اقطاب الواقفة ودوافعهم
إنّ أوّل الذين أظهروا فكرة الوقفِ على الإمام موسى بن جعفر علیه السلام هم جماعة من أعيان أصحابه المقرّبين، وقد عهد إليهم بجباية الأخماس من شيعته فاجتمعت لديهم مبالغ طائلة منها، وخصوصاً في الشطر الأخير من حياة الإمام الكاظم علیه السلام وهو في غياهب السجون. ولمّا استشهد في سجن السندي طالبهم الإمام الرضا بما لديهم فغررت بهم نفوسهم إلى حُبّ الدنيا والاستئثار بالحقوق، وأنكروا موت الإمام الكاظم علیه السلام وادعى بعضهم أنّه يرجع بعد غيبته كما رجع موسى بن عمران والدافع وراء كل هذا هو التجاوز على الأموال والحقوق التي لديهم وجمعوها من الناس حقوقاً للإمام علیه السلام وكما من أبرزهم أبو حمزه البطائني ولديه ثلاثون ألف دينار من الحقوق، وزياد بن مروان القندي ولديه سبعون ألف دينار، وعثمان بن عيسى الرواسي ولديه ثلاثون ألف دينار وست جوارٍ. وقد روى أحمد بن حمّاد، أنّ عثمان بن عيسى كان في مصر وعنده للإمام مال كثير وجواري. فبعث إليه الإمام الرضا بتسليم الحقوق والجواري، فكتب إلى الإمام الرضا: إنّ أباك لم يمت. فردّ عليه الإمام: لقد تأكدنا من موته واقتسمنا إرثه بناء على ذلك.
ثم كتب إليه عثمان الرواسي إن أباك لم يمت وإن مات فليس لك من ذلك شيء ولم يأمرني بدفع شيء إليك، وقد أعتقت الجواري وتزوجن، أمّا علي بن حمزه البطائني وزياد بن القندي فقد أنكرا وجود أي مال للإمام عندهما. ولكن محاورتهما مع يونس بن عبد الرحمن لكي يكون واقفياً يؤكد اغتصابهما للمبالغ الضخمة التي بحوزتهما وينطبق عليهم قول أبي الأحرار ( والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه مادرّت به معائشهم ).
وبعد مناظرات عديدة بين الإمام الرضا علیه السلام وأصحاب الواقفة رجع عددٌ كبيرٌ منهم و بقى البطائني وجماعة غيره، وقد لعنهم الإمام ووصفهم بالإلحاد والزندقة. فقد روى عنه علیه السلام سليمان الجعفري حينما سُئل الإمام الرضا علیه السلام عنهم قال:
ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتّلوا تقتيلا سنة الله في الذين خلوا من قبل، ولن تجد لسنّة الله تبديلا.
وقد قال الإمام علیه السلام ليوسف بن يعقوب: لا تعطهم من الزكاة فإنّهم كفّارٌ مشركون وأنهم يعيشون حيارى ويموتون زنادقه.
وقال علیه السلام في موقف آخر: إن الواقفه والنُصّاب ـ أي الذين ناصبوا آل محمد العداء ـ بمنزلة واحدة ليسوا من المسلمين ولا من المؤمنين كما روى يحيى بن المبارك ومنهم جماعة من المُندسين بين أصحاب الإمام بوحي من الحكام ومن المشعوذين والمخرّبين ومنهم ممن انحرف كالحسن بن قياما الصيرفي وزرعه بن محمد الحضرمي وغيرهم.