• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

العيد من منظور اسلامي

العيد من منظور اسلامي

لكل امة من امم الدنيا اعياد و مواسم خاصة، تنبثق في الغالب من الاحداث و الوقائع المهمة التي ترتبط بتاريخها و تراثها الديني او القومي او الحضاري، و قلما نجد امة تحتفل بعيد لها دون ان يكون له جذور تاريخية تستقي من حدث على مستوى بارز من الاهمية او القداسة، و مهما اختلفت العوامل التي تدعو الى نشوء الاعياد فهي تشترك في النتيجة و هي الاهتمام و التعظيم الذي تنظر به جميع الامم الى اعيادها، و لكل مجتمع بشري طريقته الخاصة و اسلوبه المفضل عنده في الاحتفال بالعيد و التعاطي معه.
و الاسلام ايضا له اعياده الخاصة التي تنطلق من مبادئه فقد شرع للمسلمين اعيادا خاصة بهم، لم تكن معروفة عند غيرهم من قبل، و منحها قيمة روحية و قداسة خاصة، و شرع لها مراسم عبادية لتاخذ مكانتها المرموقة في حياة المسلمين و وجدانهم.
و الذي يلاحظ الباحث‏بادنى تامل ان الاعياد التي شرعها الاسلام تختلف عن غيرها من الاعياد نشاة و فلسفة و مضمونا، على مستوى الهدف المنشود من اتخاذها و على مستوى الممارسة و التعامل معها، هذا ما يكتشفه المتامل بمجرد المقارنة السريعة بين الاعياد الرئيسية القائمة في عصرنا الحاضر عند مختلف الامم.
فلسفة العيد:
ربما كان الباعث على اتخاذ العيد حدثا طبيعيا يتكرر كل عام و يشكل اهمية خاصة عند البشر، كقدوم الربيع مثلا، هذا الحدث الذي يبشر بالحياة و التجدد و يبعث البهجة و التفاؤل في النفوس المتطلعة الى الخيرات و النعم التي تمنحها الطبيعة في هذا الفصل، فيظهرون اهتمامهم الكبير بقدومه و فرحهم و سرورهم باطلالته و يحتفلون استقبالا لهذا الموسم الذي يعتبرونه اكثر المواسم عطاءا وجودا.
و ربما كان الباعث‏حدثا تاريخيا كايام النصر و الثورات العظيمة التي تشكل نقاط تحول كبرى في حياتهم و حركتهم، فالدول الحديثة غالبا - ان لم تكن دائما - تحتفل باعيادها الوطنية التي تنبثق من مثل تلك المناسبات، فهذا البلد يتخذ من يوم استقلاله عيدا وطنيا، و ذلك البلد يجعل يوم النصر او يوم نجاح الثورة عيدا، و بلد آخر يعتبر يوم تتويج الملك او يوم وصول السلالة المعينة الى السلطان هو العيد الوطني، و مثل هذه الاعياد لها ابعادها السياسية و يتم تنظيم احتفالاتها و تشريع مراسمها من قبل الجهاز الحاكم بشكل رسمي، و قلما تتخذ حالة جماهيرية الا استجابة لرغبات حكامهم و طاعة لاوامرهم.
الا انه في حالات اخرى نجد ان العيد ياخذ بعدا دينيا عندما يرتبط نشاة بالدين، فينبثق من حدث ديني او ذي علاقة وثيقة بالدين، كولادة رسول او نبي او وصي، او عظيم من العظماء الذين ادوا دورا اساسيا في تشييد صرح الدين و ترسيخ دعائمه. و هذا النوع من الاعياد له وجوده في كافة الاديان و منه الاعياد التي نريد التركيز عليها و دراسة ابعادها، و اعياد المسيحية الخاصة كولادة السيد المسيح(ع) (1) و عيد الفصح (2) الذي يرمز لقيامة السيد المسيح من بين الاموات بعد صلبه - بحسب زعمهم-.
و قد ورد ان سليمان عليه السلام اتخذ اليوم الذي فرغ فيه من بناء بيت المقدس عيدا (3) ، كما روي ان الملك الذي عثر على اصحاب الكهف في زمانه جعل على باب الكهف مسجدا يصلى فيه و جعل لهم عيدا عظيما و امر ان يؤتى كل سنة (4) .
