• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الإمام .. والعصر .. والخلفاء..

الإمام .. والعصر .. والخلفاء..

من خلال تاريخ ولادة الإمام علي الرضا (عليه السّلام) عام (148 هـ)، وإلى تاريخ استشهاده عام (203 هـ).. نجد أنه عاصر سنة من خلفاء بني العباس هم: المنصور- المهدي - الهادي - الهارون - الأمين - المأمون.

فعاصر ثلاثة منهم وهو برعاية والده العظيم الإمام موسى الكاظم (عليه السّلام) (المنصور - المهدي - الهادي) وهارون العباسي عاصره الإمام علي الرضا (عليه السّلام) وشهد أباه الإمام الكاظم (عليه السّلام) بين السجون العباسية ببغداد حتى قتل في سجن السندي بن شاهك.

هذا وربما أوصى الإمام موسى الكاظم (عليه السّلام) ولده بأن ينتظر مادام الطاغية هارون حيا، حتى إذا مات ينطق بالحق.. فلماذا ذلك يا ترى..؟

لأن الحياة السياسية للحكام العباسيين كانت مضطربة وقلقة من ناحية العلويين بشكل عام والأئمة الأطهار بشكل خاص. وذلك لعلم كثير من الناس بأحقيتهم وأن الحكام باسمهم كانت دعوتهم وإليهم كانت نجدتهم.. ولكنهم اغتصبوا القيادة الإسلامية كما اغتصبها الأمويون ومن سبقهم من أصحابها الشرعيين.. أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأبنائه الكرام (عليهم الصلاة والسلام).

لذلك كان العباسيون ﻻ يهنأ لهم عيش ولا ينعم لهم بال وإمام من تلك العترة الطاهرة حي على وجه البسيطة.. ينطق بالحق ويعلم وينشر علوم القرآن في كل الاتجاهات وتجبى له الحقوق الشرعية من كل البلدان عن طريق الوكلاء في الأمصار.

وكذلك أحوال الدولة العباسية كلها كانت قلقة غير مستقرة وذلك لكثرة الانتفاضات والثورات على سلطانهم الطاغي لأنهم أعطوا أبشع صورة للحكام بالبذخ والفسق والفجور.. والقتل والتعذيب والتنكيل.. وملاحقة المعارضين والمجاهدين بالحق.

فالذي يدرس حياة حكام بني العباس في تلك الفترة (المهدي - الهادي - هارون - الأمين - المأمون) والتي عاصرهم الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السّلام) ويحلل أسلوب الحكم ومنهجه تحليلا منطقيا وواقعيا.. وكيفية إدارة شؤون البلاد والعباد.. ومدى العلاقة بين الحاكم والمحكومين - الأمة كلها - واتجاهات الرأي العام السائدة حينها..

وكذلك يدرس - حتى إذا كان بدون تدقيق - حياة  الحكام في القصور العامرة بالجواري والغلمان.. والمغنين والشعراء.. وكؤوس الطلى تعب بدون رادع ولا وازع.. ﻻ من دين ولا من ضمير.. والعياذ بالله.

وكتب التاريخ تضج بتلك المخازي وإليك ما رواه ابن الأثير في كامله عن الأمين العباسي فإنه يقول:

لما ملك الأمين وكاتبه المأمون وأعطاه بيعته.. طلب الخصيان وأتباعهم وغالى فيهم، فصيرهم لخلوته ليله ونهاره.. وقوام طعامه وشرابه، وأمره ونهيه.. وفرض لهم فرضا سماهم الجرادية.. وفرضا من الحبشان الغرابية. وفرض للنساء الحرائر والإماء حتى رمي بهن وقيل فيه الأشعار.. ثم وجه إلى جميع البلدان في طلب الملهين.. وضمهم إليه وأجرى عليهم الأرزاق، واحتجب عن أخويه وأهل بيته (العباسيين كافة) واستخف بهم وبقواده، وقسم ما في بيوت الأموال وما بحضرته من الجواهر في خصيانه وجلسائه ومحدثيه.. وأمر ببناء مجالس لمنتزهاته، ومواضع خلواته ولهوه ولعبه.. وعمل خمس صراقات في دجلة على صورة الأسد والفيل والعقاب والحية والفرس، وأنفق في عملها مالا عظيما[1].

