• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

تمهيد

تمهيد

 

 

]ذهب الأشاعرة القائلون بالجبر إلى أنّ[ العباد مجبورون في أفعالهم ، ولذا أنكروا التحسين والتقبيح عقلاً حيث إنّ موضوعهما الفعل الاختياري لا الجبري ، وتحفّظوا بذلك قدرته وسلطنته تعالى وأنّه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، ولا يسأل وهم يسألون ، ويدخل من يشاء في نعيمه وإن كان من الفجّار ، ويدخل من يشاء في جحيمه وإن كان من الأبرار ، بلاقبح في نظر العقل أصلاً . ووقعوا في شبهة إسناد الظلم إليه ـ تعالى عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً ـ في قبال المعتزلة القائلين بالتفويض ، وأنّ يد الله مغلولة ، وأنّ العباد مختارون في أفعالهم اختياراً تامّاً بحيث لايقدر هو تعالى على سلبه عنهم ، فتحفّظوا بذلك عدله تعالى ، والتحسين والتقبيح العقليّين ، ووقعوا في شبهة سلب السلطنة والقدرة عنه تعالى ، فكلّ تنحّى عن طريق الاستقامة ووقع في طرف الافراط والتفريط ، خلافاً للفرقة المحقّة الإثنى عشرية القائلين بالأمر بين الأمرين وأخذوا وتعلّموا من أئمّتهم صلوات الله عليهم أجمعين ، فتحفّظوا بذلك عدله وقدرته تعالى([1]) .

]فالجبر والاختيار[ من مهمّات المباحث الكلاميّة ، ولولا أنّ صاحب الكفاية تعرّض له في المقام لما تعرّضنا له ، فذهب الأشاعرة ـ فراراً من لزوم الشرك بزعمهم ـ إلى أنّ أفعال العباد كلّها مخلوقة لله تعالى ، وليس لإرادة العبد واختياره تأثير فيها أصلاً ، لئلاّ يلزم تعدّد الآلهة بعدد أفراد الفاعلين ، والتزموا بأنّ العباد كاسبون ، وإلاّ فالفعل مخلوق له تعالى ، غايته في الاختياريّة من الأفعال أوجد الله القدرة للعبد على إتيان العمل مقارناً لفعله من دون أن يكون مستنداً إليها دون الفعل الغير الاختياري ، فتأمّل... .

ومن الواضح أنّ لازم هذا القول هو نسبة الظلم إليه تعالى في عقابه العباد على معاصيهم ، فهم فراراً من الشرك بتخيّلهم وقعوا في الظلم .

وذهب جمع من الفلاسفة إلى ما ذكر في الكفاية من أنّ الأفعال الاختياريّة تكون مستندة إلى الإرادة ،وبذلك فرّقوا بين الفعل الارادي وغيره ، إلاّ أنّهم التزموا بأنّ إرادة العبد تنتهي إلى الإرادة الأزليّة ، وهذا أيضاً جبر نتيجة .

وأمّا المعتزلة فذهبوا إلى أنّ العباد مستقلّون في أفعالهم ، وعزلوا الله جلّ شأنه عن التأثير في ذلك زعماً منهم كفاية العلّة المحدثة في بقاء المعلول أيضاً ، وهم فراراً من الظلم وقعوا في الشرك .

و]أمّا[ الإماميّة تبعاً لأئمّتهم(عليهم السلام)]فقد[ ذهبوا إلى الأمر بين الأمرين والمنزلة بين منزلتين ، بحيث لايلزم شيء من المحذورين .

وقد مثّلنا]كما ستعرف[ للجبر بحركة يد المرتعش إذا شدّ بيده سيف وجيء بإنسان تحت السيف ، فإنّ حركة يد المرتعش تكون غير اختياريّة ولو كان ملتفتاً إلى أنّ من تحت السيف يقتل بذلك ، بل ولو كان في نفسه محبّاً لذلك أيضاً .

ومثّلنا للتفويض بما إذا كان سبع في سجن ، فأرسله السجّان ، وبذلك خرج عن قدرته واختياره ، أو بارسال حاكم إلى البلد وتفويض أمر البلد إليه بحيث لا يتدخّل السلطان في أفعاله وأحكامه وتصرّفاته ، ولو كان قادراً على عزله كما كان ذلك متعارفاً في زمان الاستبداد .