و من جملة الاعياد الدينية ما حكاه القرآن الكريم في قصة مائدة الحواريين‏«قال عيسى بن مريم اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لاولنا و آخرنا و آية منك...» (5) .
و ان امكن النقاش في المراد من العيد في الآية، و الذهاب الى انه غير العيد الاصطلاحي.
و في تاريخنا المعاصر نمط مبتكر من الاعياد، حيث‏يعنون يوم معين من السنة او اسبوع معين بكامله باحد العناوين بهدف تكريم فريق خاص من المجتمع، كمظهر من مظاهر الاعتراف بفضل ذلك الفريق و دوره الكبير في بناء المجتمع او تقديرا للخدمات الجليلة التي يؤديها، او لاظهار حالة من الاهتمام و العناية به و ضرورة رعايته رعاية خاصة.
هذا النمط من الاعياد يتزايد يوما بعد يوم، و من ابرز امثلته عيد الام او عيد المراة او يوم الطفل او المعلم او الطالب او عيد العمال. و منه ايضا اسبوع الوحدة الاسلامية و اسبوع التعبئة و اسبوع الحج و امثال ذلك.
و قد يدعي ان هذا النوع من الاعياد قد دخل في اعراف المجتمع البشري في مطلع هذا القرن و ان اول من طلع بفكرته الآنسة الامريكية «آنا جارفيس‏» التي دعت الى اعتبار يوم الاحد الثاني من شهر مايو (ايار) من كل عام عيدا يكرس لتكريم الامومة و دعت الى اقراره رسميا، و نجحت‏بعد جهود كبيرة في تحقيق مرامها عندما اقره الكونغرس الامريكي عام 1913 (6) ، ثم على اثر ذلك بدات سلسلة اتخاذ الايام الخاصة بتكريم الآباء و المعلمين و العمال و غيرهم.
اعياد الاسلام:
في الرواية عن المفضل قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: كم للمسلمين من عيد؟ فقال: اربعة اعياد، قال: قلت: قد عرفت العيدين و الجمعة، فقال لي: اعظمها و اشرفها يوم الثامن عشر من ذي الحجة، و هو اليوم الذي اقام فيه رسول الله (ص) امير المؤمنين عليه السلام و نصبه للناس علما (7) ... و في هذا المعنى عدد كبير من الروايات.
فالاعياد في الاسلام اربعة
و هي:
1- عيد الفطر:
اليوم الاول من شهر شوال، يحتفل المسلمون به بعد اكمال شهر الصيام و العبادة، بعد شهر هو عند الله افضل الشهور و ايامه افضل الايام ياتي هذا العيد بعد هذه الرحلة العبادية و الدورة التربوية الكبرى التي يجتازها المؤمن في جهاد النفس و التدريب الروحي على الصبر و على التخلي عن ملذات العيش، فياتي عيد الفطر تتويجا لكل ذلك و شهادة تخرج و نجاح يمنحها الله تعالى لمن احسن الاداء في هذا الشهر.
و قد روي عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال: «انما هو عيد لمن قبل الله صيامه و شكر قيامه، و كل يوم لا يعصى الله فيه فهو يوم عيد». (8)
ففي هذه الجملة الاخيرة اشارة واضحة الى فلسفة العيد و المغزى الحقيقي لجعله و تشريعه، اذ يمكن للانسان ان يطبق ذلك على كل يوم من ايام حياته ليكون عيدا، فالمقصد الاول و الاخير هو طاعة الله عز و جل و الارتباط به و العمل في سبيله، و لما كان ذلك يتجلى بشكل جماعي عام عند المسلمين في شهر الصيام كان يوم الفطر عيدا للمسلمين جميعا.
و في الرواية عن ابي جعفر عليه السلام قال:
«...اذا طلع هلال شوال نودي المؤمنون ان اغدوا الى جوائزكم فهو يوم الجائزة‏». ثم قال عليه السلام: «اما و الذي نفسي بيده ما هي بجائزة الدنانير و الدراهم‏» (9) .
