• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

في بيان الترجيح بلا مرجّح والترجّح بلامرجّح

في بيان الترجيح بلا مرجّح والترجّح بلامرجّح

 

لمّا كانت قدرة العبد بالنسبة إلى الفعل والترك على حدّ سواء وإنّما المرجّح لأحدهما هو الشوق النفساني الذي هو الإرداة ، فلا بأس بصرف عنان الكلام ـ وإن كان خارجاً عن المرام لكنّه لا  يخلو عن مناسبة للمقام ـ إلى مجمل القول في الترجيح بلامرجّح والترجّح بلامرجّح .

فنقول : أمّا الترجّح بلامرجّح فمحال بالبداهة ; ضرورة أنّ الموجود بلا موجد والمعلول بلا علّة مستحيل قطعاً ، والترجّح بلا مرجّح ليس إلاّ الوجود بلا موجد ، وهو ينافي الإمكان الذي هو بالنسبة إلى الوجود والعدم ككفّتي الميزان ، فلابّد في ترجّح أحد الجانبين على الآخر من مرجّح في البين بلا شبهة ولا ريب .

وأمّا الترجيح بلا مرجّح فليس بمحال لا في التكوينيّات ولا في التشريعيّات ، وإنّما هو قبيح لا يصدر من العاقل الحكيم إن كان هناك مرجّح أو جامع ; إذ العاقل لا يختار المرجوح على الراجح مع تساوي القدرة وعدم تفاوتها بالنسبة إليهما ، والمولى الحكيم لا  يكلّف عبده بالمعيّن من أحد الأمرين المتساويين من كلّ وجه على وجه ، يعاقب عبده على ترك المأمور به والإتيان بالآخر فضلاً عن أن يكلّف بالمرجوح كذلك ،بل العاقل يختار الراجح في التكوينيّات ، والمولى الحكيم يكلّف بالجامع ـ إن كان ـ أو أحدهما ـ إن لم يكن ـ في صورة تساوي الأمرين ، وبالراجح في صورة عدم التساوي في التشريعيّات .

وأمّا في غير التشريعيّات وعدم وجود المرجّح فمن الواضح عدم القبح أصلاً ; ضرورة أنّ العطشان الذي عنده كوزان متساويان في ايفاء المصلحة بلا تفاوت بينهما لا يتأمّل ولا يملك نفسه عن الشرب حتّى يموت ، نظراً إلى أنّ ترجيح أحد المتساويين قبيح ، بل يختار أحدهما ويشرب من أحدهما قطعاً ، وهذا واضح جدّاً([1]) .

]في الاستدلال على عدم قبح الترجيح بلا مرجّح في الشخص بعد وجود المرجّح في النوع :[

ظهر بما ذكرناه ـ من عدم كون الأفعال الاختياريّة متعلّقة للإرادة الأزليّة ، وأنّها تحتاج إلى الفاعل المختار فيفعل بارادته واختياره لما يراه من المصلحة ـ صحّة ما ذكره الفخر الرازي من الاستدلال على عدم قبح الترجيح بلا مرجّح في الشخص بعد وجود المرجّح في النوع([2]) ، وأنّ المصلحة إلالهيّة اقتضت وجود الحركة في الأجرام السماويّة ، لكن الترجيح بلا مرجّح كان قبيحاً ، فما وجه حركة الشمس مثلاً وسيرها من المشرق إلى المغرب دون العكس مع عدم وجود المرجّح ؟ ]وهو [كلام متين في صورة الإشكال والاعتراض ، لكنّه ناظر إلى أنّه لا  يجوز للحكيم تفويت المصلحة مع عدم وجود المرجّح ، وهذا ممّا لا  يشوبه شكّ ولا  ريب([3]) .

