طباعة

دخل ودفع

 نعم لقائل أن يقول: إنَّ ما ذُكِرَ إنَّما ينفي أن يتيسَّر للناس الاطِّلاع على الزمان التفصيلي الدقّي للفرج المتمثِّل بظهور الإمام (عليه السلام). لكن ذلك لا ينفي إمكان أن يُطْلِع الله تعالى بعض أوليائه الصالحين وعباده الكُمَّل على ذلك.
وليكن الداعي إلى ذلك مصلحة جزئية مرتبطة بذلك الذي اطَّلع أو ضمن دائرة قريبة منه. ولا تعارض بمفسدة إمكان اطِّلاع الكلِّ أو عامَّة الناس، لأنَّ مثل هؤلاء الأولياء لا يُخبِرون غيرهم بذلك، فلا تُعارَض المصلحة الشخصية أو الجزئية في المورد الخاصّ بمفسدة نوعية.
ويمكن أن يُدَّعى تحقُّق ذلك في الأئمَّة (عليهم السلام)، ومن هنا قال الأئمَّة (عليهم السلام): «ما وقَّتنا فيما مضى، ولا نُوقِّت فيما يستقبل»(١١٨)، ولم يقولوا: لا علم لنا بالوقت. ومن هنا أيضاً جاء في تعليل تكذيب الموقِّتين: «فلسنا نُوقِّت لأحد وقتاً»، كما في صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «من وقَّت لك من الناس شيئاً فلا تهابنَّ أن تُكذِّبه، فلسنا نُوقِّت لأحدٍ وقتاً»(١١٩).
ولكن نقول: إنّا وإن كنّا لا نستبعد علم الأئمَّة (عليهم السلام) بذلك، بل قد نستظهره من بعض الروايات دون تحقُّق المحذور المذكور، إلَّا أنَّ كلامنا فيما زاد عن دائرة الأئمَّة المعصومين (عليهم السلام)، بل في دائرةٍ ما، يمكن أن يطَّلع معها باحث أو متأمِّل ومتابع في الموروث الشرعي على زمان ظهوره (عليه السلام).
ولو فرضنا أنَّ شخصاً اطَّلع بطريق غيبي على ذلك الزمان، فلا مجال لتصديق خبره لو أخبر. وإن كان الذي يوحي به تعليلهم (عليهم السلام) الأمر بالتكذيب بأنَّهم لو يوقِّتوا أنَّ الأمر منحصر بإخبارهم (عليهم السلام)، والمفروض أنَّهم لم يُخبِروا بذلك، فإنَّ الاقتصار على الأمر بالتكذيب دون تعليل حاصله أنَّ كلَّ من أخبر فهو كاذب، لكن حين يُعلَّل الأمر بالتكذيب بأنَّهم لم يُوقِّتوا ففي ذلك دلالة على أنَّ طريق العلم منحصر بهم (عليهم السلام).
وقد يُدَّعى انتفاء الملازمة بين تكذيب الموقِّت وعدم إمكان الاطِّلاع، إذ يمكن أن يطَّلع من لا يُخبِر من الأولياء، فالملازمة العقلية منتفية قطعاً، نعم قد يقال بأنَّ الدلالة العرفية باقية، لكن التعليل ظاهر في نفي مثل هذا الاحتمال.
***************
(١١٨) الغيبة للطوسي: ٤٢٦/ ح ٤١٢.
(١١٩) الغيبة للطوسي: ٤٢٦/ ح ٤١٤.