طباعة

هل من ضرورة لمعرفة العلامات؟

 ينبغي أن يكون واضحاً أنَّ الله تعالى لم يجعل علامات الظهور بمحض الصدفة أو العبثية، وإنَّما جعلها لأهداف تربوية ونفسية، وتلك الفوائد لا يمكن لأحد أن يشعر بها إلَّا إذا اطَّلع على تلك العلامات، وهذا هو أساس الفوائد المرجوَّة من العلامات، وهذا يعني أنَّه لولا المعرفة بها، لحصلت عدَّة أُمور لا تُحمَد عقباها، وهي:
١ - اشتباه الحقّ بالباطل، حيث إنَّ المنحرفين يحاولون تغرير البسطاء من الناس ببعض تصرّفاتهم، خصوصاً مدَّعي المهدوية.
٢ - فقدان عنصر الاستعداد النفسي والسلوكي، الذي يُعتَبر من أهمّ فوائد معرفة العلامات، بمعنى أنَّ من كان يعرف العلامات، لو حدثت، فإنَّه سيعمل على تفعيل ما كان قد تجهَّز به زمن الغيبة، أو زيادة التعبئة والتهيئة عند وقوعها، أمَّا من فَقَدَ هذه المعرفة، فستمرُّ عليه تلك العلامات من دون أن تترك أيّ أثر في نفسه وسلوكه، وبالتالي لربَّما ظهر الإمام (عليه السلام) وهو غافل بالكلّية عنه وعن الاستعداد له.
٣ - هذا فضلاً عن أنَّ معرفتها قبل حصولها، من ِشأنه أن يكون دافعاً مهمَّاً وحافزاً قويَّاً للتدارك إذا ما حصلت، فهي بمثابة المنبّهات من الخطر، الأمر الذي يدفع إلى تجنّبه.
والخطر يكمن في أن يعيش المرء حالة الفساد والانحراف إلى أن يظهر الإمام (عليه السلام)، وحينئذٍ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً(٤٧٩)، إذ لعلَّ المنحرف لا يُوفَّق للتدارك زمن الظهور، خصوصاً مع سرعة عمليات التطهير من براثن الانحراف، ممَّا نسمعه في الروايات الشريفة.
إذن، لمعرفة العلامات فوائد عديدة ظهرت، وقد عبَّرت الروايات عنها بعدَّة تعبيرات، فمرَّة يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «يعرفها من كان سمع بها قبل أن تكون»(٤٨٠).
وأُخرى قال (عليه السلام) لعبد الرحمن بن مسلمة الجريري حينما قال له: إنَّ الناس يُوبِّخونا ويقولون: من أين يُعرَف المحقّ من المبطل إذا كانتا؟ فقال: «ما تردّون عليهم؟»، قلت: فما نردّ عليهم شيئاً، قال: فقال: «قولوا لهم: يُصدِّق بها إذا كانت من كان مؤمناً يؤمن بها قبل أن تكون»، قال: «إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يقول: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [يونس: ٣٥]»(٤٨١).
إشارة مهمَّة:
لا يعني هذا ضرورة التعمّق الكبير والغور في أعماق معرفة العلامات، فالمهمّ هو البحث عن وتطبيق عوامل الظهور، وأمَّا علامات الظهور فهي واضحة جدَّاً بحيث لا تقبل التشكيك، فإنَّها إمَّا قائمة على الإعجاز - كالخسف والصيحة -، وإمَّا على كونها ظواهر اجتماعية أو سياسية غريبة ملفتة للأنظار بشكل كبير، كتحرّك ثلاث قوى ومن ثلاثة محاور إلى مركز واحد (السفياني من الشام، واليماني من اليمن، والخراساني من بلاد المشرق (إيران)، في يوم واحد باتّجاه الكوفة أو العراق عموماً)، وكقتل النفس الزكيَّة في حرم الله الآمن بين الركن والمقام.
***************
(٤٧٩) عن أبي بصير، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها﴾، «يعني خروج القائم المنتظر منّا»، ثمّ قال (عليه السلام): «يا أبا بصير، طوبى لشيعة قائمنا، المنتظرين لظهوره في غيبته، والمطيعين له في ظهوره، أُولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون». (كمال الدين: ٣٥٧/ باب ٣٣/ ح ٥٤).
(٤٨٠) الغيبة للنعماني: ٢٧٣ و٢٧٤/ باب ١٤/ ح ٣١.
(٤٨١) الغيبة للنعماني: ٢٧٤/ باب ١٤/ ح ٣٢.