طباعة

أصحاب الإمام وما دار في عصره

أصحاب الإمام وما دار في عصره

 

 

يتميّز عصرُ الإمام الرضا علیه السلام باختلاف البيت الحاكم ووقوع السيف بين أفراده، إلى جنب هذه الخلافات قام الثائرون العلويّون وشيعتهم بجملة من الإنتفاضات التي أخذت مساحة واسعة من تفكير السلطة والتخطيط لإخمادها ومنها تقريب الإمام الرضا واستدعاؤه من المدينة ليكون ولياً للعهد ببيعة علنية على رؤوس الأشهاد.. ثم ظهور الثقافات المختلفة كالفلسفه اليونانيه والانحرافات العقائديه ودخول طوائف من النصارى ضمن المسلمين وهم يحملون خلفيات هدّامه للإسلام ورجاله كما فعلوا في عهد الرسول (ص) وفي زمن أبي بكر وعمر واستغلال معاوية لهم لغرض البث المعادي والتحريف واختلاف الأحاديث زوراً على الرسول (ص) لخدمة السلطه فهذه الخلفيات ألقت بظلالها على عصر الإمام الرضا علیه السلام.

وقد تغلغل النفوذ النصراني والتركي وأصبح لهما أثرهما في قرارات وسياسة البلاط الحاكم بالجوار إلى جنب مشكلة الواقفيه وتنكرهم لموت الإمام الكاظم علیه السلام وأنّه لم يوص ِ للرضا . فجلس الإمام الرضا قبل مجيئه إلى خراسان في مسجد جدّه (ص) والتفّ الناس حولـه ونقلت أخباره إلى المأمون فقرر استدعاؤه بمكيدةٍ يعرف الإمام علیه السلامأبعادها ونتائجها.

ونتيجة جهد الإمام ومواجهته لكل هذه التيّارات العاصفه في جسم التشيّع بدأ الإمام بنشاطه الوعظي الإرشادي والسياسي. وتكوّن لديه جملة من الأصحاب الذين يحملون فكره ويبلغونه إلى المؤمنين بروح إيمانية وفق ما أمرهم الإمام علیه السلام به.

كما أنّ المأمون بتقريبه للإمام الرضا علیه السلام وإجباره على قبول ولاية العهد أراد أنْ يُشوّه صورة الإمام في نفوس شيعته بأنّ الإمام إذا يدّعي أن العباسيين غاصبون لحقّه فكيف يتقرب إلى بلاطهم. فحينما سئل الإمام عن قبوله لولاية العهد أجاب علیه السلام قائلاً لأحد الخوارج: قد علم الله كراهتي لها وقد خيّرت بينها وبين القتل واخترتها مجبراً ولي أسوةٌ بالأنبياء السابقين ومنهم يوسف علیه السلام وهو رسول ونبي. وقال لعزيز مصر إجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظ ٌ عليم، وحقق يوسف الإنتصار لـه ولأبويه ولعقيدته بعد هلاك الطغاة وهذا جواب للذين لا يدركون حكمة الإمام من قبول ولاية العهد بعد أن وضع شروطاً لقبولها فأجاب حينما سأله أحد الخوارج، وأمّا معاجزه أثناء مجيئه من المدينة إلى خراسان فهي أكثر من أن تحصى ومنها حديث السلسلة الذهبية المتواتر المتن والسند[1].

ومن معاجزه أنه نعى نفسه للمؤمنين حينما قرأ عليه دعبل الخزاعي تائيته الرائعة فأكملها الإمام الرضا علیه السلام ببيتين قائلاً:

 

وقبرٌ بطوس ٍ يالهـا من مصيبةٍ          ألحّتْ على الأحشاء بالزفراتِ

إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً          يفـرّجُ عنّـا الغــمّ  والكـربـاتِ

وقد ورد في سيرة الأئمة الإثني عشر عن أقوال أصحاب الإمام لـه بعدم الجهد في مخالفته للسلطة العباسية الجائرة، وخصوصاً الذين عاشوا مرارة الألم وشاهدوا ما حلّ بأبيه الكاظم علیه السلام على يد ا لطاغية الرشيد ونقله من سجن ٍ إلى سجن حتى استشهدَ مسموماً، وطلبوا من الإمام الرضا أن يحتاط لنفسه، وشيعته يحاولون لحرصهم عليه إبعاده عن مواطن الخطر.