]بيان ذلك أنّ[ الأجرام السماويّة بسيطة متساوية النسبة من حيث الأجزاء عند الحكماء ; لأنّ الفلك الأطلس محيط ببقية طبقات الأفلاك ، ولا  يكون فوقه خلاء ولا ملاء ، والمصلحة الإلهيّة اقتضت وجود الحركة فيها ، فجعل الله سبحانه وتعالى الحركة من المشرق إلى المغرب دون العكس مع عدم المرجّح قطعاً على المسلك المزبور ; لانّ المفروض تساوي الاجرام وبساطتها ، وأنّه لا يكون فوقها خلاء ولا ملاء ليكون هناك مرجّح شخصي .

فلو كان الترجيح بلا مرجّح في الشخص قبيحاً فلنا أن نسأل عن ترجيح حركة الشمس من المشرق إلى المغرب دون العكس مع عدم المرجّح قطعاً على المذهب المذكور ، فهذا يدلّ على بطلان ما ذكروه من قبح الترجيح بلا مرجّح في الشخص وكفاية المرجّح في النوع ، حذراً عن كون الفعل عبثاً منافياً للحكمة([4]) .

ونقل المرحوم المحقّق النائيني(رحمه الله)([5]) أنّه ذكر هذا الاستدلال صدر المتألّهين في شرح اُصول الكافي([6]) ولم يأت في الجواب إلاّ بالشتم واللعن ، وأنّ رئيس المشكّكين أتى بشيء لا يمكن الجواب عنه .

أقول : لم اُراجع شرح اُصول الكافي ، ولكن رأيت رسالة المشاعر لصدر المتألّهين([7]) ، وذكر الاستدلال المذكور فيه ، وأجاب عنه بأجوبة متعدّدة ، كلّها غير تامة ، وإن شئت فراجع .

والاستدلال المذكور وإن كان جارياً على طبق الهيئة القديمة إلاّ أنّه غير مختصّ بها ، بل يجري على الهيئة الجديدة أيضاً ، بأن يقال مثلاً : لماذا جعلت حركة الأرض حول الشمس دون العكس ؟

وبما ذكرناه ـ من أنّ الأفعال الاختياريّة تصدر بإرادة من الفاعل واختياره من دون أن تكون مستندة إلى العلّة التامّة ـ يظهر صحّة هذا الاستدلال ; إذ بعد كون الأفعال صادرة بالإختيار يكفي في الخروج عن اللّغوية المنافية للحكمة وجود المصلحة في أصل الطبيعة بلا احتياج إلى وجود مرجّح للشخص ،بداهة أنّ الهارب يختار أحد الطريقين ، والجائع يختار أحد الرغيفين مع فرض عدم وجود مرجّح في واحد بالخصوص . فبعد وجود المصلحة في أصل طبيعة الحركة كان إيجاد هذه الحركة الخاصّة دون عكسها باختياره تعالى ، ويكفي في دفع محذور اللّغوية وجود المصلحة النوعية بلا احتياج إلى وجود المرجّح في فرد خاص ، بل لا  يجوز على الحكيم تفويت المصلحة النوعية مع عدم وجود مرجّح في الشخص كما هو ظاهر ، هذا بخلاف ما إذا كانت الأفعال مستندة إلى العلّة التامّة ; لقاعدة أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ، فإنّه عليه لابدّ من مرجّح شخصي([8]) .

]الوجه الرابع[ ما إليكم لفظه : «أنّ فعل العبد ممكن في نفسه ، وكلّ ممكن مقدور لله تعالى ـ لما مرّ من شمول قدرته للممكنات بأسرها ، وقد مرّ مخالفة الناس من المعتزلة والفِرق الخارجة عن الإسلام في أنّ كلّ ممكن مقدور لله تعالى على تفاصيل مذاهبهم وإبطالها في بحث قادرية الله تعالى ، ولا  شيء ممّا هو مقدور لله بواقع بقدرة العبد ـ لامتناع قدرتين مؤثّرتين على مقدور واحد»([9]) .

