و همٌ ودفعُ آخر
أمّا الوهم : فهو أنّه لابدّ في الفعل العبادي أن يكون قربيّاً وصادراً عن إرادة ، وهذا ينافي ما ذكر من أنّ الإرادة ليست بعلّة للفعل ولا تامّة التأثير فيه ، بل العلّة التامّة وما يكون مؤثّراً في الفعل تمام التأثير هو الاختيار ليس إلاّ ، فكيف التوفيق ؟
وأمّا الدفع : فهو أنّ لفظ الإرادة ـ كما مرّ غير مرّة ـ تارة يطلق ويراد منه الشوق المؤكّد الذي هو من صفات النفس ، واُخرى يطلق ويراد منه الاختيار والمشيئة ، كما في جملة من الروايات ، وكلام الأصحاب ناظر إليها بالمعنى الثاني لا الأوّل ; حيث إنّ الشوق النفساني لا يكون علّة للإمساك من أوّل الفجر إلى الغروب ، بل الشوق بخلافه .
ومن هنا يعلم أنّه لا يكون مرجّحاً له أيضاً ، والمرجّح له هو الأمر الإلهي والداعي الرحماني والمحرّك المولوي ، بل العلّة التامّة هو الاختيار ، فالمراد من هذا الكلام أنّ الفعل لابدّ وأن يكون صادراً عن اختيار وبداع إلهي في مقابل القسري ، وما يكون بداع نفساني ، فلا منافاة أصلاً([1]) .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الهداية في الاُصول 1 : 216 ـ 217 .