ونحن. هل نملك تاريخاً!!
ونحن أمة.. لكننا لا نملك تاريخاً ـ وأقصد بذلك كتب التاريخ ـ نستطيع أن نستفيد منه الكثير في هذا المضمار، لأن أكثر ما كتب لنا منه تتحكم فيه النظرة الضيقة، والهوى المذهبي، والتزلف للحكام، وأقصد ب «النظرة الضيقة» عملية ملاحظة الحدث منفصلاً عن جذوره وأسبابه التي تلقي الضوء الكاشف على حقيقته واقعه.
نعم.. إننا بمرارة ـ لا نملك تاريخاً نستطيع أن نستفيد منه الكثير، لأن المسيرة قد انحرفت، والأهواء قد لعبت لعبتها(1) وأثرت أثرها المقيت البغيض، حتى في تدوين التاريخ نفسه. وإنه لمما يدمي قلوبنا، ويملأ نفوسنا أسى وألما، أن نكون قد فقدنا تاريخنا، ودفناه تحت ركام من الأنانيات. والعصبيات، والأطماع الرخيصة، حتى لم يبق منه سوى الرسوم الشوهاء، والذكريات الشجية.
ومرة أخرى أقول: إن كل ما لدينا هو ـ فقط ـ تاريخ الحكام والسلاطين، الذين تعاقبوا على كراسي الحكم، وحتى تاريخ الحكام هذا، رأيناه مشوهاً، وممسوخاً، حيث لم يستطع أن يعكس بأمانة وحيدة الصورة الحقيقية لحياة أولئك الحكام، وأعمالهم وتصرفاتهم. وما ذلك إلا لأن المؤرخين لم يكونوا أحراراً في كتابتهم للتاريخ، بل كانوا يؤرخون ويكتبون حسب ما يريده الحكام أنفسهم، ويخدم مصالحهم.
إما رهبة من هؤلاء الحكام، أو رغبة، أو تعصباً لمذهب، أو لغيره. ومن هنا.. فليس من الغريب جداً أن نرى المؤرخ يعتني بأمور تافهة وحقيرة، فيسهب القول في وصف مجلس شراب، أو منادمة، حتى لا يفوته شيء منه، أو يختلق ويفتعل أحداثاً لم يكن لها وجود إلا في عالم الخيالات والأوهام، أو يتكلم عن أشخاص لم يكن لهم شأن يذكر، بل قد لا يكون لهم وجود أصلاً.. بينما نراه في نفس الوقت يهمل بالكلية شخصيات لها مكانتها، وخطرها في التاريخ، أو يحاول تجاهل الدور الذي لعبته فيه.. ويهمل أو يشوه أحداثاً ذات أهمية كبرى.
صدرت من الحاكم نفسه، أو من غيره. ومن بينها ما كان له دور هام في حياة الأمة، ومستقبلها، وأثر كبير في تغيير مسيرة التاريخ، أو يحيطها ـ لسبب أو لآخر ـ بستار من الكتمان، والإبهام.
____________
(1) ومن أراد أن يعرف المزيد عن ذلك، فليراجع: النصائح الكافية لمن يتولى معاوية من ص 72 إلى ص 79 والغدير ج 5 ص 208 إلى ص 378، و ج 11 من ص 71، إلى ص 103، و ج 9 من ص 218 إلى آخر المجلد، وغير ذلك من مجلدات هذا الكتاب وصفحاته والإحتجاج للطبرسي، وخمسون ومئة صحابي مختلق للعسكري، وغير ذلك كثير.