والجواب عنه : أمّا ما ذكره من الصغرى والكبرى ـ يعني أنّ فعل العبد ممكن ، وكلّ ممكن مقدور لله تعالى ـ وإن كان صحيحاً ; ضرورة أنّ الممكنات بشتى أنواعها وأشكالها مقدورة له تعالى ، فلا يمكن خروج شيء منها عن تحت قدرته وسلطنته ، إلاّ أنّ ما فرّعه على ذلك ـ من أنّه لا  شيء ممّا هو مقدور لله بواقع تحت قدرة العبد ; لامتناع اجتماع قدرتين مؤثّرتين على مقدور واحد ـ خاطىء جداً ، والسبب في ذلك ما سيأتي بيانه بشكل واضح من أنّ أفعال العباد رغم كونها مقدورة لله تعالى من ناحية أنّ مبادئها بيده سبحانه مقدورة للعباد أيضاً وواقعة تحت اختيارهم وسلطانهم ، فلا منافاة بين الأمرين أصلاً .

وبكلمة اُخرى : إنّ كلّ مقدور ليس واجب الوجود في الخارج لتقع المنافاة بينهما ، بداهة أنـّه لا مانع من كون فعل واحد مقدوراً لشخصين ; لعدم الملازمة بين كون شيء مقدوراً لأحد وبين صدوره منه في الخارج ، فالصدور يحتاج إلى أمر زائد عليه وهو إعمال القدرة والمشيئة .

ومن ضوء هذا البيان يظهر وقوع الخلط في هذا الدليل بين كون أفعال العباد مقدورة لله تعالى وبين وقوعها خارجاً بإعمال قدرته . وعليه فما ذكره من الكبرى ـ وهي استحالة اجتماع قدرتين مؤثّرتين على مقدور واحد ـ خاطىء جداً .

نعم ، لو أراد من القدرة المؤثّرة إعمالها خارجاً فالكبرى المزبورة وإن كانت تامّة إلاّ أنّها فاسدة من ناحية اُخرى ، وهي : أنّ أفعال العباد لا  تقع تحت مشيئة الله وإعمال قدرته على ما سنذكره إن شاء الله تعالى ، وإنّما تقع مبادئها تحت مشيئته وإعمال قدرته لانفسها ، فإذن لا  يلزم اجتماع قدرتين مؤثّرتين على شيء واحد([10]) .

]الوجه الخامس[ أنّ الإرادة الأزليّة إذا تعلّقت بوجود فعل من العبد أو بعدمه ، فأمّا أن يكون ما في الخارج على طبقها وهو المطلوب ، فلا  أثر لاختيار العبد وعدمه ، وأمّا أن يكون ما في الخارج على خلاف الإرادة الأزليّة بأن تغلب إرادة العبد على ارادته تعالى ، فيلزم نسبة العجز إليه تعالى ، وعدم القدرة على التصرف فيما هو واقع في سلطانه ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً([11]) .

]وبعبارة اُخرى[ : إنّ الإرادة الأزليّة لو كانت متعلّقة بصدور الفعل من العبد فيصدر لا محالة ، وإن كانت متعلّقة بعدم صدوره فلا  يصدر بالضرورة ، وهذه الشبهة هي التي ذكرها المحقّق الخراساني([12]) .

]و بعبارة أوضح[ : أنّ الإرادة الأزليّة إن تعلّقت بصدور الفعل من العبد فيصدر قهراً ولا  يمكنه الترك ، وإلاّ لزم تخلّف إرادته تعالى عن مراده وهو محال ، فإنّه سبحانه إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ، وإن تعلّقت بعدم صدوره منه فلايمكن صدوره ويكون ممتنعاً ، فيدور الأمر بين الضرورة والامتناع ، وعلى كلّ تقدير لا يكون العبد مختاراً في الفعل والترك ، بل هو مضطرّ إلى أحدهما([13]) .

والجواب عنه : أنّ الإرادة الأزليّة بالإضافة إلى الأفعال الاختياريّة الصادرة من العبد ليس لها مساس بوجودها أو عدمها ، بل الله سبحانه وتعالى منح الإنسان قدرة وقوّة على الفعل وعدمه ، وأوضح له الطرق الصحيحة من الفاسدة ، وأخذ العبد يفعل الشيء ويتركه بحسب اختياره وإرادته من دون دخل للإرادة الأزليّة في ذلك أصلاً .

