تعلّق المشيئة الإلهيّة بحركة الأجرام على نحو خاص
إنّ الفخر الرازي قد أورد شبهة([1]) على ضوء الهيئة القديمة ، وحاصلها : هو أنّ الله تعالى خلق الكائنات على ترتيب خاص وحلقات تصاعدية مخصوصة ، وهي أنّه تعالى خلق الكرة الأرضية وجعلها نقطة الدائرة ومركزاً لها ، ثمّ كرة الماء ، ثمّ كرة الهواء ، ثمّ كرة النار ، ثمّ الفلك الأول وهكذا إلى أن ينتهي إلى الفلك التاسع وهو فلك الأفلاك المسمّى بالفلك الأطلس ، وأمّا ما وراءه فلا خلأ ولا ملأ ، ولا يعلمه إلاّ الله سبحانه وتعالى .
ثمّ إنّه تعالى جعل لكلّ من تلك الكرات والأفلاك حركة خاصة من القسريّة والطبيعية ، فجعل حركة الشمس مثلاً من المشرق إلى المغرب ، ولم يجعلها من الشمال إلى الجنوب أو من المغرب إلى المشرق ، وهكذا .
وبعد ذلك قال : إنّ للسائل أن يسأل عن أنّ الله تعالى لِمَ لم يجعل العالم على شكل آخر وترتيب ثان ، بأن يجعل حركة الشمس مثلاً من المغرب إلى المشرق وهكذا ، وبأي مرجّح جعل العالم على الشكل الحالي دون غيره ، فيلزم الترجيح من دون المرجّح وهو محال .
وحكى صدر المتألّهين هذه الشبهة عنه في مشاعره وأجاب عنها بعدّة وجوه ، ونقل شيخنا الاُستاذ(قدس سره) : أنّ صدر المتألّهين قد تعرّض لهذه الشبهة في شرح اُصول الكافي ، ولكن لم يأت بالجواب عنها إلاّ باللعن والشتم ، واعترف بأنـّه أتى بشبهة لا جواب لها .
وغير خفي أنّ إيراد الفخر هذه الشبهة على ضوء الهيئة القديمة لا من جهة ابتناء الشبهة عليها ، بل من ناحية أنّ أفكارهم عن العالم في ذلك العصر وتصوّرهم عنه كانت قائمة على أساس تلك الهيئة ، وإلاّ فالشبهة غير مختصّة بها ، بل تجيء على ضوء الأفكار الجديدة عن العالم في العصر الحاضر أيضاً ، حيث إنّ للسائل أن يسئل عن أنّ الله تعالى لماذا جعل حركة الأرض حول الشمس دون العكس ، وهكذا([2]) .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] هذه الشبهة مبنيّة على القول بنظرية الجبر .
[2] المحاضرات 2 : 95 ـ 96 .