و عن الرضا عليه السلام:
«... فان قيل: فلم جعل يوم الفطر العيد؟ قيل: لان يكون للمسلمين مجمعا يجتمعون فيه و يبرزون لله تعالى فيحمدونه على ما من عليهم، فيكون يوم عيد و يوم اجتماع و يوم فطر و يوم زكاة و يوم رغبة و يوم تضرع، و لانه اول يوم من السنة يحل فيه الاكل و الشرب، لان اول شهور السنة عند اهل الحق شهر رمضان، فاحب الله تعالى ان يكون لهم في ذلك اليوم مجمع يحمدونه فيه و يقدسونه...» (10) .
يتضح من خلال هذه النصوص فلسفة عيد الفطر و الحكمة من تشريعه. و يعتبر اهل المعرفة ان العيد هو يوم اللقاء مع الله. يقول الامام الخميني الراحل:
«الحصيلة التي يخرج بها اهل المعرفة حول الغاية من اقامة الاعياد الاسلامية تختلف عما يخرج به الآخرون، فانهم بعد ممارسة تلك الرياضات الروحية في شهر رمضان يعتبرون العيد يوم اللقاء، يوم اللقاء مع الله، (ا لغيرك من الظهور ما ليس لك!!).. و عيد الاضحى بعد ان تركوا الغالي و النفيس و ادوا مناسكهم و تهياوا للقاء بالباري عز و جل، و اي لقاء اعظم من ذلك الذي ياتي بعد ان يقتل الانسان نفسه الامارة بالسوء و يعاف كل شي‏ء عزيز عليها في سبيل الله. كذلك في يوم الجمعة عندما يجتمع المسلمون للصلاة نرى اهل المعرفة يتهياون للقاء الله عز و جل...» (11) .
2- عيد الاضحى:
و هو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة، يوم الحج الاكبر، و يوم النحر، هذا العيد ياتي بعد رحلة اخرى مع الله و في سبيل الله، اذ يجتمع المسلمون من كل فج عميق ملبين دعوة ربهم «لبيك اللهم لبيك‏»، محرمين مهللين مكبرين، بقلوب متعلقة بخالقهم و ببارئهم، في مهرجان عبادي اشبه بيوم الحشر، فاذا افاضوا من موقفهم و وردوا وادي منى نحروا ابلهم و ذبحوا انعامهم اقرارا لبارئهم بالعبودية و اعترافا بالنعمة. فجعل الله سبحانه هذا اليوم عيدا لهم و نسكا عباديا يتقربون فيه اليه، و يتبرؤون من اعدائه من الشياطين و المشركين.
و اذا كان العيد عيد من غفر له (12) ، فان يوم الاضحى مظنة المغفرة لمن ادى مناسكه و اخلص التوبة الى الله في المواقف و المشاعر، و اتم ما فرضه الله عليه من عبادات.
3- الجمعة:
وردت النصوص بان الجمعة عيد المسلمين الاسبوعي، اختاره الله من بين ايام الاسبوع و خصه بالفضل و جعل فيه ساعة لا يوافيها عبد مسلم سال الله شيئا الا اعطاه اياه. (13)
و قد روي من طرق العامة عن رسول الله (ص) انه قال: «ان هذا اليوم جعله الله للمسلمين عيدا» (14) .
و روي عن ابي جعفر عليه السلام انه قال: «ما طلعت الشمس بيوم افضل من يوم الجمعة‏» (15) .
و روي عن رسول الله (ص): ان يوم الجمعة سيد الايام، يضاعف الله عز و جل فيه الحسنات، و يمحو فيه السيئات و يرفع فيه الدرجات و يستجيب فيه الدعوات و يكشف فيه الكربات و يقضي فيه الحاجات العظام. (16) .
و قد خص هذا اليوم بالاجتماع و الصلاة الخاصة و بآداب كثيرة تكشف عن قداسته و اهميته.
4- عيد الغدير:
يوم الثامن عشر من ذي الحجة، و هو عيد الله الاكبر (17) ، و افضل الاعياد (18) ، فهو يوم اكمال الدين و اتمام النعمة.
«اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا» (19) .