نعم ، ربّما يريد الله سبحانه وتعالى عدم بعض الأفعال فيبدي الموانع عن تحقّقه كانزال المطر وغيره ، وهذا أجنبي عن التصرّف في إرادة العبد .

على أنّ وصف الإرادة بالأزليّة لا  يخلو من تسامح ; لما حقّقناه من أنّ الإرادة من صفات الأفعال لا من صفات الذات لتكون أزليّة .

وتقريب ذلك : أنّ الضابط في صفات الأفعال إمكان اتّصاف الذات بمعاليلها مع اختلاف المتعلّق ، وهذا الضابط منطبق على إرادته تعالى ، فيقال إنّه مريد لحياة زيد وليس بمريد لحياة عمرو .

ولو رجعنا إلى الروايات التي وردت في باب الإرادة لوجدناها صريحة في الدلالة على أنّ الإرادة من صفات الفعل ، لا الذات لتكون أزليّة ، حيث ورد : «إنّ الله كان عالماً وقادراً ولم يكن مريداً فأراد»([14]) ، ولا   يمكن أن يقال : «لم يكن قادراً فقدر»(3) ، وفي بعضها الحكم بكفر من يدّعي أزليّة الإرادة([15]) .

ولو كانت الإرادة من الصفات الذاتيّة لكانت أزليّة كالعلم والقدرة ، إلاّ أنّ بعض الفلاسفة المحدثين كصدر المتألّهين وصاحب الوافي ـ مع نقلهم لهذه الروايات ـ ذهبوا إلى أزليّة الإرادة ، فاضطروا إلى حمل الروايات على الإرادة الفعليّة ، بمعنى أنّه لم يكن مريداً فعلاً لا أزلاً ، وقد عرفت أنّ الإرادة ليس لها معنيان أو أكثر ، بل لها معنى واحد وهو إعمال القدرة ، وهذه جعلت من صفات الأفعال حيث قيل : لم يكن مريداً فأراد ، ]و[ معنى ذلك : أنّها حادثة وليست بأزليّة ; لذا ورد في بعض الروايات : «أنّ الله خلق الأشياء بالمشيئة ، وخلق المشيئة بنفسها»([16]) ، بمعنى أنـّه خلق الأشياء حسب إعمال قدرته ، أما إعمال قدرته فلم تكن باعمال قدرة اُخرى ، وإلاّلتسلسل .

وأمّا ]ما[ عن بعض الفلاسفة من رواية الحديث: «أنّ الله تعالى خلق الأشياء بالمشيئة ، والمشيئة بنفسها » وتفسيره بأنّ المشيئة موجودة بنفسها ، فهو باطل ، فإنّ الحديث كما نقلناه .

وكيف كان ، فالإرادة غير أزليّة ليقال بانتهاء الأفعال إليها ، بل الإرادة من صفات الفعل ، وهي بمعنى إعمال القدرة([17]) .

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] الهداية في الاُصول 1 : 213 ـ 214 .

[2] مصباح الاُصول ج 1 / القسم 1 : 277 .

[3] الهداية في الاُصول 1 : 214 ـ 215 .

[4] التفسير الكبير 4 : 184 .

[5] أجود التقريرات 1 : 139 .

[6] شرح اُصول الكافي 1 : 267 .

[7] شرح المشاعر : 289 .

[8] مصباح الاُصول 1 / القسم 1 : 277 ـ 279 .

[9] شرح المواقف : 515 ، المرصد السادس .

[10] المحاضرات 2 : 49 ـ 50 .

[11] مصابيح الاُصول : 193 .

[12] دراسات في علم الاُصول 1 : 163 .

[13] مصباح الاُصول ج1 / القسم 1 : 263 ، 264 .

[14] و3     لم نعثر عليهما في المجاميع الحديثية بهذا المضمون .

 

[16] بحار الأنوار 4 : 145 ، والحديث : «خلق الله المشيئة بنفسها ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة» .

[17] مصابيح الاُصول : 193 ـ 194 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page