طباعة

8 - توعُّد مخالفه بالنار

 ولعلَّ من أسوأ ما رتَّبه على الوصيَّة المزعومة، أنَّ من لم يسر معه هاوٍ وهالك، وأنَّ عاقبته جهنَّم، وهو خارج عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بريء منه، فقد ذكر في بيان البراءة في (١٣/٦/١٤٢٥هـ):
(لقد قامت عليكم الحجَّة البالغة التامَّة من الله سبحانه وتعالى بي بأنّي الصراط المستقيم إلى جنّات النعيم، فمن سار معي نجا ومن تخلَّف عنّي هلك وهوى، وهذا هو الإنذار الأخير لكم من الله ومن الإمام المهدي (عليه السلام) وما بعده إلَّا آية العذاب والخزي، وفي الآخرة جهنَّم يصلونها وبئس المهاد لمن لم يلتحق بهذه الدعوة).
إلى أن يقول: (وأُعلن باسم الإمام محمّد بن الحسن المهدي (عليه السلام) أنَّ كلَّ من لم يلتحق بهذه الدعوة ويُعلِن البيعة لوصيِّ الإمام المهدي (عليه السلام) بعد (١٣/ رجب/ ١٤٢٥هـ) فهو:
١ - خارج من ولاية عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو بهذا إلى جهنَّم وبئس الورد المورود، وكلُّ أعماله العبادية باطلة جملةً وتفصيلاً، فلا حجَّ ولا صلاة ولا صوم ولا زكاة بلا ولاية.
٢ - أنَّ رسول الله محمّد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بريء من كلِّ من ينتسب إليه ولم يدخل في هذه الدعوة ويُعلِن البيعة.
ونحن نتساءل أين هي الحجَّة البالغة؟ أبرواية غاية في السقوط السندي وغموض في الدلالة؟ وإن تجاوزنا ذلك، فمن يثبت أنَّه الذي أشارته الرواية؟ على أنَّ المورد لا يخلو من غرابة تمنع المنصف من الاطمئنان لها بل من تعقُّلها، فكيف أتعقَّل أنَّ جدَّ فلان الرابع هو الإمام المهدي (عليه السلام) وأنا لم يثبت عندي أنَّه (عليه السلام) متزوّج وله ذرّية؟ ومجرَّد الإمكان مع الادِّعاء لا يُعَدُّ حجَّةً فضلاً عن أن تكون حجَّة بالغة، نعم هي بالغة في الزيغ والاستخفاف بالعقول والضحك على أذقان بسطاء الأذهان.
ثمّ ها هي عدَّة سنوات مرَّت ولم نرَ العذاب والخزي بعد إنذاره الأخير، ثمّ أين التخويل من الإمام المهدي (عليه السلام) لشخص يتحدَّث باسمه؟
﴿ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ (الأحقاف: ٤).
وعظم المدَّعى لا قيمة له إن لم يستند إلى دليل، وقد ادَّعى فرعون أنَّه إله ونمرود وغيره، وقد ادَّعى مسيلمة أنَّه نبيٌّ مرسَل وغيره الكثير، وقد ادَّعى الكثيرون أنَّهم أئمَّة، نعم لم يكونوا إلَّا زبداً فذهبوا جفاءً.
﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ﴾ (الرعد: ١٧).
وأمَّا دعوى أنَّ من لم يسر معه فإلى جهنَّم، فهذا ما يُكذِّبه المنطق القرآني، فإنّا إذا توقَّفنا عند بعض آيات سورة البقرة فسنجزم من خلال الأولوية كذب هذه الدعوى، فالله تعالى يقول:
١ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (البقرة: ٦٢).
٢ - ﴿وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ * بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ﴾ (البقرة: ٨٠ - ٨٢).
والحديث عن أهل الكتاب.
٣ - ﴿وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (البقرة: ١١١ و١١٢).
فالآيات المتقدِّمة كالصريحة في أنَّ المدار في النجاة على الإيمان والعمل الصالح أو الإحسان كما عبَّر الشاهد الثالث.
وهذا لا يعني أنَّ لهم أن يرفضوا دعوة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عندما تتمُّ الحجَّة عليهم، ثمّ يتوقَّعون أن يكون مآلهم الجنَّة، بل من لم تتمّ عليه الحجَّة وآمن وعمل صالحاً فإنَّه من أصحاب الجنَّة ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
فإذا كان نظر القرآن لأهل الكتاب بهذا النحو، فكيف لمؤمن شيعي اثني عشري أن يكون من أهل النار لمجرَّد أنَّه لم ينعق مع كلِّ ناعق ولم يرد أن يكون ريشة تُحرِّكها أيَّة نسمة؟
وأمَّا قوله: إنَّ من لم يلتحق بالدعوة بل الدعوى المزبورة فهو خارج عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو بهذا إلى جهنَّم وكلُّ أعماله باطلة، فلا أعجب منه.
ونحن لا ننكر وجود روايات في أنَّ من جاء الله تعالى بلا ولاية لعليٍّ (عليه السلام) فأعماله غير مقبولة، لكنَّها لا يُراد منها بطلان العمل، ولذا لا يجب عليه القضاء إلَّا في الزكاة. وليس ذلك لأنَّ زكاته غير صحيحة أو لا يمكن أن تكون كذلك، بل لأنَّه أعطاها لغير مستحقِّها، بل المراد عدم القبول الذي يعني عدم استحقاق الثواب عليها، وأين هذا من بطلان العمل؟
ثمّ ما الدليل على براءة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من المنتسبين إليه إذا لم يدخلوا في هذه الدعوة؟
﴿قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ (البقرة: ١١١).
﴿إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا﴾ (يونس: ٦٨).