هذه صورة عن الأمين.. وأما أبوه فحدث ولا حرج ومن يقرأ التاريخ يشاهد العجب من التبذير والترف في أموال الأمة، فآلاف الملايين من الدنانير والدراهم الذهبية والفضية كانت تنثر بين يدي الراقصات والمغنين والصبيان..

ويكفيك أن تقرأ أنه وعلى مائدة واحدة للمأمون العباسي وضع ثلاثمائة نوع من الأطعمة اللذيذة، (أي ما لذ وطاب) على وجبة واحدة، في يوم عيد وكان في الأمة الإسلامية من ﻻ يجد ما يسد به جوع أبنائه المحرومين..

وكيف ﻻ تجوع الأمة وتعرى والأموال والأرزاق كلها مكدسة في بيت المال لدى الحاكم هارون وحده، فعند ما مات - غير مأسوف عليه - خلف مائة ألف ألف دينار (مائة مليون دينار ذهبي) ومن الأثاث والجواهر والورق منه مليون وخمس وعشرون ألف دينار ذهبي.

.. من أين أتت كل هذه الأموال.. أليس من حقوق الأمة الشرعية..؟ احتكرها لورثته.. وليتهم يطبقون عليه القانون القائل حديثا: من أين لك هذا؟. طبعا هذا عدا عما كان يصرفه في حياته اليومية على شهواته ولذاته وغرائزه الشيطانية الخبيثة.

وهذا غيض من فيض.. وقبس من حيال النار العباسية البغيضة التي تركت الأمة في حيص وبيص ﻻ يدرون ما العمل.. فخابت آمال الأمة مجددا بالعباسيين وراحت الانتفاضات تلو الانتفاضات والثورات تلو الثورات وكان أشدها الثورات الطالبية لأنها كانت عقائدية وجماهيرية بنفس الوقت.

1: ثورة ابن طباطبا (محمّد بن ابراهيم بن إسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن السبط ) 199 هـ.

2: ثورة الحسين بن علي بن الحسن (صاحب فخ) وثورته المشهورة.

3: ثورة محمّد بن جعفر (عليه السّلام) (النفس الزكية).

وغيرها كثير في الديلم وخراسان والأهواز والبصرة والكوفة والمدينة ومكة وأفريقيا واليمن.. فكانت الأمة كالنار تحت الرماد ﻻ تكاد تسمع بمعارض أو ثورة أو انتفاضة إلا وتهب إلى الاستجابة لها.. وخاصة إذا كانت قيادتها قريبة من القيادة الشرعية أي من الطالبيين حصرا..

فتردى الوضع السياسي والأمني والأخلاقي والسلوكي للحكام العباسيين انعكس على كافة طبقات الشعب، فلم يسلم منه أحد سواء العامة والجمهور أو قادة الرأي وأقطاب المجتمع والعلماء والفقهاء لذا كان الرأي العام قد اتجه وبشكل قوي وواضح إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

وذلك حيث أن الإمام جعفر الصادق (عليه السّلام) ملأ دنيا الإسلام بالعلم والعلماء فقد تتلمذ على يديه المباركتين آلاف التلاميذ واكثر من عشرين ألفا، وانتشروا في جميع أنحاء الأمة الإسلامية. وكذلك الإمام الكاظم (عليه السّلام) فقد استلم من أبيه العظيم أمة كبيرة ومدرسة جامعة وتنظيما إماميا قويا.. لذلك عمل الذي عمله هارون خوفا منه ومن شيعه وأتباعه ذوي التأثير الواضح في مسيرة الأمة الإسلامية يومها..