ولكن الإمام الرضا أجابهم إجابة المطمئن إنّ الرشيد وبطانته لن يصلوا إليه بسوء. وهذا الجواب له علیه السلام يحمل جانبين الأول: جانب الإصرار وتحدّي الطغاة وأن  العقيدة تحتاج إلى تضحية وهي سيرة آبائه عليهم السلام. والثاني اختصاص الأئمة عليهم السلام بعلم ٍ خاص يتناسب وضخامة الإمامه التي يحملون أ فكارها وهو العلم بمصيرهم ونتيجة حياتهم كما أخبروا بذلك أصحابهم ومنهم الإمام الرضا علیه السلام.

فقد روى أبو عمر الكشي والكليني في الكافي عن صفوان بن يحيى: أنّهُ بعد وفاة الإمام الكاظم وقيام الإمام الرضا بمهام الإمامة خاف عليه شيعته، وقالوا لـه: إنّكَ

أظهرت أمراً عظيماً، وإنّا نخاف عليك من هذا الطاغية. فقال علیه السلام بلغة المطمئن: فليجهد جهده فلا سبيل له علي[2].

وجاء في روضة الكافي عن محمد بن سنان قال: قلت لأبي الحسن الرضا علیه السلام: إنّكَ قد شهرت نفسكَ بهذا الأمر وجلست مجلس أبيك وسيف هارون يقطر دماً. فقال الإمام علیه السلام: جرّأني على ذلك ما قاله جدّي رسول الله (ص) لأصحابه: إن أخذ أبو جهل شعرة من رأسي فاشهدوا بأني لست نبيّاً، وأنا أقول لكم إن أخذ َ هارون شعرة من رأسي فأنا لستُ بإمام. وقال لـه علي بن حمزة: أما تخاف هؤلاء على نفسك ؟  فقال علیه السلام: لو خفت عليها لكنت عليها معيناً، فإن خُدشتُ خدشة ً من هارون فأنا لست بإمام.

وقد روى عن الإمام الرضا علیه السلام جملة من أصحابه وأصحاب أبيه (ع): منهم: أحمد بن محمد بن أبي نصر البيزنطي وكان من ثقاة أصحابه، وقال أبو عمر الكشي بشانه لقد أجمع الأصحاب وأقرّوا له بالفقه، وأنّهُ أخذ عن الإمام الرضا وولده الجواد علیه السلام، وكان عظيم المنزلة عندهما.

ومن أصحابه إبراهيم بن محمد الأشعري وقد روى وألّف ومن مروياته عن الإمام الرضا والجواد عليهما السلام أنْ ألّفَ كتاباً اشترك فيه مع أخيه الفضل بن محمد الأشعري كما ذكروا في كتاب الإتقان وكذلك الحسين بن بشار فقد روي عن الإمام الرضا وعن أبيه عليهما السلام. ومن رواته علیه السلام أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري شيخ قم ووجيهها وفقيهها، وقد ألّفَ كتباً عن الإمام الرضا علیه السلام وقد أدرك الجواد والهادي عليهما السلام وروى عنهما.

وكذلك الحسن بن محبوب السراد: كما أنه أدرك ستين رجلا ً من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام وروى عنهم، وقد عدّهُ المؤلفون من أصحاب الإجماع الذين أقرّوا لـه بالفقه والعلم ومنهم عبد الله بن طاووس الذي أخذ عن الإمام الرضا وعن ولده الجواد عليهما السلام ومن رواة الإمام الثقاة أحمد بن عمر الحلبي.

ومن خواصه سلام الله عليه ورواة أحاديثه علي بن عبيد الله بن الحسين علیه السلام. وكان أزهد آل أبي طالب كما جاء في الإتقان وكان من أعبدهم. ولِسعةِ علم الإمام الرضا علیه السلام وأنه من شجرة العلم الذين أودع الله فيهم من نوره وعلمه، فقد روى عنه جمع كثير من شيعته وأصحابه، كما روى الخطيب في تأريخه والثعلبي في تفسيره والسمعاني في رسالته وابن المعتز وأبي الصلت الهروي وغيرهم ممن لا يسعهم الحصر. دلالة على علم آل محمد وأنّهم حُجج الله على عباده وحُماة شريعته    ووحيه[3].


 

[1] ـ ج2 ص132 / عيون أخبار الرضا باب 37.

[2]  ـ ج2 ص369 / سيرة الأئمة الإثني عشر، للحسني.

[3] ـ ج2 ص419 / سيرة الأئمة الإثني عشر، للحسني.