• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عندما تُقلب الحقائق

عندما تُقلب الحقائق

ليست جديدة عمليّات قلب الحقائق والوقائع التاريخية وحتى الأحداث الحاضرة أيضاً، فمنذ العهد الغابر جرت تلك العمليات لصالح المنتفعين الذين لا يستطيعون العيش إلا من خلال التشويش على الآخرين وخلق أجواء مضطربة مشحونة بعوامل التشكيك وقلب الموازين، ويشير القرن الكريم إلى هذه الظاهرة بقوله عز وجل في سورة البقرة (فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم، فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون) آية 56. ولم تسلم الآيات والدلائل الربانية عن التحريف، وفي هذا الصدد يقول الباري تعالى (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم، وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرّفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) البقرة آية 75، وحتى على مستوى المعاملات البشريّة والعهود التي يقطعها البعض على أنفسهم، تجد البعض منهم سرعان ما يتملّص منها بمجرّد أنها لا تتفق ورغباته الشخصية (أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم، بل أكثرهم لا يؤمنون، ولما جاءهم رسول من عند الله مصدّق لما معهم، نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون) البقرة 100 - 101، هذه أمثلة لبعض آيات الذكر الحكيم والتي تعكس ظاهرة الانكفاء على الحقائق وقلب الموازين، من هنا فليس مستغرباً عند أصحاب الألباب حينما يصطدمون بأوراق التاريخ وأحداثه وهو يحدّثهم عن قصة غدير خم وكيف استطاع البعض أن يقلب الأحداث لصالح البعض الآخر في وقت يعتبر عند المتتبعين قياسي نسبياً، فما هي الأسباب والعوامل؟!!
العوامل والأسباب:

- أولاً: التفاوت في عالم الغيب والشهادة:
لدى كثير من الناس يعتبر الامتثال لأوامر القيادة في حضوره يختلف عن امتثالهم لها بعد غيابه، فعالم الشهادة والحضور عند عموم الناس ليس كمثل عالم الغيب، من هذا المنطلق فقد إذن لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أكثر من مرّة في تبليغ الناس الامتثال لولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) على أن يتخذوه أميراً عليهم من بعده، ولذلك دعت آية التبليغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالإشارة لهذا الموضوع في صيغة هي عند فقهاء الأصول دلالة على الوجوب لظهور الأمر بالوجوب في الآية الشريفة بقوله تعالى (يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك، وان لم تفعل فما بلّغت رسالته) المائدة / 67 ولاشك فإن تفاعل الجماهير لتنفيذ أوامر القيادة في حياتها يختلف عما هو عليه بعد غيابها خصوصاً لدى ضعاف النفوس والذين يبحثون عن أيّة ثغرة ينفذون بمصالحهم من خلالها، فليس من المستغرب أن ينساق المتمصلحين مع تيار الجماهير المبايعة للإمام علي (عليه السلام) في غدير خم أمام مرأى ومسمع قائدهم ثم سرعان ما ينكثوا بيعتهم بمجرد وفاة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله)، وكيف لا.. والتاريخ النبوي يشهد بأن الرسول قد عانى الكثير في إقناع بعض الصحابة بتنفيذ أوامر قد وجدوا في أنفسهم حرجاً منها، كالأمر بالحلق في منى وما شابه، فما هو المتوقّع إذاً بعد وفاته (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم) آل عمران / 144.