سئل الامام الصادق عليه السلام: هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة و الاضحى و الفطر؟ قال: نعم اعظمها حرمة، قال: و اي عيد هو جعلت فداك؟ قال: اليوم الذى نصب فيه رسول الله(ص) امير المؤمنين و قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال: و اي يوم هو؟ قال: و ما تصنع باليوم ان السنة تدور و لكنه يوم ثمانية عشر من ذي الحجة...
و قال: ان رسول الله (ص) اوصى امير المؤمنين عليه السلام ان يتخذوا ذلك اليوم عيدا، و كذلك كانت الانبياء تفعل، كانوا يوصون اوصياءهم بذلك فيتخذونه عيدا (20) .
فيوم الغدير قد اكتسب رفعة و شموخا و عظمة من الحدث العظيم الذي وقع فيه، و اتخذ طابعا دينيا لما لذلك الحدث من ارتباط وثيق بالدين، و قد اكمل الله تعالى دينه فيه و اتم نعمته على المؤمنين.
و قد تنبه اهل الكتاب الى اهمية ذلك الحدث و دوره في حفظ الرسالة و حصانتها و دوامها. فقد روي ان اليهود قالت لعمر بن الخطاب: انكم تقرؤون آية في كتابكم لو علينا - معشر اليهود - نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: و اي آية هي؟ قالوا: قوله عز و جل: «اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي‏» (21) ...
و قد روي عن رسول الله(ص) انه قال: يوم غدير خم افضل اعياد امتي، و هو اليوم الذي امرني الله تعالى ذكره بنصب اخي علي بن ابي طالب علما لامتي يهتدون به من بعدي و هو اليوم الذي اكمل الله فيه الدين و اتم على امتي فيه النعمة و رضي لهم الاسلام دينا (22) .
و خطب امير المؤمنين عليه السلام لصلاة الجمعة يوما و قد اتفق الغدير يوم الجمعة فقال: «ان الله عز و جل جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين‏» (23) .
و قد روى الخطيب البغدادي بسند رجاله كلهم ثقات - عندهم - عن ابي هريرة: من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا، و هو يوم غدير خم لما اخذ النبي (ص) بيد علي بن ابي طالب فقال: «الست ولي المؤمنين‏»؟ قالو: بلى يا رسول الله، قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه‏» (24) .
و لا شك ان هذه الفضيلة تكشف عن اهمية هذا اليوم و عظمته عند الله و رغبة الشريعة المقدسة باعطائه المكانة المناسبة عند المسلمين عن طريق تشريع العبادة الخاصة فيه.
و هناك حشد كبير من النصوص التي تدل على ان عيد الغدير كان معروفا في القرن الاول من الهجرة النبوية الشريفة، و ان رسول الله(ص) قد وضع بنفسه حجر الاساس لهذا العيد، و سار على نهجه في ذلك امير المؤمنين عليه السلام و العديد من الصحابة و التابعين، و قد تصدى لجمع طوائف من هذه النصوص العلامة الاميني في موسوعته القيمة (25) .
الا ان العديد ممن يلقون الكلام على عواهنه من دون تثبت و لا تفتيش، و يتسرعون بالاحكام التي يصدرونها ارضاءا لنزعاتهم العصبية و انطلاقا من احقادهم الدفينة، نجدهم هنا يقولون: «ان اتخاذ هذا اليوم عيدا لا اصل له، فلم يكن في السلف لا من اهل البيت و لا من غيرهم من اتخذ ذلك عيدا (26) .
و ليت‏شعري من هم السلف الذين يقصد، فلعله اراد اولئك الذين بذلوا قصارى جهودهم في تقتيل اتباع اهل البيت و التنكيل بهم و طمس كل فضيلة رويت لهم؟!فهؤلاء لا نتوقع منهم الاهتمام بعيد الغدير و لا اجراء ذكره على السنتهم، و اما اهل البيت عليهم السلام فالنصوص عنهم في فضله ملات الخافقين.
و يقول حاقد آخر عن عيد الغدير: «اول ما عرف في الاسلام بالعراق ايام معز الدولة علي بن بويه، فانه احدثه في سنة اثنتين و خمسين و ثلاث ماة، فاتخذه الشيعة من حينئذ عيدا!!» (27) .
