• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

انتهاء الأشياء إلى مبدأ أعلى وراء حدودها

انتهاء الأشياء إلى مبدأ أعلى وراء حدودها([1])

 

 

]ونوضّحه ضمن الإشارة إلى نقطتين :[

الاُولى : أنّ مردّ حديثنا عن أنّ الأشياء الخارجية بكافة أنواعها أشياء تعلّقية وارتباطية تتعلّق بالمبدأ الأعلى وترتبط به ليس إلى نفي العلّية بين تلك الأشياء ، بل مردّه إلى أنّ تلك الأشياء بعللها ومعاليلها تتصاعد إلى سبب أعمق وتنتهي إلى مبدأ  أعلى ما وراء حدودها .

والسبب في ذلك أنّ تلك الأشياء بكافة سلسلتها التصاعدية وحلقاتها الطولية والعرضية خاضعة لمبدأ العلّية ، ولا  يمكن افتراض شيء بينها متحرّر عن هذا المبدأ ، ليكون هو السبب الأوّل لها ، فإذن لابدّ من انتهاء السلسلة جميعاً في نهاية المطاف إلى علّة غنيّة بذاتها لتقطع السلسلة بها وتضع لها بداية أزليّة ، مثلاً بقاء ظواهر الأشياء استند إلى بقاء عللها وهي الخاصيّة الموجودة في موادها من ناحية ، والقوّة الجاذبية التي تفرض المحافظة عليها من ناحية اُخرى ، وترتبط تلك الظواهر بهما ارتباطاً ذاتيّاً ، فلا يعقل بقاؤها على وضعها بدونهما ، ثمّ ننقل الكلام إلى عللها وهي تواجه نفس مسألة الافتقار إلى مبدأ العلّية ، وهكذا إلى أن تصل الحلقات إلى السبب الأعلى الغني بالذات المتحرّر من مبدأ العلّية .

الثانية : أنّ ارتباط المعلول بالعلّة الطبيعية يفترق عن ارتباط المعلول بالعلّة الفاعلية في نقطة ، ويشترك معه في نقطة اُخرى .

أمّا نقطة الافتراق فهي أنّ المعلول في العلل الطبيعية يرتبط بذات العلّة وينبثق من صميم كيانها ووجودها . ومن هنا قلنا إنّ تأثير العلّة في المعلول يقوم على ضوء قانون التناسب . وأمّا المعلول في الفواعل الإرادية فلا يرتبط بذات الفاعل والعلّة ولا  ينبثق من صميم وجودها ، ومن هنا لا يقوم تأثيره فيه على اساس مسألة التناسب . نعم ، يرتبط المعلول فيها بمشيئة الفاعل وإعمال قدرته ارتباطاً ذاتيّاً ، يعني يستحيل انفكاكه عنها حدوثاً وبقاءً ، ومتى تحقّقت المشيئة تحقّق الفعل ، ومتى انعدمت انعدم . وعلى ذلك فمردّ ارتباط الأشياء الكونية بالمبدأ الأزلي وتعلّقها به ذاتاً إلى ارتباط تلك الأشياء بمشيئته وإعمال قدرته ، وأنّها خاضعة لها خضوعاً ذاتيّاً وتتعلّق بها حدوثاً وبقاءً ، فمتى تحقّقت المشيئة الإلهيّة بإيجاد شيء وجد ، ومتى انعدمت انعدم ، فلا يعقل بقاؤه مع انعدامها ، ولا  تتعلّق بالذات الأزليّة ، ولا تنبثق من صميم كيانها ووجودها ، كما عليه الفلاسفة .

ومن هنا قد استطعنا أن نضع الحجر الأساس للفرق بين نظريتنا ونظرية الفلاسفة ، فبناءً على نظريتنا ارتباط تلك الأشياء بكافة حلقاتها بمشيئته تعالى وإعمال سلطنته وقدرته ، وبناءً على نظرية الفلاسفة ارتباطها في واقع كيانها بذاته الأزليّة ، وتنبثق من صميم وجودها ، وقد تقدّم عرض هذه الناحية ونقدها في ضمن البحوث السابقة بشكل موسّع .

وأمّا نقطة الاشتراك فهي أنّ المعلول كما لا  واقع له وراء ارتباطه بالعلّة وتعلّقه بها تعلّقاً في جوهر ذاته وكيان وجوده ; لما مضى من أنّ مطلق الارتباط القائم بين شيئين لا يشكّل علاقة العلّية بينهما ، وكذلك الفعل لا واقع موضوعي له ما رواء ارتباطه بمشيئة الفاعل وإعمال قدرته وتعلّقه بها تعلّقاً في واقع ذاته وكيانه ، ويدور وجوده مدارها حدوثاً وبقاءً . فمتى شاء إيجاده وجد ، ومتى لم يشأ لم يوجد .

فالنتيجة أنّ المعلول الطبيعي والفعل الاختياري بمشتركان في أنّ وجودهما عين الارتباط والتعلّق ، لكنّ الأوّل تعلّق بذات العلّة ، والثاني بمشيئة الفاعل لا بذاته ، رغم أنّ صدور الأول يقوم على أساس قانون التناسب ومبدأ الحتم والوجوب ، وصدور الثاني يقوم على أساس الاختيار ، وقد تقدّم درس هذه النواحي بصورة موسّعة في ضمن البحوث السالفة .

قد انتهينا في نهاية المطاف إلى هذه النتيجة وهي أنّ للفعل الصادر من العبد نسبتين واقعيّتين :

إحداهما : نسبته إلى فاعله بالمباشرة باعتبار صدوره منه باختياره وإعمال قدرته .

ثانيتهما : نسبته إلى الله تعالى باعتبار أنّه معطي الحياة والقدرة له في كلّ آن وبصورة مستمرّة حتى في آن اشتغاله بالعمل ، وتلك النتيجة هي المطابقة للواقع الموضوعي والمنطق العقلي ولا  مناص عنها . ومردّها إلى أنّ مشيئة العبد تتفرّع على مشيئة الله سبحانه وتعالى وإعمال سلطنته . وقد أشار ]الكتاب العزيز[ إلى هذه الناحية في عدّة من الآيات الكريمة([2]) .

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] هذا الكلام مبني على القول بنظرية الأمر بين الأمرين .

[2] المحاضرات 2 : 91 ـ 94 . وقد تقدّم الكلام مفصّلاً عن الآيات المباركة في بحث الأمر بين الأمرين ، فراجع .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page