسمة الخُمُس/ ح ١).
(١٣٢) بحار الأنوار (ج ٩/ ص ٧٣).
الشبهة الثانية عشر: نسبة الخُمُس لله ينافي غناه
- الزيارات: 290