يقول ذلك في حين ان بعض من توفي قبل هذا التاريخ من المؤرخين يتعرض لذكر هذا العيد و ينقل ان ولد علي عليه السلام و شيعته كانوا يعظمون هذا اليوم. (28) فضلا عن النصوص التي اشرنا لنماذج منها عن الرسول (ص) و اهل بيته الاطهار عليهم السلام و غيرهم. و بعضها ينقلها فرات بن ابراهيم الكوفي (29) الذي كان من اعلام الغيبة الصغرى اي القرن الثالث و اوائل القرن الرابع فهو سابق على التاريخ المذكور.
فالصحيح ان عيد الغدير من الاعياد الاسلامية المهمة و الاصيلة، و ان الذين يسعون الى نزع الشرعية عنه و طمس معالمه، يفعلون ذلك كراهية تكريس هذا الواقع الذي يصب في مصلحة اثبات فضل علي عليه السلام و امامته و امامة اولاده المعصومين عليه السلام.
الاحتفال بالعيد في المنظار الاسلامي:
تتفاوت نظرات الشعوب و الامم تجاه اعيادها و في كيفية الاحتفال بها، و ان كانت تشترك جميعا في نظرة الاهتمام و التعظيم للعيد، و اما المراسم التي يجرونها في الاعياد و يعتبرونها طريقة لتجسيد ذلك الاهتمام و ترجمته عمليا فانها تختلف اختلافا كبيرا تبعا لاختلاف التراث الموروث و الثقافة السائدة من امة الى اخرى و من زمن الى آخر.
فينما نجد العديد من الشعوب يقيمون الحفلات اللاهية و يعبرون عن فرحهم و سرورهم بقدوم العيد بشتى الاساليب التي يبتكرها و يخترعها فنانوهم و مطربوهم و مهندسوا اللهو و العبث عندهم، نجد شعوبا اخرى تعطي اعيادها طابعا رسميا، و يجرون مراسم ملكية ذات ابهة و جلال يشرف على اعدادها و المشاركة فيها اعضاء الدولة و كبار شخصياتها، و يضمنونها استعراضات متنوعة للقوى و الاجهزة التابعة لها و ربما تخللها من الالعاب التمثيلية و امثالها ما يضفي عليها جوا من الفرح و السرور.
اما الاسلام فهو دين القيم و الاخلاق و الكمالات النفسانية، فهو لا ينظر الى الاعياد على انها مراسم لهو و عبث، بل يتعاطى معها بما ينسجم مع المبادى‏ء و الاهداف الكبيرة التي جاء ليزرعها في المجتمع الاسلامي و يكرسها، و هو يحاول ان يستفيد من هذه المواسم العظيمة ليربط الانسان بخالقه و بارئه، بدينه و قيمه بشكل اوثق. فيحول هذه الاعياد الى مواسم عبادية خاصة تتجلى فيه روح الايمان و الاخلاص و الارتباط الوثيق بين الانسان و ربه.
و اذا كانت الاعياد الاسلامية ايام فرح و سرور، فانه ليس الفرح و السرور اللهوي، الذي يهبط بالانسان الى حضيض الممارسات العبثية و يسقطه في مستنقعات الرذائل و المعاصي، و انما هو السرور الذي يعتري الانسان بحسب طبعه و بحسب فطرته بعد تحقيق مرتبة من الفوز و النجاح و بعد اجتياز الامتحان بتفوق، فهو السرور بالتوفيق للطاعة و الفرح باتمام دورة عبادية خاصة، و لا شك ان هذا النحو من الفرح و السرور لا يمكن ابدا ان يعبر عنه بالممارسات المحرمة و بارتكاب المعاصي التي تبعد الانسان عن ساحة رضى الله تعالى و رضوانه، فانه نقيض الغرض و الداعي لتشريع الاعياد.
فالمسلمون يحتفلون بالاعياد الا ان الاحتفال عندهم يختل جذريا عنه في المجتمعات غير المتدينة و التي لا تعرف الاسلام عملا. فبينما يكرس هؤلاء اعيادهم لاشباع الغرائز اللهوية عندهم و العبث و المجون و الفواحش، يحتفل المسلمون بالطريقة التي رسمتها لهم الشريعة الغراء و التي تتضمن العديد من الفقرات العبادية و الممارسات الانسانية الحافلة بالقيم و الاخلاق.
