طباعة

المراحل الأخيرة من حياة الإمام الرضا ثم وفاته

المراحل الأخيرة من حياة الإمام الرضا ثم وفاته

 

 

روي عن موسى بن مهران قال: رأيت علي بن موسى الرضا علیه السلام في مسجد المدينة وهارون يخطب فقال: أترونني وإيّاه ندفن في بيت واحد[1].

وروى محمد بن علي ماجيلويه (رض) قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن عبد السلام بن صالح الهروي قال سمعت الإمام الرضا علیه السلام يقول: إنّي سأقتل

بالسمِّ مظلوماً وأقبر إلى جنب هارون، ويجعل الله تربتي مختلف شيعتي وأهل محبّتي، فمن زارني في غربتي وجبت لـه زيارتي يوم القيامة، والذي أكرم محمداً بالنبوّة لا يصلي أحدكم عند قبري ركعتين إلا استحقّ المغرفة من الله تعالى يوم يلقاه، والذي أكرمنا بعد محمد (ص) بالإمامة وخصّنا بالوصيّة: إن زوّار قبري لأكرمَ الوفود على الله يوم القيامة، وما من مؤمن ٍ يزورني فيصيب وجهه قطرة من الماء إلا حرّم الله جسده على النار.

وروي عن محمد بن أبي عباد أن الإمام الرضا علیه السلام كان يكتب لإبنه الجواد بكنيته وهو صبي في المدينة تعظيماً له، وسَمعتُه علیه السلام يقول:

« أبو جعفر وصييّ وخليفتي في أهلي من بعدي »[2].

وقد ذكر الخشّاب في التأريخ ص193: أنّ للإمام الرضا علیه السلام خمسة أولاد وبنتاً واحدة ً. والأولاد هم 1 ـ محمد الجواد ( أبو جعفر الثاني ). 2 ـ أبو محمد الحسن.    3 ـ جعفر. 4 ـ إبراهيم. 5 ـ الحسن. 6 ـ بنته الوحيده عائشه[3].

وأما وصيته بالإمامة على ولده أبي جعفر محمد الجواد عليهما السلام فقد روى نصّها علي بن جعفر بن محمد الصادق علیه السلام وصفوان بن يحيى ومعمّر بن خلاد والحسين بن بشّار وابن أبي نصر البيزنطي والحسن بن الجهم وابن قياما الواسطي وأبو يحيى الصنعاني ويحيى بن حبيب الزيّات وكثير غيرهم.

روي عن صفوان بن يحيى قال: قلت للإمام الرضا علیه السلام: كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول: يهب الله لي غلاماً، وقد وهبه الله لكَ، وأقرّ عيوننا به، فلا أرانا الله يومك، فإن كان فإلى مَنْ ؟

فأشار الإمام الرضا علیه السلام بيده إلى أبي جعفر ولده وهو قائم بين يديه. فقلت لـه: جُعلت فداكَ هذا إبنُ ثلاث سنين ؟ قال علیه السلام: وما يضرّه من ذلك، فقد قام عيسى بن مريم علیه السلام بالحُجّة وهو إبنُ أقل من ثلاث سنين.

وكان الإمام الرضا علیه السلام يكثر من وعظ المأمون إذا خلا به ويخوّفه من الله ويقبّح له ما يرتكبه من خلاف ذلك، فكان المأمون يُظهر للإمام قبولـه لنصحه ويبطن لـه الخبث والوقيعة، كما وان الرضا علیه السلام حذر المأمون من بطانة السوء الذين يحيطون به ويزييّنون لـه ظلم العباد ومنهم الحسن والفضل ابني سهل فيوصيه بعدم الإصغاء لهما لكونهما يذكران للمأمون ما يخوّفه من الناس ويبعده عنهم.

ثم أقدم المأمون على سقي الإمام الرضا علیه السلام السم بيده ولم يلبث الإمام عليه السلام إلا يومين ثم انتقل إلى جوار ربّه شاكياً لـه ظلم الطغاة وبغضهم لآل محمد. ويذكر أبو الصلت الهروي كيفية استشهاد الإمام وحضور ولده الجواد بطريقة إعجازيه  من المدينة ودخوله على أبيه ليتولى تجهيزه ـ لأن الإمام لا يلي تجهيزه إلا إمام ـ كما سبق لآبائه عليهم السلام.

ولما استشهد الإمام الرضا علیه السلام في يوم الجمعة الموافق التاسع والعشرين من شهر صفر سنة 203| مئتان وثلاث للهجرة، وبالرغم من تفاوت الرواة في تحديدها، كما ورد الإختلاف في يوم ولادته[4]  .

وباستشهاده انطوت صفحة من الجهاد والصبر والمعاجز ليفتح هذه الصفحة نجم آخر من نجوم الإمامة وهو الإمام التاسع أبي جعفر محمد الجواد عليه وعلى آبائه السلام ليشرق من جديد جهاد أبيه وأئمة الهدى عليهم السلام.

ولما استشهد الإمام الرضا علیه السلام كتم المأمون نبأ شهادته يوماً وليله، ثم أنفذ إلى محمد بن جعفر الصادق وجماعة من آل أبي طالب ونعاهُ إليهم وبكى وأظهر حزناً شديداً وأراهم جسد الإمام ليوهمهم أنّهُ مات حتف أنفه دون أن يُصاب بأذى ثم قال وهو حزينٌ ظاهراً: يعزُّ عليّ يا أخي أن أراك في هذه الحال وقد كنت أود أن يكون يومي قبلك، فأبى الله إلا ما أراد، ثم خرج مع جنازة الإمام يحملها مع غيرة حتى إنتهى إلى موضع قبره الذي هو دار حميد بن قحطبه في قرية سناباد بأرض طوس التي دفن فيها أبوه الرشيد.

بعد أن أظهر الإمام الرضا علیه السلام من المعاجز ومحاججة الخصوم ما أبرزَ للإمامة دورها الريادي الذي اعترف به الخصوم والأصحاب بعد أن نصّ على إمامة ولده الجواد. فسلام على بدر الإمامة الثامن يوم ولِد ويوم أستشهد ويوم يبعث حيّا وعلى جدّه المصطفى وأمّه البتول وآبائه الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.


 

[3] ـ ص109 / تأريخ أهل البيت، تحقيق الحسيني.

[4] ـ ج2 ص341 / سيرة الأئمة الإثني عشر، للحسني.