• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

حكم جريان قاعدة الحسن والقبح في حقّ المتجرّي

حكم جريان قاعدة الحسن والقبح في حقّ المتجرّي

 

 

إذا عرفت ذلك  ، فاعلم أنّ الفعل المتجرّى به من المتجرّي طغيان وظلم وعدوان ، وتعدّ على المولى وهتك لحرمته ، وإظهار للجرأة عليه بالضرورة والوجدان ، ولا فرق بينه و]بين[ العاصي في ذلك أصلاً ، وقد عرفت أنّ القبح ينطبق على الفعل الاختياري ، ومناط القبح في الفعل الاختياري أيضاً جهة اختياريّته ، لا ما لا يكون اختيارياً للفاعل . ومن المعلوم أنّ مناط القبح في فعل العاصي ليس إلاّ هذه العناوين المذكورة لا المصادفة للواقع ; فإنّها غير اختياريّة له ، وعين هذا المناط موجود في المتجرّي بلا قصور ولا نقصان ، ولاريب أنّه أيضاً ـ كالعاصي ـ ملتفت إلى أنّ فعله مصداق للهتك والظلم ، فقد هتك عن اختيار والتفات ، وهو كذلك ممّا يستقلّ العقل بقبحه ويدرك أنّه يحقّ أن يذمّ فاعله ، ولو ذمّ فاعله عليه لوقع الذمّ في محلّه . ومن هنا لو اعتقد أحد بأنّ المائع الخارجي ماء وشربه بهذا الاعتقاد ، لم يتّصف فعله وشربه بالقبح ولو كان في الواقع خمراً .

وأقوى شاهد على ما ذكرنا أنّه لم يستشكل أحد من العقلاء ولم يشك في اتّصاف الفعل المنقاد به بالحسن واستحقاق المنقاد المدح عليه ، وهل يرضى أحد أنّ من قطع بأنّ مولاه يطلبه في الليل فوافق قطعه ، وذهب إليه في الليلة الباردة المظلمة ، وتحمّل المشاقّ الكثيرة وبعد ذلك انكشف أنّ المولى لم يكن يطلبه ، أنّه لم يفعل فعلاً حسناً ولا يستحقّ المدح عليه ؟ كلاّ بل يراه العقلاء عبداً مطيعاً منقاداً طالباً لرضى مولاه ، ويمدحونه على هذا الفعل ، ويمدحه مولاه عليه ، بل يثيبه لذلك ، ومن المعلوم أنّ التجرّي والانقياد يرتضعان من ثدي واحد ، واتّصافهما بالحسن والقبح بمناط فارد .

أمّا الحيثيّة الثانية ـ وهي أنّ هذا القبح العقلي المتّصف به التجرّي هل يستتبع حكماً شرعيّاً أم لا ؟ ـ فالحقّ فيها هو عدم الاستتباع ، وذلك لأنّه لا وجه له إلاّ دعوى الملازمة بين حكم العقل والشرع ، وقد حقّقنا في محلّه أنّه لا أساس لهذه القاعدة ، وأنّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد الواقعيّة ، والحسن والقبح العقليّين غير ملازمين مع المصلحة والمفسدة .

نعم ، لو أدرك العقل المصلحة الملزمة أو المفسدة كذلك ، وأحرز أنّه لا مزاحم لها ، فيترتّب عليه ـ لا محالة ـ حكم شرعيّ ; للعلم بوجود ملاكه على الفرض ، وأمّا نفس إدراك الحسن والقبح فلا يترتّب عليه شيء ، بل نقول : إنّ الخطاب الشرعي للمتجرّي ، المستتبع عن قبح المتجرّى به غير معقول ; فإنّه إمّا أن يكون نفس الخطاب الذي ]هو [متكفّل للحكم الأوّلي الثابت لنفس الخمر مثلاً أو غيره .

والأوّل بديهي البطلان ; إذ مرتبة القبح الفعلي متأخّرة عن مرتبة الخطاب والتكليف ; فإنّه يتحقّق في مقام الإتيان والامتثال . . . .

والثاني إمّا متوجّه إلى خصوص المتجرّي ، أو عنوان شامل له وللعاصي ، كعنوان المتمرّد على المولى والهاتك لحرمته . . . .

والحاصل : أنّه لايمكن القول باستتباع القبح الفعلي في المتجرّى به للحكم الشرعي بوجه من الوجوه .

وأمّا الكلام في الجهة الثالثة ، وهي الجهة الكلامية فحاصله : أنّ المتجرّي مستحقّ للعقاب بعين الملاك الذي يوجب استحقاق العاصي له ، وذلك لأنّ العقاب لابدّ وأن يكون على أمر اختياري ، وما هو اختياري في العصيان والتجرّي هو التجرّي بالمعنى اللغوي ، أي الجرأة على المولى وهتك حرمته الذي يتحقّق بمخالفة القطع سواء صادف الواقع أو لم يصادفه ; ضرورة أنّ المصادفة للواقع وعدم المصادفة له أمران خارجان عن تحت اختيار المكلّف ، ولا يترتّب عليهما أثر أصلاً ، ولذا نفس مخالفة الحكم الواقعي في ظرف الجهل وعدم الوصول لا يعاقب عليها ، فالعقاب دائماً يكون في مرتبة الوصول ، وقبلها قبيح لا يصدر من الحكيم ، ومن البيّن أنّ في هذه المرتبة ما يكون ملاكاً لاستحقاق العاصي للعقاب ليس إلاّ الجرأة على المولى وهتك حرمته ، وهذا بعينه موجود في المتجرّي ، والعقل حاكم باستحقاق العقاب في المقامين بمناط واحد .

وعلى ذلك لا يبقى مجال لما أفاده في الفصول من تداخل العقابين في فرض مصادفة القطع للواقع ، أحدهما عقاب الإتيان بمبغوض المولى ، والآخر عقاب هتكه والجرأة عليه([1]) ; وذلك لما عرفت من أنّ العقاب ]لايكون[ دائماً إلاّ على هتك حرمة المولى ، ففي فرض المصادفة أيضاً ليس إلاّ سبب واحد للعقاب .

]كما لا مجال[ لما أفاده في الكفاية([2]) من أنّ العقاب ليس على الفعل المتجرّى به ، بل على قصد العصيان وإرادة الطغيان ، الناشئة عن سوء سريرته وشقاوته الذاتيّة له ، والذاتي لا يعلّل ، و]أن[ السؤال عنه مساوق للسؤال عن أنّه لِمَ يكون الإنسان ناطقاً والحمار ناهقاً ؟ ! لما عرفت من أنّ العقاب على أمر اختياري ملتفت إليه ، وهو الهتك ، وقد مرّ في بحث الطلب والإرادة أنّ السعادة والشقاوة ليستا ذاتيّتين للإنسان ، وذكرنا وجهه مفصّلاً ، فراجع([3]) .

 

 

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] الفصول : 78 .

[2] كفاية الاُصول : 260 .

[3] الهداية في الاُصول 3 : 22 ـ 27 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page