و نحن هنا نستعرض بصورة اجمالية الامور العبادية التي جعلتها الشريعة الاسلامية مظهرا من مظاهر الاحتفال بالعيد، و امرت المسلمين بالالتزام بها او ندبتهم اليها:
1- الاغتسال و لبس افضل الثياب و التطيب، و هذه امور مشتركة بين جميع الاعياد لتجعل الانسان في المظهر المقبول عند الناس و يتهيا للخروج الى العيد، حيث الاجتماع بالآخرين و الالتقاء بهم بصورة تبعث على الالفة و المحبة بعيدا عما يوجب النفور و الاشمئزاز. هذا طبعا بالاضافة الى ما تحث عليه الشريعة من الاعتناء بالنظافة و الترتيب و حسن المظهر بشكل دائم، الا ان المؤسف جدا ان تنعكس المفاهيم احيانا بين الناس فيتوهم بعضم عن جهل ان الزهد و التدين يلازمان اهمال هذه الامور و انها من مظاهر الاعتناء بالدنيا مع ان العكس هو الصحيح، فالسيرة النبوية التي امرنا بالتاسي بها ترشدنا الى اهتمامه صلى الله عليه و آله بالنظافة و الطيب و حسن المظهر الى حد كبير.
و الاغسال التي ندبت الشريعة اليها في الاعياد تعني مزيدا من العناية بهذه الامور في الاعياد و شدة في الاهتمام بها، بالاضافة الى كون تلك الاغسال لها من الآثار الروحية و المعنوية ما يفوق ذلك.
فعن الرضا عليه السلام قال: و علة غسل العيدين و الجمعة و غير ذلك من الاغسال، لما فيه من تعظيم العبد ربه و استقباله الكريم الجليل و طلب المغفرة لذنوبه و ليكون لهم يوم عيد معروف يجتمعون فيه على ذكر الله عز و جل، فجعل فيه الغسل تعظيما لذلك اليوم و تفضيلا له على سائر الايام و زيادة في النوافل و العبادة، و لتكون تلك طهارة له من الجمعة الى الجمعة (30) .
2- الصلاة الخاصة: كصلاة عيدي الفطر و الاضحى و صلاة الجمعة التي يجتمع المؤمنون فيها في تظاهرة عبادية كبيرة تعبر عن وحدتهم و اجتماع كلمتهم و اتحاد قلوبهم المنشدة الى بارئها. هذه الصلاة بما تتضمن من خطبتين و من تكبير و تهليل و دعاء لها من الآثار السياسية و الاجتماعية و التربوية و الروحية ما لا تحصيه هذه المقالة المختصرة.
3- بالاضافة الى الصلاة المتقدمة هناك سلسلة من الصلوات المستحبة و الادعية و الاعمال العبادية التي ندبت اليها الشريعة في هذه الايام لتكون من مظاهر الاحتفال بالعيد و تاكيدا على قداسة هذه الايام، و لها تفاصيل كثيرة يراجع بشانها كتب الادعية و السنن.
4- التاكيد على صلة الارحام و التزاور و التهادي و التصدق على الفقراء و المساكين في تلك الاعياد مما يجعلها ايام بركة و خير و عطاء و محبة و الفة و اجتماع و تطهير للقلوب عما علق بها من ادران الكراهية و البغضاء التي تتولد عادة عن التعلق بالدنيا و النزاعات الجوفاء، فالعيد كفيل بازالتها و محوها اذا احسن الاستفادة منه و انتهاز فرصته. كما ان الكثير من هذه الممارسات كفيلة بتوثيق عرى الصلة بين الغني و الفقير، و الكبير و الصغير، و الراعي و الرعية، و من المظاهر التي شرعت لتكون محققة لهذه الاهداف زكاة الفطرة في عيد الفطر و الاضاحي في عيد الاضحى، و الثواب المضاعف الذي وعد الله سبحانه به على الصدقة يوم الجمعة و ايام الاعياد، و الآثار العظيمة العائدة على نفس المتصدق.
