خروج الامام الرضا(ع) لصلاة العيد و رجوعه قبل ادائها
لقد كانت البيعة للامام الرضا بولاية العهد في الخامس من شهر رمضان سنة 201 كما جاء في رواية الصدوق عن البيهقي، و بانتهاء شهر رمضان اي بعد خمس و عشرين يوما كلفه المامون ان يصلي بالناس صلاة العيد، بالرغم من ان الامام(ع) كان قد اشترط على المامون ان لا يشترك معه بشيء يتعلق بالحكم و شؤونه و ملحقاته، فقد روى علي بن ابراهيم عن ياسر الخادم و الريان بن الصلت انهما قالا: لما حضر العيد في السنة التي عقد له فيها ولاية العهد ارسل اليه المامون بالركوب الى العيد و الصلاة بالناس و الخطبة بهم فبعث اليه الامام الرضا: لقد علمت ما كان بيني و بينك من الشروط في دخول هذا الامر، فاعفني من الصلاة بالناس فالح عليه المامون و قال له: اريد بذلك ان تطمئن اليك قلوب الناس و يعرفوا فضلك. و جعل المامون يلح عليه و يرسل له الرسول بعد الرسول حتى اجابه لذلك على شرط ان يخرج الى الصلاة كما كان يخرج اليها رسول الله و امير المؤمنين علي بن ابي طالب من بعده، فقال له المامون: اخرج كيف شئت، و امر القواد و الحجاب و الناس ان يبكروا الى باب الرضا(ع).و مضى الراوي يقول: فقعد الناس لابي الحسن في الطرقات و السطوح و اجتمع النساء و الصبيان ينتظرون خروجه و وقف الجند و القادة على بابه حتى طلعت الشمس، فاغتسل ابو الحسن الرضا(ع) و لبس ثيابه و تعمم بعمامة بيضاء من قطن فالقى طرفا منها على صدره و طرفا بين كتفيه و مس شيئا من الطيب و اخذ بيده عكازا، و قال لمواليه و خاصته: افعلوا مثل ما فعلت، فخرجوا بين يديه و هو حاف قد شمر سراويله الى نصف الساق و عليه ثياب مشمرة و مشى قليلا، ثم رفع راسه الى السماء و كبر فكبر معه مواليه، و مشى حتى وقف على الباب، فلما رآه القواد و الجند على تلك الصورة سقطوا كلهم عن الدواب الى الارض، و كان احسنهم حالا من كان معه سكين فقطع به ربطة حذائه لينزعه من رجله و يمشي حافيا، ثم كبر الرضا على الباب الاكبر و كبر الناس معه و ارتفعت اصوات الناس في مرو بالبكاء و التكبير من جميع الجهات، و كان الامام(ع) كلما مشى خطوات وقف و كبر و كبر الناس معه حتى ضجت المدينة باصوات المكبرين و خرج الناس من منازلهم و ازدحموا في الشوارع بشكل لم تعهد له المدينة مثيلا كما تصف ذلك الروايات التي تحدثت عن خروجه.
و لو ان البحتري وصف الامام الرضا في هذه المناسبة بالابيات التي نظمها في المتوكل لكان من اصدق الشعراء في وصفه و ابعدهم عن الكذب و التزلف للحاكمين و لعله عناه بها و استعارها للمتوكل في بعض المناسبات كما يصنع الكثير من الشعراء و سواء قيلت فيه او في غيره فهي من افضل ما يمكن ان يقال في وصف الامام الرضا و الجماهير المحتشدة من حوله في تلك المناسبة.
ذكروا بطلعتك النبي فهللوا
لما طلعت من الصفوف و كبروا
حتى انتهيت الى المصلى لابسا
نور الهدى يبدو عليك فيظهر
و مشيت مشية خاشع متواضع
لله لا يزهى و لا يتكبر
و لو ان مشتاقا تكلف فوق ما
في وسعه لسعى اليك المنبر
لقد اراده المامون ان يصلي بالناس صلاة العيد و يخرج اليها كما كان يخرج هو و من ينتدبه لها من اولئك الذين كانوا يستغلون المناسبات الدينية لعرض قوتهم و تركيز عظمتهم و هيبتهم في النفوس، فاستعفاه الامام لانه يرى ان المناسبات الدينية يجب ان تبقى لها قداستها الروحية و لا تستغل لمصلحة الحاكمين، و لما اضطره المامون الى الخروج و خرج بالشروط التي ارادها و وجدت اجهزة الحكم انصهار الجماهير مع موقف الامام المتمرد على التقاليد التي اعتادوها في مثل هذه المناسبات اسرعوا الى تحذير المامون من حراجة الموقف و خطره على وجودهم ان هو استمر في طريقه الى المسجد وادى الصلاة، فارسل اليه المامون: لقد كلفناك شططا و اتعبناك يا ابن رسول الله و لسنا نحب لك الا الراحة فارجع و ليصل بالناس من كان يصلي بهم على رسمه و ذلك ما كان يتمناه الامام و يعمل من اجله.