• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

خامساً : النسخ في الكتاب العزيز

خامساً : النسخ في الكتاب العزيز

 

]وقع[ الكلام في أن يكون شيء من أحكام القرآن منسوخاً بالقرآن أو بالسنّة القطعيّة أو بالاجماع أو بالعقل .

وقبل الخوض في البحث عن هذه الجهة يحسن بنا أن نتكلّم عن أقسام النسخ ]في القرآن[ فقد قسّموا النسخ في القرآن إلى ثلاثة أقسام :

1 ـ نسخ التلاوة دون الحكم :

وقد مثّلوا لذلك بآية الرجم ، فقالوا : إنّ هذه الآية كانت من القرآن ثمّ نسخت تلاوتها وبقي حكمها ، وقد قدّمنا لك في بحث التحريف([1]) أنّ القول بنسخ التلاوة هو نفس القول بالتحريف ، وأوضحنا أنّ مستند هذا القول أخبار آحاد ، وأنّ أخبار الآحاد لا أثر لها في أمثال هذا المقام .

فقد اُجمع على أنّ النسخ لا  يثبت بخبر الواحد ، كما أنّ القرآن لا  يثبت به ، والوجه في ذلك ـ مضافاً إلى الاجماع ـ أنّ الاُمور المهمّة التي جرت العادة بشيوعها بين الناس ، وانتشار الخبر عنها ـ على فرض وجودها ـ لا  يثبت بخبر الواحد ; فإنّ اختصاص نقلها ببعض دون بعض بنفسه دليل على كذب الراوي أو خطئه ، وعلى هذا فكيف يثبت بخبر الواحد أنّ آية الرجم من القرآن ، وأنّها قد نسخت تلاوتها وبقي حكمها ؟

نعم ، قد تقدّم أن عمر أتى بآية الرجم وادّعى أنّها من القرآن فلم يقبل قوله المسلمون ; لأنّ نقل هذه الآية كان منحصراً به ، ولم يثبتوها في المصاحف ، فالتزم المتأخّرون بأنّها آية منسوخة التلاوة باقية الحكم .

2 ـ نسخ التلاوة والحكم :

ومثّلوا لنسخ التلاوة والحكم معاً بما تقدّم نقله عن عائشة في الرواية العاشرة من نسخ التلاوة في بحث التحريف([2]) ، والكلام في هذا القسم كالكلام عن القسم الأول بعينه .

3 ـ نسخ الحكم دون التلاوة :

وهذا القسم هو المشهور بين العلماء والمفسّرين ، وقد ألّف فيه جماعة من العلماء كتباً مستقلّة ، وذكروا فيها الناسخ والمنسوخ ، منهم العالم الشهير أبو جعفر النحّاس والحافظ المظفّر الفارسي ، وخالفهم في ذلك بعض المحققّين فأنكروا وجود المنسوخ في القرآن ، وقد اتّفق الجميع على إمكان ذلك ، وعلى وجود آيات من القرآن ناسخة لأحكام ثابتة في الشرائع السابقة ، ولأحكام ثابتة في صدر الإسلام .

ولتوضيح ما هو الصحيح في هذا المقام نقول : إنّ نسخ الحكم الثابت في القرآن يمكن أن يكون على أقسام ثلاثة :

1 ـ إنّ الحكم الثابت بالقرآن ينسخ بالسنّة المتواترة أو بالإجماع القطعي الكاشف عن صدور النسخ عن المعصوم(عليه السلام) ، وهذا القسم من النسخ لا إشكال فيه عقلاً ونقلاً ، فإن ثبت في مورد فهو المتّبع ، وإلاّ فلا يلتزم بالنسخ ، وقد عرفت أنّ النسخ لا يثبت بخبر الواحد .

2 ـ إنّ الحكم الثابت بالقرآن ينسخ بآية اُخرى منه ناظرة إلى الحكم المنسوخ ومبيّنة لرفعه ، وهذا القسم أيضاً لا إشكال فيه ، وقد مثّلوا لذلك بآية النجوى وسيأتي الكلام عنها إن شاء الله تعالى .