5- اعياد الاسلام مواسم حمد و شكر لله على ما وفق اليه من صوم و حج و ما انعم عليه من نعم جمة لا تحصى، و من اهم تلك النعم نعمة الهداية و الايمان و نعمة اكمال الدين و نعمة بعث الانبياء و الرسل و تنصيب اعلام الهداية و حجج الله على الخلق كما هو في يوم الغدير.
فقد ورد فيه «انه يوم عيد و فرح و سرور و صوم شكرا لله عز و جل فان صومه يعدل ستين شهرا من الاشهر الحرم، و من صلى فيه ركعتين اي وقت‏شاء - و افضل ذلك قرب الزوال، و هي الساعة التي اقيم فيها امير المؤمنين عليه السلام بغدير خم علما للناس و ذلك انهم قربوا من المنزل في ذلك الوقت - فمن صلى ركعتين ثم سجد و شكر الله عز و جل مئة مرة و دعا بهذا الدعاء بعد رفع راسه من السجود (و ذكر الدعاء) من فعل ذلك كان كمن حضر ذلك اليوم و بايع رسول الله(ص) على ذلك و كانت درجته مع درجة الصادقين الذين صدقوا الله و رسوله في موالاة مولاهم ذلك اليوم و كان كمن شهد مع رسول الله(ص) و امير المؤمنين عليه السلام و مع الحسن و الحسين عليهما السلام و كمن يكون تحت راية القائم عليه السلام و في فسطاطه من النجباء و النقباء. (31)
فالاعياد في الاسلام حلقة اخرى من الحلقات التربوية الهادفة لتنمية اواصر الارتباط بالله سبحانه على مستوى الفرد و على مستوى المجتمع الاسلامي.
اللهو و الغناء في الاعياد:
بناءا على ما قدمنا من فلسفة العيد بالمنظار الاسلامي و الغاية من اتخاذه و ما حث الشرع المقدس عليه، يظهر جليا ان اللهو و المجون و الغناء من ابعد الامور عن الغايات التي رسمتها لنا رسالة الاسلام، و ان ذلك لا ينسجم مع روح الاسلام و تعاليمه المقدسة التي تسعى دائما للسمو بالانسان الى عالم الصفاء الروحي و الطهر النفسي.
فكل ما يحول دون هذا الهدف، و كل ما يناى بالانسان عن ساحة ذكر الله، و ينقله الى عالم الغفلة و النسيان و يوقعه في مستنقع الفسق و الفجور و الانحطاط الخلقي، لا بد من الابتعاد عنه و الحذر من الوقوع فيه، و لعل كل ما ورد من النهي عن اللهو و عن اتباع خطوات الشياطين و عما ينسي ذكر الله يشمل بعمومه مثل هذه الموارد، و لا خصوصية للاعياد لتستثنى من هذه القاعدة ما دامت قد شرعت لتكون في نفس ذلك الاتجاه.
فالمجتمع الاسلامي المتطلع نحو الله و نحو ساحة قدسه يحذف هذه الممارسات من قاموس ثقافته و سجل تراثه و يقطع جذورها ليسد بابا واسعا من ابواب الشياطين.
و نحن نستبعد - لاجل ذلك - صحة ما اوردته بعض المصنفات الحديثية عند اهل السنة من روايات نسبت الى رسول الله(ص) انه رخص في الاستماع الى الغناء و ضرب الدفوف يوم العيد (32) فان هذه الاحاديث‏ساقطة عن الاعتبار لمنافاتها لروح الشريعة المقدسة و عدم انسجامها مع الخط القرآني و السيرة النبوية الناهية عن اللهو و ما يصرف الانسان عن ذكر ربه و يفتح له الطريق لاتباع الشيطان.
بعض تلك الاخبار فرضت‏بعض الصحابة اشد استنكارا للهو و الغناء و ضرب الدفوف و اكثر ادراكا لقبحها من نفس الرسول(ص)، و نحن ننزه رسول الله(ص) عما نسبت اليه تلك الاخبار و هو الذي بعث ليتمم مكارم الاخلاق و ليرسم للبشرية طريق هدايتها و نجاتها.
