للعقيدة أنصار
الشيخ هادي الكربلائي
في الحياة كما في التاريخ أسماء بارزة ونجوم مضيئة لمعت على صفحات الخلود، ودونت لها تاريخاً ناصعاً بأحرف واثقة ونوايا مخلصة في سجلات العظماء والخالدين.
ومن الشخصيات التي إنتزعت الإعجاب من فم الخلود، وتركت دوياً بمسامع الدنيا، تلك التي انصهرت في كيان سيد الشهداء - الإمام الحسين (عليه السلام) - مساهمة بطريق أو بآخر في حمل راية الثورة على البغي والباطل بما قدمت من جهد وتضحية وانتماء عبر قنواتها ووسائل تعبيرها المختلفة.
هكذا بدأ صاحب معجم الخطباء ترجمة أمير المنبر الحسيني الخطيب الكبير المرحوم الشيخ هادي الخفاجي الكربلائي (رضوان الله عليه). فكان (رحمه الله) مدرسة مستقلة في الخطابة الحسينية، منفرد بأسلوبه النائح، متميز بصوته الشجي، وكان يتوقد جمراً ويحترق أساً ولوعة، والذي انتزع أنهاراً من الدموع الحارقة، والعبرات الساخنة من محاجر المؤمنين طيلة أكثر من خمسين عاماً، فهو أحد الأقطاب الهامة والأركان في الدور الفاعل لخدمة المنبر الحسيني الشريف.
وكان قلبه مليئاً بالحب والولاء والإخلاص لأهل البيت (عليهم السلام)، فعندما تستمع إلى أشرطته فضلاً عن الحظور في مجالسه ترى أن كلامه نابع من القلب فيسطر على آفاقك ويأخذك إلى عالم الطهر والولاء والمحبة لأهل البيت (عليهم السلام) وترى دموعك تأخذ مجراها من دون سيطرتك عليها، ولا تحس في مجالسه بالملل أبداً، وترى الناس يتفاعلون مع مجالسه سيما في شهري محرم وصفر إلى حد الإغماء، من شدّة الحزن والبكاء على مصاب سيد الشهداء (عليه السلام).
وطالما كان يردد:
حاشــاك في يوم الجزا تنساني
وابـــن البتولة خيرة النسواني مــازال يلهج في عزاك لساني
يا ابـن النبي المصطفى ووصيه
واقتصر الشيخ المترجم في ممارسة خطابته على كربلاء المقدسة حصراً فلم يغادرها ولم يخطب في أي بلد آخر برغم الإلحاح المتواصل والاغرآت الكبيرة إلا أنه جاور الإمام الحسين (عليه السلام) حياً وميتاً فلم يفارق كربلاء المقدسة أرض البطولة والفداء والعلم والعلماء إلا سفرة حج واجبة.
ولبث فيها وعاش على ترابها المقدس وفي أرضها الطاهرة هائماً بحب الحسين (عليه السلام) حتى وافته المنية واخترمه القدر المحتوم بتاريخ 4 / 1 / 1992 م في شهر جمادى الآخر من عام 1412 هـ فرقد في وادي كربلاء آمناً مطمئناً سعيداً إلى جوار سيد شهداء أهل الجنة بعد أن شيعته الجماهير الغفيرة بالدموع والحسرات من داره بمحلة باب بغداد وجددت العهد به الروضتين المقدستين لأبي عبد الله الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام) إلى مثواه الأخير في روح وريحان إلى جوار سيد شباب أهل الجنة.
وقد رثاه الأديب الباحث السيد سلمان آل طعمة بأبيات منها:
مــــازال فـــــي العليا يلوح ويلمع
يشــدو ومــــجدك بــــالثنا متضوع أخطيب أرض الطف نـــجمك ثــاقب
أسفاً عليك وكنـــت بـلبــــل روضة