• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الإمام المعارِض والمعارَض

الإمام المعارِض والمعارَض

علي عبد الرضا

ليس بإمكان أي باحث الإحاطة التامة بشخصية من شخصيات البيت النبوي أو الوقوف على الحقائق الواقعية التي سلكوها، والمواقف العديدة التي اتخذوها واصّروا عليها، ومن يجهد نفسه لمعرفة ناحية من حياتهم (عليهم السلام) فلا يفرغ حتى يجد نفسه في بداية طرق ومسالك كثيرة لا يمكن الولوج في أحدها دون التعرّج على الآخر.
فعموم البشر تتغلب فيهم خصلة أو خصلتان من الخصال التي ينبغي التطبع بها، ومن النادر ان تشاهد شخصاً يحمل خصالاً زادت على أصابع اليد. أما عندما يصل الدور إلى المعصومين (عليهم السلام) فإن العقول تتحيّر والألسن تخرس والأيدي تكل، وحتى الزمان يقف إجلالاً وإكباراً لما وصلت إليه هذه الذوات النادرة، فهم مجمع الصفات الحميدة، والخصال المجيدة، والمثال الأسمى، والنموذج الأرقى، لجميع المحاسن والفضائل، وليس عجباً ان تتجمّع فيهم الاضداد وتعزّ لهم الانداد، وصدق صفي الدين الحلي عندما قال في مدح عليٍ (عليه السلام):
فلهـــــذا عــــزّت لـــــك الانداد
فاتـــــكٌ نــــــاسك فـــقير جواد
وبـــــأس يـــــذوب منه الجماد  جمــــعت فـــي صفاتك الاضداد
زاهد حــــاكم حلـــــيم شــــجاع
خلــق يـخجل النسيم من اللطف
شيم ما جمعن في بشر قط ولا حاز مثلهن العباد
وما قيل فيه بعض الحقيقة، أما حقيقة عليٍ فلا يعرفها إلا الله ورسوله كما شهد بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما قال: (يا علي ما عرفك إلا الله وأنا..)، ولكن الشيء المتميّز في علي (عليه السلام) والذي نحن اليوم بأمس الحاجة إليه أسلوب علي (عليه السلام) في المعارضة، وتقبّل علي (عليه السلام) للمعارضة بما تحمل هذه الكلمات من معاني ودلالات ومفاهيم.
فأحقية علي (عليه السلام) بالخلافة وقربه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وامتلاكه الصفات الريادية و... لم تكن يوماً من الأيام مانعاً من التزامه بأخلاقيات المعارضة طوال السنوات الخمسة والعشرين التي قضاها معارضاً ولنقل حاكماً في الظلّ يراقب الأوضاع عن كثب، فغضبه لم يخرجه يوماً عن الحق، كما لم يدخله رضاه في باطل، فنصح بصدق، وقاطع بحزمٍ، ووقف أمام حملات التزييف ودعاة التحريف بشدّة، ليس حبّاً في جاه أو طمعاً في منصب وإنما اراد أن يكون البديل الحضاري المتكامل الذي ستحن إليه أمته والأمم القادمة بعد أن تفيق عن غفوتها وهكذا كان بعد اغتيال عثمان وهجوم الناس عليه للمبايعة.
وكونه (عليه السلام) معارضاً صلباً لا ينافي ان يكون في الوقت ذاته الملاذ الذي يأوي إليه الخلفاء لرد الشبهات ودحض الأباطيل وحلّ المعضلات، أو رسم الخطط العسكرية، وتحديد الأولويات الحكومية، وهذا ان دلّ على شيء إنما يدل على صدق معارضته وإخلاصه لعمله، وما أكثر المواقف والمواضع التي نادى فيها عمر قائلاً (لولا علي لهلك عمر) و (لا أبقاني الله لمعظلة ليس لها أبو الحسن) و (لا يفتينّ أحد في المجلس وعليٌ حاضر)(1).
مواقف الإمام (عليه السلام) ثابتة لا تتغيّر سواء كان في الحكم أو خارجاً عنه، وكيف يتغيّر من أراد ان يخطّ لنا طريقاً سوياً ومنهاجاً قويماً يبقى مدى الدهر حجة علينا معارضة كنّا أو حكّام. الإمام الذي لا يرى نفسه دائماً على حق وهو يعلم أنه على حق ومعصوم كيف يتصرّف مع الطرف الآخر، فاسحاً المجال أمامه لإبداء رأيه ومناقشة أفكاره أو نقدها بصورة لاذعة، انه يريد ان يعطينا صورة واقعيّة عن الحاكم المسلم وحق الطرف الآخر في معارضته ومحاسبته، وانّ الآراء والأفكار يجب ان تطرح في ساحة الحوار والمناقشة لبيان السقيم منها أو السليم.
والملفت للنظر ان بعض ممن كانوا معارضين ووصلوا إلى الحكم بقيت عندهم حالة المعارضة وعدم تقبّل الآخر ولم يكتفوا بهذا الحد بل نكلوا بمخالفيهم ومعارضيهم أشدّ التنكيل، في حين نشاهد الإمام (عليه السلام) أعطى صورة نقيّة للمعارض المتلزم والحاكم المنفتح على معارضيه، فهو يرى ان المعارضة حق طبيعي لكل فرد يرضاها لنفسه ويطلبها لغيره، وعندما كان في السلطة عمل على تركيز هذا المنهاج وتربيته وذهب إلى أبعد من ذلك عندما عفى وصفح عن الناكثين للبيعة والخارجين عن الطاعة.
فقد ذكرت كتب التاريخ ان (حرب الجمل) التي قادها طلحة والزبير وعائشة ضد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما انتهت ذهب الإمام (عليه السلام) عندها في جولة تفتيشية إلى بيت واسع قيل للإمام ان النساء قد اجتمعن فيه يبكين قتلاهن من الجيش المنهزم وهنّ يسبّن الإمام (عليه السلام) وأصحابه، فدخل الإمام (عليه السلام) وقال لأصحابه: لا تتعرّضوا لهنّ وان سببن أمرائكم وشتمن أعراضكم، ولمّا رأت النسوة الإمام (عليه السلام)، قلن: هذا قاتل الأحبة! فقال (عليه السلام): لو كنتُ قاتل الأحبة لقتلتُ مَن في هذه الغرف. وإذا بالنساء يسكتن فجأة وكأن على رؤوسهنّ الطير.
فتعجب الناس من ذلك! ماذا قال الإمام (عليه السلام)؟ وما الذي دعا بهذه النسوة إلى السكوت؟
وبعد ذلك انكشف الأمر لأصحاب علي (عليه السلام) حيث عرفوا ان رؤوساء الجيش المنهزم كانوا قد اختفوا في تلك الغرف، وان النساء قد اجتمعن هناك للتعمية والتضليل، ولمّا أشار الإمام للموضوع خفنَ وسكتنَ!!(2).

-------------------------------------------------------------------------
1 - شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 1 / 18.
2 - السبيل إلى إنهاض المسلمين: ط 2 ص 208.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page