3 ـ إنّ الحكم الثابت بالقرآن ينسخ بآية اُخرى غير ناظرة إلى الحكم السابق ولا مبيّنة لرفعه ، وإنّما يلتزم بالنسخ لمجرد التنافي بينهما فيلتزم بأنّ الآية المتأخّرة ناسخة لحكم الآية المتقدّمة .

والتحقيق : أنّ هذا القسم من النسخ غير واقع في القرآن ، كيف ، وقد قال الله عزوجل (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً)([3]) .

ولكنّ كثيراً من المفسّرين وغيرهم لم يتأمّلوا حق التأمّل في معاني الآيات الكريمة ، فتوهّموا وقوع التنافي بين كثير من الآيات ، والتزموا لأجله بأنّ الآية المتأخّرة ناسخة لحكم الآية المتقدّمة ، وحتّى أنّ جملة منهم جعلوا من التنافي ما إذا كانت إحدى الآيتين قرينة عرفية على بيان المراد من الآية الاُخرى ، كالخاص بالنسبة إلى العام ، وكالمقيّد بالإضافة إلى المطلق ، والتزموا بالنسخ في هذه الموارد وما يشبهها ، ومنشأ هذا قلّة التدبّر ، أو التسامح في إطلاق لفظ النسخ بمناسبة معناه اللغوي ، واستعماله في ذلك وإن كان شائعاً قبل تحقّق المعنى المصطلح عليه ، ولكنّ إطلاقه ـ  بعد ذلك ـ مبني على التسامح لا محالة([4]) .

عرض نموذج من الآيات المدّعى نسخها ومناقشته :

وعلى كلٍّ ، فلا بدّ لنا من الكلام في الآيات التي اُدّعي النسخ فيها ... ]والتي منها : قوله تعالى :[ (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِندِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ)([5]) .

فعن ابن عباس وقتادة والسدّي أنّها منسوخة بآية السيف ، واختاره أبو جعفر النحّاس([6]) ، وآية السيف هو قوله تعالى : (قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَيُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَيُحَرِّمُونَ مَاحَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَد وَهُمْ صَاغِرُونَ)([7]) .

والالتزام بالنسخ ـ هنا ـ يتوقّف على الإلتزام بأمرين فاسدين :

الأول : أن يكون ارتفاع الحكم الموقّت بانتهاء وقته نسخاً ، وهذا واضح الفساد ، فإنّ النسخ إنّما يكون في الحكم الذي لم يصرّح فيه لا بالتوقيت ولا بالتأبيد ، فإنّ الحكم إذا كان موقّتاً ـ وإن كان توقيته على سبيل الإجمال ـ كان الدليل الموضّح لوقته والمبيّن لانتهائه من القرائن الموضحة للمراد عرفاً ، وليس هذا من النسخ في شيء ، فإنّ النسخ هو رفع الحكم الثابت الظاهر بمقتضى الإطلاق في الدوام وعدم الاختصاص بزمان مخصوص .

وقد توهّم الرازي أنّ من النسخ بيان الوقت في الحكم الموقّت بدليل منفصل وهو قول بيّن الفساد ، وأمّا الحكم الذي صرّح فيه بالتأبيد ، فعدم وقوع النسخ فيه ظاهر .

الثاني : أنّ يكون أهل الكتاب أيضاً ممّن أمر النبي(صلى الله عليه وآله) بقتالهم ، وذلك باطل ، فإنّ الآيات القرآنية الآمرة بالقتال إنّما وردت في جهاد المشركين ودعوتهم إلى الإيمان بالله تعالى وباليوم الآخر ، وأمّا أهل الكتاب فلا يجوز قتالهم إلاّ مع وجود سبب آخر من قتالهم للمسلمين ; لقوله تعالى : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لاَ  يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)([8]) ، أو إلقائهم الفتنة بين المسلمين ; لقوله تعالى بعد ذلك : (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ)([9]) ، أو امتناعهم عن إعطاء الجزية للآية المتقدّمة ، وأمّا مع عدم وجود سبب آخر فلا يجوز قتالهم لمجرّد الكفر ، كما هو صريح الآية الكريمة .