- ثانياً: الآفات النفسيّة:
تشكّل العوامل النفسية المنحرفة والطبيعة القاسية لدى بعض الأفراد عاملاً مساعداً لمرض قسوة القلب الذي بدوره يشجع صاحبه على مصارعة حقوق الآخرين والقفز على الحقائق وتغليب المصالح الشخصيّة الضيّقة وعدم الخضوع للحق كونه مخالفاً لهواه، وهو ما يعبّر عنه لدى فقهاء الأصول بعنوان (التجرّي) ولعلّ مرض قسوة القلب لدى بعض مَن حضر واقعة الغدير قاده إلى هضم حق الطرف الآخر، وقد أنكر البعض من هؤلاء تنصيب النبي (3) علياً أميراً على المسلمين قبل تفرق الناس عن الواقعة والموقع، فما هو موقفهم والحال هذه بعد مضي أشهر على الواقعة في الوقت الذي لا وجود فيه لشخص ومقام سيدنا رسول الله (3) بينهم فما كان إلا أن نزلت الآية الشريفة بقوله تعالى حول هذه الظاهرة (وإذ قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو آتنا بعذاب أليم) [سورة الأنفال: الآية 32].
بيد أن تعاليم السماء تثمر في القلوب اللينة كما تثمر الأشجار وتنمو في السهول المنبسطة والأراضي الخصبة وليس في الصخور الصلبة والجبال والوديان الوعرة. وليس مستغرباً أن يخضع البعض لقول الحق ساعة ثم سرعان ما ينكر ذلك بعد فترة وجيزة، والسبب في ذلك واضح راجع لخراب النفس وفسادها بعد ما كانت تتقبل الموعظة وذلك لطغيان الشهوات وإهمال التزكية المستمرة للنفس إذ أن النفس أمّارة بالسوء (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة، وانّ من الحجارة لمّا يتفجّر منه الأنهار، وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء، وان منها لما يهبط من خشية الله. وما الله بغافل عمّا تعملون) [سورة البقرة: الآية 74] ومن الآفات التي تقود صاحبها لتحطيم حقوق الآخرين وتجاوزها آفة الحسد الحاطمة، فجرثومة الحسد إذا اخترقت صدر الإنسان قد لا يشعر بها ولكنها تنمو وتكبر شيئاً فشيئاً في القلوب الضعيفة وتعشعش في النفوس الوضيعة حتى تسيطر على كافة القلب فتودي صاحبه وترديه في دار الدنيا والآخرة، ولا يخفى ما لأمير المؤمنين (عليه السلام) من حسّاد مبغضون في طول التاريخ وعرضه، وذلك لتفوّقه (عليه السلام) على نظرائه جميعاً وفي كافة الأصعدة والميادين، فبدلاً من أن يستفيد الآخرون من إمكانيّاته وإنجازاته (عليه السلام) راح ضعاف النفوس يبحثون عن فرص تمكنهم فيها من قلب الحقائق والوقائع على تلك الحقيقة في قول الباري عزّ مَن قائل (ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) [سورة البقرة: الآية 109].
ثالثاً: اتباع أسلوب تضليل الحقائق وكتمانها:
وهذا النوع من الأسلوب الملتوي ليس جديداً في تاريخ البشرية، وهذا ما يصطلح عليه بأسلوب تزييف الحقائق بحيث يراها الناس حقيقة وواقعاً في حين أنها معكوسة ومقلوبة تماماً، وعادة ما تمارسه هذه الأيام وسائل الإعلام المضللة والفضائيات العالميّة عادة (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم، وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرّفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) [سورة البقرة: الآية 75]، والمنافقون هم ابرز مَن يجيدون هذه الأدوار، فهم عادة ما يسطنعون للملأ دوامة من المشاكل ويفتشون عن ثغرة ينفذون من خلالها لتحريف الحقائق والوقائع الثابتة، كيف لا.. وقد رأينا بعضهم يقوم بتأويل باطل لكلمة (مولاه) الواردة في نص الغدير لغير المعنى الحقيقي الذي أراده قائله رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد كشف الباري تعالى أساليب هذه الفئة بقوله (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) [سورة آل عمران: الآية 7].
رابعاً: شراء الأقلام المأجورة:
وهناك طبقة من الناس يصنّفون على اعتبار مستأجرين لخدمة أسيادهم من أصحاب الرساميل والطبقات الأستقراطية، فهم عبيد لمن يملأ أفواههم بالدينار والدرهم، فإذا كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو باب علم مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلا يمنع أصحاب الأقلام المأجورة أن يجعلوا من حيطانها وأسقفها بل وحتى أسواقها لمن يدفع أكثر، انها البورصة التي قد تلاعب بها أمثال معاوية بن أبي سفيان كثيراً، والذي كان يغدق من أموال بيت مال المسلمين لهؤلاء بلا اكتراث منه للنيل من كرامة الإمام علي (عليه السلام) فوق رؤوس الاشهاد على منابر الجمعة لأكثر من عشرين عاماً متواصلة، وقد فضح الباري تعالى أمثال هؤلاء في القرآن الكريم بقوله (فويلٌ للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً، فويلٌ لهم مما كتبت أيديهم وويلُ لهم يكسبون) [سورة البقرة: الآية 79].

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page