أما الإمام علي الرضا (عليه السّلام) فقد استلم القيادة الدينية للأمة بعد أبيه وهو عالم بكل التفاصيل ودقائق الأمور ومداخل المؤامرات ضد هذه الطائفة الحقة وضده شخصيا. كيف ﻻ..؟ وبالأمس رأى تنقل أبيه من سجن إلى سجن حتى قضى نحبه وانتقل إلى جوار ربه مسموما في سجن ابن شاهك اللعين بأمر هارون العباسي.

فحاصر الإمام علي الرضا (عليه السّلام) بدعوته  إلى الإصلاح واستمر في بعث الوكلاء وتوجيه الأمة واستلام الحقوق الشرعية وهو في حرم جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهذا صفوان بن يحيى يحدث قائلا:

حين مضى موسى الكاظم (عليه السّلام) وقام ولده من بعده أبو الحسن الرضا (عليه السّلام) وتكلم خفنا عليه.. وقلنا له إنك أظهرت أمرا عظيما.. وإنا نخاف عليك من تلك الطاغية.. يعني هارون العباسي.

فقال (عليه السّلام): ليجهدن جهده، فلا سبيل له علي[2].

ورغم الدسائس من قبل الأزلام الملاعين الذين ﻻ عمل لهم إلا الكذب والافتراء والتدليس وتمسيح الجوخ على الحاكم وتحسين أعمالهم مهما بلغت من الكفر والطغيان.. وهذا خالد بن يحيى البرمكي قال لهارون العباسي:

هذا علي بن موسى الرضا قد تقدم وادعى الأمر لنفسه.

فقال هارون: يكفينا ما صنعنا بأبيه.. تريد أن نقتلهم جميعا[3].

وهكذا ابتليت الأمة بمثل هؤلاء الحكام.. وابتلت الأئمة (عليهم السلام) بمثل هذه الأمة وبمثل هؤلاء الحكام الفجرة..

إلا أن الحكومة فقدت شرعيتها وسقطت هيبتها من عيون الأمة.. وهذا يعني أنها فقدت مبرر وجودها.. وهذا إيذان بسقوطها واضمحلالها. إلا أن يسعفها رجل قوي طاغية وذكي داهية.. يمكنه العمل على إعادة شيء مما فقدته حكومته المتصدعة.

وهذا ما رآه بنفسه عبد الله المأمون العباسي.. فأعلن خلع أخيه محمّد الأمين.. وحاربه وقتله به حتى علق رأسه على باب قصره.. ونصب نفسه حاكما جديدا على الدولة الإسلامية.. ونقل العاصمة من بغداد إلى (مرو) بخراسان.. حيث كان له بعض المؤيدين والناصرين من الفرس والأتراك.. فعمل أعمالا تنم عن خبث ودهاء عميقين..

1: إغداق الأموال على القادة والرؤساء وتقريبهم.. وكذلك تخفيف العبء عن الأمة الإسلامية من أجل التخفيف من تأججها وغليانها.

2: الضرب على أيدي  العرب عامة والعباسيين خاصة لإظهار أنه من أهل العدل والصلاح ولا يهتم بشأن القرابة والأنساب..

3: تقريب العلويين بشكل عام ومعاملتهم معاملة حسنة وبسعة صدر وانفتاح وارتياح أمام أنظار العامة لخدع الناس، وبحقد وانتظار الفرصة للتنكيل بهم في دخيلة نفسه الخبيثة.

4: المراقبة الدائمة على إمام الأمة الإسلامية وشرفها العالي ونورها اللامع، وهو الإمام علي الرضا (عليه السّلام)، فأرسل إليه واستدعاه إلى خراسان معززا مكرما واستقبله استقبالا عظيما وعرض عليه تسليم الحكم فورا - وهو ينوي في قلبه قتل الامام - فقال:

يابن عم.. يابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تفضل أنت أحق بهذا الأمر مني..