وأمّا الأمر بين الأمرين ، فمثاله ما إذا فرضنا أنّ إنساناً مصاب بالفلج لا يقدر على الحركة أصلاً ، ولكن أوصل الطبيب السلك الكهربائي إلى يده فتحرّكت ما دامت متّصلة بالسلك ، فإنّ المريض بعد ذلك يكون مختاراً في أفعاله إلاّ أنّ إفاضة القدرة عليه يكون من السلك آناً فآناً ، ففي كل آن هو غير مستغن عن الطبيب ، ومهما رفع الطبيب يده عن «مفتاح» الكهرباء تفلج يد المريض وتسقط عن الحركة ، وفي هذا الفرض لو فعل المريض فعلاً بلا مسامحة يكون الفعل مستنداً إلى المريض ; لصدوره عن مشيئته واختياره ، ويستند إلى الطبيب أيضاً ; لأنّه كان بافاضة القدرة عليه آناً فآناً ، وأفعال العباد كلّها من هذا القبيل ، فإنّ الإنسان غير مستغن عن المؤثّر دائماً([2]) .

]وكيف كان ، فإنّ مما يرد على الأشاعرة كما سيأتي[ أنّا بالوجدان نفرّق بين حركة يد المرتعش وغيرها من الحركات الاختياريّة وبين حركة النبض وتحريك الاصبع إختياراً ، والوجدان أعظم البراهين . فحينئذ نسأل من الأشعري ونقول : ما الفرق بين الحركة الاختياريّة والغير الاختياريّة ؟

فإن قال بعدم الفرق بينهما فهو انكار للوجدان ، وإثبات المطلب على منكر الوجدانيات ممتنع ، نظير من أنكر استحالة اجتماع النقيضين . وإن قال : بأنّ الفرق بينهما بمقارنة الفعل الاختياري مع القدرة ، نقول : ما المراد من القدرة ؟ إن اُريد بها الإرادة والاختيار على الفعل ، فمعها لامعنى لأن يكون الفعل مخلوقاً لله تعالى مع صدوره عن اختيار الفاعل ، وإن كان المراد منها مجرّد الشوق وحب الفعل فهو غير موجب لاختياريّة الفعل ، ولذا لا تكون حركة النبض اختياريّة ، مع أنّ الإنسان يحبّها ويشتاق إليها ; لأنّها سبب حياة الإنسان ، فما هو الفارق بين الفعلين ؟([3]) .

والحاصل : اُصول الأقوال في المقام أربعة :

الأوّل: ما ذهب إليه أكثر الفلاسفة من أنّ الأفعال الاختياريّة معلولة للإرادة ، فهي إرادته ، غير أنّ الارادة تنتهي إلى ما ليس بالاختيار فهي غير اختياريّة([4]) .

الثاني : ما ذهبت إليه الأشاعرة من أنّ الأفعال كلّها مخلوقة لله تعالى ، وليس لقدرة العبد واختياره تأثير فيها أصلاً ، وأنّ العبد معرض ومحلّ للفعل نظير الجسم الذي يعرضه السواد ، وإنّما الفرق بينهما في أنّ خلق الفعل في الإنسان يكون مقارناً لقدرته بخلاف خلق السواد في الجسم .

الثالث : ما ذهب إليه المعتزلة من استغناء العباد في أفعالهم عن المؤثّر ، وأنّهم لا  يستمدّون فيها ]العون[ من الله تعالى وإن كان إيجاد مبادىء الفعل فيهم ابتداءً من الله ، وهو قادر على إعدام ما أوجده فيهم من المبادئ إلاّ أنّه بعد ما أعطاهم الحياة والقدرة وبقية المقدّمات فما لم يسترجعها يكونوا مستقلّين في أعمالهم .

الرابع : ما اختاره الإماميّة من الأمر بين الأمرين([5]) .

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] الهداية في الاُصول 1 : 205 .

[2] دراسات في علم الاُصول 1 : 151 ـ 153 .

[3] المصدر السابق : 154 .

[4] سوف يأتي ذكره ضمن الأدلّة العقلية الوجه الثامن .

[5] المصدر السابق : 153 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page