و الذي نستقربه ان هذه الاخبار و امثالها صنعت من قبل ازلام السلاطين الذين لم يكونوا يتورعون عن التظاهر بارتكاب المنكرات و فعل الفحشاء و كان القيان و المغنون لا يغيبون عن مجالسهم و اللهو و الخمر لا ينقطع في قصورهم، فصنعت هذه الاخبار لتبرر هذا الواقع الماساوي، فكانت الماساة اكبر عندما تشوه السنة النبوية الشريفة، و تذبح فداءا، لشهوات هؤلاء السلاطين.
و قد تبين لنا من خلال النصوص المستفيضة التي اشرنا لبعضها ان الاعياد في الاسلام مواسم عبادية و هذا يقتضي ان تكون مناسبات للترفع عن اللهو و البعث، و محطات للتعرض لرحمة الله و مرضاته و لطفه و رافته.
الهوامش:
1) يقع في الخامس و العشرين من كانون الاول حسبما يذهب اليه اتباعه اليوم، و لكن لا يعلم مدى صحة ذلك.
2) يقع في يوم الاحد الاول الذي يلي اول اكتمال للبدر موافق للاعتدال الربيعي.
3) المجلسي/بحار الانوار، 14/77.
4) المجلسي/بحار الانوار، 14/437.
5) سورة المائدة، الآية: 114.
6) منير البعلبكي: موسوعة المورد7/71، 4/107.
7) المجلسي: بحار الانوار97/111، (وفي ط.بيروت 94/111).
8) الشريف الرضي: نهج البلاغة، قصار الحكم/428.
9) المجلسي: بحار الانوار96/360 (وفي ط.بيروت 93/360).
10) الصدوق: علل الشرائع/269، و المجلسي: بحار الانوار90/362 (وفي ط.بيروت 87/362) .
11) صحيفة نور 18/259 (بالفارسية).
12) ورد ذلك عن امير المؤمنين (ع)، راجع ما رواه عنه سويد بن غفلة في مناقب آل ابي طالب لابن شهرآشوب (ط.بيروت)2/114.
13) راجع بحار الانوار 89/263-286 باب فضل يوم الجمعة (ج 86، من ط.بيروت).
14) سنن البيهقي‏3/243، و اقتضاء الصراط المستقيم/189، و فتح المجيد/154.
15) المجلسي: بحار الانوار 89/274.
16)المصدر نفسه.
17)ورد ذلك في الاثر، راجع بحار الانوار للمجلسي 98/303، 321، 37/156.
18) راجع: المجلسي: بحار الانوار 89/268.
19) سورة المائدة، الآية 3.
20) الامينى: الغدير1/285، و الكليني: الكافى‏1/204.
21) مسند احمد بن حنبل (ط.الميمنية) 1/28 و راجع صحيح مسلم بشرح النووي 18/153، و صحيح البخاري/كتاب التفسير الباب الثاني من ابواب تفسير سورة المائدة، و سنن الترمذي تفسير سورة المائدة.
22) الاميني: الغدير1/283.
23) الاميني: الغدير1/284.
24) الخطيب: تاريخ بغداد 8/290، و راجع الاميني: الغدير1/401-402.
25) الاميني: الغدير 1/267-289.
26)ابن تيمية الحراني: اقتضاء الصراط المستقيم/294، جعفر مرتضى العاملي: المواسم و المراسم/102.
27)المقريزي: الخطط المقريزية 1/28، جعفر مرتضى العاملي: المواسم و المراسم/100.
28) المسعودي: التنبيه و الاشراف/221-222.
29) تفسير فرات بن ابراهيم الكوفي/118.
30) الصدوق: علل الشرائع/285.
31) المجلسي: بحار الانوار98/298.
32) وردت عدة مرويات عن عائشة مؤداها الترخيص بالاستماع للغناء و ضرب الدف يوم العيد و ان الرسول(ص)-و العياذ بالله-قد فعل ذلك، فراجع: سنن النسائي/كتاب صلاة العيدين باب 33-36، ج 3، ص 195-197، و ابن ماجة كتاب النكاح باب 21.راجع: الصحيح من سيرة النبي الاعظم(ص) للسيد جعفر مرتضى 4/112-116، فقد نقل العديد من النصوص التي رووها في الغناء يوم العيد و غيره، و ذكر مصادرها.
سيرة الائمة الاثني عشر، ص 394-396


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page