وهل تنطلي مثل هذه الكلمات المعسولة على الإمام الرضا (عليه السّلام).. وأين يمكن ذلك أبدا، فرفضها الإمام رفضا قاطعا لأنه يعلم أنها كلمة حق أريد بها باطل.. وما اراد المأمون بهذا العرض وجه الله أبدا.. ولكن هيهات وأنى له ذلك..؟

وبعد أن اصر الإمام الرضا (عليه السّلام) على الرفض.. أجبره على قبول ولاية العهد وقال انه ﻻ يرضى أعذارا أبدا، فقبل الإمام الرضا (عليه السّلام) هذا العرض ولكن بشروط هو حددها تتمثل في أن ﻻ يتدخل في شؤون الحكومة أبدا.. وبهذا أظهر للناس أنه كاره لهذا المنصب ومجبور عليه.. فلم يتمكن المأمون ان يأخذ من الإمام الشرعية لحكومته الظالمة.

5: وقد عمل مناورة عن الأمة بشكل عام - غاية الخبث والدهاء - وهي أنه شغلها ببعض الأمور العلمية والثقافية والترجمة والتأليف وغيرها فشغلت الأمة فترة طويلة من الزمن.. وفسح المجال لأهل الباطل فكثرت الزنادقة والملاحدة والفلاسفة والمتصوفة ومن كان يرى نفسه فقيها.. وراح يجمعهم ويدير حلقات البحث ويوقع كل منهم بالآخر فيؤيد هذا تارة ويصوب رأي ذاك أخرى..

وتخرج الجموع وتلهي الأمة عماهم فيه.. ولكن الامام استفاد من هذه المناظرات الكبيرة والطويلة فنشر التعاليم الاسلامية الصحيحة ومعارف أهل البيت (عليهم السلام) فظهر علم الإمام وحقانيته على الجميع مما اضطر المأمون ان يدس السم اليه..

ولكن ماذا كان يريد أن يستفيد عبد الله المأمون من هذه الأعمال الذكية كالتظاهر بالتقرب الى الإمام:

1: إرساء قواعد حكمه حين وجد أنصارا أقوياء.

2: إبعاد العباسيين الطامعين والحاقدين عليه نتيجة قتل أخيه إلى حد ما والتخفيف من ضغوطهم عليه.. والتحرر من العنجهية العربية وجهالهم ومشاغبيهم إذ لم يلق إليهم بالا ولم يراع لهم أحوالا.

3: تقريب العلويين ليخفف من ثوراتهم ويهدأ من روعهم وطلب ثاراتهم بمن قتلوا من آبائهم وإخوانهم من قبل آبائه الجبابرة..

4: ولاية العهد للإمام الرضا (عليه السّلام) كانت لإضفاء الشرعية على حكمه وربما لكسب البعيدين والبسطاء من شيعة الإمام.. أما أصحاب البصائر النافذة والمتصلين بالأئمة (عليهم السلام).. عرفوا مكره ودهاءه.

إذ كيف لأمير أن يكلف رجلا - بولاية العهد وهو يكبره ﻻ اقل من عشرين عاما..؟ ومن خارج أسرته.. وممن كانوا.. ولا يزالوا، يعتبرهم من ألد أعدائه.. كيف..؟ وأسئلة كثيرة ترد حول هذه القضية.

ومبررات الإمام الرضا(عليه السّلام) أكثر وأجمل: إلا أن الإسهاب له مورد آخر إن شاء الله.. ولكن بإمكان - القارئ الكريم - أن يستفيد الكثير من خلال الكتاب لحل هذه المسائل والمعضلات..

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] - الكامل في التاريخ: ج 6 ص 263.

[2] - الفصول المهمة لابن صباغ ص 245.

[3] - المصدر السابق.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page