وحاصل ذلك : أنّ الأمر في الآية المباركة بالعفو والصفح عن الكتابيين ; لأنّهم يودّون أن يردّوا المسلمين كفّاراً ـ وهذا لازم عادي لكفرهم ـ لا ينافيه الأمر بقتالهم عند وجود سبب آخر يقتضيه ، على أنّ متوهّم النسخ في الآية الكريمة قد حمل لفظ الأمر في قوله تعالى : (حَتّى يَأْتي اللّهُ بِأمرِهِ)([10]) على الطلب ، فتوهم أنّ اللّه أمر بالعفو عن الكفّار إلى أن يأمر المسلمين بقتالهم فحمله على النسخ .

وقد اتّضح للقارىء أنّ هذا ـ على فرض صحّته ـ لا  يستلزم النسخ ولكنّ هذا التوهّم ساقط ، فإنّ المراد بالأمر هنا الأمر التكويني وقضاء الله تعالى في خلقه ، ويدلّ على ذلك تعلّق الإتيان به، وقوله تعالى بعد ذلك : (إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ)([11]) .

وحاصل معنى الآية: الأمر بالعفو والصفح عن الكتابيين بودّهم هذا حتّى يفعل الله ما يشاء في خلقه من عِزّ الإسلام وتقوية شوكته ، ودخول كثير من الكفّار في الإسلام ، وإهلاك كثير من غيرهم ، وعذابهم في الآخرة ، وغير ذلك مما يأتي الله به من قضائه وقدره([12]) .

 

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] بحث السيد الخوئيقدس سره عدم تحريف القرآن مفصّلاً في البيان : 198 ـ 235 ، وأشار إلى ما فيه صلة بالبحث في نفس المصدر : 205 ـ 206 ، حيث قال : « غير خفي أنّ القول بنسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف والاسقاط .

            وبيان ذلك : أنّ نسخ التلاوة هذا إمّا أن يكون قد وقع من رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم ، وإمّا أن يكون ممّن تصدّى للزعامة من بعده ، فإن أراد القائلون بالنسخ وقوعه من رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلمفهو أمر يحتاج إلى الإثبات . وقد اتفق العلماء أجمع على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد ، وقد صرّح بذلك جماعة في كتب الاُصول وغيرها، بل قطع الشافعي وأكثر أصحابه وأكثر أهل الظاهر بامتناع نسخ الكتاب بالسنة المتواترة ، وإليه ذهب أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه ، بل إنّ جماعة ممّن قال بإمكان نسخ الكتاب بالسنة المتواترة منع وقوعه، وعلى ذلك فكيف تصحّ نسبة النسخ إلى النبيصلى الله عليه وآله وسلم بأخبار هؤلاء الرواة ؟ مع أنّ نسبة النسخ إلى النبيصلى الله عليه وآله وسلم تنافي جملة من الروايات التي تضمّنت أنّ الإسقاط قد وقع بعده .

            وإن أرادوا أنّ النسخ قد وقع من الذين تصدّوا للزعامة بعد النبيصلى الله عليه وآله وسلم فهو عين القول بالتحريف .

            وعلى ذلك فيمكن أن يدّعى أنّ القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء أهل السنّة ، لأنّهم يقولون بجواز نسخ التلاوة سواء أنسخ الحكم أم لم ينسخ ، بل تردّد الاُصوليون منهم في جواز تلاوة الجنب ما نسخت تلاوته ، وفي جواز أن يمسّه المحدث ، واختار بعضهم عدم الجواز ، نعم ذهبت طائفة من المعتزلة إلى عدم جواز نسخ التلاوة » .

[2] البيان : 204 ، والرواية عن عائشة ، قالت : « كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرّمن، ثمّ نسخن بخمس معلومات ، فتوفّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهنّ فيما يقرأ من القرآن » .

[3] النساء : 82 .

[4] البيان : 284 ـ 287 .

[5] البقرة : 109 .

[6] في كتابه الناسخ والمنسوخ : 26 ، طـ ـ المكتبة العلاميّة بمصر .

[7] التوبة : 29 .

[8] البقرة : 190 .

[9] البقرة : 191 .

[10] البقرة : 109 .

[11] البقرة : 109 .

[12] البيان : 287 ـ 290 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page