اعتبار العقد القلبي في الإيمان والإسلام
يعتبر العقد القلبي في الإيمان ، ومع فقده يعامل الله سبحانه معه معاملة الكفر في الآخرة ، وهو الذي نصطلح عليه بمسلم الدنيا وكافر الآخرة([1]) .
]ولتوضيح ذلك[ نقول : الإيمان في لسان الكتاب المجيد هو الإعتقاد القلبي والعرفان والإيقان بالتوحيد والنبوّة والمعاد ، ولا يكفي في تحقّقه مجرّد الإظهار باللّسان ; لأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) إنّما بعث لأن يعرف الناس وحدانيته سبحانه ونبوّة نفسه والإعتقاد بيوم الجزاء ، والإيمان أمر قلبي لابدّ من عقد القلب عليه وقد تصدّى سبحانه في غير موضع من كتابه لإقامة البرهان على تلك الاُمور ، فبرهن على وحدانيته بقوله : (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا)([2]) ، وقوله : (إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض)([3]) . كما برهن على نبوّة النبي (صلى الله عليه وآله)بقوله: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْب مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَة مِن مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوْا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)([4]) ، وقوله تعالى : (فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)([5]) .
وقال في مقام البرهان على المعاد : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَلِيمٌ)([6]) . إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على تلك الاُمور .
وكيف كان ، فهذه الاُمور يعتبر في تحقّقها الإعتقاد والعرفان ولا يكفي فيها مجرد الإظهار باللّسان .
وأمّا الإيمان في لسان الأئمة(عليهم السلام) ورواياتهم فهو أخص من الإيمان بمصطلح الكتاب وهو ظاهر .
وأمّا الإسلام فيكفي في تحقّقه مجرّد الإعتراف وإظهار الشهادتين باللّسان وإن لم يعتقدهما قلباً بأن أظهر خلاف ما أضمره وهو المعبّر عنه بالنفاق ، ويدلّ على ذلك الأخبار الواردة في أنّ الإسلام هو إظهار الشهادتين ، وأنّ به حقنت الدماء ، وعليه جرت المواريث وجاز النكاح ، كما ورد ذلك في جملة من الأخبار النبوية أيضاً ، فراجع .
وقوله عزّ من قائل : (قَالَتِ الاَْعْرَابُ آمَنَّا قُل لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاِْيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)([7]) .
هذا مضافاً إلى السيرة القطعية الجارية في زمان النبي(صلى الله عليه وآله) على قبول إسلام الكفرة بمجرّد إظهارهم للشهادتين مع القطع بعدم كونهم معتقدين بالإسلام حقيقة بمجرّد مشاهدتهم غلبة الإسلام وتقدّمه إلاّ في مثل عقيل على ما حكي .
فتلخّص أنّ الإسلام لا يعتبر فيه سوى إظهار الشهادتين ]دون العقد القلبي ولا هما معاً[ ، ولا بأس بتسميته بالإيمان بالمعنى الأعم ، وتسمية الإيمان في لسان الكتاب بالإيمان بالمعنى الأخص ، وتسمية الإيمان في لسان الأخبار بالإيمان أخص الخاص . هذا كلّه إذا لم يعلم مخالفة ما أظهره لما أضمره .
وأمّا إذا علمنا ذلك وأنّ ما يظهره خلاف ما يعتقده فيأتي الكلام ]فيه لاحقاً[([8]) .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] التنقيح 2 : 70 .
[2] الأنبياء : 22 .
[3] المؤمنون : 91 .
[4] البقرة : 23 و24 .
[5] الصافات : 157 .
[6] يس : 79 .
[7] الحجرات : 14 .
[8] التنقيح 3 : 231 ـ 233 . وانظر : التنقيح 2 : 70 .